اللصيمة وجبة من التراث

 

اللصيمة وجبة من التراث
عجر البطيخ وخبز الملة هما العنصران الأساسيان في وجبة شعبية مشهورة في جنوب فلسطين وسيناء.. حتى أصبحت هذه الوجبة تحظى بشعبية واسعة لدى عامة الناس، وصارت جزء من التراث الشعبي.. 

المكونات الأساسية لهذه الوجبة هي عجر البطيخ الذي يتم شوائه في نار الحطب حتى ينضج ثم يقشر وينظف، وخبز القمح الذي يتم طهيه في جمر الحطب حتى ينضج، ثم يقسم هذا الثريد الخبز ويضاف إليه العجر المشوي ويخلط مع بعضه، في وعاء مفلطح يسمى الباطية أو الزبدية المقعرة حجم كبير، ثم يضاف لها التوابل والملح وزيت الزيتون والفلفل الأخضر البلدي والبندورة، هذه هي المكونات والاضافات الأساسية لهذه الوجبة، لكن كثير من الناس أراد أن يضفي عليها لمسة تطويرية بأن أضاف معها باذنجان مشوي أو يقطين مشوي من أجل زيادة حجم الوجبة، فهي أقرب ما تكون لسلطة الخضار أو التبولة، ويكون لها شهرة موسمية تراثية تنشط في شهر مايو/آيار من كل عام.

أصل هذه الوجبة ومنشأها:

ظهرت هذه الوجبة في مناطق البادية الصحراوية المتاخمة لمنطقة الساحل، وخاصة في التجمعات البدوية التي يشتهر عندها موسم زراعة المقاثي وهي النباتات البعلية التي تعتمد على مياه الأمطار التي احتفظت فيها التربة التي تسمح بذلك، وهي عادة تربة صفراء تحتوي على التربة التي تنقلها مياه الأمطار من الجبال أثناء فصل الشتاء وترسبها في الأحواض الدنيا لمصباتها التي تكون عادة قريبة من السواحل وهي مصبات الأودية والمناطق المنخفضة، وتحتفظ هذه التربة بالرطوبة، مما يجعلها صالحة لزراعة القثاء مثل البطيخ البلدي والبندورة واليقطين والبامية واللوبياء والخيار والكوسا وتحتاج هذه النباتات إلى قطرات الندى بعد نهاية موسم المطر، وإلى درجة حرارة معتدلة.. وفي هذه الفترة الموسمية الواقعة في فصل الربيع يحتفل البدوي بها لتوفر الرعي اضافة إلى توفر بعض الخضار التي يعتمد عليها كغذاء رئيسي له ولما يمتلكه من دواب..

في هذه البيئة ظهرت ونشأت هذه الوجبة، لأن أهل هذه المناطق يعتمدون على الحطب كوقود أساسي لطهي طعامهم، كما أنهم يبدأون رحلة موسمية للتمركز في مناطق الرعي والربيع ووفرة الغذاء لممارسة نوع معين من الزراعة التي هي الزراعة البعلية التي لا تعتمد على الري، ومن هنا ظهرت بعض أنواع من الوجبات الغذائية التي لا تأخذ وقتا في التجهيز ..

أسماء الوجبة والأصل اللغوي لها:

1- (الْقُرْصَةُ) مِنَ الْخُبْزِ وَجَمْعُ الْقُرْصَةِ..[مختار الصحاح، الرازي اللغوي، ص251]، وقال الفراهيدي: والقُرْصُ من الخبز وشبهه، والجميع القِرَصة، والواحدة الصغيرة قُرْصةٌ، والتذكير أعم.[ معجم العين، الفراهيدي المتوفي سنة 170هـ، ج5، ص61].

2- عجر البطيخ: كلمة عجر في اللغة هي تعني الشيء الغليظ والصلب، العُجْرَةُ بالضم: العُقْدة في الخشب[ الصحاح تاج اللغة، الجوهري المتوفي سنة 393هـ، ج2، 737] إذا عجر البطيخ هو الثمر الغير ناضج، وقال الزبيدي: (والعَجَاجِيرُ: كُتَل العَجِينِ) يُقَطَّعُ على الخِوانِ قبلَ أَن يُبْسَطَ، وَهُوَ المُشَنَّقُ أَيضاً، قَالَه ابنُ الأَعْرَابيّ، وَقَالَ غيرُه: العَجَاجِيرُ: كُتَلُ العَجِينِ تُلْقَى على النّارِ ثمَّ تُؤْكَلُ. [تاج العروس، الزبيدي المتوفي سنة  ١٢٠٥ هـ، ج12، ص535].

3- اللصيمة: هو الاسم الأكثر شهرة والذي يطلق على هذه الوجبة في الفترة الحالية، وأصلها مشتقة من لصّم أي امتنع عن السمع وعن الكلام، والصِمَّةُ والصِمُّ: من أسماء الأسد. ويقال: صَمامِ صَمامِ بمعنيَيْنِ، أي تَصامُّوا في السُّكُوت، واحمِلوا في الحَمْلةِ.وصم: الصَّمَمُ: ذَهابُ السَّمعِ، والاكتِنازُ في جَوْفِ القَنَا، والصَّلابةُ في الحَجَر، والشِّدَّةُ في الأمر، قاله الفراهيدي في معجم العين، ويستنتج من ذلك أن كلمة لصيم تعني التوقف عن العمل والاستجابة، ولذلك يقال لمن لا يستوعب الأمر لصم ولصيم، ولصيمة..

المظهر التراثي في هذه الوجبة:

يتفق الأصدقاء أو الأهل بالذهاب إلى الريف أو البر أو البحر أو أي موضع آخر في الطبيعة، ليتم الاشتراك في تجهيز الوجبة التراثية من شبة النار، وشواء القثاء وعمل القرصة "الملة" أو "اللبة" وتناول الطعام معاً، ودعوة الأصدقاء والأحبة لحضور ذلك وكأنها مأدبة غذاء نوعية، في أجواء من البهجة والفرح والسمر، وهم يعتبرونها وجبة غذائية فريدة وذات قيمة صحية ومفيدة للجسم، ثم يعدون مشروب الشاي أو القهوة بعد الغذاء..

تنتشر هذه الوجبة بشكل أساسي في سيناء وخاصة شمال سيناء وبشكل خاص منطقة العريش، وكذلك جنوب فلسطين..

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم