قبائل ليبيا في فلسطين

القبائل العربية لم تستقر في مكان إلى الأبد، كان وصول القبائل العربية من شبه الجزيرة العربية إلى سواحل الشام ومن ثم مصر، قد امتد هذا النشاط إلى سواحل ليبيا والمغرب العربي، وبعد ذلك أصبحت حركة القبائل العربية تسير في كل الاتجاهات، ذهابا وإياباً بين سواحل البحر المتوسط الشرقية والجنوبية الغربية من خلال برزخ السويس.
وليس هناك مرحلة زمنية واحدة لهذه التحركات والنشاطات البشرية بل هي مستمرة في جميع الظروف وتكونت خلال مدة تاريخية تعددت فيها المراحل والأسباب والعوامل التي أدت إلى تحرك القبيلة عبر هذه المناطق.
فقبائل ليبيا في فلسطين هي نفسها قبائل الشام إلى ليبيا وهي نفسها قبائل الحجاز، وهذا متعارف عليه في علم الأنساب والتاريخ، والأسباب وراء تقدم وانتقال هذه القبائل من مكان إلى آخر ليس بسبب الفتوحات الإسلامية فقط، بل هناك عوامل سبقت ذلك ومنها:
1- النمو والتزايد الديموغرافي للقبيلة يفرض عليها الامتداد الأفقي
2- كثرة الحروب والصراعات التي كانت تقع داخل القبيلة الواحدة من جهة، ومع القبائل المجاورة من جهة أخرى.
3- استمرار القبيلة في البحث والتنقل بشكل طبيعي بحثاً عن الأرزاق من مناطق الرعي والخصب والماء..
هذه الأسباب وحدها كفيلة بأن تشتت القبائل العربية وتوزعها في مناطق متعددة، ولما ظهر الدين الإسلامي والفتح شجع أكثر وفتح المجال بشكل أوسع أمام تحرك هذه القبائل..
قبائل ليبيا في فلسطين
في الموروث الثقافي الشعبي لكثير من العربان البدو في فلسطين، أثر واضح لذكر ليبيا بشكل خاص، وليبيا لها علاقة قوية ومشهورة بقبائل جنوب غزة وسيناء منذ زمن موغل في القدم وهذا القول ليس بجديد ولكنه للتذكير والتنويه...
إن قبيلة بني سليم وبني هلال كانت في بلاد غزة قبل 3 - 6 أشهر من تحركها إلى مصر ومن ثم ليبيا وتونس، قبيلة بني هلال وبني سليم جاءت من نجد والحجاز..
عندما وصلت هذه القبيلة العربية إلى الشام في القرن العاشر الميلادي، لم تكن وصلت هذا المكان لأول مرة، بل وصلت هذا المكان فروع ورجال وفرسان كثر من بني سليم في القرن السادس الميلادي أي قبل 400 سنة من التحرك الضخم.
كانت قبيلة بني عذرة من قضاعة احدى القبائل التي كانت تتجاور مع بني سليم في الحجاز، وكانت بني عذرة قد وصلت إلى الرملة واللد ويافا وغزة في القرن السابع الميلادي، وحينما نزلت بني سليم بلاد غزة حصل أن تعارف العرب بين بعضهما البعض سيما وأن قصائد الشعر كانت في أوج مراحلها في تلك الفترة، وقد كان الشعر عبارة عن الاذاعة الإعلامية للقبيلة فهو الذي يعبر عن نسبها عن تاريخها عن أمجادها عن رجالها عن أصهارها ...الخ.
باختصار يبدو أن أحياء من بني عذرة قد انضموا مع بني سليم في رحلتهم إلى بلاد المغرب العربي، وأكد ذلك ابن خلدون في كتابه العبر وذكره ابن حزم في الجمهرة، كما وقد اتحدت فيما بعد العديد من فروع هذه القبائل مع بعضها البعض في الأندلس والشام ومناطق الجهاد وثغور الرباط دفاعاً عن شرف الأمة ومقدساتها وضربت القبائل العربية في هذه الاتحادات أروع أمثلة الصمود والكرم والصبر والنجاح والقوة والنصر والتاريخ خير شاهد على ذلك.. وتقول احدى الروايات عن تغريبة بني هلال وبني سليم للمغرب أن جموع الفرسان بلغوا مليون نسمة [1].
من أكثر الأسماء العربية القديمة صلة بهذه الحركات سواء في الشرق أو الغرب هي قبيلة بني عامر قبيلة بلاد شك وبلا جدال دارت أقاليم الوطن العربي شرقه وغربه، حملت هذه القبيلة عبر مراحل تاريخها الطويل جملة من الأسماء والمسميات والألقاب والكنى دلت بشكل واضح على ضخامة ما قطعته من تاريخ طويل في الشرق والغرب.. ومن بين هذه الأسماء نذكر بني مزروع وبني غانم وبني سمور وقناش وبني جبر، بن خميس وبني هلال، أبو العيون، خطاب، بني سياح، الحميدات، العزيب، عليوان، اسعيد، ناجي، جود الله، ناصر، رشيد، وقافلة طويلة جدا من الأسماء التي فقدناها الآن  بعض الأسماء بقيت موجودة مصادفة وهناك روايات كثيرة عن سيرة بني هلال وبلاد المغرب وعن الدولة الفاطمية مصر والشام والعراق وتونس وليبيا.. وبحر واسع من الأمثال والقصص والحكم التي لا يتسع المجال هنا لذكرها وحصرها..
بني عامر كقبيلة كانت في مرج بني عامر بفلسطين وفي غوطة دمشق وفي الاحساء وفي مصر وسيناء وليبيا وتنوس.. نعم كل تلك المناطق توطنتها بني عامر، وبني مزروع وبني غانم..
وفي مناطق خاصة ومحددة من تلك البلدان بترهونة وفي البحيرة وفي الصعيد وفي عيذاب وفي العريش وفي غزة وفي الرملة وسهل البقاع وفي قرية الملح بالاحساء شرق الجزيرة العربية وغيرها الكثير أيضاً.
وقد وجدنا بني عذرة ضمن قبيلة قضاعة وجوار بني سليم، وبني عذرة " العزرة " ضمن قبيلة حرب بالحجاز، وبني عذرة بالبحيرة بالمغرب من أرض مصر مع قبيلة أولاد علي "قبيلة السعادي" بني سليم، وقد جاء ذكر اتحاد بني سليم مع قبيلة حرب بالحجاز منذ زمن موغل في القدم، وجاء ذكر بني عامر بن عوف قد اتحدت مع بني سليم زمن الدولة الفاطمية وجاء ذكر لقبيلة المغاربة بطن من بطون بني عامر.
كما جاء ذكر بني مزروع ضمن قبيلة حرب، وبني مزروع فرع كبير من قبيلة بني عامر في فلسطين، وبني مزروع موجودة في منطقة الاحساء التي كانت تسيطر عليها قبيلة بني عامر حوالي 200 سنة، وجاء ذكر بني مزروع مع قضاعة، وفي كتب الأنساب بني عذرة من قضاعة أخوال دوس والأوس والخرزج وهذيل بن مدركة، وحلفاء زبيد وطيء في الشام.
وجاء في كتب الأنساب بني عامر بطن من عذرة، وفي كتب أخرى بني عذرة بطن من بني عامر، وكل الروايات تؤكد الصلة الحقيقية بني قبائل العرب في تلك الحقبة ويبدو أن درجة القرابة والمصاهرة كانت قريبة وكبيرة..
وكانت بني عذرة قبيلة تشرف على طرق القوافل وتجبي منها الرسوم [2] وهو الأمر المشترك بينها وبين بني حرب وبني عامر وبني سليم في الشام والحجاز.
ومن الأسماء التي وردت في قبائل ترهونة في ليبيا
بني سياح، والعزيب، والعوامر، الحجاج، أولاد ترهون، أولاد ابو زيد، أولاد علي ومنهم الحن في البحيرة، الزرقان، والحمدات، الغنايمية.[3]
ومن قبيلة المزاريع في ليبيا: المحاربية، عامر، الربيعي ويقال أنهم من بني ربيعة ، المناصير، وبني سالم، النجاجرة، والرواشدية، العوادنية، أولاد الشيخ، عياد، السنوسي وهو من رؤوس المقارحة المزاريع، ومنهم جد قبيلة المغاربة [4]، والفرادة، وأولاد ميمون، وأولاد غانم، والشعيبات [5]
والمزاريع الموجودين في قبيلة حرب هم فرع من بني عوف من الزبيد من بني مسروح [6] وذكر عاتق البلادي أن بنو عوف بطن من بني عامر منهم بني مسروح وبني علي وبني ذؤيب [7] ومنهم المغاربة [8]
وقال القلقشندي أن بني عامر بن عوف بن بكر بن عوف بطن من عذرة منهم بني بكر وبني عوف وبني مالك وبني ربيعة وبني ثعلبة [9] وذكر حمد الحقيل أن المغاربة والصيادة والعزارة هم بطون من بني مسروح من قبيلة حرب [10] والمغاربة هم أبناء قبيلة بني عامر الذين عادوا من المغرب (ليبيا وتونس) والصيادة من الزبيد والعزارة هم العذارى أو بني عذرة بدليل ما جاء في موسوعة القبائل العربية من قوله: بني حن من عذرة حلف مع بني اصيد "الصيادة" وأحياء من قضاعة، وهؤلاء أيضاً منهم بني مهدي ومنها بالحلف بني دوس القبيلة التي ينتسب اليها الصحابيان أبو هريرة وابن الطفيل..
ومن الجدير ذكره أن القبيلة الواحدة يجب أن يكون لها امتدادات أفقية مرتبطة معها نسباً، وهذا ما يجب الانتباه له جيدا، فحينما نتحدث عن بني عامر فقط، فأين اخوة عامر؟! أليس هم أشقائه فلابد اذا من وجود علاقة قوية معه من خلال المصاهرة، لكن الشهرة التاريخية خصتهم ببني عامر..
ولما كانت خارطة الأنساب العربية واسعة وضخمة جدا، كان لابد من الاستماع للروايات الشعبية لدى القبائل العربية، مضطرين لحسم بعض النتائج، ومن هذه الروايات ما ذكره الرواة في قبيلة بني عامر أنهم كانوا في ليبيا قد تعرضوا لحملات انتقامية من قبل الفاطميين هذه الراوية يرجع تاريخها لنحو عام 1100م أي قبل 900 عام، اذا هي رواية قديمة وتنطبق مع مراحل التاريخ اذ أن بني عامر فعلا في تلك الفترة كانت في ليبيا، فهل نزلت فلسطين بالتأكيد نزلت قبائل كثيرة من ليبيا إلى مصر ثم سيناء وجاءت إلى فلسطين وعبر مراحل تاريخية كثيرة متعددة وتحت أسباب وعوامل كثيرة منها الجهاد والمقاومة والغزو اضافة لعوامل سياسية ومناخية واقتصادية.
فمثلاً تعتبر عائلة الجواريش نحو 1000 نسمة من العائلات الليبية الأصل التي وصلت إلى فلسطين في حدود عام 1870م والتي وصلت فلسطين واستقرت في الرملة زمن الخلافة العثمانية قادمة من ترهونة، جاء وصولها في فترة متأخرة جدا بالنسبة للقبائل العربية القديمة كبني هلال وبني سليم وأولاد علي وبني عامر وغيرها التي وصلت إلى هذه المناطق في حدود العام 1200م والتي شاركت في الجهاد ضد الفرنجة واستقرت في سواحل البحر المتوسط..

بعض المراجع
[1] الدولة الفاطمية،علي الصلابي،ط1، 2006م، ص101
[2] المفصل في تاريخ العرب ، ج4/ص247
[3] قبائل ترهونة.
[4] كتاب نسرب قبيلة حرب
[5] موقع النسابون العرب
[6] معجم قبائل العرب، كحالة، ج3، ص1081
[7] نسب قبيلة حرب، البلادي الحربي، الطبعة الثالثة 1984م، ص20
[8] معجم قبائل العرب، ج3، ص1126
[9] نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، القلقشندي، ص331، الطبعة الثانية 1980
[10] كنز الأنساب ومجمع الآداب، حمد بن ابراهيم الحقيل، ج1، ص95-96
              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم