بنو هتيم في التاريخ والنسب


هتيم اسم من الأسماء العربية الذي وجد مغروساً في كتب التاريخ، لكن كثير من الناس قد تهربوا منه وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها، وهذا خطأ منهم بلا شك.. وليس هناك مبرر حقيقي لذلك .. ولأجل اولائك قمت باعداد هذه الدارسة وفق المراجع والمصادر المتوفرة للجميع في ظل هذه التكنولوجيا المعاصرة والثورة العلمية الحالية اضافة للخبرة الطويلة والاطلاع المكثف على تاريخ العرب والإسلام ..
ومن المهم في ذلك ما قاله عمر بن لجأ (عمر بن لجأ -وقيل: لحأ- بن حدير ابن مصاد التيمي، من بني تيم بن عبد مناة: من شعراء العصر الأموي)
لا تهجُ ضبةَ يا جريرُ فإنهم ... قتلوا مِنَ الرؤساءِ ما لم تقتلِ
قتلوا شُتيراً يومَ غَولٍ وابنَه ... وابني هُتيمٍ يومَ دارةَ مأسلِ (1)
وقال الفرزدق في أشعاره: 
ونحنُ قتلنا ابني هتيمٍ وأدركتْ ... بحيراً بنا ركضُ الذكورِ الصلادمِ (2)
ومن خلال هذين البيتين يتضح وبكل قوة أن اسم هتيم هو اسم حقيقي سليم وفق كل المعايير العلمية، وأنه اسم تاريخي يرجع إلى زمن موغل في التاريخ وهو بذلك من الأسماء الشريفة في النسب كونه مغروساً في التاريخ ومثبوتاً نسبه كغيره ممن كان في زمنه.. وتشير تلك القصائد على مقتل اثنين من أولاد هتيم في المعارك على يد فرسان بني ضبة، وهذا شيء طبيعي في تلك الأزمنة ودليل على فروسية كلا الطرفين، لأنه لا يحمل السيف ويمتطي صهوة الخيل ويخوض غمار الوغى إلا رجال صناديد ومن المعروف أن الأبطال والفرسان هم الذين يقتلون في ساحات الوغى، كما كانوا يهجمون على أعدائهم.. ولا أرى أي عيب في ذلك..
وفي الأنساب ذكر  البَلَاذُري (المتوفى: 279هـ) أن ابني هتيم هما:
عامر، وطارق من بني عامر بن كلاب (3) هذا أقدم ما وصلنا مكتوباً دون العبث به، وحتى الآن لا نجد فيه أي عيب أو منكر، وبهذا يكون نسب هتيم من قبيلة بني كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة (4)
وقال الآمدي المتوفي (370هـ) أن ابني هتيم العامريين هما عامرا وطارقاً من بني عوف بن عمرو بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، حيث قال الحنتف بن السجف بن بشير بن الأدهم بن صفوان بن صباح بن طريف بن عمرو وهو فارس وشاعر وأنه هو الذي قتل ابني هتيم، حيث قال:
وفرقت بين ابني هتيم بطعنة ... لها عاند يكسو السليب ازارا
وجدت بنفس لا يجاد بمثلها .... وقد كان نبح النابحات هرارا (5)
ولحتى اللحظة كل ما ذكرناه من الناحية العلمية هو أمر عادي ولا عيب فيه، كما وليس هناك مشكلة على الأطلاق، إلاّ أن المشكلة والأخطاء وقعت فيما بعد تلك الأزمنة، وزاد الأمر تعقيدا ما أثاره بعض المغرضين الذين سعوا إلى احداث بلبلة وقلاقل في البلاد العربية، تمهيدا لتحقيق الأطماع الاستعمارية في الوطن العربي..
هتيم قبيلة عربية:
قال شعيب الدوسري أن هتيم قبيلة عربية عدنانية تنتمي إلى عقيل بن عامر بن صعصعة، وأنها انضمت إلى القرامطة بعد عام 420هـ/ 1029م (6) وذكر الدوسري نقلا عن والده أن عدة قبائل ممن يطلق عليهم قبائل اليمن من عسير وقحطان وشهران ورجال الحجر وبيشة ومنهم آل جروان وآل جابر وآل قريش (القرشة) من آل صقر، وآل مهشور، ومن بني نهد وبني زيد وسبيع بن صعب وآل عامر وآل سعد جاءوا لدعم العيونيين ضد القرامطة وصار لهم مجد في منطقة الاحساء ولا زالت بقاياهم هناك (7)..
وأشار الدوسري أن بني هتيم من بني عقيل بن كلب والصحيح من بني عقيل بن كلاب، ولكنهم حالفوا جزءا من بني كلب القضاعية الذين انضموا للقرامطة من بلاد الشام في بداية نشاتهم.
كما ذكر الدوسري في كتابه أن بني هتيم هزمت قرب عسير على يد قبائل عسير ومذحج وخثعم، فأسر منهم نحو 1000 رجل، فأمر أمير قبائل عسير رجاله أن يلبسوا أسرى بني هتيم ملابس سوداء للتشهير بهم وتجريدهم من سلاحهم وخيولهم، وأمرهم أن يركبوا الحمير ومنعهم من ركوب الخيل والإبل..
ومن هذه النصوص نعي تماماً، أن هتيم اسم حقيقي وليس لقب وليس كنية زائفة، بل هو اسم موجود في كتب الأنساب وفي كتب التاريخ، وأن الهزيمة أمر طبيعي فكثير من الجيوش هزمت في معارك وانتصرت في معارك أخرى، ولم تكن الهزيمة عيب يقتضي الانكار والتنكر والتملص وتزييف الحقائق، بل الهزيمة درس فيه العبرة والعظة ويجب أن يقتضي الدراسة والتفكير والتحليل والتفسير من أجل تفادي الهزيمة مرة أخرى، فكم من قبائل كانت قوية فهزمت وتفرقت وتشتت، وكم من قبائل كانت ضعيفة ومهزومة وفقيرة ففكرت وتدبرت وأسست قوتها ونهضت من جديد، وحققت ثبوتها وقوتها فيما بعد..
ولنا في التاريخ عبرة وعظة، فهذه الأمة العربية اليوم تعيش أسوأ حال لها منذ أمد ليس بالقريب، فهي دول مهزومة ومشتتة وتعاني من المشكلات والصعاب والضياع، فبعد ان كانت في يوم من الأيام السالفة قوة لها حضارتها وجيوشها وحدودها الواسعة التي وصلت إلى منتهاها ابان الفتوحات والحضارة العظيمة..
اذا ليس كما يقال أن الهزيمة عار وعيب كبير يبقى إلى الأبد، بل هو أمر قد يحصل لأي قوة في العالم، ولكن الهزيمة جرح مؤلم ومؤسف لا محال من ذلك، ولهذا السبب فيتحتم على المهزوم أن يبقى مستمسكاً بحقه وثوابته حتى تسنح له الفرصة ويتأكد من قدرته وبناء ذاته لاستعادة حقوقه بقوة إن كانت مسلوبة..
عرب هتيم:
جاء ذكر عرب هتيم قبيل عام 904هـ/1498م بأرض الزرقاء بالأردن في عهد الأمير الشركسي كرتباي بن عبد الله نائب دمشق، وأنه شن غارة على عرب هتيم بسبب تعرضهم للقوافل في الطرق (8) من هذا النص يفهم أن عرب هتيم حالهم كحال القبائل البدوية التي كانت عرضة لهجمات انتقامية من أمراء ونواب المماليك في طرق القوافل والحجاج والمسالك والبوادي في هوامش الصحراء، بسبب عدائهم المتبادل للمماليك من جانب، وبسبب ثوراتهم ضد ظلم المماليك من جانب ثاني، وبسبب كثرة غزواتهم في الطرق والمسالك للحصول على أرزاق لهم يقتاتون منها بسبب ظروفهم المعيشية القاسية من جانب آخر، هذا وكان المماليك يكثرون من الهجمات على القبائل العربية في صعيد مصر وجنوب فلسطين وبادية الشام والحجاز وقد ارتكب المماليك مجازر دامية ضدهم ..
ورد ذكر هتيم في مصر (9) في المناطق التالية: " الشرقية، والغربية، وأسيوط، والفيوم، وبلغ عددهم في مصر 2513 شخص، منهم 2171 في مصر السفلى، و324 في مصر العليا، وذلك وفق بيانات التعداد عام 1883م، ولاحظت أثناء قراءة هذا الكتاب اختفاء هذا الاسم في احصاء عام 1906م.


المراجع **
(1) شرح نقائض جرير والفرزدق،  أبو عبيدة معمر بن المثنى (برواية اليزيدي عن السكري عن ابن حبيب عنه)
تحقيق: محمد إبراهيم حور - وليد محمود خالص، المجمع الثقافي، أبو ظبي، الإمارات، الطبعة: الثانية، 1998م
(2)  منتهى الطلب من أشعار العرب، محمد بن المبارك بن محمد بن ميمون البغدادي (المتوفى: 597هـ)
(3) الكتاب: جمل من أنساب الأشراف، البَلَاذُري (المتوفى: 279هـ) تحقيق: سهيل زكار ورياض الزركلي، دار الفكر - بيروت الطبعة: الأولى، 1417 هـ - 1996 م.
(4) الكتاب: جمهرة أنساب العرب، لابن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (المتوفى: 456هـ)، تحقيق: لجنة من العلماء، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1403/1983.
(5) المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء، للآمدي، الطبعة الثانية 1982م، دار الكتب العلمية بيروت ص 107
(6) امتاع السامر بتكلمة متعة الناظر، شعيب الدوسري، مطلعة الحلبي - القاهرة سنة 1365هـ، (ج1) ص29
(7) امتاع السامر بتكملة متعة الناظر، المرجع السابق نفسه، (ج1) ص 3
(8) الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة، الغزي المتوفي سنة 1061هـ، ج1 ص 301
(9) العليقات والجعافرة وقبائل أخرى، أحمد لطفي السيد، دار الكتب المصرية سنة 1936م ، ص33-38
              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم