آداب الكلام عند العرب

آداب الكلام عند العرب
مَوْسُوعَةُ الْهُلًاْلِيُّ - يطيب لي في هذه المقالة أن أكتب للقارئ شيئاً مهماً عن أساسيات آداب الكلام والتخاطب عند عرب البوادي، حسب العوايد الموروثة عن السلف، وذلك بعد أن رأيت أن هذه الأمور بدأت تتلاشى والناس بدأوا يقلدون أساليب مستوردة ودخيلة، وشعرت بضرورة الكتابة عن هذا الموضوع بهدف الحفاظ على منظومة القواعد والأخلاق التي هي أهم ركن من أركان ثقافتنا العربية..
ومن هذه القواعد والمبادئ ما يلي:
1- أن يكون المتحدث والمستمع (طرفي الحديث) أي المتحادثان على هيئة واحدة، إذا كان المبتدئ بالحديث واقفاً كان المستمع لحديثه واقفاً مثله، وإذا كان من أراد أن يتكلم واقفا أو ماشيا والشخص المراد مخاطبته جالساً، فعلى المتكلم أن يجلس ثم يبدأ بالكلام..
2- ما اعتاد عليه العرب أثناء التحدث والتكلم، هو أن يكون الجميع جالسين في مجلسهم، حيث يكون الجميع على هيئة واحدة في الجلوس، وألا يخالفهم أي أحد في المجلس..
3- إذا أراد أحد أن يتكلم في المجلس، فعليه أن ينتظر من أي متحدث آخر إنهاء حديثه باشارة واضحة، فمن الواجب عدم قطع الكلام على أي شخص لا يزال يتحدث ولم ينهي كلامه بإشارة واضحة مثل قوله: وسلامتكم هذا اللي عندي، أو وهذا اللي أقوله، وهذه رسالتي يا حفيظ العمر والسلامة، وهكذا..
4- دائما ما يتم الاستئذان، يعني طلب الإذن بالحديث من صاحب المطرح، والوجوه الغانمة الجالسين عنده، من خلال اعطاء إشارة البدء، كقوله مثلا: يا راعي البيت أبو فلان طال عمرك واللحي الغانمة مساكم الله بالخير وما شابه..
5- إذا كان من يريد الحديث زائر أو مرسال من منطقة ما، بعد الاسئذان عرف عن نفسه، وعن فحوى رسالته بعنوان معروف..
6- إذا كان من يريد الحديث والكلام راكباً على جواده أو ناقته، وكان المراد مخاطبتهم جالسين رد التحية ونزل عن جواده وربطه، مقبلا عليهم ليسلم ويجلس ثم يبدأ بحديثه إليهم، أما إذا كان الجميع راكبين على دوابهم جاز له أن يسلم ويحادثهم وهم جميعا على هيئته.. إذا كان حديثه مقتصرا على سؤال عن ديرة شيخ أو البحث عن شخص أو شيء ما، وأما إذا كان الحديث فيه من الأمور المهمة والكلام التفصيلي، أخبرهم بذلك ليتسنى للجميع الجلوس أو الاتفاق على مكان الجلوس وتقديم واجبات الضيافة والاستقبال..
7- إذا أقبل أحد على جماعة متكئين على الأرض، فمن واجب الآداب أن يحسن الجميع من جلستهم وهيئتهم لاستقبال التحية وردها بأحسن منها، قبل أن يصل إليهم الشخص المقبل ناحيتهم مجرد رؤيته ..
8- أن يحسن المتحدث بفراسته ونباهته وفطرته العربية، اختيار الوقت المناسب للكلام الذي يريد ان يتحدث به بدقة كبيرة، فإن كان الوقت والمكان والحدث غير مناسبة لمضمون كلامه، كان عليه تأجيله إلى وقت أكثر ملائمة..
9- ومن آداب الحديث أيضاً رد التحية وتكون كما يلي:
الصغير يبدأ برد التحية على الأكبر منه سناً، والشخص الواحد يبدأ برد التحية على الشخصين والثلاثة، أو الفرد يبدأ برد التحية على الجماعة، والراكب يبدأ برد التحية على الماشي سيرا على قدميه، والماشي سيراً على أقدامه يبدأ برد التحية على الجالس بشرط أَلا يكون متكئاً..
10- من آداب الكلام أيضاً: إن بدأ الشخص بالكلام والحديث في المجلس، وجب على الحاضرين الانصات والإخلاص في الاستماع والانتباه للمتحدث مع تقديم الشكر والمدح والثناء عليه بعد توجيه كلمته أو بما يفيد من الباقين فهم رسالته وتلبية طلبه بحسب مضمون وفحوى الكلام..
11- أن يكون المتحدث والمستمع، أو المتحدثون جميعهم متقابلين بوجوههم منتبه كل منهم للآخر .
12- أن لا يتناجى أثنان أو ثلاثة أو جزء من الحاضرين في حديث همس دون بقية الحضور، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"(إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى رجلان دون الآخر، حتى تختلطوا بالناس؛ فإن ذلك يحزنه)"فالعلة: حتى لا يحزن؛ لأنه قد يظن أنه دون مستوى الكلام، ومعناها احتقاره بطريقة غير مباشرة، أو أن يظن أنكما تتآمران عليه، فاختص الكلام بينكما وتركتماه، فكأنكما تدبران شيئاً ضده، ولأجل ذلك قال: (فإن ذلك يحزنه) فهذا التناجي -إذاً- من الشيطان {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة:١٠].
حسناً لو كان في المجلس عشرة فتناجى تسعة دون العاشر أفيكون هذا التناجي محرماً؟ نعم؛ لأنه أشد من تناجي الاثنان دون الثالث.
ولو أن هناك ثلاثة في المجلس فتكلم الأول والثاني بلغة لا يتقنها الثالث ولا يعرفها، كأن يكون الثالث لا يحسن الكلام بالإنجليزية، فتكلم الأول والثاني بالإنجليزية بصوت مرتفع فيعتبر هذا تناجياً؛ لأن المفسدة قد حصلت؛ لأنه يجهل اللسان الذي تتحدثان به.
ولو صار في المجلس أربعة فتكلم اثنان سراً بينهما، والثالث والرابع صامتين بعيداً عنهما فلا يعتبر هذا تناجياً؛ لأنه يمكن أن يأنس بصاحبه.

- [آداب أخرى ونصائح توجيهية في آداب الحديث] أنقلها لكم من كتاب سلسلة الآداب للمنجد، محمد صالح المنجد 

ولا تذم اسماً من أسماء الرجال أو النساء إلا ما ذمه الشرع بأن تقول: هذا قبيح من الأسماء، لعل ذلك غير موافق لبعض جلسائك، ولعله يكون بعض أسماء قومه وأهله، ولا تستصغرن من هذا شيئاً، فكل ذلك يجرح النفس، وجرح اللسان أشد من جرح اليد.

ومن الآداب: لا تتحدث عن نفسك إلا لحاجة، ولا عن أولادك ولا أموالك ولا عن الدعوات التي تلقيتها ورفضتها إلخ؛ لأن هذا ليس من التواضع.

وكذلك إظهار الاهتمام بمن تحدثه، فأصغ إليه، وأعره انتباهك، وأعطه إحساساً بأن له قيمة ووزناً، وفي موضع الجدال والمناقشة كن واسع الصدر، ولا تستأثر بالكلام وامنح الفرصة للآخرين للكلام؛ لأن بعض الناس لا يتركون فرصة للناس في المجلس بل يستأثرون به، وهذا من الكبر.

ووزع النظرات على من تحدثهم، وتخلل الحديث بفترات إصغاء إلى الآخرين تعينك على ترتيب أفكارك؛ لأن الذي يعين على ترتيب الأفكار هو الصمت وليس الكلام، فإن الله خلق لك أذنين اثنتين ولساناً واحداً ليكون ما تسمعه ضعف ما تتكلم به، وجعل الله لكل شيء بابين وجعل للسان أربعة أبواب، وهي الشفتين والأسنان؛ لكي ينحبس اللسان، ومع ذلك أسرع شيء يخرج من السجن هو هذا

وزن الكلام إذا نطقت فإنما يبدي عيوب ذوي العيوب المنطق

وعدم خلط الجد بالهزل، والتفكير في أنسب العبارات وأحسن الألفاظ، ومراعاة مخارج الحروف والألفاظ دون تكلف وتخلل كالبقر، وعدم الإسراف في المدح والذم.

وليكن صوتك هادئاً مسموعاً بوضوح دون ارتفاع أو صياح، ويحسن ألاَّ يكون على وتيرة واحدة فيمل السامع، وعدم التعالي والأستاذية، وكثيراً ما يكون الحديث طريفاً في موضوعه ومقبولاً، ولكن الإطالة وكثرة الثرثرة فيه تضعفه.

والمحادثة شيء والخطابة شيء آخر، فلا يصلح أن يتحول الحديث إلى خطبة دون داع.

والمناقشة الهادئة من أمتع أنواع الحديث طالما تحلى الطرفان بالأدب الإسلامي، ولهذا تفصيل سيأتي.

وإياك والحديث في موضوع لا تتقنه.

وتجنب الغمزات واللمزات، وإخراج اللسان أثناء الحديث والشهيق والتأفف.

وكثير من الناس يتأثرون باللهجة أكثر مما يتأثرون بالمدلول الحرفي للألفاظ، فاحرص على صدق اللهجة.

وعدم الإسراع في الحديث فتأكل نصف الألفاظ، وتترك الجمل للسامع دون إكمال، فإن هذا مذموم.

وعدم الإبطاء الشديد المسبب للملل كأنك إنما تعطيهم بالقطارة، وبعض الذين يبحثون في هذه المسائل يقولون: إن حدود السرعة الطبيعية في الكلام مائة وعشرين كلمة في الدقيقة، فكم سيئة علينا ونحن نتكلم كذا وكذا كلمة في الساعات؟! وإياك والكلام أثناء الغضب؛ فإن الغضبان تنهال عباراته في سرعة تدمر بعض المقاطع مما يعصف بوضوح الكلام، ويثير المستمع.

وسجل صوتك مرة لتعلم خطأك من صوابك؛ فتدرك كم سجل الملك عليك في صحيفتك.

وإذا لاحظت أن مستمعيك يستعيدونك بعض العبارات، فمعنى ذلك: أن صوتك أو مخارج الحروف أو درجة الكلام ومستواه غير مناسب.

وإذا كانوا يقاطعون حديثك؛ فاعلم أن كلامك ممل.

وحاول أن تقرأ بصوت مرتفع لتتدرب على الحديث والكلام، وأنت تقرأ لوحدك.

وليس أفسد لأجواء الاجتماعات من انقسام الناس أزواجاً يتحدث كل اثنين مع بعضهما، فيقل الانتفاع بدلاً من توحيد المجلس على مستمع واحد، ويدور الكلام بينهم.

ولكل مناسبة حديثها المناسب، فكلام الدرس غير كلام الزيارة أو الطعام أو الزوجين وهكذا.

والتمهيد لذكر الموضوعات المحرجة بكلمة مثل كلمة: لا مؤاخذة مثلاً.

وإعطاء الحاضرين قدرهم وإشعارهم بقيمتهم عندك، مثل قولك: كما تفضل فلان، أو مثلما ذكر الأخ فلان، أو إضافة إلى ما ذكر أخي فلان، وهذه نقطة جيدة، أو هذه إضافة بسيطة على ما ذكر، ونحو ذلك.

وحذار من الإطراء الزائد، فإنك إذا أطريت فقد خالفت السنة في المدح أولاً، وثانياً: تبين أنك منافق وكذاب، فإذا قال أحد كلمة، قلت: هذه فائدة عظيمة وكبيرة وهائلة وجميلة وذات وزن ولا مثيل لها!! أو أن يقال كما يحدث في بعض المجالس من النفاق: أنت رأس المال في هذه البلد، ونحن أيتام من غيرك! التخطئة في الحديث لها آداب: كما يقول إنسان مثلاً: اسمح لي أن أعلق على شيء، أو من منا لا يخطئ لكن هنا حصل خطأ، وإن كان تعليقي خطأ فأرجو أن تصحح لي، وإذا كان فهمي لكلامك غير ما تقصد فأرجو التوضيح منك ونحو ذلك، فالتخطئة للآخرين لها آداب.

وكثيرون يبدءون بداية جيدة، ثم يسيئون كثيراً، فيقول: اسمح لي، أو مع تقديري واحترامي لك، أو يا عزيزي، ثم ينزل عليه بكلام شديد جداً.

وكذلك نحرص على التلميح بدلاً من المواجهة ما أمكن، ونتجنب الكلمات النابية والألفاظ السوقية.

الإصغاء والاستماع للآخرين، وهذا فن بحد ذاته، سئل أحد الأطباء الناجحين عن أهم أسباب نجاحه فقال: الإصغاء والاستماع؛ فإن كثيراً من المرضى يأتون إليَّ لا لكونهم مرضى حقيقة، ولكن لأنهم يريدون مستمعاً يصغي إلى شكواهم وتضايقاتهم النفسية؛ ولذلك تجد بعض الإخوة الجيدين إذا جاء أحدٌ يتكلم في مجلس يأخذ ورقة وينصت، ويسجل الكلمات المهمة التي تستفاد أو تحتاج إلى تعقيب مثلاً.

ونحن نسمع ولا ننصت، وهناك فرق بين الاستماع والإنصات، فالإنصات حضور القلب، أما السماع فهو وصول الصوت إلى الأذن؛ ولذلك نحن -أحياناً- نعيد ما قاله الآخرون في المجلس نفسه مرة أخرى ونكرره، وهذا التكرار نتيجةً لعدم الانتباه والإنصات، ولو قلنا الآن: يا أيها الإخوة! أعيدوا لنا هذه النقاط، فتجد بعض الناس يعيدون الجملة التي قالها شخص، لأنه لم يكن منتبهاً ولا منصتاً لما تكلم الآخر، وهو يتذكر ويفكر في شيء، لكنه لا ينصت إلى كلام غيره؛ ولذلك يتذكر الفائدة فيقولها وغيره قد قالها قبل قليل، ولذلك فإن سبب التكرار في المجالس هو عدم الإنصات والانتباه.

وأقبل بوجهك على من تحدثه، والمقاطعة تجرح شعور محدثك، فإذا أردت أن يستمع إليك الآخرون، فأحسن الإنصات إليهم.

ولا تتكلم وفمك مملوء بالطعام، ولا تسل من فمه مملوء بالطعام؛ لأن فيه إحراجاً له.

وفي المناقشات على المسلم أن يهتم بما يلي:-

أولاً: قصد وجه الله تعالى، وإظهار الحق.

ثانياً: التمهل قبل الإجابة على كلام الطرف الآخر.

ثالثاً: عدم الإصرار على الرأي والمعاندة.

رابعاً: ترك المبالغة، ولا بد من الواقعية.

خامساً: ليس المقصود تبيان صوابك، ولكن -أيضاً- حفظ ماء وجه صاحبك.

والمحافظة على كرامته تشجعه بالاعتراف والعدول عن رأيه.

سادساً: أن يكون للمجلس رئيس يشجع الجميع على الاشتراك الفعلي، ويعطي الجميع فرصة للكلام، ويلتزم الحياد، ويمنع المقاطعات، ويفتتح الجلسة بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ويمهد لعرض الموضوع المراد طرحه ومناقشته وعناصر ذلك، ويختتم الجلسة بآراء المؤيدين للفكرة والمعارضين لها، والرأي الراجح.
              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم