جزء من تاريخ بني عامر شرق الجزيرة العربية

 (جزء من تاريخ بني عامر في شرق الجزيرة العربية)

من تاريخ بني عامر في شرق الجزيرة العربية جمعنا للقراء والمهتمين هذا الشرح أو هذا البحث لوجود الفائدة فيه والمنفعة منه في الأبحاث والدراسات التاريخية وكذلك في الأنساب:
وهنا نتناول الحديث عن بني عامر في البحرين والاحساء وهي تلك البلاد الواقعة في شرق الجزيرة العربية، وهو عبارة من مقتطفات من عدة أبحاث، تم تجميعها للفائدة كما أسلفنا.

القطيف في حظيرة الدولة العثمانية
مع بداية عام 959هـ كانت القطيف تطوي آخر صفحة من صفحاتها المريرة مع الاحتلال البرتغالي لها، وتفتح أولى صفحات دخولها تحت كنف الدولة العثمانية التي ساهم بعض زعماء القطيف آنذاك في دخولها للبلد قبل بضع عشرة سنة من التاريخ المذكور حين قام وفدٌ منهم بالذهاب إلى بغداد عام 941هـ للقاء السلطان سليمان القانوني، وطلبوا منه تطهير بلدهم من البرتغاليين الكفرة. [1]
ومع إنعامه عليهم بالإجابة إلا أنّ الأسطول العثماني لم يصل القطيف إلا في العام 959 للهجرة، وبالرغم من طول المدة (18 سنة) التي تفصل بين ذهاب الوفد القطيفي إلى السلطان العثماني ومجيء قواته للقطيف إلا أنّ المرجح هو وجود اتصالات ومراسلات مباشرة أو غير مباشرة بين القطيفيين وبين الدولة العثمانية لحثها على المجيء إلى بلدهم وتخليصها من البرتغاليين مع تعهدهم للدولة بالسمع والطاعة والتسليم لها، وهو ما لاحظه بعض جواسيس البرتغاليين الذين أخبروا سادتهم بهذه النية لدى القطيفيين في العام 957هـ [2] مما جعل الفونسو دي نورنها (Alfonso de Noronha) الحاكم البرتغالي العام للهند وملحقاتها التي من ضمنها الخليج آنذاك يرسل رسالة إلى ملك البرتغال يخبره بذلك، وكان ذلك في ربيع الأول عام 959هـ ،[3] إلا أنّ الغلبة ظاهرياً قد تمت للدولة العثمانية التي استولت على القطيف، وقامت بتعيين مراد بك في 18 ذي القعدة 959هـ كأول والٍ عثماني على القطيف، وفي الوقت نفسه قام موظفو الدولة بكتابة كل المعلومات الإحصائية التي تهم الدولة عن القطيف وتدوينها في سجلٍّ عثماني خاص عُرف فيما بعد باسم دفتر التحرير (الطابو)رقم 282.

دفاتر التحرير العثمانية ( الطابو )
لم يكن مجيء الدولة العثمانية للقطيف إنقاذاً لأهلها من براثن البرتغاليين بقدر ما كان وقوعاً لها تحت براثن جديدة هي براثن العثمانيين هذه المرّة، وصار القطيفيون من بعد ما كانوا يشتكون التمييز الديني من البرتغاليين أصبحوا يشتكون الآن من التمييز الطائفي من العثمانيين، ومن أطماع وشره هذه الدولة وجنودها الذي لا ينتهي عند حد، فحلت الويلات والنكبات بالقطيف والقطيفيين مع مجيئهم إلى المنطقة، وتعددت المصائب التي حلَّت بهم، والتي تراوحت بين نهب وتشريد بعض أثريائها[4] وقتل بعض المعارضين لهم، وغصب الكثير من أملاك وبساتين أهلها إما عن طريق الغصب المباشر لها أو عن طريق المنهج الإقطاعي الذي مارسته هذه القوات بحيث كان الأهالي يؤدون إلى ما سُمّي بخزينة الدولة ضريبة قد تفوق في كثير من الأحيان دخلهم مما يضطرهم إلى الاستدانة لتسديد ديونهم الجائرة لتلك الخزينة[5] هذا فضلاً عن ممارسة التمييز الطائفي المقيت ضد سكان المنطقة الذين اشتهروا بالتشيع لآل البيت منذ عصور الإسلام الأولى [6] .
إلا أنه – والحق يقال – كان لاحتلال الدولة العثمانية للقطيف بعض النواحي الإيجابية، ومنها قيامها بتدوين وتوثيق الكثير من المعلومات التاريخية والجغرافية والاجتماعية والاقتصادية لهذا البلد المنسي، وقد قدمنا القول أنّ هذا التدوين والتوثيق قد تم عبر أوراق رسمية كان قادة الجيوش وموظفو الدولة يرسلونها كتقارير وسجلات شهرية أو سنوية للدولة العثمانية في اسطنبول، والتي كانت تحفظ ضمن سجلات خاصة عرفت بعدة مسميات مثل: (دفاتر الصرّة)، (دفاتر الصادر والوارد)، (دفاتر المهمة)، و(دفاتر الطابو) [7] .

وهذا النوع الأخير من الدفاتر على الغاية من الأهمية نظراً لاحتوائها على الكثير من المعلومات الموثَّقة عن الممالك التي تحتلها الدولة العثمانية كنظام ملكيتها، وكتابة معلومات عنها وعن المدن والقرى التابعة لها، وطريقة التصرف بها، ومقدار الضرائب المفروضة عليها، وعدد وأسماء الأشخاص الموجودين فيها أثناء كتابة الدفتر، وما يزيد هذه الدفاتر أهمية هو أنّ الدولة عندما تود كتابة هذه المعلومات كانت تقوم بتكليف هيئة تتكون من رجلين من أصحاب القدرة والدراية والثقة والأخلاق العالية يسمى الأول الذي هو رئيس الهيئة باسم (أمين الدفتر)، والثاني باسم (الكاتب)، ويساعدهم مجموعة من الكتبة للقيام بهذه المسؤولية، وكانت الدولة تلزم جميع حكام تلك الممالك وإدارييها بالتعاون مع هذه الهيئة، وتقديم كافة الإمكانات والتسهيلات لها وتزويدها بأهل العلم والمعرفة من الأهالي الأصليين لتلك الممالك المفتوحة لكتابة المعلومات المطلوبة مما يجعل كل ما يكتبونه على الغاية من الأهمية والتوثيق في حقبة لم تكن المنطقة قد شهدت مثيلا له فيما مضى قبل مجيء الدولة العثمانية [8] .

وكانت عملية تدوين المعلومات عن المنطقة المحتلة وقراها في دفاتر الطابو تتم على مرحلتين :

المرحلة الأولى : وهي مرحلة تقوم فيها هيئة الدفتر بتجميع المعلومات من الأهالي عن قرى المنطقة المحتلة وتوابعها، ثم القيام بكتابة أسماء هذه القرى في دفتر يُسمى بدفتر المجمل.
المرحلة الثانية : وهي عبارة عن زيارات ميدانية تقوم بها الهيئة لهذه القرى وتوابعها التي دوَّنت أسمائها، وعرفت مواضعها، وتبدأ هذه المرحلة بزيارة كل القرى واحدة بعد الأخرى وتدوين أسمائها وأسماء أصحاب الحرف والصناعات، وأسماء القبائل والعشائر والعوائل إن وجدت، وأسماء العلماء وكذلك أسماء الأشخاص المكلفين بدفع الضرائب في كل مدينة أو قرية، والأشخاص المعفيين من دفع الضرائب مع توضيح سبب الإعفاء [9] .
وتقدم الهيئة أيضاً تعداداً تقديرياً للسكان في المدن والقرى، كما كانت هذه الهيئة تطالب أصحاب الممتلكات بإبراز السندات والأوراق الثبوتية التي تدلّ على ملكيتهم لها، وتقوم بفحصها بعناية والتأكد من صحتها وتدوينها في الدفاتر، وأما في القرى، فكانت الهيئة تحدد الغابات والمراعي والمزارع والبساتين التابعة لهذه القرى، والمقدار السنوي للمحاصيل الزراعية مثل القمح والأرز والشعير والأشجار المثمرة [10] .
وبالنسبة للمناطق الساحلية كما هو الحال في القطيف، فقد كانت هذه الهيئة تقوم بحصر سفن الغوص على اللؤلؤ، ومراكب الصيد البحرية الكبيرة والصغيرة وتدوينها مع أسماء مالكيها، والعاملين عليها، وتدوين مقدار الضرائب المفروضة عليهم، فإذا تم عمل هذه الهيئة بهذه الصورة الصحيحة والموضوعية التامة، فإننا نكون بالفعل أمام عمل وثائقي لا مثيل له في تلك الحقبة من الزمن التي لا نجد عنها شيئاً يذكر من الوثائق باستثناء ما دونته هذه الهيئة في دفاتر التحرير (الطابو) هذه.

القطيف في دفاتر التحرير ( الطابو )
لقد حظيت منطقة القطيف كغيرها من المناطق الهامة التي احتلتها الدولة العثمانية باهتمام ملحوظ من قبل الدولة في بداية احتلالها لها وإلحاقهم لها بولاية البصرة في بادئ الأمر.
ففي عهد السلطان العثماني سليمان بن سليم المعروف بالقانوني، وفي أوائل رجب من سنة 959هـ تم كتابة دفتر الطابو الذي يحمل الرقم 282، والذي يقع في 340 صفحة عن ولاية البصرة والمناطق التابعة لها، وكان نصيب المعلومات التي دُوِّنت عن القطيف وقراها وجزرها في هذا الدفتر أكثر من 50 صفحة[11] عُنْونت بـ (قانون نامه لواء القطيف)[12] دُوِّنت فيها جميع المعلومات الإحصائية التي ذكرناها قبل قليل بالإضافة إلى اسم أمير لواء القطيف، وهو مراد بك الذي أشرنا إليه كذلك.
ويوضح سجل قانون نامه لواء القطيف مدى الأهمية الاقتصادية الكبرى التي كانت عليها القطيف في منتصف القرن الألف الهجري، فبحسب هذا السجل كان ميناء القطيف يزخر بمختلف النشاطات الصناعية والزراعية والرعوية والبحرية، وكان في المدينة نفسها حرفٌ مزدهرة مثل الدباغة والصباغة والخياطة والنجارة والحدادة والعطارة مع ذكر أسماء أرباب هذه الحرف التي يلاحظ نسبتهم إليها كالدباغ والخياط والنجار والحداد والعطار .. إلخ [13] .
ومن المحاصيل الزراعية التي ذكرها هذا السجل كان هناك الشعير والحنطة والأرز والذرة والتمر والسمسم والقطن واللوبيا والدَّخَن والفواكه والخضار [14] .
أما عن النشاط البحري، فالسجل يدون ما يتعلق بتجارة اللؤلؤ وصيد الأسماك، وما يتعلق بها من مراكب، ومقدار الضريبة المدفوعة للدولة.

غير أنَّ أهم ما ورد في هذا الدفتر هو تدوين أسماء أكثر من 60 قرية قطيفية لا نعرف منها الآن سوى 14 قرية قائمة والباقية منها إما اندثرت وأصبحت بساتين ومزارع نخيل، أو تداخلت مع قرى أخرى أكبر منها وصارت تعد من أحيائها حالياً، ولحسن الحظ، فقد بقيت مسميات كثير من هذه القرى وإن كانت قد اندثرت مبانيها وزالت حدودها، وقد قام الكاتب بتدوين أسماء بعض هذه القرى في بداية السجلّ فيما سُمي بدفتر المجمل مكتفياً بذكر اسم القرية وتبعيتها للقطيف، وكذلك ذكر مجمل إيرادها السنوي بالآقجة دون تفصيل، ثم قام في دفتر آخر يسمى المفصّل بكتابة آسمائها مع ذكر تبعيتها للقطيف أيضاً مع ذكر أنواع محاصيلها الزراعية كالحنطة والذرة والدخن واللوبياء والسمسم والفواكه والخضار ومقدار الضريبة على كل نوع، ورسوم الزواج الذي سماه (رسم زيجات وعروس)، وذكر أيضاً أسماء أرباب الأسر القاطنين في كل قرية مع ذكر عدد المتزوجين منهم، والذين سماهم (خانه) وعدد العزاب الذين سماهم (مجرّد). 

وتوجد ملاحظة جديرة بالذكر هنا، وهو أنّ عدد القرى وأسماء بعضها قد اختلف بين دفترين المجمل والمفصل، وقد وردت قرى في دفتر المفصل لم يشر إليها في دفتر المجمل أو وردت فيه ولكنها محرفة عنها وسوف أقوم في هذا البحث بذكر أسماء هذه القرى وتفاصيلها المذكورة مع تحديد موضعها من القطيف حالياً، وسوف أذكر كذلك كل ما أعرفه عنها مع العلم أنّ دفتر الطابو المذكور لم يذكر عن هذه القرى أي معلومات تذكر، ولم يحدد موقعها من الواحة باستثناء مجموعة أولى تتكون من قرى (سَيْح)، (الجبة)، (شملة)، (جفرة)، (غونان)، (حليس)، و(نبكات) ومجموعة ثانية تتكون من قرى ( جبلة )، (شراع)، (سومان)، (مويلي)، (برن)، (شريه)، (سلمان)، (شعاب)، (أم ساهك)، (الذيـبة)، و(راس تنورة) حيث ذكر بإزاء المجموعة الأولى أنها ناحية الظهران، وبإزاء المجموعة الثانية أنها ناحية صَفَّا بتشديد الفاء، وهو نطقٌ محلي لصفواء.

والطريف أنّ هذا السجل (دفتر الطابو) قد جَمَل جزيرة تاروت مع قرى القطيف، فسماها قرية جزيرة تاروت، كما عدّ صائدي اللؤلؤ في هذه الجزيرة كسكان قرية قائمة بحد ذاتها، ويبدو أنه لم يجملهم مع باقي سكان جزيرة تاروت، وأغلب الظنّ أنّ كاتب السجل كان يقصد بصائدي اللؤلؤ سكان دارين الواقعة في الجزء الجنوبي من جزيرة تاروت، وربما أضاف لهم سكان قرية الزَّوْر أو (فَنْيَة)، فهاتان القريتان من قرى تاروت كانتا مشهورتين باتخاذ صيادي اللؤلؤ لهما كموضع للسكنى.
وكما عدّ كاتب السجل صيادي اللؤلؤ في جزيرة تاروت كسكان قرية واحدة، فقد فعل الشيء نفسه لمن سماهم بطائفة العماير سكان عنك والجبيل والجزر التابعة لها، فعدهم كسكان قرية واحدة مع أنّ عدد المتأهلين الذي دوَّنه لهم يصل إلى 2000 متأهل، وهو عدد يفي بعدد متأهلي قرى القطيف – باستثناء أهل العاصمة وضواحيها - الذين ذكرهم، ويفوق عليهم بكثير، وإن كان الإيراد الذي ذكره لهؤلاء المتأهلين من طائفة العماير يقل بكثير عن إيراد متأهلي تلك القرى.

كما أود بالمناسبة لفت نظر القارئ إلى أنّ كاتب الدفتر كان يكتب بخط رفيع جداً، وبالرسم العثماني القديم مما جعل قراءته على الغاية من الصعوبة، وهذا الكاتب كان قليل المعرفة بالمنطقة وتاريخها وقراها مما جعله يخطئ في بعض الأحيان عند كتابته لأسماء بعض القرى، كما إنّ بعضاً من أسماء القرى قد تحرَّف أو تصحّف عن اسمه الصحيح بسبب كاتب السجل نفسه نظراً لكون هذه المسميات غريبة على سمعه، فـ(غَوْنان) القرية القريبة من الظهران - مثلاً - كتبها (لونان)، و(زويكية) إحدى قرى أم الحمام الآن كتبها (زويكة) في دفتر المفصَّل بالرغم من أنّ الكاتب قد كتبها صحيحة في دفتر المجمل إلى غير ذلك.

كما توجد اختلافات واضحة في بعض أسماء القرى بين دفتر المجمل ودفتر المفصل الجزأين المكونين لدفتر الطابو بحيث أنّ الكاتب كان يكتب المعلومات مجملةً في بداية الأمر ثم يقوم بتفصيلها، ويبدو أنّ الذي اضطره إلى ذلك هو أنّ الكاتب كان يأخذ في بداية عمله الميداني معلومات حول قرى اللواء من أفواه موظفي الدولة في مركز مدينة القطيف وبعض أهلها القاطنين في مركز المدينة، ثم عندما يقوم بجولته الميدانية على القرى المذكورة كان يدون كل ما يسمعه من أهلها عنها، ولعل هذا هو سبب ذكره لأسماء بعض القرى بصورتين مختلفتين.
هذا ومما تجدر الإشارة إليه أنّ بعض القرى القطيفية المعروفة لنا الآن لم تذكر في هذا السجلّ مثل قرى أم الحمام والخويلدية والتوبي والبحاري، وإن كان قد ذكرت أسماء قُرى كانت تقع بالقرب منها، واندثرت الآن وأصبحت بساتين نخل تابعة لهذه القرى، وكذلك لم يذكر هذا السجل صفوى والظهران كقريتين بل كناحيتين ثم كلواءين تابعين للقطيف.
وأما أحياء القطيف المعروفة الآن مثل الكويكب والدبابية ومياس والمدارس والشريعة والجراري وغيرها، فلم يذكر كاتب السجلّ أيّ واحدة منها، ويبدو أنّ الكاتب قد جملها مع مدينة القطيف الأم لأنّه لم يكن يهمّه إلا تدوين مقدار الإيرادات المتحصلة لخزينة الدولة وليس أسماء هذه المواضع أو ضبطها، ولكنه بالمقابل ذكر أسماء قرى أصبحت محلات تابعة لمركز مدينة القطيف الآن مثل السَّطَر .
كما أود أن أشير أيضاً إلى أنّ عدد السكان في دفتر الطابو هو غير دقيق، فالكاتب كان يكتب اسم رب الأسرة فقط، ويسبقه بلفظة (وُلد) بمعنى (آل)، وفي بعض الأحيان يذكر أسماء أولاده المتزوجين بالطريقة نفسها أي أنه لو فرضنا أنّه يوجد رب أسرة اسمه محمد صالح في قرية ما مثلاً، فإنّ كاتب السجل سيكتب (وُلْد محمد صالح) دون أن يذكر عدد أفراد أسرة هذا الرجل إلا إذا كان له ولد متزوج، فسيكتبه الكاتب حينها على أنه رب أسرة أخرى دون الإشارة إلى صلة القرابة بين رب الأسرتين؛ كما إنّ الكاتب كان يكتفي بذكر اسم الأب واسم أبيه دون ذكر اسم العائلة الأعلى أو نسبها، وهو أمر قلل كثيراً من الفائدة المتوخاة من ذكر أسماء أرباب الأسر، وهو معرفة أنسابها وفروعها وأعدادها الصحيحة.

القبائل والقرى القطيفية المدونة في قانون نامه لواء القطيف

بالنسبة للقبائل، فقد كان في القطيف آنذاك قبيلة واحدة هي المسيطرة فيما يبدو، وهي القبيلة المشهورة المعروفة بالعماير وبطونها وأفخاذها، وقد سُمّيت هذه القبيلة في السجل بالطائفة، فكتبت (طائفة عماير)، وقد دوّن في السجل أيضاً بضعة قبائل وبطون وأفخاذ لم يذكر الكاتب انتمائها لهذه القبيلة أو إلى قبائل أخرى غيرها، وبعض هذه القبائل والبطون معروف، وبعضها الآخر غير معروف، وسنفصل القول فيها بعد قليل. 
وأما النواحي والقرى القطيفية، فسوف نذكرها هنا بالترتيب نفسه الذي ورد في أصل قانون نامه لواء القطيف ضمن دفتر الطابو282 بقسميه المجمل والمفصل مع إعطاء الأفضلية للأخير منهما والإشارة إلى اتفاق الاسم أو اختلافه مع الوارد في دفتر المجمل، وسنذكر كذلك أسماء تلك القرى التي وردت في بعض صفحات دفتر الطابو313، ثم سأقوم بعد ذلك بترجمة كل قرية أو ناحية على حدة مع تحديد مواضعها من القطيف الآن، وذكر كل ما وقع لي من معلومات عنها قديمة أو حديثة.

قبائل القطيف وبطونها
قبيلة العماير أكبر القبائل القطيفية في القرن العاشر الهجري
تُعد قبيلة العماير – التي ذكر دفتر الطابو282 قرابة الخمسة عشر بطناً وفخذاً منها – من كبريات القبائل العربية التي استوطنت القطيف منذ زمن قديم يرقى إلى القرن السادس الهجري عندما بدأ الضعف يدبُّ في الدولة العُيونية التي حكمت المنطقة ما بين (469 – 636هـ)، ففي العقود الأخيرة من القرن السادس الهجري بدأ يظهر على مسرح الأحداث في المنطقة اسمُ شيخٍ بدوي من قبيلة عُقيل بن كعب بن عامر بن صعصعة، وهو عَمِيْرة بن سِنان بن غُفَيْلَة بن شَبَانَة بن قديمة بن نباتة بن عامر بن عوف بن مالك بن ربيعة بن عوف بن عامر بن عُقيل بن كعب بن عامر الذي جمع قومه بني عامر بن عوف العُقيليين وقام بمهاجمة البصرة عام 588هـ [15]. 
وقد كان هذا الشيخ العُقيلي بداية من مناصري الأمير العُيوني القوي محمد بن أبي الحسين أحمد بن أبي سنان محمد بن الفضل بن عبد الله بن علي، وشارك معه في يوم صفواء الذي فصَّل حديثه شارح الديوان المقرَّبي[16] ذلك اليوم الذي انتهى بانتصار الأمير محمد وحليفه القوي عميرة بن سنان، فكافأ الأمير محمد بن أبي الحسين حليفه عميرة وولده وأفراد أسرته بهبات وأعطيات كثيرة وبساتين جمة في القطيف مما جعل لعميرة مكانة مرموقة في قبيلته بني عامر بن عوف، وكذلك عند أمراء الدولة العُيونية ليصبح فيما بعد جداً للقبيلة القطيفية التي عُرفت بالعماير نسبة إليه. 
وقد أنجب عميرة بن سنان ثلاثة أبناء ذكرهم المؤرخون، وهم :

1. محمد بن عميرة: وقد ذكره شارح الديوان المقرَّبي[17] عند حديثه عن يوم صفواء المتقدم، وهو جدّ أبي عاصم بن سرحان بن محمد بن عميرة بن سنان الذي قتله في جزيرة تاروت الأتابك أبو بكر السلغري حاكم هرمز وجزيرة قيس عام 641هـ كما ذكر ذلك وصاف الحضرة في تاريخه[18] ، ونعته بأنه كان أحد وجوه العرب ومشايخهم، وأنه كان من أرباب المجد الشامخ والكرم الباذخ. 

2. راشد بن عميرة: ذكره شارح الديوان المقرَّبي أيضاً[19]، وذكر أنه قام بقتل الأمير العيوني الشهير محمد بن أبي الحسين عام 601هـ [20]؛ كما ذكره وصاف الحضرة أيضاً عند ذكر ابنه عصفور بن راشد بن عميرة الذي تسلم حكم البحرين من أبي بكر السلغري عام 654هـ مقابل أتاوة يدفعها له[21] مما يعني أن والده راشداً قد توفي قبل هذا التاريخ، وأنه استلم من بعده زعامة بني عامر. 

3. ماجد بن عميرة: وقد ذكره وصاف الحضرة في تاريخه عند ذكر حفيده مانع بن علي بن ماجد بن عميرة الذي ذكره مع ابن عم أبيه المتقدم عصفور بن راشد بن عميرة [22] .

ومن هؤلاء الأبناء الثلاثة وربما معهم غيرهم أيضاً تكون الفخذ العامري العُقيلي الذي صار يُعرف بالعماير نسبة إلى جدهم الأعلى عميرة كما سبق وقلنا، ثم سرعان ما تكاثر أفراد هذا البطن ليصبح بعد ذلك قبيلة كبيرة عُرفت في المنطقة باسم قبيلة العماير، والذي لم يعد يُطلق على نسل الشيخ عميرة بن سنان فقط، وإنما دخل فيه بطون وأفخاذ أخرى من قبائل عُقيل وربما غيرها أيضاً مثل: قيس، والغفيلات، والقديمات، وغيرهم.

وأول ذكر للعماير بهذا الاسم هو ما جاء في النبذة التاريخية المجهولة المؤلف، والتي ألحقت بآخر بعض مخطوطات شرح الديوان المقرَّبي، والتي تذكر تسلسل حكام البحرين بدءاً من القرامطة وانتهاءً بالعُيونيين حيث ذكر قيام العماير بمحاربة الأمير العُيوني فضل بن الأمير محمد بن أبي الحسين المتقدم في القطيف، فطردوه منها، وملّكوا ابن أخيه الأمير مقدم بن ماجد بن محمد بن أبي الحسين العُيوني.[23]
ونظراً لانحصار زعامة العماير بعد منتصف القرن السابع الهجري في الشيخ عصفور بن راشد بن عميرة بن سنان وولده، فقد اشتهر هذا الفخذ من العماير، وصار يُعرف في المنطقة باسم آ ل عصفور نسبة إليه، وهم الذين ذكرهم أكثر من مؤرخ، ومنهم القلقشندي في كتابه نهاية الأرب حيث قال: "قال ابن سعيد: سألت أهل البحرين في سنة إحدى وخمسين وستمائة حين لقيتهم بالمدينة النبوية عن البحرين، فقالوا الملك فيها لبني عامر بن عُقيل، وبنو ثعلب من جملة رعاياهم، وبنو عصفور من بني عُقيل هم أصحاب الأحساء، وهي دار ملكهم" [24] .
وقد ظلّ مسمى العماير حتى عصرنا هذا متداولاً، ولكنهم دخلوا الآن بالحِلف في قبيلة بني خالد المعروفة، وأصبحوا فرعاً من فروعها، وقد استقلت بطون منها، فكونت فروعاً مستقلة عن القبيلة الأم، وما بقي منها من بطون وأفخاذ ظلّت محتفظة باسم العماير، فأغلبهم يسكنون الجبيل (عينين) التي كانت تُعتبر مركز تواجدهم وسكناهم، ولاسيما جزيرتا جِنّة والمُسَلَّميّة اللتان اشتهرتا منذ زمن قديم باسم جزر العماير عند أهالي المنطقة، وكذلك سكن قسمٌ من العماير أمّ السَّاهِك، والدُّرَيْدِي، والخَتْرَشِيّة، وعِنَكْ ودَارِيْن القرى القطيفية المعروفة.
وللعماير عدة بطون وأفخاذ ذكر بعضاً منها لوريمر في دليل الخليج عند ترجمته لقبيلة بني خالد وفروعها في بدايات القرن الرابع عشر الهجري، فبدأ أوَّل ما بدأ بفرع العماير ذاكراً بطونهم، ثم ذكر بعدهم باقي بطون وأفخاذ القبيلة الأخرى، والبطون والأفخاذ العمايرية التي ذكرها لوريمر مع شيوخها هي كالتالي :[25] 
• الدَّوَاْوْدَة: في عنك والبحرين، وشيخهم محمد بن عيسى.
• آل حَسَنْ: في جزيرتي جنة والمسلمية، وشيوخهم؛ فويرس بن محمد وسعود بن حسين.
• آل خَالِد : في جزيرة المسلمية، وشيخهم شبيب بن عقل، وكان كبير شيوخ بني خالد.
• آل رُزَيْن: في جزيرة المسلمية، وشيخهم عدوان بن ناصر.
• آل شَاهِيْن: في جزيرة جنّة، وشيخهم مجدل بن سليمان.
بطون وأفخاذ قبيلة العماير القطيفية في دفتر الطابو 282
كُتبت هذه البطون والأفخاذ في صفحتين من صفحات قانون نامه لواء القطيف، ويلاحظ أنّ بعضها كآل أبي نمى قد تكرر أكثر من مرّة، وذلك لوجود أكثر من شيخ لهم يجب تدوين اسمه، وهو ما سمح بمثل هذا التكرار، وقد قام الكاتب بكتابة لفظة (عماير) بهذه الصورة، ثم قام بكتابة اسم البطن أو الفخذ أسفل منها، وكذلك اسم شيخ البطن، وأحياناً يذكر معه شيخاً آخر، وأحياناً لا يذكر أي اسم معه، وسنقدم فيما يلي ترجمة لما عرفناه من هذه البطون، وذلك بعد تهذيبها من التكرار المذكور لبعض الفروع والبطون.

آل ماجد 
ذكروا في موضع واحد فقط من قانون نامه ضمن بطون طائفة العماير، وذُكر من شيوخ هذا البطن شيخان اثنان فقط، وهما شيخ شبيب وشيخ عَسّاف، ولم يزد على ذلك أي معلومة أخرى.
وأرى أنهم منسوبون إما إلى ماجد بن عميرة بن سنان الابن الثالث لمؤسس القبيلة كما ذكرنا قبل قليل، أو لعلهم منسوبون إلى ماجد بن بدران بن مانع بن عصفور بن راشد بن عميرة بن سنان. 
وماجد بن بدران هذا هو أبو الأمير الشاعر كلبي بن ماجد بن بدران العامري العُقيلي الكعــبي الذي ذكره ابن فضل الله العُمَري في كتابه التعريف بالمصطلح الشريف جاعلاً إياه في المرتبة الثانية من أمراء البحرين العُقيليين الوافدين على سلطان مصر الناصر محمد بن قلاوون، [26] والذي ترجم له أيضاً ابن حجر في كتابه الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، وسماه كلبي بن ماجد العامري العُقيلي، وقال عنه أنه كان حياً سنة 732هـ، فوالده ماجد بن بدران – وفق ذلك - قد يكون عاش في بداية القرن الثامن، وهو زمن كافٍ لتكون بطن كبير يُعرف بآل ماجد في منتصف القرن العاشر وقت كتابة قانون نامه لواء القطيف عام 959هـ.

وهذا الشاعر يُرجح أنه ولد بين العقدين السابع والثامن من القرن العاشر الهجري باعتبار أنّ وفاته كانت عام 1028هـ ، وبالتالي فإنّ مولده كان قريباً جداً من الوقت الذي دون فيه كاتب القانون نامه معلوماته عن بني شن هؤلاء، وهو العام 959هـ ، وهذا يعطي دلالة أكثر في أنَّ بني شن كانوا معروفين في القطيف في تلك الحقبة بدلالة انتساب هذا الشاعر إليهم، ولكنهم كانوا داخلين في حلف العماير، ولهذا عدَّهم الكاتب منهم كما نرى هنا.
وبقي أن أذكر شيئاً آخراً، وهو أنّ كاتب قانون نامه ذكر في أسماء القرى قرية سماها الشنّية، وهي منسوبة إلى بني شن هؤلاء، ولا زال موضع هذه القرية معروفاً حتى الآن في القطيف وكانت به عين ماء عظيمة قديمة تُعرف بالاسم نفسه، ويقع موضعها إلى الغرب من قرية الجش إحدى قرى القطيف المعروفة، والمذكورة هي الأخرى في قانون نامه كما سنرى عند الحديث عن قرى القطيف.

طائفة أبي عمير 
هكذا وردت وفي موضع واحد فقط، وقد كُتب أعلاها لفظة عماير، وبعدها كتب كلمة طايفة ثم الكلمة التي سبق وذكرت أنني لم أعرف معناها، وهي (بريحه)، ولكنه هنا بدون نقط، وبعد ذلك كتب شيخ محمود كناية عن زعيمهم.
ولا أملك أي معلومة عن بطن أو طائفة في المنطقة كان يعرف بآل أبي عمير، إلا أنه يوجد شمال الدريدي وأم الساهك في سبخة الرِّياس بالقرب من مُقْلة موضع قديم مرتفع عن السبخة كالهضبة يُعرف بجزيرة ابن عمير به عين ماء قديمة تُعرف بالاسم نفسه، ولا أدري إن كان للاسم صلة بهذا البطن أم لا، فلعل لفظة (أبي) تحرفت إلى (ابن)، أو يكون كاتب القانون نامه قد أخطأ فكتبها أبي عمير بدلاً من ابن عمير، وأنا أقول ذلك لأنّ الدريدي وأم الساهك كانتا من قرى العماير وحدهم قبل أن يشاركهم فيها غيرهم بعد الألف الهجري، وبالتالي فإنّهما والقرى المحيطة بهما مثل الذيبة والخترشية والصفيراء وعين الشاهين كلها كانت لهم، ولا زال بعضها مثل الخترشية خالصة لهم حتى الآن.

المعامير 
هكذا وردت في موضع واحد فقط، وكُتب فوقها كالمعتاد لفظة عماير، وبعدها مباشرة كتب لفظتي طائفة ثم بريحه، وهي هنا منقوطة، ثم ذكر بعد ذلك شيخهم في وقته، وهو ربيع بن خميس، ولم يزد على ذلك شيئاً.
والأقرب أنّ المعامير هم عدة أسر وأفخاذ ينتسبون إلى جدٍّ مشترك لهم اسمه مَعْمَر، ومَعَامِيْر جمعُ الجمع لمعْمَر وهو مَعَامِر. 
وأقرب الظنّ إلى اليقين أنهم منسوبون إلى الشيخ معمر بن مانع بن عصفور بن راشد بن عميرة بن سنان جد العماير، ومعمر هذا كان من الأمراء العُقيليين من بني عامر بن عوف الذين حكموا المنطقة في القرن السابع الهجري، وذكرهم ابن فضل الله العُمري في كتابه التعريف كما سبق وذكرنا.[27]
الجدير بالذكر أنه يوجد بجزيرة أوال (مملكة البحرين) قرية تُعرف بالمعامير، والقرية حديثة العمران، ولكن الموضع الذي بنيت فيه قديم، وقد يكون له صلة بهذا البطن، ولم لا، فأوال كانت من ضمن الجزر التي حكمها العماير في القرنين السابع والثامن حكمها آل عصفور وآل مانع منهم، ومعروف عن العماير أنها قبيلة بحرية من الطراز الأول، وكانت لهم مراكب عديدة، فلعل قسماً من المعامير منهم قد قطن هذا الجزء من جزيرة أوال الذي يُعرف بالمعامير الآن، وربما كان هذا سبب التسمية.

قبائل وبطون أخرى لم تُنسب إلى العماير

بنو مالك 
هكذا ذُكروا في ستة مواضع، وكلها في صفحة واحدة، وقد ذكر في كل موضع اسم شيخ يختلف عن الآخر مما يدل على أنهم كانوا قبيلة كبيرة لها ستة مشايخ، وربما أكثر، والجدير بالذكر أنه لم يكتب فوق اسم هذا البطن لفظة عماير كما في البطون السابقة، واكتفى الكاتب بكتابة لفظة طائفة (طايفة) فوقه مما يدل على أنها ربما تكون قبيلة مستقلة عن العماير أو متحالفة معها حلف ندٍّ لندّ، وأما أشياخهم الستة فهم على الترتيب : 
1. جابر بن مشهور.
2. محمد بن كامل.
3. تاج الدين بن ضرع.
4. تاج الدين عبد المحسن.
5. عبد الله بن مسعود.
6. ناصر بن منصور.
هذا كل ما ذكره عن هذه القبيلة القطيفية، ولكن التاريخ خلّد لنا هذه القبيلة بفضل أسرة منها استطاعت فرض سيطرتها على القطيف لمدة قرن من الزمان ونيّف عندما تمكن جدُّ هذه الأسرة، وهو جروان المالكي من انتزاع حكم القطيف من يد سعيد بن مغامس بن سليمان بن رميثة القرمطي، وفي هذا الصدد يقول ابن حجر في ترجمة حفيد جروان هذا:[28]
"إبراهيم بن ناصر بن جروان المالكي من بني مالك بطن من قريش صاحب القطيف انتزع جده جروان الملك من سعيد بن مغامس بن سليمان بن رميثة القرمطي في سنة 705 وحكم في بلاد البحرين كلها ثم لما مات قام ولده ناصر مقامه ثم قام إبراهيم مقام أبيه وكان موجوداً في العشرين وثماني مائة وهم من كبار الروافض".
ومن الملاحظ وقوع تحريف عند ابن حجر في موضعين اثنين؛ الأول في قوله عن بني مالك إنهم بطن من قريش، ولم يسجل التاريخ وجود بطن من قريش في المنطقة، ولكن الصحيح أنها قيس حُرّفت إلى قريش، وبنو قيس هؤلاء كانت لهم صولات وجولات في المنطقة منذ القرن الخامس الهجري عندما اشتركوا في الحروب الدائرة بين القرامطة وجيوش الدولة العباسية من جهة، وبينهم وبين قادة الثورات الانفصالية من عبد القيس كأبي البهلول وآل عياش الجذميين وآل إبراهيم العُيونيين،[29] وكانوا في هذه الحروب متحالفين مع قبيلة أخرى من عامر بن صعصعة، وهم قباث بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وأما نسب قيس، فهو قيس بن جوثة بن طهفة بن حَزْن بن عُبادة بن عُقيل بن كعب، ومنهم كان بنو القرمطيّ بن جعفر بن عمرو بن المُهَيَّأ بن عبد الله بن يزيد بن قيس بن جوثة الذين ذكر ابن العديم في تاريخ حلب أنَّ القرامطة منسوبةٌ إليهم لأنهم كانوا أكثر أنصارهم، وكذلك منهم آل المسيب بن رافع الذين أسسوا دولة آل المسيب في الموصل، وعليه فصحة كلام ابن حجر هو أنّ بني مالك بطن من قيس وليس من قريش.

والأمر الآخر الذي أرى وقوع التحريف فيه من كلام ابن حجر هو قوله إنّ جروان المالكي انتزع الملك من سعيد بن مغامس، وأرى أنّ الصحيح في اسم هذا الحاكم هو سعد بن مغامس، وهو الذي ذكره ابن فضل الله العُمري ضمن المرتبة الثالثة من شيوخ عامر بن عوف العُقيليين الذين كانوا يفدون على الناصر محمد بن قلاوون في مصر منذ بداية القرن الثامن الهجري، وفي رأيي إنّ الذي جعل ابن فضل الله يعدّ سعد بن مغامس هذا ضمن المرتبة الثالثة مع ما يُفهم من كلام ابن حجر عنه أنه كان حاكم القطيف هو انتزاع جروان الملك منه مما جعله يغدو مجرد شيخ من شيوخ عامر، فكلام ابن حجر لا يوجد فيه ما يدلّ على أنّ جروان قد قتل سعد بن مغامس، وكل ما يدل عليه كلامه هو أنه تم انتزاع الملك منه.

بقي أن نشير إلى نبز ابن حجر لجروان وولده بأنهم كانوا من كبار الروافض، وهو يعني الشيعة، وهو كان المذهب الأصل لكامل منطقة البحرين حضرها وباديتها، وقد كان بنو مالك هؤلاء والعماير من الشيعة، وأما المدّ السني فإنه لم يأت إلى المنطقة إلا في بداية القرن العاشر الهجري عندما قدم آل جبر العُقيليون من نجد، واستطاعوا انتزاع الحكم من الجراونة، وكانوا سنّة مالكيي المذهب، وقد اضطروا في أول الأمر إلى استعمال قضاة من الشيعة لأنه لم يكن يوجد غيرهم إلى أنْ قام أحدهم، وهو الأمير أجود بن زامل الجبري باستقدام قضاة من السنة.[30] 


بنو عقبة 
وذكرهم في موضع واحد فقط، وقد كتب فوقهم لفظة طايفة، ولم يكتب لفظة عماير مما يدل على أنهم مستقلون عنهم، وبعد الاسم ذكر اسم شيخهم، وهو ناصر بن حميد، ولم يزد على ذلك شيئاً.
وهو كل ما نعرفه عن هذا البطن إلا أنْ يكون الموضع المعروف بحزم (العُقبي) الواقع إلى الغرب من جزيرتي جنَّه والمسلَّميّة هو منسوب إليهم، والله أعلم.

آل أبي نمى
ورد اسم هذا البطن في أربعة مواضع، وفي كل موضع ذكر أحد مشايخهم، وهو يدلّ على كثرتهم وأهميتهم، وقد كتب فوقهم في أول موضع لفظة طائفة، وفي المواضع الثلاثة الأخرى كُتب فوقها لفظة (جماعة)، وهي أول مرة تصادفنا مثل هذه اللفظة، وامتاز الموضع الثاني الذي ذكروا فيه بإضافة اللفظة (بريحه) غير منقوطة، وشيوخهم الذين ذكرهم هم على الترتيب نفسه:
1. شيخ حسين بن خميس.
2. شيخ عطا.
3. شيخ فيّاض بن فريح.
4. شيخ حسين.
والاسم آل أبي نمى مألوف جداً في تلك الحقبة، ولاسيما أنه كان اسم الأسرة الحسنية الحاكمة في مكة منذ منتصف القرن السابع الهجري،[31] وهم آل أبي نمى بن الحسن بن علي بن قتادة الحسني المتوفى عام 701هـ، والذي بقيت أسرته التي عُرفت به آل أبي نمى حاكمين لمكة وما حولها حتى منتصف القرن الرابع عشر الهجري [32] أي ما يعادل سبعمائة عام لتكون بذلك أطول أسرة حاكمة في العالمين العربي والإسلامي .
وتشاء الصدف أن يزور القطيفَ أحدُ أبناء أبي نمى مؤسس هذه الأسرة، وهو ابنه حميضة بن أبي نمى المتوفى عام 720هـ، والذي زارها قادماً إليها من البصرة في طريقه إلى مكة بعد أن زوده سلطان العراق محمد خدابنده بجيش من جنده ليحتل به الشام له.
[33] وليس لدينا في مصادرنا ما يثبت صلةَ نسبٍ بين آل أبي نمى القطيفيين المذكورين في قانون نامه، وبين آل أبي نمى حكام مكة إلا أنّ زيارة الشريف حميضة للقطيف ربما نتج عنها تخلف بعض أبنائه أو إخوته - الذين بلغ عددهم ثلاثين ذكراً كما يذكر ابن عنبة – فيها، ومن يدري، فربما مع مرور الزمن تكاثروا حتى أصبحوا بعد قرنين من ذلك التاريخ بطناً كبيراً غلب عليهم طابع البداوة كما هي الحال في بعض أقربائهم من آل أبي نمى الحجاز، وهو ما جعل كاتب القانون نامه يدونهم على أنهم طائفة أو جماعة قائمة بذاتها لا تنتمي إلى العماير أو إلى أي قبيلة أخرى في القطيف.

بنو شاكر 
وذكروا في موضع واحد فقط، وكتب أعلاهم لفظة طايفة (طائفة)، وذكر اسم شيخهم الذي سماه فهد بن مساعد.
وهو كل ما نعرفه عن هذا البطن.

بني جبر [34]

الدولة الجبرية هي دولة عربية حكمت الجانب الشرقي من الجزيرة العربية من أواسط القرن الخامس عشر الميلادي و حتى أواسط القرن السادس عشر. و قد امتد نفوذها من سواحل عمان جنوباً و حتى الكويت الحالية شمالاً، و ضمّت أيضاً جزر البحرين و امتد نفوذها إلى شرق نجد، و كانت عاصمتهم في الأحساء. و قد كان حكام هذه الدولة، بنو جبر، و كان أشهر أمرائها أجود بن زامل الجبري الذي عاش من عام 1418 حتى عام 1507 م. و كانت للجبريين معارك مهمة مع البرتغاليين في البحرين و عمان، كما كان أمراؤها من المهتمين بالعلوم الشرعية، و خصوصاً المذهب المالكي و عملوا على تعزيز المذهب السني في المنطقة. و انهزم الجبريون على يد قبيلة المنتفق عام 1524 م فسقطت دولتهم بعد ذلك و خضعت المنطقة للدولة العثمانية.

بعد ما يزيد على ربع قرن من اختفاء امارة العصفوريين العامرية نجحت قبائل ابن عقيل بن عامر العدناني في بسط سلطانها على مناطق من نجد وشرق الجزيرة العربية بزعامة اسرة تنتمي الى جدها الاكبر ((جبر)) فعرفوا ببني جبر ضمن بطن الجبور. وعرف جبر كمؤسس للدولة العقيليه الجبرية نسبة الي جده عقيل واشكل ذلك التباس لدي الكثيرين حول نسب حكام الدوله العقيليه الجبرية لتسميتهم بالعقيلي وبالعامري ومنهم من اعتبرهم من بقايا امارة العصفورين وانهم أبناء عمومتهم بل هناك من تعمد بعد ذلك نسب العصفورين لقبائل ابن عقيل بن عامر العدناني واعتبارهم من بني خالد وجعل العصفورين مخزوميين وذلك بدعم من الشيعة والذين اضافوا بعض عوائلهم الوضيعه ضمن نسب العصفورين في كتبهم المشبوهه ومن ضمنها كتاب اسمه (اسرة العصفور التي حكمت الاحساء 150 عام) للكاتب الشيعي الاحسائي خالد النزر وكثير من النسابه اتبع من سبقه بالقول ولم يغير به شي والبعض الأخر عرف الحق واتبعه ..

قال الجاسر: الحق أحق بأن يتبع وكنت نشرت مقالاً في "العرب" قلت فيه إن أكثر فروع القبيلة تنسب إلى عامر بن صعصعة توهّـماً مني أن بني عقيل من عامر بن صعصعة القبيلة المعروفة، ولكن اتضح لي فيما بعد أن عقيلاً هؤلاء من عامر ربيعة ابن نزار
لا عقيل بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن من قيس عيلان من مضر بن نزار.

والجاسر اوضح بدلائل وما يوجد لديه ان جبور بني خالد من بني عقيل من عامر بن ربيعه من عبد القيس من بني اسد بن ربيعه بن نزار وربيعة أحد الجذمين الرئيسيين الذي تنقسم إليه القبائل العربية العدنانية إلى جانب مضر وتنتسب قبائل ربيعة إلى ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان وتضم قبائل ربيعة كل من عبد القيس و تغلب و بكر عنز بن وائل و حنيفة عاشت قبائل ربيعة في الحجاز ثم أنتقلوا إلى مساكنهم المعروفة في وسط و شرق و شمال الجزيرة العربية فسكنت عبد القيس المناطق الشرقية من الجزيرة العربية وأستقر بنو حنيفة في اليمامة. و يرد اسم ربيعة في الأخبار القديمة عادةً كمقابل لاسم "مضر" الذي تنسب إليه قريش و بنو تميم، حتى روي عن أحد أنصار مسيلمة الكذاب الذي ادّعى النبوة عام 10 هـ إنه قال "كذاب ربيعة خير من صادق مضر"، إذ كان مسيلمة من بني حنيفة من بكر بن وائل من ربيعة، فصارت القبائل العدنانية تقسم إلى جذمين عظيمين هما ربيعة و مضر (و إن كان النسابون قد ذكروا فرعين آخرين للقبائل العدنانية هما إياد و أنمار). و على الرغم من ذلك، تذكر المصادر انحياز ربيعة إلى القبائل اليمانية في الحروب القبلية التي انتشرت في العالم الإسلامي في العصر الأموي.

كما أنه على الرغم مما يفترض من أصل مشترك بين قبائل ربيعة، فإن حروباً طاحنة قد قامت بينها أشهرها حرب البسوس بين بكر بن وائل و تغلب بن وائل. و قد كانت بكر و تغلب ترعى في بوادي الشام و العراق منذ ما قبل الإسلام ثم نزحت شمالاً إلى الجزيرة الفراتية و عرفت المنطقة الجنوبية منها باسم "ديار ربيعة"، بينما عرفت المنطقة الشمالية باسم "ديار بكر"، و لا زالت هناك مدينة في جنوب تركيا اليوم تسمّى بديار بكر نسبة إلى قبيلة بكر بن وائل من ربيعة.

و لم تنجب قبائل ربيعة الكثير من الدول و الأسر الحاكمة في القرون الإسلامية الأولى و إنما نالت جلّ شهرتها من قوة قبائلها البدوية، و استمر ذلك إلى اليوم حتى صارت قبيلة عنزة، التي جمعت في العصور المتأخرة معظم قبائل ربيعة، أكبر القبائل البدوية عدداً بإجماع المؤرخين و الرحالة. و أهم الدول الربعية في العصور الإسلامية الأولى دولتا مسيلمة الكذاب و نجدة بن عامر قصيرتا الأمد في اليمامة، و كلاهما من حاضرة بني حنيفة، و دولة الحمدانيين من تغلب في الموصل و حلب في القرن الرابع الهجري. أما في العهد الحالي، ينتمي آل سعود حكام السعودية إلى ربيعة عن طريق بني حنيفة..

وآل جبر من عبد القيس - و هو حسب النسّابين عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة. سكنت هذه القبيلة إقليم البحرين التاريخي (شرق الجزيرة العربية)، و كانت في أغلبها متحضّرة تعمل في الزراعة وقت ظهور الإسلام. و قد انتهى تواجدها القبلي منذ القرن السابع الهجري وانضوت بتحالف مع قبيلة بني خالد

ومن هنا جاء الاشكال على الكثيرين حول لقب العقيلي والعامري لسلاطين الدولة الجبرية والضن بانهم ينسبون لعامر بن صعصعه بدلا من نسبهم الصحيح لعامر بن أسد بن ربيعة. وكما ذكر الاستاذ الحقيل بقوله بني خالد هم من بني مخزوم القرشي, وبعدها قال: وهذا يعطي أن بني خالد مضريون سواء مخزوم أو ابن عقيل بن عامر العدناني. أي من عامر عبدالقيس ربيعة, عامر ربيعة لا عامر صعصعة

النسابة حمد بن محمد بن لعبون المتوفى سنة 1260 له مخطوطة بإسم (تاريخ ابن لعبون) فيها نص صريح وواضح بالحديث عن بني خالد وعلاقتهم بوائل

قال ابن لعبون : " وأما بنوا خالد الذين انحدروا من بيشة وأرض الحجاز وملكوا الأحساء الذين منهم قبائل آل حميد ، آل غرير بن عثمان وآل حسين بن عثمان وآل عبيد الله و آل شباط وآل هزاع والقرشه وآل كليب ولواحقهم من الحميدات فهم من الوائليين الذين انتقلوا إلى الحجاز ودخلوا في قبائل بيشه من أكلب وخثعم وغيرهم"

وتبقى القبائل العامرية العدنانية إلى جانب مضر وتنسب قبائل عامر ربيعة هي التي شكلت حلف مع الدولة الجبرية ومع الجبور والتي اعتمد سلاطين الجبور علي عمقهم الاستراتيجي لنفوذهم في وسط الجزيرة وضد مملكة هرمزعلى عكس القبائل العامرية التي تنسب لعامر بن صعصعه والتي شكلت عداء مستمر بينها وبين الدوله الجبرية وتم اخضاعهم بالقوة ولم يعتمد عليهم في حملات الدوله الجبرية

وعندما طرق البرتغاليون باسطولهم لاول مرة مياه الخليج في مطلع القرن العاشر\ السادس عشر لفت انتباههم النفوذ الواسع والقوة الضاربة التي قد حازها بني جبر. فتحدثوا عنهم في تقاريرهم بكثير من الاحترام الممزوج بالرهبة والخوف وحين اطلع مايلزmiles على بعض ما كتبه البرتغاليون علق على ذلك بقوله : انه ليبدوا حقا بان بني جبر مرعبين الى حد كبير وان أمرهم قد بقي حتى الآن لغزا لم يحل والواقع ان مايلز لو حاول ان يجهد نفسه في البحث والتنقيب في المصادر المختلفة لاتضح له بان امر بني جبر ليس باللغز الذي يصعب فك بعض طلاسمه . فمنذ الخمسينات من هذا القرن والمحاولات تبذل للكشف عن تاريخ بني جبر وتعود اسبق هذه المحاولات للمستشرق الالماني المعروف كاسكلcaskel الذي قام 1949 بنشر بحث قصير عن شرق الجزيرة العربية بعنوان((امرة حاكمة مجهولة في بلاد العرب)) وهو استعراض عام وسريع لبعض المعالم البارزة في تاريخ شرق الجزيرة , وقد اتى فيه على ذكر الجبور والسلطانيين((اجود)) و((مقرن)) وفضلا عن المصادر البرتغالية فقد اعتمد على ما ورد عنهم في المصادر العربية وبخاصة ما ورد عند السمهودي وابن بشر. ان البحث هذا على قصره وعموميته احتوى على بعض المعلومات والملاحظات المفيدة وقد اعقب كاسكل بقليل الشيخ محمد العبد القادر الذي خص الجبور بصفحتين من كتابه المكرس اصلا لتاريخ الاحساء منذ القديم حتى العصر الحديث .وبالرغم من ان المؤلف اتبع الاسلوب التقليدي في عرض مادته,فانه قدم لنا مادة اولية لم يسبقه احد,بحيث جعل من غير الممكن لباحث في تاريخ شرق الجزيرة العربية ان يتجاهل هذا المصدر القيم الجليل الذي كان قد نهض به الشيخ محمد العبد القادر.

ثم جاء دور الشيخ حمد الجاسر فتناول النصو التي اوردها الشيخ محمد العبد القادر في كتابه المذكور واضاف اليها ما في حوزته من مادة جديدة فكتب بحثا عن الدولة الجبرية في الاحساء يمكن ان يوصف بانه اول محاولة لعرض تاريخ الجبور, باسلوب جديد فكان علامة مضيئة في هذا الطريق.

ان آخر ما يمكن ان يشار اليه في هذا الصدد هو البحث الذي نشره المستشرق جان اوبين jean uiqa عام 1972 بعنوان((مملكة هرموز في مطلع القرن السادس عشر )) وعلى الرغم من ان هذا البحث مكرس اساسا لتاريخ مملكة هرموز,الا انه ضم معلومات مفيدة عن طبيعة العلاقة بين امارة الجبور وملوك هرموز.

وهنا لابد ان نشير اننا قد تعمدنا عدم الاشارة الى الجهد الذي قام به مايلز بالكتابة عن تاريخ الخليج وسبق هؤلاء جميعا.لان ما اورده عن الجبور قد جاء في السياق العام وذلك عند حديثه عن البرتغاليين ولم يخصص جزءا من كتابه للحديث عنهم .وعلى الرغم من ذلك فانه كان اول من انتبهه الى اهمية دورهم معتمدا في ذلك على تقارير الرتغاليين المنشورة فقط.وكذلك تجاهلنا ذكر جورج ستريبلنك stripling الذي خصص لهم في اطروحته الاتراك العثمانيين والعرب 1511-1574 حيزا ضيقا لم يتجاوز الاربعة اسطر,لان ماذكره هو مستمد من مدونات البوكرك فقط.

ومهما يكن من امر فان هؤلاء الباحثين الذين اشرنا اليهم لم يكن بينهم من استوعب كافة المصادر,عربية كانت ام غير عربية, ووضع تاريخ الجبور ضمن الاطار العام للتاريخ الخليج العربي والجزيرة,وبنظرة شمولية .لذا كان لابد من اعادة النظر فيما طرح من مادة واضافة ما هو جديد اليهاوعرضها بطريقة ملائمة تتناسب والدور الذي لعبه الجبور في تاريخ الجزيرة العربية.ان دراستنا هذه تاتي ضمن هدف طموح لكتابة تاريخ حوض الخليج العربي في العصر الوسيط المتاخر.تلك الفترة التي عرفت بغموضها وقلة مصادرها .ولقد بذلنا ما في الطاقة لاستقصاء مختلف المصادر مستفيدين الفاضلين محمد العبد القادر وحمد الجاسر,راجين ان تكون هذه الدراسة جهد يضاف الى جهودهما من اجل سد الثغرة الواسعة في معرفتنا التاريخية عن نجد وشرق الجزيرة العربية خاصة والخليج العربي عامة خلال هذه الفترة. على اننا قد نؤآخذ على تجرؤنا على نقد بعض النصوص والآراء ومحاولة تفنيدها والتشكيك بها. والواقع اننا قد اضطررنا في احيان كثيرة الى اتباع الاسلوب النقدي نظرا لان ماطرح حتى الآن مع مادة يفتقر للتمحيص والتدقيق ,يضاف الى افتقارنا الى مصدر اساسي يمكن الركون اليه عن هذه الفترة.

على ان افتراضاتنا واعتراضاتنا لم تكن تبتعد كثيرا عن طبيعة ما يمن ان يتبع في هذه المنطقة من احداث وما يقتضيه منطق الامور. كما اننا في كل ما ذهبنا اليه نعتمد على المقارنة والاستنتاج ضمن تطور يعتمد على التامل الطويل في الاحداث التاريخية والبحث عن اوجه التشابه فيها,مدركين باننا سوف نجد من يخالفنا في بعض ما ذهبنا اليه. لكن فرحنا سوف يكون كبيرا عندما نجد المخالفين يطرحون ما في حوزتهم من معلومات ما زلنا نجهلها حتى الآن تاركين للمختصين تقدير الجهد المبذول في هذا البحث.

1 - شرق الجزيرة في أعقاب سقوط العصفوريين

من المفيد ان نذكر القارىء بما سبق ان قلناه عن الظروف التي كانت قد احاطت بالعصفوريين وذلك في بحثنا عن امارة العصفوريين- اذ ان الشتات والنزاع كان سائدا بين امرائهم منذ القرن الثامن/الرابع عشر,الامر الذي نتج عنه تجزئة امارتهم وتعدد ظهور الزعامات المتناحرة مما ادى في النهاية الى زوال امارتهم على يد سعيد بن مغامس بن سليمان بن رميثة الذي لم تطل فترة حكمه ,اذ سقط على يد الزعيم الاحسائي جروان المالكي. على ان بني عصفور خاصة وبني عامربن صعصعه عامة وقد فقدوا سلطانم السياسي ظلوا يحتفظون في كل من نجد وشرق الجزيرة العربية بنفوذهم الاقتصادي الواسع ,ولعل وضح دليل على ذلك ان قوافل الحج القادمة من جنوب ايران وجنوب العراق وسواحل الخليج العربي كان يتولى قيادتها وحراسها بنو عامروكثيرا ما اطلق على هذه القافلة اسم قبيلة عقيل.ولقد بقي اطلاق هذه التسمية على هذه القوافل حتى عهد قريب الامر الذي يحملنا على الظن بان هذه التسمية قد اصبحت تطلق على هذه القوافل (كعلامة تجارية) اكثر من كون هذه التسمية تعني انتسابا قبليا.

والواقع ان قوة قبيلة بني عامر العقيلية وشجاعة رجالها ومهارتهم السياسية والتجارية قد حققت لهم احتكار قيادة القوافل ولفترة طويلة فاحتلت في نجد وشرق الجزيرة العربية واطرافها دورا يذكرنا بالدور الذي كانت تلعبه قريش في غرب الجزيرة واطرافها قبل الاسلام.

على انه يجدر بنا ونحن نشير الى القوافل التجارية ان نلفت الانتباه الى ان ماكان يقوم به بنو عامر من قيادة وخفارة للقوافل وما يتقاضوه عن ذلك من رسوم يجب ان لا ينظر اليه على انه عمل من اعمال السلب والنهب كالذي تمارسه بعض الجماعات البدوية غير المنضبطة,بل يعتبر ضربا من ضروب النشاط الاقتصادي الذي بدؤه لا يمكن ان نتوقع وجود نشاط تجاري واقتصادي هام في تلك البقاع وضمن تلك الظروف.ولقد اورد لنا السخاوي (ت902/1497) ذكر قافلتين كانتا يقودهما بنو عامر في الفترة التي اعقبت زوال سلطتهم السياسية.القافلة الاولى كانت عام811هــ/1408م ذكرها السخاوي عندما ترجم لجليل بن محمد الاتفهي لاشتر ,حيث قال:( بان سافر من الحجاز الى الحسا والقطيف بصحبة قافلة عقيل).اما الثانية اتت عام823/1420,ذكرها السخاوي عندما ترجم لمحمد بن محمد ابو الخير العمري المعروف بابن الجزري.

ويبدو لنا ان بطون عقيل بني عامر كانت تراقب الوضع في بلاد البحرين عن كثب وتتحين الفرصة المناسبة للأستيلاء على النفوذ السياسي .ومن المحتمل ان لاسرة التي كانت تحتكر قيادة قوافل الحجيج من بينهم وان تكون الاقدر على امتلاك ذلك النفوذ بما لديها من قوة اقتصادية ومن اتباع وعبيد وجراء كانت تستخدم في حراسة القوافل اضافة الى وجود صلات قريبة لها بقبائل كثيرة بحكم ما تمارسه من نشاط.

ومهما يكن من امر فانه من اللازم علينا ان نبدي اختلافنا مع ما ذهب اليه الشيخ حمد الجاسر من ان هناك صلة بين الشيخ زامل بن جبر ,مؤسس امارة الجبور وبين قريش(قرشي) الذي قام عام 785/1383-84 بارتكاب مجزرة ضد حجاج شيراز والبصرة والحسا ونهب ما كانت تحمله قوافلهم من اموال عظيمة,ثم ما قام به من اعتراض لطريق الحجاج العراقيين وارغامهم على دفع مبالغ كبيرة له. والذي يبدوا لنا ان الشيخ الجاسر يميل الى الاعتقاد بأن قريشا هذا,ماهو الا اخ لزامل بن جبر,وان ظهور نشاطه يمثل مقدمات لظهور نفوذ الجبور وفي راينا ان الذي اوقع الشيخ الجاسر في هذا الاعتقاد هو اعتماده على مصدر واحد وهو رواية الجزيري فقط ,فلو انه رجع الى مصادر اخرى ككتاب المقريزي او الصيرفي او غيرهم لتراجع عن اعتقاده هذا. والواقع ان (قريشا) هذا ماهو الا احد افراد اسرة آل مهنا التي تتزعم قبائل طي ومن ينطوي تحت لوائها من عشائر في كل من العراق والشام. ان المصادر لم تذكر اسم والد قريش بل اكتفت بذكر اسم عمه زامل بن موسى بن مهنا بن عيسى نظرا لشهرته الواسعة ,اذ تولى امرة عرب بادية الشام مرتين الاولى عام 770/1368-80. ولزامل هذا اخوان هما عمر ومحمد,ولا ندري أي هؤلاء الاثنين هو والد قريش. ومهما يكن من امر فان حادثة الهجوم على قوافل حجاج العراق وايران والحسا لايمكن فهمها الا من خلال التعرف على علاقة زعماء قبائل طي بعضهم ببعض من جهه,ثم علاقتهم بكل من الدولتين المملوكية والجلايرية من جهة اخرى, وكذلك الاوضاع الداخلية في هاتين الدولتين في حدود هذه الفترة, الا ان ذلك سوف يخرجنا عن مجال بحثنا. على ان الذي تجدر الاشارة الية ان بعض زعماء طي كانوا قد اقاموا لهم امارة في جهات البصرة منذ ان قطع السلطان الايلخاني ابو سعيد (716-737/1316-35) البصرة لفضل بن عيسى احد زعماء طي عام 718/1318.

ويبدو ان زعماء طي كان لهم نشاط بعد هذا التاريخ في هذه المنطقة.فنحن نعرف ان السلطان المملوكي الظاهر كان قد اوعز الى زعيم قبيلة غزية ثامر بن قشعم الذي يقيم عادة قرب المشهدين (كربلاء والنجف) بمهاجمة املاك آل فضل في البصرة عام 795/1393، فقام بالاستيلاء على املاكهم ونهبها. كما ان شرف الدين يزدي قد ذكر بان تيمور لنك ارسل حفيده امير زادة ميرنشاه بحملة الى البصرة عام 796/1393-94 للتنكيل بالعرب الذين كانوا يقطعون طرق قوافل الحجاج. ونحن نعرف بان آل فضل في البصرة كانوا على عداء مع امارة العصفوريين في بلاد البحرين لذا بقي ان نتساءل عما اذا كان قريش هذا قد اتخذ من جهات البصرة قاعدة لهجومه على قوافل الحجاج هذه؟. ومهما يكن من امر فالذي نراه ان هجوم قريش هذا لم يمر دون ان يترك خلفه اصداء واسعة . نظرا لضخامته وللخسائر التي رافقته ,واستهدفت احد الشرايين الحيوية للحياة الاقتصادية لبلاد البحرين.لذا لايمكن ان نكون قد ابتعدنا عن الصواب فيما لو اتخذنا من هذا الهجوم سببا مقبولا لسقوط امارة العصفوريين,ان لم يكن دليلا على سقوطها قبل هذه الحادثة بقليل.كما يمكن ان نقول بان هذه الواقعة قد مهدت السبيل لصالح بن حولان (جولان) لان يبسط نفوذه السياسي على البحرين اضافة الى البصرة لينتهي هذا النفوذ بهجوم جيوش تيمورلنك على البصرة 795/1393 والذي نتج عنه مقتل صالح. ان فترة الفراغ السياسي الذي حدث في البحرين في نهاية القرن الثامن/الرابع عشر أي في حدود فترة التغيرات والاحداث التي اشرنا اليها –هي الفترة التي ترجح فيهاقيام سعيد بن مغامس بن سليمان او جروان المالكي بالاستيلاء على السلطة في تلك البلاد.

ومما تجدر الاشارة اليه هنا اننا كنا قد بينا الاسباب التي حملتنا على تخطئة التاريخ الذي اورده ابن حجر العسقلاني وهو عام 705/1305-6-كبداية لقيام حكومة جروان في بلاد البحرين. ويمكننا ان نضيف الآن تساؤلا آخر هو ,كيف يمكن الاطمئنان الى صحة التاريخ الذي اورده ابن حجر مع انه يجهل ما وقع لهذه الامارة من احداث خلال حياته ؟ فهو يقول عن ذلك ان ( ابراهيم بن ناصربن جروان كان وما يزال حاكما للقطيف عام 820/1417,فحسب ولا يعرف عما وقع له ولامارته بعد هذا التاريخ ,مع ان ابن جبر عاش حتى عام 852/1448. ويبدو لنا ان مدة حكم اسرة جروان المالكي في بلاد البحرين لم تتجاوز نصف قرن .على اننا سوف نحاول على ضوء ما لدينا من ادلة تحديد التاريخ التقريبي لنهاية حكومة آل جروان على يد الجبور بعد ان كنا قد رجحنا تاريخ قيامها في حدود عام 795/1393 او بعد بضع سنوات .

2- قيام امارة الجبور

يجدر بنا قبل الحديث عن قيام امارة الجبوران نبدي بعض الملاحظات حول الصلة بن العصفوريين والجبور فنقول: انه لا توجد صلة النسب والانحدار القيسي بينهما امر لا خلاف فيه نظرا لانتساب العصفورين الى قبيلة عامر بن عقيل بن عامر بن صعصعه وانتساب بنى جبر لعقيل من عامر بن ربيعه من عبد القيس من بني اسد بن ربيعه بن نزار


على انه يجب ان نقرر بان سلسلة نسب امراء الجبور لم تصلنا بشكل كامل ودقيق,بل انها تشير في كثير من الاحيان بعض الاشكالات في درجة القرابة العائلية فيما بينهما.فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد ان المصادر تذكر بان الجبور ينتسبون الى جدهم الاكبر جبر.لكن هذه المصادر لم تساعدنا في الاجابة على تساؤلنا عن موقع اسم جبر ضمن سلسلة نسب هذه الاسرة. ان عبارة جدهم جبر هي غير كافية للاجابة على هذا السؤال ,فالعرب كثيرا ما اعتادوا عند اشارتهم الى الرؤساء والشيوخ والحكام والامراء,بل وحتى الى اسماء الاسر الميسرة,الى الاكتفاء بذكر الجد البارز الذي ينتسبون اليه فقط.ويستمرون في اطلاق ذلك على الآباء والاحفاد ايضا’فيصبح اسم هذا الجد وكانه هو البداية لسلسلة نسب الاسرة ويسكتون في اغلب الاحيان عما يلي هذا الجد من اسماء,الامر الذي ينتج عنه الاشكالات حول الانحدار العائلي لهذا الجد الكبير خصوصا في حالات السادة. وهذا ماحدث بالضبط بالنسبة لامراء الجبور ,كان يكتفى باطلاق اسم ((ابن جبر)) او ((ابن زامل او ابن اجود)) ويبدو ان مثل هذه التعابير كانت شائعة في عهد امارتهم بحيث ان البرتغاليين عند دخولهم الى الخليج العربي قد وجدوها متداولة بين السكان فتحدثوا في تقاريرهم عن ابن جبر وبلاد ابن جبر.

والمشيخة تبقى في القبائل العربية محصورة عادة في افراد اسرة معينة .ان عدم وجود هذا المبدا الوراثي الثابت هو نفسه قد يكون احد العوامل التي قد تساعد على بروز زعامات جديدة .فالاب قد يخلفه ابنه او اخوه وربما عمه او ابن اخيه ....الخ وكل هذه الامور تعتمد على القابلية الشخصية فكل فرد من افراد البيت التي تنحصر فيه المشيخة والظروف المحيطة به وكذلك على عدد المنضوين تحت لواء كل زعيم من زعمائها سواء كانوا من افراد عشيرته ام من اتباعه الاخرين,ومهما يكن من امر فان ما اثرناه حتى الآن يبقى بعيدا عن الاجابة عن الكيفية التي برزت فيها زعامة جبر او بنيه وتوليهم المشيخة في بني عقيل بن عامر.

بقي علينا ان نحاول تحديد الفترة الزمنيه التي ظهر فيها نشاط بني عامر بزعامة بني جبر واستطاعوا بعدها انتزاع السلطة في شرق الجزيرة العربية ,بعد ان كنا قد قطعنا بعدم وجود صلة بين نشاط (قريش الطائي) وبين الشيخ زامل بن حسين بن ناصر بن جبر. وجدير بنا بادىء ذي بدء ان نعيد الى الاذهان القول بان كلا من القطيف والاحساء كانتا منذ بداية النصف الثاني من القرن الثامن/الرابع عشرتدينان بالتبعية لمملكة هرموز العربية المتاثرة كثيرا بالمحيط الفارسي والتي كانت قد تركت الحكم فيها لامراء من العرب في حين كانت جزيرة البحرين كانت قد اخذت تحكم من قبل حكام يعينون من قبل ملوك هرموز. ولقد احتفظ ملوك هرموز بالقابهم التي تنم عن تبعية تلك البلاد اليهم, فقد كان قطب الدين فيروز شاه الذي حكم حتى عام 820/1417 بلقب ملك هرموز والبحرين والحسا والقطيف. كما ان سيف الدين مهار الذي حكم حتى عام 839/1435 قد وصف بانه صاحب هرموز والبحرين وبانه كان يبعث بالحكام من قبله الى كل من قطيف والبحرين.

ويبدو ان قوة نفوذ ملوك هرموز وهيبتهم كانت سببا الى حد ما في تثبيت الاوضاع السياسية في بلاد البحرين .الا انه في نهاية الربيع الاول من القرن التاسع /الخامس عشر اخذت مظاهر الضعف والاضطراب السياسي تبرز في مملكة هرموز.فكان الصراع بين افراد الاسرة الحاكمة فيها مظهرا وسببا في ان واحد لحالة الضعف هذه,مما شجع العرب على طول الساحل الشرقي لجزيرة العرب للتحرك بهدف التخلص من التبعية لمملكة هرموز. ولعل ماحدث في بلاد البحرين خير مثال على ذلك كما سوف نرى.

في صيف عام 820/1417 قام سيف الدين مهار بالتمرد على ابيه تهمتن الثالث فيروز وارغمه على التنازل عن العرش.فولد هذا التغيير توترا واسعا في مملمة هرموز. ويبدو ان هذا الوضع المتوتر كانت له انعكاسات في بلاد البحرين ,فالمؤرخ الهرموزي –البهمني نيمديهي يذكر لنا بان البدو في بلاد البحرين قد انتفضوا عام 820/1417 بحيث اصبح من المتعذر على القوافل سلوك الطريق ما بين البحرين والحجاز.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ان البدو الذين اشار نيمديهي اليهم قد قصد بهم الجبور؟؟ وهل ان انتفاضتهم هذه قد ادت الى الاستيلاء على الاحساء وانتزاعها من بني جروان؟؟

ان الذي يحملنا على هذه التساؤلات هو:-

1- ان السخاوي حين ترجم للسلطان اجود بن زامل قال: بانه ولد في بادية الاحساء في رمضان عام 821 تشرين الاول 1418, وهذا الامر يحملنا على الافتراض بان الجبور كانت لهم في هذه الاثناء السيطرة على هذه البوادي. 2- ان ابن حجر العسقلاني حين ترجم لابراهيم بن ناصر بن جروان وصفه بانه صاحب القطيف ولم يضف الى لقبه غير هذا الاقليم, وكان هذا الوصف له في حدود عام 820/1417 في الوقت الذي كان ابن حجر نفسه قد وصف جروان- جد المترجم له- بانه الحاكم على كافة بلاد البحرين.فعبارات ابن حجر هذه تحملنا على الافتراض بان الجبور كانوا قد انتزعوا الاحساء من ابراهيم ابن جروان ولم يبق في يده غير القطيف وان ابن حجر حين حدد هذه السنة بالذات فانه لابد ان يكون قد وقعت فيها احداث في جهات بلاد البحرين كانت مناسبة لان يعرف عن آل جروان بعض المعلومات.

3- ان كلا من البحرين والقطيف وعمان وقلهات وهرموز وغيرها كانت قد ذكرت ضمن المناطق الخاضعة لنفوذ ملك هرموز سيف الدين مهار –بداية حكمه عام 820/1417- بينما لم يرد ذكر الاحساء ضمن ذلك ,في حين ان اسم الاحساء كان يذكر ضمن المناطق الخاضعة لنفوذ والده قطب الدين فيروز شاه ,والذي انتهى حكمه مع بداية حكم ولده سيف الدين. ان هذه النقطة تحملنا هي الاخرى على الافتراض بان الاحساء كانت قد خرجت قبيل عام 820/1417عن دائرة التبعية لملوك هرموز مثلما خرجت من ايدي بني جروان.

على اننا ونحن نرصد احداث بلاد البحرين يجدر بنا ان نوجه انتباهنا ايضا الى ماكان يقع في المناطق المجاورة لها من احداث ’خصوصا ونحن نعرف دقة الترابط الوثيق بين تاريخ بلاد البحرين وما يجاورها من اقاليم عبر العصور المختلفة .فعلى سبيل المثال نجد ان القبائل العربية على الحدود الشمالية لبلاد البحرين قد استطاعت بقيادة الشيخ مانع بن شبيب انتزاع البصرة من الدولة الجلائرية وذلك منذ مطلع القرن التاسع /الخامس عشر ’ليحكمها هو واولادة من بعده. ان هذا الحدث قد يكون له دور محفز ليدفع بني عامر للتحرك من جديد من اجل اعادة هيمنتهم على بلاد البحرين مثلما كانوا في السابق.

ومهما يكن من امر فان الطريق ما بين البحرين والحجاز الذي كان قد قطع عام 820/1417 قد اصبح مطروقا عام 823/1420 ولكن بقيادة بني عامر .فالسخاوي يذكر بان قافلة بني عقيل قد غادرت الحجاز في هذه السنة بعد انتهاء موسم الحج عائدة الى بلاد البحرين(28). على ضوء ما تقدم يمكن الافتراض بان الجبور كانو قد انتزعوا واحات الاحساء من بني جروان وان ذلك قد حدث في حدود العام820/1417,ثم اتخذوا منها قاعدة لتوسعاتهم في المستقبل.

ان هذه الفرضية لا تتعارض وما لدينا من ادلة ,بل ان الادلة التي اشرنا اليها آنفا بالرغم من انها ادلة غير قطعية –تعزز هذه الفرضية. اما ما ذكره المستشرق الفرنسي جان اوبين من ان سيف بن زامل ربما كان قد استولى على واحات الاحساء عام 864/865/1460,(29) فهو اجتهاد يعوزه الدليل ويصعب قبوله كما سوف نرى. ان الاحداث التي وقعت على ساحلي الخليج العربي ضمن حدود مملكة هرموز كانت فرصة مواتية للجبور لتثبيت امارتهم وتوسيعها.
ففي عام 839/1435-1436 ثار الامير فخر الدين تررنشاه الثاني حاكم ميناء قلهات العماني ضد اخيه سيف الدين مهار ملك هرموز, وكانت ثورته بتحريض ومساندة من العرب ,وكان لبلاد البحرين دور فعال في هذه المساندة اذ زود منها بالسفن كما امدته الاحساء بالخيول واقرضه تجار تلك البلاد بالاموال اللازمة لتغطية تكاليف حملته.

الا ان الحرب بين الاخوين قد طالت مدتها وتعقدت ,اذ استمرت لمدة اربع سنوات ويعزى سبب ذلك الى تدخل السلطان شاه رخ (807/1405- 850/1447) حفيد تيمور ووقوفه الى جانب سيف الدين مهار وامداد ه بالجند.

ومهما يكن من امر فان هذه الحرب قد انتهت اخيرا لصالح فخر الدين تورانشاه عام 843/1439 وفاز بكرسي المملكة. ان الذي يهمنا من ثورة فخر الدين تورانشاه هي انها قد ادت الى تعزيز الدور الذي اخ يلعبه عرب السواحل الشرقية للخليج في الحياة السياسية لمملكة هرموز .كما انها كانت فرصة للزعماء الطموحين لاستغلال هذه الاضطرابات للتحرك لتحقيق طموحاتهم . ويبدو ان الجبور كانوا من المنتهزين لهذه الظروف .فجان اوبين ينقل لنا عن المؤرخ الفارسي جعفري المعاصر للاحداث من موقع حدوثها قوله بانه في سنة 843/1439-1440-أي في نفس السنة التي اتهى فيها الصراع بين الاخوين سيف الدين مهار وفخر الدين تورنشاه –قام البدو بالاستيلاء على القطيف ونهبها. والذي نميل اليه ان التاريخ المذكور اعلاه يمكن ان يكون تاريخ استيلاء الجبور على القطيف,بعد ان كانوا قد استولوا قبلها على واحات الاحساء. ان هذه الفرضية التي نميل اليها تعززها الادلة التالية وهي:-

اولا:- ان نص الجعفري الذي سبق ان ذكرناه بالرغم من انه لا يصرح باسم البدو الذين قاموا بالاستيلاء على القطيف ,فاننا نميل بشدة الى ان المقصود بهم هم بنو عامر بزعامة آل جبر .ان معلوماتنا تشير الى انه في حدود هذه الفترة كان بنو عامر يشكلون القوة القبلية الرئيسية والنشطة في بلاد البحرين.

ثانيا:- ان حالة الاحتراب بين المتنافسين على عرش مملكة هرموز ثم انتصار تورانشاه في نهايتها لابد ان تكون قرصة مناسبة ومشجعة للمعارضين للملك المهزوم سيف الدين مهار للانقضاض على اعوانه والحكام التابعين له في كل مكان وطردهم من مواقعهم .ثم ان العرب عموما وسكان بلاد البحرين خصوصا كانوا ممن قدموا مساعدات كبيرة لتورانشاه في صراعه ضد اخيه,ومن المحتمل ان مثل هذه المساعدات قد تمت وفق شروط معينه يمكن من خلالها الحصول على تعويضات مقابلة لها وقد يكون التنازل عن القطيف ,بما تغله من واردات هي ضمن هذه المساعدات .ونحن لا نغرق في الخيال والتصورات عندما نقول ذلك,فلدينا دليل تاريخي يدعم ذلك وهو شروط التعاون ما بين الشيخ اجود بن زامل وبين ملغور-والتي سوف نذكرها في حينه- ولربما يكون هذا الاتفاق قد اعتمد على واقعة سابقة اشرنا اليها سابقا. ثالثا:- ان ابن حجر العسقلاني حينما ترجم لابراهيم بن ناصر بن جروان المالكي ذكر بانه كان مايزال يحكم الاحساء في عام 820/1417.ان تحديد ابن حجر لهذه السنة بالذات –بالرغم من انه قد مات بعدها بفترة طويلة سببا اذ انه توفي عام 852/1448-يعني انه يجهل ما وقع في بلاد البحرين بعد هذا التاريخ من احداث ,او انه يعرف انه قد حدثت تغيرات هناك بعد هذا التاريخ ,الا انه لا يملك عنها معلومات كافية.ان هذا الامر قد يسمح لنا بالافتراض بان نهاية امارة جروان قد حدثت خلال حياة ابن حجر نفسه. رابعا:-ان السخاوي حينما ترجم لفخر الدين تورانشاه قد نعته بصاحب هرموز فقط.ولم يضف الى القابه مايفهم منه بتبعية أي جزء من اجزاء بلاد البحرين ,في الوقت الذي كان فيه السخاوي قد اضاف الى ملوك هرموز-الذين سبقوا فخر الدين- نعوتا يفهم منها تبعية بلاد البحرين او جزء منها لمملكتهم.ان هذا الامر يسمح لنا ايضا بالافتراض بان بلاد البحرين او معظم اجزائها على الاقل كانت قد خرجت من دائرة التبعية لملوك هرموز ولبني جروان في آن واحد .

خامسا:- ان ابن بام حينما ورد ذكر قيان زامل بن حسين الجبري بغزو الخرج من نجد عام 851/1447 نعته بانه ملك الاحساء والقطيف . وان هذا الوصف للامير زامل يقتضي ان يكون قد امتلك كلا من الاحساء والقطيف قبل التاريخ المشار اليه سابقا,وقد يفترض البعض على استنادنا على رواية ابن بسام هذه على اساس ان عصر ابن بسام بعيد عن عصر زامل(توفي ابن بسام في حدود عام 1346/1927-28)وردنا على ذلك هو ان تاريخ ابن بسام من المصادرالموثوق بها الى حد كبير عن تاريخ نجد للفترة ما بين القرنين التاسع والثاني عشر /الخامس عشر- الثامن عشر ,حتى ان جورج رينتز- المتخصص بتاريخ نجد- وصف هذا المصدر بانه لا يوازيه مصدر آخر لدراسة هذه الفترة. ومهما يكن من امر فان ابن بسام لابد ان يكون قد وقعت بين يديه مصادر نادرة لم تصل الينا على ان نص ابن بسام لا يتعارض في تقديرنا مع ما ذكره السخاوي من ان سيف ابن زامل هو الذي استولى على ما بيد بني جروان من بلاد البحرين اذ قد يكون سيف هذا قد قام بهذ العمل في حياة والده زامل وبتوجيه منه .ثم علينا ان نلاحظ بان السخاوي لم يحدد لنا أي جزء من بلاد البحرين كان لا يزال بيد بني جروان فانتزعه منهم سيف؟وفي أي سنة قد تم ذلك؟

سادسا:- ان المرحوم سليمان الدخيل قد ذكر بان قيام دولة بني زويمل –أي دولة زامل- كان في حدود عام 850/1446,وهذا التاريخ الذي اورده الدخيل هو مقارب بعض الشيء للتاريخ الذي نميل الى صحته وهو عام 843/1439-40.

وخلاصة الامر ان ماقد ذكرناه اعلاه فيه من الدلائل مايكفي لرفض فرضية جان اوبين- التي سبق ان اشرنا اليها- من ان احتلال الاحساء قد تم عام 864-65/1460,كما ان هذه الادلة قد تعزز ماذهبنا اليه من ان هذا الاحتلال قد تم قبل التاريخ الذي اورده اوبين بحوالي العقدين من السنين.اما فرضية الشيخ حمد الجاسر والقائلة بان قيام دولة الجبور قد كان في اواخر القرن الثامن عشر /الرابع عشر فلا نعتقد اننا بحاجة لمناقشتها بعد كل ماسبق وان بيناًه.

بقي علينا قبل ان نغادر هذه النقطة ان نذكرباننا نميل الى اعتبار زامل بن حسين بن ناصر بن جبر هو مؤسس امارة الجبور ,سندنا في ذلك هو نص ابن بسام الذي سبق ان ذكرناه .ونحن بذلك نخالف ماذهب اليه كل من محمد العبد القادر وحمد الجاسر اللذين يميلان الى اعتبار سيف بن زامل هو مؤسس الامارة. ومن الواضح ان سندهما في لك هو نص السخاوي الذي اشار فيه الى قيام سيف بانتزاع ما بايدي بني جروان من بلاد البحرين ولقد كنا قد اوضحنا سابقا بان ذلك لا يقتضي قطعا ان يكون سيف قد قام بهذا العمل بعد وفاة والده بل قد يكون قد قام به في حياة والده وبتوجيه منه.ثم ان نصوص ابن بسام صريحة في ان زاملا كان مايزال على قيد الحياة حتى بعد التاريخ الذي كان قد افترضه جان اوبين كتاريخ لفتح القطيف.

ومهما يكن من امر فان نجاح زامل بن حسين الجبري في فرض سلطانه على كل من الاحساء والقطيف قد رافقه ايضا بسط نفوذه على اجزاء واسعة من نجد, وقد يكون لانتشار قبائل عامر ووفرة نفوذها في نجد علاقة وثيقة في تحقيق هدفه هذا.ولعل ما ذكره بن عتبه-نقلا عن استاذه ابن معية الحسيني المتوفي 776/1374-75-من ان الاخيضريين في اليمامة كان يقدر عددهم بالف فارس ويدخلون تحت لواء بني عامر ماهو الا دليل على قوة زعامة بني عامر في اليمامة حتى تاريخ تلك الفترة السابقة لقيام امارتهم ,ثم ان الرواة ينهون نسب امراء الجبور بعبارة (النجدي) وهذا دليل على الصلة القوية مابين هذه الاسرة وبلاد نجد والتي هي الموطن الاصلي لسكنى قبائل عقيل.

ولعل كثرة الحملات التي قادها زامل بن حسين وكذلك اولاده الى نجد وذكرها ابن بسام دليل ايضا على ان امراء الجبور كانوا ينظرون الى تلك البلاد على انها الظهير التي يمكن الاعتماد عليه في تجنيد المقاتلين لزجهم في المعارك التي كانوا يخوضونها هنا وهناك بين حين وآخر,كما ان احد اهدافهم من ذلك هو كسب تاييد سكان واحات نجد عن طريق حمايتهم من اعداءات البدو او ابتزازهم لهم,فابن بسام يذكر لنا بان زاملا قد قاد جيشا عظيما مؤلفا من البدو والحضر لاخضاع قبائل الدواسر والفضول وعايذ في منطقة الخرج وان هذه الحملات كانت في عام 85/1447-48 وعام 852/1448 وعام 855/1451 ثم عام 866/1461-62 عى التوالي. ويمكن ان نضيف ان اسباب هذه الحملات التي كرناها اسبابا اخرى ,وهي المحافظة على سلامة طرق القوافل التي تربط مابين بلاد البحرين ونجد من جهه ونجد وظفار من جهة اخرى ,ثم يجب علينا الا ننسى بان الجبور بعد ان نجحوا في اقامة سلطة سياسية لهم لابد انهم قد اخذوا يرفضون الاعتراف للقوى القبلية الاخرى –بالمنافع المادية التي اخذوا يجنونها من وجودهم على قمة السلطة ,وهذا الامر بالتاكيد يثير في كثيرة من الاحيان النزاعات القبلية.

مهما يكن من امر فانه يبدو بان الشيخ زامل قد نجح الى حد كبير في فرض هيبته وتثبيت نفوذه بين البدو والحضر في كل من نجد وبلاد البحرين واقام صلة من الروابط والمصالح المشتركة بين الفئتين.

ان النجاح الذي حققه الشيخ زامل بن حسين قد هيأ بالتاكيد فرصة اكبر لتكوين قوة خاصة الى جانب القوة القبلية يمكن الركون اليها وتدين له بالتبعية مباشرة .فالعاملون في السفن وفي مغاصات اللؤلؤ ومصائد الاسماك وكذلك الرقيق الابيض والاسود المتوفر في اسواق الخليج العربي كل هؤلاء عناصر يمكن الاستفادة منها في تكوين مثل هذه القوة الخاصة والبعيدة عادة عن التاثر بالولاءات القبلية السائدة في مثل ذلك المحيط. والواقع ان عملية تكوين السلطة السياسية تعتمد على التطور الحاصل في الاداة الوحيدة للقوة وهي القوة العسكرية ,ولم تظهر سلطة سياسية بدون ظهور قوة عسكرية الى جانبها, على ان التركيب الاجتماعي للقوة العسكرية ماهو الا نتاج البيئة الاجتماعية والاقتصادية.ولعل فيما ذكره ابن بسام من ان السلطان زامل كان يقود جيشا عظيما مؤلفا من البدو والحضر يعبر عن الطبيعة الاجتماعية لتركيب هذا الجيش.

ومن المفيد ونحن نتحدث عن الظروف التي ساعدت الجبور على الاستيلاء على كل من البحرين والقطيف ونجد ان نستعرض العوامل التي ساعدت على تثبيت دعائم هذه الامارة.

لقد تزامن ظهور قوة الجبور مع انتشار الفوضى والاضطرابات والتخريب والدمار الواسع في كل من العراق وايران وديار بكر والاناضول وشمال بلاد الشام.فمنذ بداية العقد الثاني من القرن التاسع/الخامس عشر شهدت تلك المناطق صراعات وحروب حول السلطة والنفوذ فيما بين الدولة التيمورية ودولة قرة قوينلو , وكذلك مابين الدولتين المذكورتين ودولة آق قوينلو، ثم اخيرا مابين الدولة الاخيرة والدولة العثمانية . ولم تسلم الدولة المملوكية في مصر والشام من التورط بجانب من هذه الصراعات .يضاف الى كل ذلك الصراعات الداخلية الدامية حولالسلطة في داخل كل من هذه الدول.كما يجب ان لا غيب عن بالنا الاضطرابات الفلاحية والقبلية في وسط العراق وجنوبه والتي رافقت ظهور حركة المشعشعين التي انتهت بتاسيس امارة عربية لهم.

كانت مراكز الانتاج الصناعي والاسواق التجارية ومحطات القوافل في هذه السلطة الواسعة هي من مناطق الاضطراب الرئيسية.فكان من نتاج كل ذلك اصيب الحركة التجارية وحركة القوافل مابين الخليج العربي وهذه المناطق بنوع من الشلل والكساد فانكمش النشاط التجاري في موانئ الخليج العربي في الوقت الذي كانت فيه موانئ البحر الاحمر وعلى الخصوص ميناء جدة تشهد انتعاشا تجاريا كبيرا. وعلى ضوء الصورة التي رسمناها لاوضاع المناطق المجاورة لبلاد البحرين لابد ان نتوقع ان التجار قد اخذوا يتطلعون للمناطق الاكثر ازدهارا وآمنا من اجل نقل نشاطهم التجاري اليها,وحيث ان الحجاز اصبحت منطقة جذب بالنسبة اليهم فيقتضي عليهم ان يجتازوا بتجارتهم بلاد البحرين ونجد وتسليم قيادة القوافل الى بني عقيل العامرين الذين هم اقدر على قيادتها. ان بروز هذا النشاط التجاري مابين سواحل بلاد البحرين والحجاز لابد انه قد عزز مركز امارة الجبور وزاد من قوتها كما علينا ان لا ننسى بان زيادة الطلب من قبل المماليك العثمانيين وآق قوينلو على اهم سلعتين تجاريتين استراتيجيتين تشتهر بها بلاد البحرين وهي الخيول والجمال قد ادى الى ان يجني بنو عامر فوائد مادية كبيرة من ذلك. ان حرص امراء الجبور على ان يرافقوا القوافل التجارية لم يكن الا تعبيرا على حرصهم على سلامة هذه القوافل لانها مصدر مهم تجني منها امارتهم فوائد مادية كبيرة.

قائمة الأمراء بني عامر جبور وبني خالد ( بني عامر بن صععصة)
"أمراء الجبور"
الأمير حكم
براك بن غرير بن مسعود آل حميد 1669-1682
محمد بن غرير 1682-1692
سعدون بن محمد 1692-1723
علي بن محمد 1723-1731
سليمان بن محمد 1731-1753
عريعر بن دجين بن سعدون 1753-1774
بطين بن عريعر 1774-1775
دجين بن عريعر 1775-1775
سعدون بن عريعر 1775-1786
دويحس بن عريعر 1786-1793
زيد بن عريعر 1793-1794
براك بن عبدالمحسن السرداح 1793-1796
الامير خالد بن نايف بن عريعر
الامير بندر بن نايف العريعر
الامير عبدالله بن نايف العريعر
الامير نهار بن سرداح العريعر
الامير ثامر بن عبدالمحسن العريعر
الامير براك بن طليحان العريعر
الامير سطام بن عبدالله العريعر
الامير خالد بن زمام العريعر
الامير ماجد بن حبيب العريعر
الامير شبيب بن حبيب العريعر
3- توسع الجبور في ممتلكات هرموز والصراع بينهما

ان الجهود التي بذلها زامل بن حسين الجبري لاقامة سلطة سياسية لقبيلته وقدرته على الاستفادة من الظروف المحيطة به كانت قد اثرت على امتداد نفوذه على منطقة واسعة من جزيرة العرب ,تاركا لخلفائه من بعده مهمة تدعيم بنيانها وتوسيع رقعتها.وتذكر المصادر بان لزامل هذا ثلاثة اولاد وهم هلال وسيف واجود,فسيف هو الذي كان قد لعب دورا بارزا في حياة والده مما حمل بعض الباحثين المحدثين على اعتباره مؤسس امارة الجبور.وقد سبق لنا ان ناقشنا هذه الفرضية ورجحنا ان والده زامل هو المؤسس الحقيقي لامارة الجبور.لكن السؤال الذي تصعب الاجابة عليه هو/-ايكون سيف هذا قد توفى في حياة والده ’ام انه بعد وفاة والده فترة من الزمن ,وهل خلفه في السلطة؟

ان ما نميل اليه ان سيفا هذا قد خلف والده في السلطة لفترة قصيرة ليخلفه بعد ذلك اخاه اجود ,الذي حكم الامارة لفترة طويلة ان معلوماتنا من عهد اجود هي افضل منها نسبيا عمن سبقه او تلاه ويبدو ان اجود هذا قد ساهم في حروب والده واخيه ومارس قسطا من السلطة فبرزت مواهبه العسكرية والسياسية وكسب شهرة وبروزا, مما اهله لتولي امارة الجبور بدون منازع ان الظروف التي كانت تمر بمنطقة الخليج قد اهلت اجود بن زامل لان تبرز قابلياته على نطاق واسع ,وان تتجاوز شهرته حدود جزيرة العرب ,وهذا ماسوف نراه في الصفحات اللاحقة.

إن حالة الضعف والانحلال والاضطراب التي اخذت تعاني منها مملكة هرموز والاخطار التي كانت تهدد وجودها باستمرار من قبل دولة آق قرينلو في ايران ,كل ذلك جعل هذه المملكة مشلولة الحركة تجاه بروز الجور وتعاضم قوتهم في شرق الجزيرة العربية والاخطار المحتملة من قبلهم على نفوذ المملكة في تلك الجهات.ان هذا الوضع السائد في حوض الخليج العبي في الثلث الاخير من القرن التاسع عشر /الخامس عشر,قد هيا لزعيم الجبور الطموح اجود بن زامل الفرصة للتوسع.وعند وفاة فخر الدين تورانشاه خلف اربعة اولاد ,وهم مقصود وشهاب الدين وسلفور وشاه ويس,وقد دار بين هؤلاء الاخوة صراع حول العرش .فقد خلف مقصود اباه في العرش لكن اخاه شهاب الدين لم يدعه يتمتع طويلا بالسلطة اذ ثارعليه وانتزع العرش منه الا ان شهاب الدين هو الاخر لم تستقم له الامور طويلا ,اذ اطاح به اخوه سلفور ,ولم يكن حظ سلفور بافضل من حظ اخويه السابقين ,اذ ثار ضده اخوه الاصغر شاه ويس وانتزع الملك من يديه ,فما كان من سلفور الا ان اخذ يفتش عن نصير يساعده على اعادته الى عرشه والانتقام له من اخيه .وعليه فقد لجا الى والد زوجته سليمان بن سليمان النبهاني حاكم عمان الداخل .الا ان سليمان هذا لم يقدم له المساعدة المطلوبة نظرا لانه كان حاكما عاجزا وضعيفا مترددا .لم يكن امام سلفور غير التوجه الى الاحساء من اجل طلب الدعم والمساعدة من زعيم الجبور الامير اجود بن زامل .وقد وجد السلطان اجود في لجوء سلفور اليه فرصة ثمينة للتدخل المباشر في شؤون مملكة هرموز ولتوسيع امارته على حسابها عن طريق املاء شروطه على سلفور لقاء هذه المساعدة. وعليه فقد اظهر اجود بن زامل استعداده لمساعدة سلفور شرط ان يتنازل الاخير له عن كافة حقوقه وادعاءاته في القطيف وجزر البحرين وان تعود ملكيتها لامارة الجبور. لم يكن امام سلفور غير الموافقة على شروط اجود هذه,ولم يطالب بغير ان يترك له ملكية بعض البساتين في جزيرة البحرين,فاجيب طلبه وتم توقيع اتفاق مكتوب بموجب ذلك بين الطرفين .وتنفيذا لهذا الاتفاق قام اجود بن زامل عام 880/1475 بحشد قواته في جلفار(راس الخيمة) ومن المحتمل جدا ان اجود قد اسند قيادة قواته الى ولده زامل, اذ تذكر المصادر البرتغالية ان سلفور قد طلب المساعدة من ريس زامل حاكم سلوت,وربما كان زامل يحكم من هذا الميناء شبه جزيرة قطر والمنطقة الساحلية لبلاد البحرين نيابة عن والده.مهما يكن من امر فان هذه القوات قد انطلقت على ظهر سفن لغزو جزيرة(هرموز) يرافقها سلفور وتمكنت من احتلالها والقبض على شاه ويس ووزيره خواجه عطار وتنصيب سلفور ملكا على هرموز.وكنتيجة لذلك اصبحت كل من القطيف وجزر البحرين واجزاء من امارة الجبور ومما هو جدير بالذكر بان حكم الشيخ اجود قد شمل بلاد هرموز وربما يعني بقوله هذا اجزاء كانت في السابق من مملكة هرموز كالقطيف والبحرين، أما اذا كان يقصد اجزاء غيرها فهذا خطأ محظ اوقعته فيه رواية السخاوي المشوشة عن علاقة اجود بسلفور شاه.

قبل التحدث عما وقع من احداث في اعقاب ما اشرنا اليه يجدر بنا ان نثير سؤالا هاما وهو: هل يفهم من الاتفاقية ما بين سلفور واجود ان كلا من القطيف والبحرين لم تكونا قد دخلتا ضمن نفوذ الجبور قبل عام 880/1475؟ للاجابة على ذلك يمكننا القول بان التدقيق فيما اورده ابن ماجد والمصادر البرتغالية لا يؤيد ذلك بشكل قاطع ,بل ان الذي يمكن ان يفهم منها ان هذين الاقليمين كانا قد اصبحا فعلا بيد السلطان اجود قبل ذلك وانه يعترف بتبعيتهما لمملكة هرموز.ويدفع لقاء ذلك مبالغ سنوية من وارداتها كذلك يمكن ان تفسر هذه النصوص على ان اجود بعد استيلائه على هذين الاقليمين لم تعترف له مملكة هرموز باحقيته في الاستيلاء عليهما وان هذه الاتفاقية قد جاءت لكي تتنازل مملكة هرموز عن كل حقوقها في هذين الاقليمين.

مهما يكن من امر فاننا في صفحات سابقة قد رجحنا ان القطيف كان قد تم الاستيلاء عليها عام 843/1439-40 في عهد الشيخ زامل بن حسين.كما ان الاحداث التي كانت قد وقعت في مملكة هرموز على اثر وفاة فخر الدين طورانشاه هي بالتاكيد فرصة مناسبة لاجود للاستيلاء على جزر البحرين.ومن المستبعد ان يترك اجود هذه الفرصة للتوسع تفلت من يديه خصوصا اذا ماعرفنا بان البحرين غنية جدا اذا ما قورنت ببقية مناطق الخليج ,كما انها مركز تجاري هام ثم ان استيلاء الجبور على القطيف كان لابد ان يتبعه الاستيلاء على البحرين اذ ان القطيف منفتحة على نجد عن طريق البحر وراس قنطرة الطريق التجاري مابين مناطق الخليج العربي والحجاز ,انها صورة تتكرر عبر مختلف العصور التاريخية فمن يملك ساحل القطيف كان لابد له ان يعمل على ضم جزر البحرين اليه.ان مما يؤيد ايضا ما ذهبنا اليه هو ان النزاع المسلح الذي وقع بعد ذلك بين اجود وسلفور حول جزيرة البحرين كان يدور اساسا حول رفض اجود ان يدفع الى مملكة هرموز اية مبالغ مما يحصله من واردات البحرين ,فالاتفاق اساسا كان قد قام على تنازل هرموز عن أي ادعاء لها بحقوقها في البحرين ولم تكن الخلافات بينهما قائمة على اساس شرعية الوجود السياسي للجبور فيها. مهما يكن من امر فان هذه الخلافات بين القوتين قد اثارت حروبا طويلة سوف نتعرض اليها في الصفحات التالية.

عندما نجح الامير سلفور شاه في الوصول الى العرش بدعم من الشيخ اجود بن زامل ,ندم على تنازله عن حقوق مملكته في البحرين خصوصا وان واردات هرموز كانت تعاني انخفاضا كبيرا نتيجة لانكماش تجارة الخليج العربي بعد ازدهار تجارة البحر الاحمر ولعل ما تغله كل من البحرين والقطيف من واردات لهرموز سوف يخفف بالتاكيد من العجز الذي تعاني منه خزانتها.

كما يجب ان لايغيب عن ذهننا عامل آخر قد يكون له دور في تاجج الصراع بين هرموز والجبور ذلك انه اصبح لاجود شهرة واسعة ولامارته مكانة كبيرة ولا ادل على ذلك من ان اجود اصبح يلقب بسلطان البحرين والقطيف والاحساء ورئيس اهل نجد وهي القاب كان ملوك هرموز يفخرون في السابق بحملها.كما اننا نجد من الجهة الاخرى ان مملكة الدكن البهمنية في الضد تسعى الى صداقته .فراسله وزيرها الشهير محمود كاوان طالبا منه اقامة علاقة صداقة وتعاون بين الدولتين ,وفي ذلك دليل على ان شهرة اجود قد جاوزت حدود منطقة الخليج العربي لتصل الى الهند. اخذ سلفور شاه يعمل على التذرع بمبررات للتخلص من الاتفاقية التي عقدها مع السلطان اجود,فاخذ يطالب الاخير بان يدفع له مبالغ سنوية من واردات هاتين المقاطعتين باسم حقوق التبعية لكن اجود رفض ذلك وتمسك بالاتفاقية المكتوبة بينهما.ولجا سلفور الى استعمال القوة لاسناد مطاليبة فارسل عدة حملات بحرية ضد جزر البحرين والقطيف ,كانت احدى هذه الحملات بقيادته واخرى بقيادة وزيره نور الدين الهالي,كما قاد احدى الحملات ايضا طورانشاة بن سلفور شاه. وقد تصدى الجبور ببسالة لهذه الحملات جميعا واحبطوها بقيادة السلطان اجود بن زامل,مستفيدين من تفوقهم العسكري في البر.

مما تجدر الاشارة اليه هنا ان المستشرق الفرنسي اوبين يميل للاعتقاد بان الحملة التي قادها طورنشاة عام 890/1485 قد نجحت في احتلال البحرين. ان ماذهب اليه اوبين يصعب قبوله للاسباب الثلاثة التالية

اولا:- ان ابن ماجد عندما وصف جزر البحرين قال(( بانها لاجود بن زامل عند تالفينا الكتاب )) وبما ان كتاب ابن ماجد ((الفوائد)) قد الف مابين عامي 895-96/1489-90 فمعنى ذلك ان اوبين كان على خطأ فيما ذهب اليه.

ثانيا:- انه خلال تلك السنة التي رجح فيها جان اوبين احتلال طورانشاه للبحرين كانت مملكة هرموز تعاني خوفا شديدا من اطماع صوفي خليل بك موصوللو رجل دولة آق قوينلو القوي ولم تستطع هرموز ان تتنفس الصعداء الا عندما ابتعد خطره عنها عام 891/1486 في مثل هذه الظروف التي تهدد هرموز يصعب قبول فكرة قيامها بحملة قوية ضد البحرين والقطيف.

ثالثا:- ان ابن بسام قد ذكر بانه في عام 890/1485- وفي نفس السنة التي ذكر ان البحرين قد احتلها الهرموزيون – قام اجود بن زامل بحملة تاديبية ضد بعض القبائل في واحات الخرج من اقاليم نجد(54) فاذا كانت بلاد البحرين مهددة بغزو وشيك الوقوع او ان جزيرة البحرين قد احتلت في تلك السنة ,فكيف يقوم سلطان الجبور بالابتعاد عن مواقع الخطر بعيدا الى الغرب؟ مهما يكن من امر فان الذي نميل اليه هو ان مملكة هرموز قد ادركت بان تسوية الامر عن طريق تحقيق نصر عسكري حاسم ضد امارة الجبور غير ممكن,وان الوصول الى تسوية سلمية توفيقية ربما يكون افضل .كما يمكن القول بان السلطان اجود لابد انه هو الاخر قد اخذ يميل الى الحل نظرا للاضرار الاقتصادية التي اخذت تصيب امارته. ان ماذكره المؤرخ البرتغالي دي باروس من ان النزاع بين الطرفين قد تم تسويته عن طريق اتفاقية هو الاقرب الى الصحة وتؤيده الوقائع التالية. ان هذه الاتفاقية قد ذكر بانها نصت على :

(أ):- تكون جزيرة البحرين تحت ادارة الجبور.

(ب):- يعترف الجبور بتبعية هذه الجزر لمملكة هرمز.

(ج):- بموجب حقوق التبعية يقوم الجبور بدفع مبالغ سنوية (مقررات) من واردات هذه الجزر. بقي هذا الاتفاق محترما الى حد كبير من قبل الطرفين ولسنوات طويلة لاحقة(55) بالرغم من ان مملكة هرموز لم تكن مرتاحة كل الارتياح لهذه الاتفاقية الجديدة لانها تعكس عجز هرموز وقدرة الجبور. ومهما يكن من امر فانه لم تمضي مدة على هذا الاتفاق حتى اضحت موانئ عمان –وهي اجزاء من مملكة هرموز- تحت رحمة الجبور ,لتغلغل قواتهم في عمان الداخل الامر الذي اثار بالتاكيد مخاوف شديدة لدى الهرموزيين. يضاف الى كل ذلك ان امارة الجبور لم تكن بالتاكيد تدفع المبالغ المقررة عليها لهرموز او على الاقل تتملص منها في بعض الاحيان.

وعليه كانت مملكة هرموز تنتظر الفرصة المناسبة للتخلص من هذه الاتفاقية الجديدة وسحق قوة الجبور, خصوصا بعد ان اصبحت مقاليد السلطة الحقيقية في المملكة بيد الوزير المحنك خواجة عطار. واتت الفرصة اولا بعد ان توفى السلطان اجود بن زامل وثانيا بعد ان انسحب البرتغاليون من الخليج العربي على اثر سعي قوات المماليك في مصر لضرب مراكزهم في الهند. في جمادي الاول 913/1507 اصدر خواجة عطار بيانا وزع في كافة انحاء مملكة هرموز ,اعلن فيه بانه لما كان في النية شن الحرب ضد الجبور فعلى كافة السكان القاء القبض على من يجدونه من البرتغاليين في منطقة الخليج وتسليمهم احياء الى السلطات, من اجل زجهم في هذه الحرب وان أي شخص يتماهل في ذلك سوف يكون جزاءه الموت. على ان الامر الجدير بالملاحظة هنا هو انه على الرغم من ان الوزير خواجة عطار ربما اتخذ من اعتزامه شن الحرب ضد الجبور ذريعة لابعاد خطر التغلغل البرتغالي عن بلاده واستخدم الاسرى البرتغاليين اداة للمساومة معهم فيما لوعاودوا المجيء الى بلاده مرة اخرى,الا ان من المحتمل انه قد قصد فعلا الاستفادة من القابليات الحربية الجيدة للبرتغاليين في المعارك البحرية. مهما يكن من امر فان خواجة عطار لم يقم بحملة ضد الجبور الا بعد مرور اربع سنوات على بيانه هذا .ففي عام 917/1511 قام شخصيا بقيادة حملة بحرية كبيرة ضد جزر البحرين نجحت في احتلالها ,الا ان هذا الاحتلال كان لفترة قصيرة اذ قام الجبور باستغلال قوتهم البرية الضاربة في عمان ودفعوا اليها قوات اخرى وحركوها نحو سواحل عمان وهددوا خواجة عطار باكتساح ممتلكات هرموز في الساحل العماني والاستيلاء على موانيها فيما اذا لم ينسحب من البحرين.ادرك خواجة عطار قوة موقف الجبور في مواجهة خططه ’ثم النتائج الخطيرة التي تتسبب في تهديد مملكة هرموز فيما لو نفذ الجبور تهديداتهم هذه,والتي سوف يكون من نتائجها اغلاق الخليج العربي في وجه السفن التجارية المتجهه الى هرموز وهذا يعني دمارا حقيقيا لها فما كان من خواجة عطار الا ا انصاع بسرعة لهذه التهديدات وانسحب من البحرين تاركا حكمها لامارة الجبور. على ان اطماع هرموز في البحرين واعاءاتها فيها لم تتوقف,وقد استغل البرتغاليون هذه الادعاءات بعد ذلك ليحتلوا البحرين ,وهو ماسوف نذكره في حينه.


4- توسع امارة الجبور في عمان

من المفيد ونحن نتصدى للحديث عن عمان خلال هذه الفترة ان نبدي بعض الملاحظات العامة لعلها تنير بعض معالم الطريق للباحثين والمتتبعين لتاريخها. واول ما يجدر التنبيه اليه ان عبارة عمان كثيرا ما تستعملها المصادر العربية القديمة لتعني بها جزءا من عمان الداخلية او قد تعني ميناءها الرئيسي صحار او البريمي لذا علينا ان نكون دقيقين في التحري من المقصود بعبارة عمان عندما تمر بنا في المصادر القديمة وان لا نقع في خطأ التعميم . والواقع انه يمكن لنا القول بان عمان اقليم واسع على حدود بلاد البحرين من الشمال ويشرف على بحر عمان والخليج العربي من الشرق والشمال الشرقي ,اما من الجنوب فيطل على البحر العربي في حين ان جهاته الغربية تقع على حدود بوادي نجد وبلاد اليمن. ومما يجدر ذكرههنا ان كثيرا من الجغرافيين يدخلون اجزاء من بلاد اليمن في بلاد عمان والعكس صحيح ايضا.ان سعة هذا الاقليم والتباين في تضاريسة الارضية قد اديا فيما يبدو الى وجود اختلاف في الطريق الذي سار فيه تاريخ كل جزء من اجزاءه في بعض الفترات.ويمكن لنا ان نميز بين قسمين رئيسيين لاقليم عمان وهما عمان الداخل وعمان الساحل ,واللذين لا يمكن الاتصال بين معظم اجزائها الا من خلال الاودية والمسالك التي تخترق جبال عمان.ان هذين القسمين قد مرا بتغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية متفاوتة في اشكالها ومظاهرها . وكان ذلك بفعل الطبيعة الجغرافية لكل من من هذين القسمين والنشاط الاقتصادي الذي يمارس فيها اضافة الى ما تعرضا له من تيارات بشرية سلمية كانت ام حربية من داخل الجزيرة او خارجها. على انه يجب الا يفهم ان التواصل الحضاري والاجتماعي والسياسي والاقتصادي كان مقطوعا بين عمان الداخل وعمان الساحل ,بل بالعكس كان التواصل فيما بينهما قائما ومستمرا الى درجة كبيرة.على انه يمكن القول بان عمان الساحل كانت اكثر تاثرا بالمؤثرات الخارجية واكثر توجها نحو السواحل والجهات الساحلية المجاورة لها في الخليج والبحرالعربي . بينما كانت عمان الداخل اكثر تاثرا وتفاعلا بالمؤثرات القادمة من داخل الجزيرة العربية . على ان عمان لم تصل الى درجة من القوة والنهوض السياسي والعسكري الا عندما كانا هذان الجزءان متحدين في سلطة سياسية واحدة. ومهما يكن من امر فان عمان الساحل خلال الفترة التي نبحث فيها كانت تشكل جزءا اساسيا من اراضي مملكة هرموز ,بينما كانت عمان الداخل يخضع جزء كبير منه لسلطة امراء النبهانيين الذين كانت سلطتهم ونفوذهم خلال هذه الفترة التي ندرسها تعاني الضعف والانحلال.

لقد كان عمان الشمالي اكثر اجزاء بلاد عمان انفتاحا على بلاد البحرين واقرب المناطق اليها. لذا كان من الطبيعي ان تتعرض هذه الاجزاء الى تغلغل القبائل النجدية في اجزائها والذي يبدو لنا ان قبائل بني عامر بقيادة آل جبر اخذت تتغلغل في هذا الجزء منذ عهد الشيخ زامل بن حسين الجبري, اذ استقر قسم كبير منها هناك. ويرى ولكنسون- المتخصص في شؤون عمان- ان بني عامر كانوا آخر مجموعة قبلية استقرت في عمان.

لقد شهدت عمان الداخل منذ الربع الاول من القرن التاسع/الخامس عشر محاولة الاباضيين استعادة نفوذهم السياسي السابق على عمان مستفيدين من النفور والاستياء العام الذي اخذ يظهره السكان نحو النفوذ الهرموزي المتحكم في موانئ عمان وكذلك نحو الحكام النبهانيين الذين اشتد ضعفهم وفسادهم وجورهم. لذا فقد اشتد الصراع بين النبهانيين والاباضيين وادى الى تدخل قوة خارجية في هذا الصراع . وقد تزايد هذا الصراع بشكل خاص في النصف الثاني من ذلك القرن.فعندما نجح امام الاباضية عمر بن الخطاب بن محمد الخروصي في انتزاع الحكم من النبهانيين وتمتع بالسلطة عدة سنوات قام ضده سليمان بن سليمان النبهاني واطاح به واخذ يمارس حكما اتصف بالتعسف والفساد, الامر الذي اثار ضده استياءا واسعا وقد عمل الاباضيون مرة اخرى تحت زعامة الامام عمر بن الخطاب الخروصي على التخلص من سليمان فتوجه عمر الى الاحساء طالبا المساعدة من اقوى زعيم في الجزيرة العربية السلطان اجود بن زامل. ولم يترك السلطان اجود هذه الفرصة للتدخل في شؤون عمان تضيع عليه وكان لاشك يتطلع اليها منذ مدة ,اذ قد وجد نفسه في موقف لا يختلف عن موقف القوى السياسية التي سبق لها ان بسطت سيطرتها على شرقي الجزيرة العربية ,ثم قاتلت من اجل عمان.

فالخوارج والقرامطة والعيونيون والعصفوريون ومن تلاهم ايضا كالسعوديين والمصريين والعثمانيين كلهم سلكوا نفس الطريق ولنفس الهدف .يضاف الى ذلك ان السلطان اجود بوقوفه الى جانب زعيم الاباضيين ضد سليمان النبهاني الذي يرتبط بصلة عائلية قوية بملك هرموز والارتكاز على الاراضي العمانية للضغط على ممتلكاتها الواقعة على امتداد عمان الساحل.وعلى كل حال ان الاستراتيجية التي رسمها السلطان اجود في ايجاد موطئ قدم لامارته في عمان قد حصد فوائدها خلفاؤه. ومهما يكنمن امر فانه في عام 893/1487 ارسل السلطان اجود قوات كثيفة الى عمان بقيادة ابنه سيف لمساندة عمر بن الخطاب الخروصي وقد نجحت هذه القوات في طرد زعيم النبهانيين سليمان بن سليمان وتنصيب عمر الخروصي حاكما على عمان الداخل.لقد كان من شروط الدعم العسكري الذي قدمه الجبور للاباضيين ان يقوم الاخيرون بدفع جزء من حاصلات عمان الزراعية اليهم كل عام. وان هذا التدخل العسكري للجبور في عمان وما تضمنه من شروط كان بداية لان يمارس الجبور نفوذيا سياسيا واقتصاديا واسعا في عمان اخذ يزداد مع الزمن ,خصوصا وان الاوضاع الداخلية المضطربة لعمان كانت عاملا مساعدا على توسيع نطاق هذا النفوذ وتقويته.كما يجب ان لا ننسى الدواعي التجارية التي تدفع الجبور للمحافظة على دوام تماسهم بالمنافذ البحرية التي تربطهم بتجارة المحيط الهندي وتمكنهم من توسيع احتكارهم لتجارة الخيول. ان ماذكرته المصادر البرتغالية من ان الجبور كانوا قد سيطروا على ظفار ايضا هي مسالة واردة ونتيجة منطقية لنفوذهم الواسع في عمان ولطموحهم التجاري. يضاف الى ذلك الدواعي الامنية لامارة الجبور التي كانت هي الاخرى تدفعهم الى تثبيت اقدامهم هناك,خاصة وانهم في صراع مستمر مع مملكة هرموز.لذا يمكن القول بان قسما كبيرا من عمان قد اصبح ضمن دائرة نفوذ الجبور.ومما تجدر الاشارة اليه هنا ان المصادر العمانية تتجاهل – ربما عن عمد – دور السلطان اجود بن زامل في تنصيب الامام عمر بن الخطاب الاباضي حاكما على عمان. على الرغم من ان التاريخ الذي تورده هذه المصادر لتنصيب عمر بعد ازاحة سليمان النبهاني يتطابق كل التطابق والتاريخ الذي اورده ابن ماجد النجدي المعاصر للاحداث والقريب من موقع وقوعها.

ان مما يلفت النظر ان السخاوي جعل قيام السلطان اجود يظم عمان الى دائرة نفوذه قبل اعادة سلفورشاه الى عرش هرموز بدعم من اجود وقد حذا الجزيري حذو السخاوي في ذلك. قبل مواصلة البحث عن علاقة الجبور بعمان يستحسن بنا ان نعلق على قول جيمس بلكريف من ان العهد الاستبدادي لابن اجود في البحرين قد انتهى عام 1487(892) على اثر هجوم عماني ادى الى تعيين عمر بن الخطاب حاكما على الجزيرة. ان هذا القول على الرغم من انه يفتقر الى أي سند تاريخي ويتعارض مع المصادر الموثوق بها التي اكدت بان جزر البحرين قد اصبحت قبل عام 880/1475 جزءا من امارة الجبور واستمرت كذلك لمدة نصف قرن تقريبا ,أي حتى الغزو البرتغالي – الهرموزي لهذه الجزيرة عام 927/1521,فان الذي يلفت النظر فيه هو ان بلكريف قد قلب الحقائق التاريخية فبدلا من ان يقول ان اجود بن زامل قد غزا عمان عام 893/1487-88 ونصب عمر بن الخطاب حاكما على تلك البلاد نجده يجعل من عمر محررا لجزيرة البحرين من ظلم الجبور.

على ان الوصف الذي اطلقه بلكريف على حكم الجبور في البحرين بانه جائر يصعب قبوله لان معاصري السلطان اجود كالسمهوري والسخاوي قد نعتوه باوصاف تدل على خلاف ذلك يضاف الى ذلك ان وصف ابن ماجد لجزيرة البحرين في ظل حكومة الجبور تظهر بان هذه الجزيرة كانت مزدهرة وعامرة بالسكان وضروب النشاط الاقتصادي المختلف. ان هذا الوضع المزدهر قد استمر ايضا في ظل الامراء الذين خلفوا اجود بن زامل ونستدل على ذلك من تقرير برتغالي مرسل من البحرين الى لشبونة عام 1506 وقد ذكر هذا التقرير ايضا ان هذه الجزيرة يحكمها ملك عربي كما ان الاوصاف التي اطلقها ابن اياس على السلطان مقرن سلطان البحرين والاحساء والقطيف تدل هي الاخرى على ترفعه عن الجور والتعسف وبلاده كانت تنعم بالرخاء والازدهار.

قبل ان نختتم ملاحظاتنا هذه لابد ان نتساءل,لماذا اختار بلكريف هذه الفترة بالذات دون غيرها من تاريخ جزيرة البحرين,حيث توحدت اجزاء واسعة من جزيرة العرب في ظل حكومة عربية ولكي يصفها بالجور والاستبداد؟ ان جواب ذلك قد يكون مصدره العقلية المتسلطة على عدد من الباحثين الغربيين التي تسعى دائما الى تسليط الاضواء على فترات الهدم والتمزق في جسم الامة العربية الاسلامية واضفاء افضل النعوت عليها , وبالمقابل تشويه فترات النهوض والتوحد والتعتيم عليها.

ومهما يكن من امر فالذي حدث في عمان بعد لك هو ان عمر بن الخطاب الاباضي لم يتمتع بالسلطة بعد عودته ثانية الى الحكم ,اذ توفي عام 894/1488 الامر الذي ادى الى عودة الفوضى الى عمان الداخل واستمرارها وظهور عدد من الزعماء الطموحين الذين اخذ كل واحد منهم يسيطر على جزء من البلاد الامر الذي هيا الفرصة لعودة سليمان النبهاني الى السلطة مرة اخرى. ويذكر اوبين معتمدا على الترجمات الانكليزية للحوليات العمانية ان سليمان النبهاني كان قد لجأ الى هرموز عندما طرده الجبور من عمان وانه قد عاد اليها بعد حصوله على دعم وامدادات من حكام فارس.الا اننا لم نعثر في الاصل العربي لهذه الحوليات على ما يؤيده ذلك. ومهما يكن من امر فان سليمان النبهاني قد قتل سنة 906/1500 على يد زعيم الاباضية محمد بن اسماعيل الذي ربما كان استعان ايضا بالجبور من اجل الوصول الى السلطة على انه يصعب القول بان محمد بن اسماعيل هذا قد نجح في بسط نفوذه على جميع اجزاء عمان الداخل.اذ ان هذا الهدف في تلك الظروف كان بعيد التحقيق ولم يتحقق لاي زعيم عماني الا بعد مرور اكثر من قرن على هذا التاريخ .وقد بقيت عمان الداخل مجزاه الى مايشبه حكومات المدن, وكان الجبور يهيمنون على مناطق واسعة من عمان الشمالي ومنها كانوا يفرضون نفوذهم ومطالبهم على بقية اجزاء عمان الداخل.ولقد اعتادوا في اوقات جني المحاصيل الزراعية كالتمور والحبوب وغيرها التوغل في عمان الداخل واخذ جزء من هذه المحاصيل من السكان باسم رسوم الحماية مهددين باستعمال القوة او باللجؤ اليها في بعض الاحيان.

ان مما يؤيد سعة نفوذ الجبور في عمان هو ان البرتغاليين عندما دخلوا الخليج العربي لاول مرة عام 1507 تحدثوا عن قوة الجبور ونفوذهم الكبير في عمان. ولق ذكر البوكرك ان عمان الداخل كانت خاضعة لملك الجبور الذي وصفه بانه يحكم ايضا جميع جزيرة العرب. وبالرغم من طابع المبالغة في تقرير البوكرك الا انه يحمل في ثناياه جزءا كبيرا من الحقيقة . كما ان باروس هو آلآخر قد تحدث عن قوة الجبور في عمان الداخل وذكر بان هجماتهم مستمرة عليها. كما انهم كانوا يشكلون خطرا جديا على اراضي مملكة هرموز على امتداد عمان الساحل بل وعلى وجودها في تلك المناطق.ولا ادل على قوة نفوذ الجبور في عمان من انه عندما حاصر البوكرك مسقط عام 1507 سارع احد زعماء الجبور على راس قوة كبيرة لنجدة المدينة.


5- نفوذ الجبور في نجد وظفار

لاشك بان لاقليم نجد اهمية كبيرة في حياة امارة الجبور العامرية, فهو أحد المواطن الرئيسة لمعظم بطون بني عقيل منذ عصور ماقبل الاسلام ,وقاعدة من قواعدهم للانطلاق نحو الشرق وان مغادرة بعض البطون والافخاذ لهاذا الموطن لا يعني دائما ان كافة افخاذ القبيلة قد غادرته وقطعت صلتها به. ان هذه الملاحظة تنطبق كل الانطباق على بني عامر مثلما تنطبق على بطون عقيل الاخرى ,اذ بقي قسم منهم في مواطنه الاصلي وعلى صلة مستمرة باخوانه الذين هاجروا نحو الشرق. والواقع ان نجد الاوسط وبلاد البحرين قد شكلتا- بامتدادها شمالا نحو البصرة وجنوبا نحو عمان- اقليما متكاملا من جوانب عدة وكانا وثيقي الصلة تماما ببعضهما البعض عبر العصور التاريخية, ولم تكن رمال الدهناء والصمان على الاطلاق حاجزا طبيعيا يمنع هذه الصلة بل قد يكون العكس من ذلك , اذ ان غنى مراعي هذه البوادي والوفرة النسبية لمياه الآبار فيها سهل كثيرا من الاتصال البشري المستمر فيما بين البحرين ونجد واذا كانت بلاد البحرين اكثر غنى ووفرة من نجد مما جعلها تشكل عامل جذب لسكان نجد بسبب بيئتهم الصحراوية الطاردة نحو الخارج, اضافة الى ذلك فان البحرين كانت نافذة لسكان نجد على البحر وسوقا يمكن لهم الوصول منها على كثير من البضائع, كما ان نجدا هي الأخرى مهمة لبلاد البحرين اذ انها تمدها دائما بالعنصر العربي المتصف بحيويته في المجالين العسكري والتجاري . ويضاف إلى ذلك بان نجدا سوقا هاما لتصريف جزء كبير من تجارة بلاد البحرين ومعبر ومنطلق للقوافل التجارية مابين الخليج العربي والحجاز واليمن .بالرغم من وجود تباين في الدور الذي كان يلعبه كل اقليم منهما في صنع الأحداث التي كانت تقع فيهما أو فيما حولهما.

عندما نجح بنو عامر في تاسيس امارة لهم في بلاد البحرين بزعامة اميرهم عصفور بن راشد في الربع الاول من القرن السابع/ الثالث عشر نجحوا ايضا وفي الوقت نفسه في ضم نجد الى امارتهم. وعلى الرغم من زوال امارتهم فالذي يبدوا لنا انهم قد بقوا في نجد,مثلما بقوا في البحرين يملكون نفوذا واسعا ولم يزول نفوذهم إلا بعد قيام الدوله العقيلية بزعامة الشيخ زامل بن حسين بن ناصر الجبري. لقد اعطى الامير زامل واولاده بعده اهتماما كبيرا للاوضاع في نجد, ولا غرابة في ذلك فنجد موطنهم الاصلي الذين يعتزون بالانتماء اليه وينتهي سلسلة نسبهم به(النجدي) ولقب اجود اشهر امرائهم بـ(رايس اهل نجد) ان مصدر اهتمام الجبوربنجد ربما كان مبعثه عاملين/الاول عسكري اذ ان نجدا تمدهم بالعنصر البشري الوفير العدد الذي يمكن ان يحقق لهم تفوقا عسكريا في المعارك التي يخوضها في شرقي الجزيرة العربية.اضافة الى انها من الناحية الاستراتيجية تشكل ظهيرا لهم يمكن الاستناد اليه. وثانيا ان اقليم نجد هو منطلقا ومعبرا للقوافل التجارية مابين شرق الجزيرة وغربها وجنوبها ايضا لذا فهي تحتل اهمية تجارية خاصة.وقد حرص امراء الجبور على تامين هذا الطريق وما قيام امرائهم شخصيا بقيادة قوافل الحجيج الا تعبيرا عن حرصهم على سلامة هذا الطريق الحيوي. واذا ماعرفنا بان قوافل الحجيج كان يرافقها عدد غير قليل من المحاربين لحراستها ادركنا ان امراء الجبور كانوا في الواقع يقومون عند مرافقة قافلة الحج بمظاهرة عسكرية لزرع الخوف في نفوس معارضيهم من رؤوساء القبائل المختلفة ,اضافة الى كسب الاصدقاء. على ان الامر الذي يجدر ملاحظته هنا حول الحملات العسكرية التي كان يقوم بها امراء الجبور ضد نجد هو ان البعض منها كان تاريخه يتوافق كل التوافق مع الاحداث التي كانت تقع في شرق الجزيرة العربية وعلى سواحل الخليج العربي مما يجعلنا نميل الى القول بان القوى المعارضة في نجد كانت تتربص بامارة الجبور وتستغل الاوضاع الحرجة التي كانت تمر بها في بعض الفترات.ولتاكيد ذلك نلاحظ ان ابن بسام قد ذكر ان اجود بن زامل قد قام بحملة ضد واحات الخرج عام887/1483-83. وهذا التاريخ ربما كان يتوافق مع هجوم هرموزي على البحرين.اما الحملة الثانية التي قد ذكر بان اجود قد قام بها ضد نجد فقد كانت عام 890/1485,وهي تتوافق كل التوافق مع الهجوم الذي قام على البحرين. ذكر ايضا ان اجود قد وجهها ضد منطقة الخرج فقد كانت عام 893/1488 وهي نفس السنة التي كانت فيها قوات الجبور بقيادة سيف بن اجود منشغلة بالتدخل في عمان لصالح الاباضيين ضد النبهانيين. ومما هو جدير بالذكر ان السخاوي كان قد ذكر ان اجود قد قام بالحج في هذه السنة أي 893/1486 مما يفرض علينا تساؤلات لامفر منها فهل توجهت هذه الحملة الى مكة كما ذكر السخاوي ام كان هدفها القضاء على المتمردين في نجد كماذكر ذلك بن بسام, ام كانت تسير نحو هذين الهدفين في آن واحد,ام هناك حملتان مختلفتان في التوقيت والهدف؟ فاذا كان الفرض الاخير صحيحا فذلك يعني ان يكون اجود قد قام باعمال ثلاثة كبيرة في عام واحد, وهي الحملة ضد عمان والحملة ضد نجد وحملة الحج.

مهما يكن من امر فاننا امام حملة رابعة قد ذكر ابن بسام ايضا بان اجود قد قام بها عام 900/1494-95 ضد بلاد نجد,وتاريخها يتفق مع الحملة التي قام بها الهرموزيون ضد جزيرة البحرين.

بقي ان نذكر ان هناك حملة خامسة يرجح انها قامت في عهد خلفاء اجود.اذ يذكر ان ابن بسام بان الجبور قاموا بحملة ضد نجد عام 926/1510-11 وهي توافق نفس السنة التي قامت بها حملة هرموزية بقيادة خواجه عطار باحتلال البحرين لفترة قصيرة.

واخيرا يذكر ابن بسام قيام الجبور بغزو نجد عام 929/1522-23, واذا كان هذا التاريخ دقيقا فان هذا الهجوم يكون وقع مباشرة بعد استيلاء البرتغاليين والهرموزيين على جزيرة البحرين وقتلهم سلطان الجبور مقرن بن زامل. يتضح مما ذكرناه اعلاه وجود دلائل قوية على ترابط الاحداث التي كانت تقع في نجد وشرق الجزيرة العربية مما يساعدنا على تفسير سبب بعض هذه الحملات والظروف التي كانت تؤدي الى وقوع تمردات ضد سلطة الجبورفي نجد. يجدر بنا قبل ان ننهي حديثنا عن علاقة الجبور بنجد ان نشير ايضا الى ان المصادر البرتغالية تنفرد بالاشارة الى ان ظفار كانت احد الاقاليم الخاضعة للجبور.مثلها مثل عمان وبلاد البحرين ونجد,وبان الجبور كانوا قد اتخذوا منها منفذا رئيسيا لتصدير الخيول الى الهند ,وتلك التجارة التي احتكروها في شرق الجزيرة العربية ودرت عليهم ارباحا وفيرة وحركت اطماع البرتغاليين من اجل السيطرة عليها وانتزاع فوائدها من الجبور. لقد تحدثت هذه المصادر نفسها عن وجود اماكن متعددة في كل من عمان والبحرين لتربية هذه الخيول والعناية بها وتجميعها ومن ثم تصديرها الى الاسواق الخارجية وخاصة في الهند,حيث يكثر الطلب عليها وتعز اسعارها.

والذي يبدو لنا ان الجبور كانوا قد اتخذوا من ظفار منفذا لتصدير بضاعتهم من الخيول والحصول ايضا على بضائع الهند خصوصا بعد ان رأوا ان كثيرا من السفن قد اخذت تتحاشى الدخول الى الخليج العربي وتتوجه الى موانئ البحر الاحمر, وكانت ظفاركثيرا ماترسو به هذه السفن في طريق الذهاب والاياب.

والذي يبدوا لنا ايضا ان الطريق الذي كانت تسلكه قوافل الجبور للوصول الى ظفار يسير بمحاذاة الاطراف الغربية لعمان,كما انه من المحتمل ايضا انهم كانو يسلكون طريقا آخر ينطلق من نجد الى ظفار عبر وادي الدواسر وبعد رحلة شهر ونصف يصلون الى بلاد مهرة ومنها الى ظفار,وقد اعتادت قوافل عقيل ان تسلك هذا الطريق منذ عصور سابقة لذا يمكن ان نقول ان بعض الحملات التي قام بها امراء الجبور نحو نجد كانت تهدف الى المحافظة على هذا الطريق التجاري الذي يربط نجدا بكل من اليمن وظفار.


متى بدأ حكم السلطان أجود ومتى انتهى ومن هم أولاده؟

مما لاشك فيه ان عصر السلطان اجود يمثل عصر ازدهار وقوة واتساع امارة الجبور ويبدو ان هذا الحكم كان يتمتع بمؤهلات ومزايا جيدة وكفاءات عالية حملت بعض معاصريه من المؤرخين على ان يضفوا عليه افضل النعوت ,فقد وصفه السمهودي برئيس اهل نجد وراسها سلطان البحرين والقطيف فريد الوصف والنعت في جنسه,صلاحا (وافضالا) وحسن عقيدة ,ابو الجود اجود بن جبر ايده الله كما ان السخاوي قد وصفه بانه قد...صار رئيس نجد ذا اتباع يزيدون على الوصف مع فروسية, تمددت في يدي جراحات كثيرة بسببها,وله المام ببعض الفروع المالكية واعتناء بتدريس كتبهم, مصاحبا للتصديق والبذل لقد حمل اجود بن زامل لقب السلطان هو ومن اعقبه من امراء الجبور وعلى الرغم من ان هذا اللقب لقب دنيوي عرف منذ العهد السلوجقي ,الا انه يعي ان حامله هو حاكم مستقل يتمتع بكل السيادة في بلاده.


ان الاشارات الواردة في المصادر المختلفة تفيدنا بان السلطان اجود لم تقتصر على جهوده على توسيع الامارة وتثبيت دعائمها وتحقيق الامن والاستقرار وترويج النشاط الاقتصادي وتوسيع الفعاليات التجارية فحسب,بل سعى الى تنظيم الادارة وتحقيق العدالة بتنصيب قضاة وشهود لهم بالمعرفة والاستقامة كما انه قد سعى الى ترويج التعليم باغراء عدد من العلماء البارزين للعمل في بلاده وكان يستغل فرصة قيامه بالحج فيلتقي هناك بالبعض منهم ويجلبهم معه وكان عدد منهم من بلاد المغرب العربي. ولما كان الجبور يتبعون المذهب المالكي فقد سعى الى نشره في بلاد البحرين وترويجه. ولم يحقق نجاحا ملموسا اذ كان المذهب الشيعي هو السائد كما يبدو في العهود التي سبقت عهده في هذا الميدان فحسب بل انه نجح في نشر المذاهب السنية عموما, بعد الجبور. ومهما يكن من امر فان بداية حكم اجود ونهايته من الامور التي لا يزال يكتنفها الغموض والتي لابد من محاولة الوصول الى معرفتها والاهتداء اليها ان الادلة التي نمتلكها تجعلنا نميل الى ترجيح ان بداية عهد اجود كانت في حدود عام 875/1471-72 تقريبا’ وهذه الادلة هي اولا ان السخاوي حين ترجم للقاضي جمال الدين عبد الله بن فارس التازي قال عنه انه غادر مصر عام 876/1417 وذهب الى مكة حيث اقام فيها فترة يسيرة ثم منها توجه الى بلاد البحرين برفقة سلطانها اجود بن زامل ومكث في خدمته هناك مدة خمسة عشر عاما كانت نهايتها سنة 803 اذ حضر في ذلك العام موسم الحج بصحبة السلطان اجود ومات بعد موسم الحج بقليل, (محرم عام 894/كانون الاول1488). والذي يفهم من هذا النص هو ان اجود بن زامل كان ولابد سلطان على بلاد البحرين قبل عام 876/1472 أي قبل ان يلتحق به القاضي المذكور في موسم الحج من هذه السنة.

ثانيا- ان تنصيب سلفور بن تورشاه على عرش هرموز بمساعدة من السلطان اجود قد تم عام 880/1475. وان لجوء سانور الى الاحساء لطلب المساعدة من اجود لابد ان يكون قد وقع قبل هذا التاريخ ,يكون ذلك قد حدث عام 877/1473,اذ اننا نجد ان رسالة الوزير البهمندي محمود كاوان المؤرخة في رمضان 877/شباط 1473 تشير الى وجود اضطرابات في هرموز,مما يحملنا على القول بان هذه الاضطرابات مرتبطة بالصراع حول العرش بين الاخوين شاه ويس وسلفور شاه,الذي انتهى في مرحلته الاولى بطرد سلفور من العرش ولجوئه الى عمان التي غادرها الى الاحساء حيث اتصل باجود هناك علما بان شاه ويس لم يتمتع بالسلطة اكثر من سنتين.وخلاصة ذلك انه لابد ان يكون اجود قد تولى السلطة في امارة الجبورقبل التواريخ المشار اليها اعلاه وانه كان قد حقق من الشهرة والقوة مما جعل سلفور شاه يلجأ الى الاستعانة به.

ثالثا- لقد بعث وزير مملكة الدكن البهمنية (1347-1526) محمود كاوان برسالة الى السلطان اجود بن زامل يطلب فيها ان تقوم علاقة صداقة وتعاون بين الدولتين. ان كاتب هذه الرسالة وهو المؤرخ ينمديهي سكرتير الوزير المذكور كان قد دخل في خدمته عام 878/1473,وبما ان الوزير محمود كان قد توفى عام886/1481 فلابد ان تكون الرسالة قد كتبت مابين هذين التاريخين,وان مجرد تلقي السلطان اجود خلال هذه الفترة رسالة من احدى اقوى الممالك الهندية وحرصها على صداقته وتوثيق روابطها به,يدل دلالةواضحة على انه اصبح لاجود نفوذ وشهرة واسعتان,مما يعد دليلا للقول بان اجود لابد ان يكون قد تولى الامارة قبل عام 880/1475.

رابعا- لقد ذكر باربارو Barbaro (ت 900/1494)

سفير البندقية الى سلطان دولة آق قوينلو في ايران حسن الطويل (اوزون) في تقريره عن رحلته التي قام بها عام 878-79/1474,ان الساحل هذه الاشارة من باربارو ربما كان يقصد بها بلاد الجبور على امتدادها واذا صح تفسيرنا هذا فان السلطان اجود- الذي خلف اخاه سيف- كان يحكم تلك البلاد ويساعده في ادارتها ولداه زامل وسيف, او اخوه هلال واحد اولاده المذكورين سابقا,ان هذا الدليل بالاضافة الى انه يعزز الادلة السابقة فانها هي الاخرى تعززه.

ومهما يكن من امر فانه من اجل استكمال معرفة طول الفترة التي استغرقها حكم السلطان اجود بصورة تقريبية ,لابد لنا من محاولة تحديد نهاية حكمه ايضا,وذلك باستعراض ماهو متوفر لدينا من نصوص ومناقشة ما تواضع البعض على قبوله منها. لقد ذكر العصامي –(ت 1111/1698-99) ان السلطان اجود قد حج عام 911/1506 في جمع يزيدون على الثلاثين الفا(84), واورد ابن بشير هذا النص تقريبا الا انه جعل السنة التي ادى بها اجود الحج هي عام 912’وتابعه في ذلك ابن عيسى وابن بسام ومما تجدر الاشارة اليه هنا ان كلا من ابن لعيون والشيخ حمد الجاسر قد نسبى الى العصامي قوله بان اجود قد حج عام 912, وهذا مالم نجده في تاريخه.(86) كما ان مما يلفت الانتباه ان شيخنا الجاسر –في احد هوامشه على تاريخ ابن عيسى- نقل عن العصامي قوله بان اجود قد حج عام 911,كمانقل عن ابن فهد قوله بان محمد ابن اجود هو الذي حضر موسم الحج عام 912 . وكان الجاسر بذلك يصحح قول ابن عيسى بان اجود قد حج عام 912 لكنه عاد في بحثه عن الدولة الجبرية الى القول بان ابن فهد والعصامي وغيره من مؤرخي مكة قد ذكروا بان اجود قد حج عام 912. والواقع ان المؤرخين الذين نسب اليهم الجاسر القول الاخير لم يقولا به باعتراف الجاسر نفسه في تعليقه على ابن عيسى ولو ان بحث الشيخ الجاسر كان قد نشر قبل صدور تاريخ ابن عيسى لقلنا بان الشيخ الجاسر كان يحاول تصحيح الخطا الذي ورد في بحثه.لكن الذي حدث هو العكس وعلى كل حال فان قبولنا لبعض النصوص التي تشير الى ان الشيخ اجود كان قد حضر موسم الحج عام 912/1507 تعني ببساطة انه كان لايزال على قيد الحياة، وأنه كان على رأس السلطة في امارة الجبور حتى ذلك العام وهذا الامر يصعب قبوله للاسباب التالية:-

اولا- ان الشيخ حمد الجاسر قد نقل لنا عن كل من ابن فرج (ت 1010/1602) وابن فهد المكي(850/1447-921/1515)-وهما مؤرخان حجازيان عارفان باحداث الحجاز وقريبان من موقع حدوثها ومعاصران ويصعب تخطأتهما –مايفيد بان الشيخ محمد ابن اجود الذي كان سلطان البحرين والحسا والقطيف قد حضر الى مكة خلال موسم حج عام 912/1507(89). وهذا يحملنا على القول بانه لابد ان يكون السلطان اجود قد توفى قبل هذا التاريخ ,وان النصوص التي تشير الى قيامه بالحج في هذا العام ماهي الا نصوص خاطئة.

ثانيا- اننا لوافترضنا جدلا صحة التاريخ الذي اورده العصامي والذي ينص على قيام الشيخ اجود ابن زامل بالحج عام 911/1506 فان معنى ذلك انه قاد قافلة الحج وله من العمر تسعون عاما او يزيد اذ انه قد ولد في رمضان 821/تشرين الاول 1418, وهذا امر يصعب قبوله نظرا لعدم قدرة من في مثل سنه على تحمل هذا العبء على الرغم من تصورنا بان هناك من يعينه على هذه المهمة . وعلينا ان نتذكر بان موسم الحج لذلك العام كان يقع في فصل الصيف,فكيف يمكن لرجل مسن ان يقطع رحلة الحج الطويلة ذهابا وايابا في هجير الصيف وهو يحمل اعباء هذه السنين والمسؤليات الكبيرة. مهما يكن من امر فان هذه النقطة تجعلنا ايضا نستبعد ان يكون الشيخ اجود على قيد الحياة حتى ذلك التاريخ.


ثالثا- ان العصامي وهو المصدر الرئيس للقول بان اجود كان على قيد الحياة عام 911/1506’ قد عاش بعد عصر اجود بقرنين من الزمن ولم يرد في تاريخه مايدل على معرفة بتاريخ امراء الجبور , حتى اننا نجد انه يخطئ في معرفة الاسم الصحيح لوالد اجود.فقد ذكر بان اسمه زايد وليس زامل كما هو المتفق عليه واذا كان هناك تحريف قد وقع في الاسم عند النقل او الاستنساخ او الطبع-وهو يبدو كذلك فاننا نميل ايضا الى الاعتقاد بان التاريخ الذي اورده العصامي عن قيام اجود بالحج في ذلك العام قد وصل الينا محرفا.

رابعا- ان تقارير البرتغاليين التي كتبت عند دخولهم للخليج عام 913/1507 يفهم منها ان الشيخ اجود بن زامل قد فارق الحياة وان بلاد الجبور التي كانت تضم كل من ظفار وعمان وبلاد البحرين ونجد كانت تحكم من قبل ثلاثة اخوة اكبرهم كان يقيم في عمان اما اخواه الاخران اللذان يعترفان بزعامته الكبرى على الجبور فيقيمان على سواحل الخليج العربي وان احدهم كان يحكم جزيرة البحرين والقطيف. ان هذه التقارير تتفق بشكل غير مباشر مع مااورده كل من ابن فرج وابن فهد من ان السلطة في هذا التاريخ كانت قد انتقلت الى ابن اجود.

مهما يكن من امر فان الذي نميل اليه بعد التمحيص والتدقيق- هو ان السلطان ابن اجود بن زامل كان لايزال على قيد الحياة حتى عام 900/1495 مستندين في ذلك الى الاحداث التي وقعت في منطقة الخليج واشرنا اليها في ثنايا البحث وخاصة فيما يتعلق بعمان وبمملكة هرموز اضافة الى ما اورده ابن بسام من ان اجود بن زامل قد قام بمهاجمة واحات الخرج عام 900/1494-95 ثم سكوته الطويل عن الاشارة الى اسم اجود. اما ماذكره ابن بسام بخصوص قيام اجود بقيادة حملتين ضد القبائل المعادية له في عامي 916/1510-11 او 929/1022/23 فامر غير وارد ولابد ان يكون ابن بسام قد وقع في خطا عند ذكر اسم اجود كقائد للحملتين اذ لوفرضنا بان اجود لايزال حيا في احد هذين التاريخين فيكون قد بلغ من العمر السابعة والتسعين او المائة وثماني سنوات.


ان التاريخ الذي نطمئن الى انه قريب من الصحة بخصوص نهاية حكم اجود هو عام902/1496-97 أي انه كان قد بلغ الثمانين من العمرفي هذا التاريخ.ومما هو جدير بالذكر ان السخاوي قد توفي أيضا في هذه السنة لذا لم ترد سنة وفاة اجود في مؤلفه حينما ترجم له كما تجدر الاشارة ايضا الى ان السخاوي حاول ان يترجم لاحد امراء الجبور وادرج اسمه ضمن تراجمه وهو اجود بن سيف بن زامل الجبري ولكنه لم يكتب امام اسمه سوى عبارة ((مات في)) - بقيت لنا كلمة اخيرة نقولها حول رواية العصامي عن قيام اجود بالحج عام 911 وهي ان العصامي ربما يكون اراد ابن اجود فسقطت كلمة ابن او حذفت فسبب هذا الوهم او ان يكون هناك تحريف قد وقع في كتابة الرقم 901 فصار911 واذا اصبح هذا الاحتمال الاخير فان هذا التاريخ سوف يتطابق مع ما افترضناه حول السنة التي انتهى فيها حكم اجود وهي سنة 902. ان النقطة الاخيرة التي تثير بعض الاشكالات ايضا حول اسرة بني جبر .هي اسماء اولاد اجود ومن الذي اعقبه في السلطة ؟.

اننا نعرف من المصادر الحجازية المعاصرة للجبور بان محمد ابن اجود كان يعرف في عام 912/1506 بسلطان البحرين والحسا والقطيف اما المصادر البرتغالية فقد نصت-كما ذكرنا سابقا- على ان بلاد بني جبر الواسعة حين دخل البرتغاليون الخليج عام 912/1507 كان يحكمها ثلاث اخوة وان اكبرهم يقيم في عمان ويدين له اخواه الآخران بالرياسة وان احد هؤلاء الاخوين كان يحكم البحرين والقطيف. والسؤال الذي يتبادر الى الذهن هو هل ان هذه المصادر كانت تشير الى محمد ابن اجود كزعيم اكبر للجبور اذا كان كذلك فلماذا لم تضف المصادر العربية الى القابة اسم عماد في حين كانت جزءا هاما من ممتلكات الجبور ثم اين اسماء اولاد اجود الآخرين كسيف وزامل والتي اختفت ولم نسمع عنها شيئا بعد ذلك ؟ وهل يصح ان نفترض ان المقصود بالابن الاكبر لاجود هو سيف وان محمد ابن اجود كان يحكم البحرين والاحساء والقطيف فقط ؟

مهما يكن من امر فانه علينا ان نشير الى وجود اختلاف ايضا بين الباحثين حول اسماء اولاد اجود.ففي الوقت الذي يتفق فيه كل من ابن لعيون والشيخان محمد العبد القادر وحمد الجاسر على ان اولاد اجود هم ثلاثة وان احدهم اسمه مقرن, فانهما يختلفان حول اسماء الاثنين الاخرين فعند ابن لعيون ومحمد العبد القادر هما زامل وسيف بينما هما عند الشيخ الجاسر هما علي ومحمد.

اما الذي نراه فان اولاد السلطان اجود هم اربعة اولهم سيف الذي ذكره كل من ابن ماجد. والمعاصر له وابن لعيون والعبد القادر.وثانيهم محمد وقد اورد ذكره ابن فرج وابن فهد المكي كما سبق ان نشرنا وثالثهم علي الذي انفرد بذكره الشيخ الجزيري ورابعهم زامل الذي ذكره ابن لعيون.

ومن الجدير بالذكر ان باروس كان قد ذكر بان من بين الاشخاص الذين قدموا المساعدة لاعادة سلفور شاه الى عرشه هو Rees Camal of xilau وهي عبارة قد فسرها جان اوبين على ان المقصود بها هوريس كمال صاحب شيلاوبينما نميل الى القول بان المقصود بهذه العبارة موريس زامل حاكم مدينة سلوا التي تقع على خليج سلوا في شبه جزيرة قصر,واذا صح افتراضنا وانه –أي زامل- كان له دور نشط في حياة والده السلطان اجود.

بقيت علينا قضية مهمة تجدر مناقشتها هي صلة القرابة التي تربط مقرن باجود.فنحن لا نتفق مع القائلين ممن اشرنا اليهم سابقا بانه ابن لاجود وكما لا نتفق مع جورج رنتز فيما ذهب اليه من ان مقرن هو عم السلطان اجود.

والذي نميل اليه بشدة هو ان مقرن ماهو الا حفيدا للسلطان اجود بن زامل ونحن في ذلك نتفق مع كل منكاسل والمؤرخ البرتغالي باروس, ولا نرى فيما علقه. المستشرق الفرنسي اوبين على راي باروس وخلص الى رفضه وبترجيح كون مقرن هو ابن لاجود ما يجعلنا نتراجع عن افتراضنا هذا الذي تعززه الادلة التالية:

اولا- ان تاريخ ابن لعيون هو المصدر الوحيد الذي ذكر بان مقرن هو ابن لاجود وعنه اخذ كل من الشيخ محمد العبد القادر والشيخ حمد الجاسر والبروفسور اوبين على ان الامر الذي تجدر الاشارة اليه هو ان عصر ابن لعيون بعيد عن عصر بني جبر وما اورده في تاريخه من معلومات تتعلق بهم هي يسيرة جدا ولاتعكس دراية صاحبها بتاريخهم او اهتمامه به,فنحن والحال هكذا لايمكن ان نعتبر ماذكره عن نوع صلة القرابة بين مقرن واجود معلومات قاطعة ,ويزيد عدم تمسكنا بقوله اذا عرفنا بانها محض اجتهاد منه.اما اذا كان مارواه ابن لعيون مما نقله من مصدر آخر فتبقى المسالة بين القبول والرفض لحين معرفة نوعية هذا المصدر ودرجة صلته بتاريخ الجبور.

ثانيا- ان المصادر البرتغالية قد اوردت اسم مقرن هكذا ,مقرن بن زامل بينما اورده الجزيري بانه مقرن بن زامل بن حسين بن ناصر الجبري وليس هناك من مصدر يذكر ان اسمه مقرن بن اجود. ان هذا الدليل بالرغم من وجاهته قد يضعفه احتمال آخر هو ان يكون مقرن قد لقب باسم جده مثلما فعل ابن ماجد عندما سمى سيف بن اجود بسيف بن زامل. الا ان كان ايراد اسم مقرن منسوبا الى زامل مقصودا يراد به التحديد.

ثالثا- عندما ترجم نجم الدين الغزي(ت 1061/1651) لصالح بن سيف الجبري وصفه بانه خال السلطان مقرن. والغزي اعتمد في معلوماته هذه على والده وجده اللذين كانا على صلة شخصية بصالح هذا. والسؤال الذي يتوارد على الذهن هو هل كان والد صالح اخا لاجود وهل هما من اولاد زامل بن حسين؟ اذا كان كذلك فكيف صالح خال مقرن ويكون مقرن في نفس الوقت ابنا لاجود؟ للجواب على ذلك هناك احتمالان اما ان تكون ام مقرن هي اخت صالح لامه, او يكون سيف اخا لزامل وعما لاجود فجاز لاجود الزواج بابنه سيف. ومما يلفت النظر في ترجمة الغزي لصالح انه قال بانه ابن سيف بن الحسين فهو لم يذكر زاملا كجد له. على كل حال فالاحتمال الاخير يتعارض مع ما اورده السخاوي من ان السيف واجود هما اخوان, ومن الصعوبة التشكيك بصحة ذلك خصوصا اذا ما علمنا بان السخاوي كان قد استقى معلوماته عن اجود من السمهودي الذي كان على معرفة شخصية باجود اذا كان لايمكن لنا التشكيك بان اجود وسيفا هما اخوان بن اولاد زامل فانه لايمكن لنا ايضا ان نميل بان يكون مقرن هو اخا لاجود وان يكون صالح بن سيف خالا له وابن عمه في الوقت نفسه, لذا فالذي نميل اليه هو ان يكون مقرن حفيدا لاجود وابنا لزامل ابن اجود لانه عند ذلك سوف يكون من الطبيعي جدا اقتران زامل بن اجود بابنة عمه سيف بن زامل بن حسين يكون بذلك صالح بن سيف بن زامل بن حسين خالا لمقرن بن زامل فقط وليس ابن عم له.

رابعا- لقد جاء في قصيدة جعيثن اليزيدي وهو يمدح مقرن بن زامل قوله:

نشأ بين سيف والغريري زامل فيالك من عم كريم ووالد (ومن) اجود سلطان قيس وركنها عن الضيم او في المعضلات الشدايد والذي يفهم من هذه القصيدة ان سيفا هو عم المقرن وان زامل هو والده ونحن نعرف بان كلا من سيف وزامل هما ابنا اجود. هذا مع العلم بان الشاعر الجعيثن لم يصف في قصيدته اجود بانه والد المقرن. ويمكن ان يفهم من قصيدة هذا الشاعر المعاصر لمقرن بان مقرنا هو ابن زامل وحفيد لاجود .

خامسا- ان الشاعر الكليف قال مادحا مقرن

قد شاف بالاعمام مالا يرتضي بالدار وقفى زاهد باعمالها فان كان تبغي ملك هجر صادق فاضرب بحسد السيف رؤوس رجالها


يفهم من ذلك ان بلاد الجبور كانت تحكم من قبل عدد من اعمام مقرن وان حكمهم كان غير مرض فحرضه الشاعر على الثورة ضدهم ونحن نعرف من تقارير البرتغاليين ان امارة الجبور الواسعة كان يحكمها ثلاثة من اولاد اجود فوصف الشاعر لهؤلاء الحكان بانهم اعمام لمقرن دليل قوي على ان مقرنا حفيد لاجود وليس بابن له.

سادسا- -ان الجزيري- وهو المؤرخ الذي زودنا باكثر المعلومات عن امراء الجبور –كان قد وصف الامير علي بن اجود بانه عم لمقرن وهذا دليل آخر على ان مقرنا حفيد لاجود. ومما تجدر الاشارة اليه ان الشيخ حمد الجاسر – وهو ممن يرون بان مقرن هو ابن لاجود قد وردت عنده الكلمة الاخيرة من عجز البيت الاول لقصيدة الجعيثن التي اوردناها هكذا ((ماجد)) بدلا من (والد) , كما ان نص الجزيري الذي يشير فيه الى ان علي ابن اجود هو عم مقرن لا يتفق مع ماجاء عند الشيخ الجاسر من ان علي بن اجود قد تولى الامارة بعد موت عمه اجود, ولا نعلم اوقع خطأ مطبعي في كلتا الحالتين ام هو اجتهاد من الباحث لكي ينسجم مع ماذهب اليه من ان مقرنا هو ابن اجود.

مهما يكن من امر فاننا نميل الى التمسك على ضوء ما اوردنا من ادلة.بالقول بان مقرنا هو ابن زامل بن اجود بن حسين الجبري.

خلفاء أجود

لقد سبقنا فعرفنا في صفحات سابقة بانه في عام 912/1507 كان محمد بن أجود يحمل لقب سلطان البحرين والحسا والقطيف وانه كان على جانب كبير من القوة وكثرة الاتباع اذ قد ذكر بانه في ذلك العام وبعد انقضاء موسم الحج بقليل أي في 17 ذي الحجة وصل محمد بن اجود الى مكة على راس جيش كثيف قدر بخمسين الف رجل , وقيل بان مجيئه ومعه هذه القوة الكثيفة كان تلبية لطلب المساعدة في حفظ الامن والنظام في مكة ومنع تجاوزات بعض القبائل البدوية , تقدم به اليه شريف مكة بركات. ان هذه الاشارة لتدل على ان دولة الجبور كانت لا تزال تتمتع بقوة ضاربة وبنفوذ واسع في معظم اجزاء الجزيرة العربية وتؤكد ذلك ايضا التقارير البرتغالية خلال تلك الفترة بالرغم من احتمال مبالغتها.

وعلى الرغم من اننا لا نعرف الا القليل جدا عن الاحداث التي واجهتها امارة الجبور في عهد السلطان محمد بن اجود الا اننا نعرف انه قد تزامن عهده مع دخول البرتغاليين الى الخليج العربي وانتشارهم في البحار العربية وما نتج عنه من اضطراب التجارة في هذه المياه فقد استطاع البرتغاليون منذ نهاية القرن الخامس عشر الوصول الى غرب الهند, وكانت دوافعهم لسلوك هذه المغامرة الكبيرة هي تطريق العالم الاسلامي من الغرب والشرق وتوجيه ضربة مميته له عن طريق انتزاع احتكاره لتجارة المحيط الهندي وحرمانه مما كانت تدره هذهالتجارة من ارباح طائلة. كانت تتاجج في نفوسهم روحا صليبية حاقدة على المسلمين ورثوها من تاريخهم الماضي وكان نجاحهم في استراتيجيتهم هذه بداية افول السيادة الاسلاميةوانتقالها الى اوربا تدريجيا .

دخل البرتغاليون كما سبق ان قلنا الخليج العربي عام 1507 ونهبو عددا من مدن الساحل العماني كقلهات والقريات ومسقط وخور فكان كما استولوا على هرموز لفترة قصيرة .ويذكر لنا الامير البرتغالي البوكرك بانه عندما وصل باسطوله امام صحار عام 1507 كانت وصلة الى المدينة حملات تتالف من 700 رجل يقودهم ابن جبر وقد كنا ذكرنا سابقا ان الجبور كانو من اوائل من تصدى للبرتغاليين وانهم ارسلوا بقواتهم عام 1507 ايضا لنجدة ميناء مسقط الذي كان يحاصره الاسطول البرتغالي في تلك الاثناء كما ان بني جبر كانو قد شددوا من سيطرتهم على مناطق واسعة من عمان وتغلغلوا في مناطقها الساحلية.

لجا البرتغاليون الى الضغط على الجبور عن طريق ضرب تجارة بلاد البحرين فقد قاموا عام 915/1509 بنهب سفينة في مياه الخليج العربي كانت قادمة من جزيرة البحرين وعلى ظهرها حمولة ثمينة جدا من لؤلؤ البحرين لكن الجبور وفي مثل هذه الظروف, اخذوا يواجهون تحديا جديدا من مملكة هرموز بعد ان اصبحت مقاليد الامور بيد خواجة عطار عم الملك شهاب الدين الذي قام عام 917/1511 بتجريد حملة بحرية نجحت في الاستيلاء على البحرين لكن الجبور ارغموه على سحب قواته من البحرين بعد احتلال دام فترة قصيرة جدا.

مهما يكن من امر فان التغيرات والتبدلات التي اخذت تفرزها الاحداث منذ الربيع الاول من القرن العاشر /السادس عشر في منطقة الخليج العربي خصوصا وفي المشرق عموما كان لابد لها ان تترك اثرها على الوضع السياسي والاقتصادي لامارة الجبور اذ كانت هذه الاحداث اكبر من ان تستطيع هذه الامارة التغلب عليها والصمود في وجهها. من اجل المرور سريعا بهذه التغيرات نذكر ان البرتغاليين كانوا قد احكموا هيمنتهم على هرموز منذ عام 921/1515 واصبحوا يتحكمون بذلك في مداخل الخليج العربي ويهيمنون على اجزاء منه, وعلى الرغم من ان ذلك قد ادى الى اخراج هرموز من دائرة الصراع المباشر مع امارة الجبور, الا ان هذه الامارة قد اصبحت وجها لوجه مع البرتغاليين المتفوقين عليهم بقوتهم البحرية اضافة الى انهم اخذوا يتخفون خلف ادعاءات مملكة هرموز بحقوقها في البحرين والقطيف.والواقع فان دخول البرتغاليين الى الخليج العربي كان يعد بداية اول مواجهه مباشرة مع اوربا الصليبية الاستعمارية في المنطقة,كما كان يمثل بداية انتقال السيادة التجارية في المحيط الهندي والبحار العربية من ايد المسلمين- وعلى الاخص العرب منهم- الى ايدي اعدائهم التاريخيين من القوى الاوربية المختلفة (برتغال- اسبان – فرنسيين- انكليز). لقد كان من نتائج ذلك ان تعرض عرب الخليج الى خسائر مادية وانتقل معظم نشاطهم التجاري تدريجيا الى ايدي قوى اجنبية غير مسلمة والى شركات احتكارية كبيرة, فعم الكساد والفقر ابناء الخليج العربي ولم يستطيعوا استرجاع مكانتهم السابقة الا بظهور النفط على شواطئهم , فكان عصرا جديدا للمنطقة حقا.

اما قوة الصفويين التي ظهرت بقيادة الشاه اسماعيل واحكمت سيطرتها على جميع انحاء ايران وامتدت حتى الشواطئ الايرانية للخليج العربي وضمت الى دائرة نفوذها العراق فانه لم يكن خطرها يتهدد امارة الجبور مباشرة الا ان خطرهم كان مبعثه سعيهم الى نشر عقائدهم الدينية بمختلف الوسائل , ولابد انهم قد بعثوا بدعاة تسللوا الى بلاد البحرين لكسب التاييد لدعوة الشاه الصفوي. ومن المحتمل ان قسما من سكان بلاد البحرين قد اخذت تتعاطف لاسباب مذهبية –مع هذا التحرك الديني على الجانب الشرقي من الخليج العربي الذي ادى حتما الى اثارة مخاوف وقلق حكام الجبور.

ومما هو جدير بالذكر هنا ان الشاه اسماعيل كان قد اتصل بالبرتغاليين في هرموز والهند من اجل اقامة جبهه مشتركة ضد العثمانيين وقدم لهم بعض المطاليب بهذا الخصوص من خلال سفيره الى البوكرك, وكانت احد هذه المطاليب ان يقوم البرتغاليون بتامين السفن اللازمة من اجل تنقل رعاياه ما بين هرموز والبحرين والقطيف. وقد قبل البوكرك من حيث المبدا هذا الطلب لكنه اشترط على الشاه اسماعيل ان لايؤدي ذلك الى أي عمل يضر باراضي مملكة هرموز او بجزيرة البحرين.

ومما يثير الاسف حقا ان المؤرخ الايراني عباس اقبال قد حرف هذه النقطة بالذات وادعى بان الشاه اسماعيل قد طلب من البوكرك ان تقوم سفن برتغالية بنقل قوة عسكرية ايرانية لاحتلال البحرين والقطيف , وان البوكرك قد وافق على هذا الطلب. ان التدقيق في النص الانكليزي لمذكرات البوكرك, وهي المصدر الوحيد للمفاوضات التي جرت بين سفير الشاه اسماعيل والبوكرك يثبت بان عباس اقبال قد لجأ مع الاسف الشديد الى التزوير والتحريف عند ترجمة معنى هذا النص الى الفارسية وغرضه واضح من تلك وهو ان يظهر ان الادعاءات الايرانية في جزر البحرين – والتي الف كتابه من اجل اسنادها كانت قديمة ترجع الى عهد الشاه اسماعيل وان اسماعيل حينما طالب بذلك لابد انه كان يستند على حق تاريخي في ذلك , وان حفيده عباس قد حقق له هذه الامنية التي لم يستطيع تحقيقها في حياته.

والواقع فان المعنى الكامل لمطلب الشاه اسماعيل وجواب البوكرك عليه هو ماذكرناه اعلاه ولا يحتمل أي تفسيرات اخرى ومهما يكن من امر فان مطلب الشاه اسماعيل بالرغم من ان هدفه كما يبدوا هو تامين انتقال التجارة والافراد ما بين شاطئ الخليج العربي الا انه ربما كان يختفي خلفه اطماع سياسية.

ان القوة الثالثة التي كان لها تاثير على منطقة الخليج بالرغم من بعدها النسبي عنها هي العثمانيون الذين كانوا قد استطاعوا ان يزيلوا دولة المماليك في مصر والشام والحجاز بين عام 922-23/1566-17 وان يحلوا محلهم , كمااستطاعوا ايضا ان يقلموا اظافر الشاه اسماعيل الصفوي في معركة جالديران عام 920/1514. وقد اضحوا حماة البحرين وخدامة وفي مواجهة البرتغاليين في البحار العربية . مهما يكن من امر فان امارة الجبور قد اصبحت تقع عند حدود هذه القوى الثلاثة الكبرى المتصارعة. وكان لابد لها ان تحدد موقعها مما يدور حولها , لكننا لا نملك اية معلومات تدل على الموقف الي اتخذوه, هل هو مداراة هذه القوى جميعا, ام التعاون مع هذا الطرف او ذاك؟ ان الذي نراه اقرب للمنطق هو ان الجبور اخذوا يميلون للتعاون والاتصال بالعثمانيين , واذا كان هذا الميل والتعاون لم ياخذ شكلا علنيا فانه ربما كان ذلك من باب عدم محاولة اثارة القوتين الآخريين.

ان مما قد يدل على وجود ارتباط غير مباشر بين العثمانيين والجبور هو قيام علاقة معاهدة بين شريف مكة –الذي يدين بالولاء للعثمانيين- وبين زعيم الجبور السلطان مقرن بن زامل.

وعلى كل حال فان هذه الظروف المستجدة التي اخذت تواجه امارة الجبور ربما كانت احد الاسباب للارتباك وسوء الادارة الذي اخذ ينتاب هذه الامارة, كما حل قسما من السكان في بلاد البحرين الى التطلع والتفتيش عن شخصية قوية يمكنها ان تقوم ما اعوج وتواجه الاخطار المحتلة بجدارة. ولعل قصيدة الكليف بالنبطية على ركاكتها, والتي يخاطب بها مقرن قبل توليه السلطة ,هي خير تعبير على ذلك , حيث جاء فيها:

تل العشيرة مقرن زاكي الوفا حمال من جل الخطوب اثقالها قد شاف بالاعمام مالايرتضي بالدار واقفي زاهدا باعمالها إلى ان قال:

ان كان تبغي ملك هجر صادق فاضرب بحد السيف رؤس رجالها


ان انتقال السلطة بعد ذلك الى السلطان مقرن بن زامل يقتضي منا استعراضا سريعا لطبيعة نظام الحكم في هذه الامارة مستندين في ذلك الى الاشارات الواردة بهذا الخصوص وما نستشفه من بعض النصوص.من الطبيعي ان تتاثر طبيعة السلطة في امارة الجبور بالطبيعة القبلية للاسرة الحاكمة وللبيئة التي قامت فيها, اذ ان نظام المشيخة هو النظام السائد هناك, والذي يكون فيه شيخ اكبر للامارة, يساعده في ادارة الامارة عدد من افراد اسرته لذا فان السلطان زامل بن حسين كان كما يبدو قد اشرك اولاده وهم سيف واجود وربماهلال ايضا في ادارة قسم من الامارة وتحمل بعض المسؤليات الكبيرة فيها. ويبدو ان هذا التقسيم الثلاثي للمسؤلية في الامارة قد اصبح تقليدا متبعا في عهد اجود ايضا , اذ ذكر باربارو سفير البندقية الى السلطان اوزون حسن في ايران عام 878-879/1474 ان السواحل العربية للخليج العربي كانت تحكم من قبل ثلاثة من الامراء المسلمين ومن المحتمل انه يشير بذلك الى حكومة اجود الذي يساعده ولداه في ادارة الامارة وهما سيف وزامل. ونحن نميل ايضا الى ان هذه المناصب كان يرثها الاولاد عن آبائهم في حين ان منصب الشيخ الاكبر للجبور لا ينتقل حتما من الاب الى الابن.ومن الجدير بلذكر هنا ايضا ان المصادر البرتغالية – وهذا ماسبق ان اشرنا اليه-كانت قد ذكرت بان البلاد في مطلع القرن السادس عشر أي بعد وفاة اجود, كانت مقسمة بين ثلاث من امراء الجبور, وربما يكون هؤلاء الثلاثة هم اولاد اجود. هذا وقد سبق ان عرفنا بان محمد ابن اجود كان سلطانا على الاحساء والبحرين والقطيف عند دحول البرتغاليين للخليج العربي. ان هذا التقسيم الثلاثي لامارة الجبور يجرنا الى تساؤل مهم عن حدود هذه الاقسام الثلاث؟ للاجابة على ذلك نقول بانه ليس امامنا سوى الافتراض لان مالدينا من نصوص واشارات لا تساعدنا على الجزم بخصوص هذه الاقسام. والذي نراه انها:

اولا- البحرين والقطيف وما يتبعها من جزر وقرى كثيرة. ان مايجعلنا نفترض بان هذا الجزء كان يشكل قسما اداريا هو ما وجدناه متبعا عند تفحصنا لتاريخ العيونيين ودراستنا للعصفوريين وما وجدت في عهد السلطان مقرن بن زامل الجبري, وكان قد عين ابن اخت الشيخ حميد حاكما على هذا القسم. ويمكن ان نضيف الى ذلك بانه يمكننا ان نتخذ مما فعله العثمانيون منذ حكم هذه البلاد دليلا على وجود مثل هذا التقسيم , فقد اعتادوا على ان يبقوا على الاوضاع السائدة قبلهم في معظم البلاد التي خضعت لسيطرتهم فقد جعلوا من القطيف والجزر والقرى التابعة لها سنجقا من سناجق ولاية البصرة لفترة قصيرة ثم جعلوها سنجقا من سناجق ولاية الأحساء او مايسمونها في بعض الاحيان ولاية نجد.

ثانيا- الاحساء وهو قسم اداري آخر,وقد كان يعتبر هكذا في العهود السابقة للجبريين كما ان العثمانيين اعتبروه ايضا سنجقا من سناجق الولاية ومقرا للوالي. على انه يبدو ان الجبور قد اتخذوا منه ايضا مقرا لسلطانهم, وهذا يتضح لنا من توجه سلفور شاه الى الاحساء لمقابلة السلطان اجود بن زامل. من اجل طلب المساعدة منه يضاف الى ذلك وجود آثار قصر اجود في الاحساء قرب المنيزلة حتى انه من المحتمل ان تكون نجد تابعة الى القسم الاداري, ان لم تكن قسما اداريا مستقلا بذاته.

ثالثا- عمان الشمالي ومنطقة الظفرة (الامارات العربية المتحدة) وقد ضم هذا القسم منذ عهد السلطان اجود او قبله بقليل ثم ازداد توغل الجبور في عمان الداخل في عهد اجود. ولقد اورد البوكرك في مدوناته ان الجبور كانت لهم السيطرة على الاراضي الواقعة خلف ميناء صحار وخور فكان ويرى كاسكل بان الجبور لكي يحافظوا على نفوذهم في عمان بصورة مستمرة لابد ان يكونوا جعلوا قاعدتهم الرئيسة في واحات توأم (البريمي), لأنهم يستطيعون ان يتخذوا منها قاعدة لحشد قواتهم والانطلاق منها دون عوائق طبيعية نحو عمان الداخل ونحو الموانئ الساحلية الرئيسية خصوصا ميناء صحار وخور فكان لان تؤام تسيطر على طريق التجارة بين صحار وخور فكان وعمان الداخل.

وقد كان السعوديون في عهد دولتهم الاولى قد اتخذوا من واحات البريمي قاعدة في عملياتهم العسكرية داخل عمان خصوصا بعد ان تحالفت قبائل الجبور في المنطقة معهم. وان مما يعزز هذا التواجد للجبور في هذه المنطقة هو ان كثير من قبائل عمان الشمالي (اتحاد الامارات العربية) تنتسب الى بني عامر.

بقي هناك جزء يقع بين هذه الاقسام الثلاثة ويضم ميناء العقير وسلوة وشبه جزيرة قطر, اذ لا نستطيع ان نرجح الى أي قسم من الاقسام الثلاثة كان تابعا, وان كنا نميل الى انه يشكل جزء من اقليم لاحساء.

ان سعة كل قسم من هذه الاقسام الثلاثة لابد ان يؤدي الى تقسيمه الى اقسام ادارية اصغر وان يكون عليها حكام وشيوخ سواءا كان في مدنها وقراها وجزرها او في بواديها. وقد يكون هؤلاء من بيت مشيخة الجبور او ممن ينتسب لهم بصلة ما, على ان أي جزء من الامارة صغيرا كان ام كبيرا كان يدار باسلوب الادارة اللامركزية. مهما يكن من امر فان تعدد مراكز القوى في امارة الجبور كان لابد ان يؤدي الى ظهور احتمالات التصادم بين هذه القوى خصوصا عندما تختل الموازين فيما بينها, وتكون هناك قيادات اكثر طموحا وكفاءة تشغل مراكز قيادية غير رئيسية. بينما يوجد من هو اقل منها في قابليته يشغل مراكز قيادية رئيسية. لذا فما ان تسمح الظروف حتى تشب تلك القيادات ضد القيادات الاعلى.

مهما يكن من امر فاننا نجد في قصيدة الكليف التي خاطب فيها مقرن بن زامل التي ذكرناها مايشير صراحة الى ان الحكم في امارة الجبور كان موزعا بين اعمامه غير الكفوئين.ويفهم من ترجمة الغزي لصالح بن سيف بان مقرن كان قد انتزع السلطة فعلا بالقوة من اعمامه وابنائهم لكن السؤال الذي يصعب الاجابة عليه هو هل انتزع مقرن بن زامل السلطة من عمه محمد بن اجود او من عم آخر له حكم بعد محمد.

مهما يكن من امر فانه من المحتمل ان مقرن بن زامل قد اصبح سلطان الجبورفي العقد الثاني من القرن العاشر/ السادس عشر, وانه قد لجا الى العنف في بعض الاحيان للوصول الى مركز الزعامة الاولى على الجبور يبدو ان السلطان مقرن قد استطاع ان يحافظ على وحدة البلاد وعلى هيبة الجبور وانه قد نجحفي اخضاع قبائل كبيرة كانت قد تمردت على سلطانه كبني خالد وبني لام ويزيد ومزيد, يستدل على ذلك من قصيدة الجعيثن يمدح السلطان مقرن, اذ جاء فيها:

حمى بالقنا هجرا الى ضاحي اللوى الى العارض المنقاد, نابع الفرايد ونجد رعى ربعي زاهي فلاتها على الرغم من سادات لام وخالد وسادات حجر من يزيد ومزيد قد اقتادهم فود الفلا بالقلايد

هذا وقد اشرنا سابقا الى ماذكره ابن بسام من قيام الجبور عام 916/1570-11 بغزو نجد وقد يكون ذلك قد تم في عهد السلطان مقرن وان الشاعر الجعيثن حين مدح مقرن باخضاعه قبائل نجد كان يشير الى هذه الغزوة.

واذا كان افتراضنا صحيحا حول بداية عهد السلطان مقرن فيكون هجوم الهرموزيين على البحرين بقيادة خواجة عطار عام 917 قد تم في عهده ايضا, وكان نجاح مقرن في افشال هذا الهجوم احد اسباب انتشار شهرته وذياع صيته. ولقد وصف ابن اياس مقرنا بانه وحد عربان بني جبر فمتلك جزيرة ما بين النهرين (البحرين) الى بلاد هرموز ووحد عربان الشرق على الاطلاق. ومن المحتمل جدا ان السلطان مقرن لكي يقوي مركزه قد لجا الى المعاهدات المتبادلة مع بعض القبائل والزعماء. تذكر المصدر بان أمير مكة كان قد تزوج بابنة السلطان مقرن ومن المحتمل ان دوافع هذا الزواج كانت سياسية. كما نميل الى ترجيح ان هناك علاقة مصاهرة قد قامت ايضا بين بيت مقرن وزعيم قبيلة بني خالد, ونحن نستند في هذا الافتراض الى ماذكرته المصادر من ان حاكم جزيرة البحرين والقطيف المدعوا الشيخ حميد ابن اخت السلطان مقرن وقد يكون حميد هذا شيخ بني خالد او ابن شيخها اذ من المعروف بان سلسلة نسب زعماء بني خالد يطلق عليهم ابن حميد تارة وآل حميد تارة اخرى.

8- انتزاع جزيرة البحرين من الهرموز ومقتل سلطانهم مقرن

ان دوافع الهجمات المستمرة التي كان يشنها الهرموزيون لاستعادة جزيرة البحرين والقطيف هي لوضع مواردها الكبيرة تحت تصرفهم المباشر ويبدو ان هذه الرغبة قد ازدادت بعد ان فرض البرتغاليون على مملكة هرموز ان تدفع لهم سنويا مبالغ كبيرة, وهذا مالم يكن بامكانها تلبيته وانه على الاقل كان يشكل عبئا ماليا كبيرا على خزانتها, خصوصا وان امراء الجبور ومقرن على الخصوص لم يكونوا يسددون بانتظام مافرضته عليهم شروط الاتفاقية المعقودة بينهم وبين هرموز من اموال سنوية. وعندما تكرر فشل الهرموزيون في فرض هيمنتهم بالقوة على البحرين والقطيف لجاوا الى تحريض البرتغاليين على ذلك. وتشير المصادر البرتغالية الى ان ملك هرموز تورانشاه كان قد اعتذر للبرتغاليين بعجزه عن دفع المبالغ السنوية التي كانوا قد فرضوها عليه, وقد عزا عجزه عن ذلك الى ان مقرن بن زامل لم يكن يدفع له بانتظام المبالغ المقررة عليه سنويا من واردات جزيرة البحرين والقطيف. بل الاكثر من ذلك ان مقرنا كان يقوم بالتعرض للسفن التي تبحر مابين البصرة وهرموز, وذلك ردا على المضايقات التي اخذت تتعرض لها تجارة بلاده من قبل البرتغاليين والهرموزيين هذا ومن الجدير بالذكر هنا ان البرتغاليين كانوا قد حاولوا عام 920/1514 النزول في جزيرة البحرين الا انهم فشلوا في ذلك, وعللوا هذا بان الرياح كانت قد عاكستهم.

ومهما يكن من امر فانه في عام 926/1520 اتفق البرتغاليون مع ملك هرموز على القيام بغزو لجزر البحرين, فحشدوا لهذا الغرض قوات كبيرة في جزيرة هرموز جندت من سواحل الخليج العربي يدعمها الاسطول البرتغالي . وكان وقت هذا الهجوم اثناء تغيب السلطان مقرن بن زامل في الحجاز لحضور موسم الحج, لذا فقد تولى مقاومة هذا الهجوم حاكم البحرين والقطيف الشيخ حميد ابن اخت السلطان مقرن وبسبب المقاومة الشديدة التي ابداها الجبور وسكان البحرين اضافة الى معاكسة الرياح الشديدة لسفن الحملة تم احباط هذا الهجوم. وعلى اثر ذلك سارع السلطان مقرن بالعودة من الحجاز وتوجه الى جزر البحرين ليشرف بنفسه على الاستعدادات الضرورية لمواجهة هجوم ثان مرتقب. وفي الحقيقة فان السلطان مقرن كان يتوقع هجوما برتغاليا على بلادة منذ مدة, لذا كان قد بدا باتخاذ الاستعدادات الضرورية لذلك. وتذكر المصادر البرتغالية بان السلطان مقرن كان قد بدا ببناء اسطول يتكون من سفن كبيرة واستعان من اجل ذلك بعمال مهرة من الترك والفرس والعرب, وجند مقاتلين يحسنون الرمي بالسهام والبنادق, كما انه قد اعاد تقوية تحصينات واسوار كل من البحرين والقطيف وزودها بالمدافع والمقاتلين ووضع على راس كل قوة احد القواد المدربين. وتشير المصادر البرتغالية ايضا الى ان قوات مقرن اصبحت تتكون من اكثر من 11الف مقاتل مزودين بمختلف الاسلحة اضافة الى 300 فارس و400رامي سهم من الفرس و 20 تركي من حملة البنادق(التفنكجية).

وفي 10 شعبان 927/17 تموز 1521 قام البرتغاليون والهرموزيون بهجومهم الكبير المرتقب على البحرين والقطيف, وقد كرت المصادر البرتغالية ان هذه القوات كانت تتالف من قسمين, قسم قد اعده ملك هرموز وهي تتالف من 3آلاف رجل من المرتزقة من فرس وعرب تحملهم 200 سفينة ويقودهم وزير ملك هرموز ريس شرف الدين. اما القوة البرتغالية فتتالف من 400 رجل تحملهم سبع سفن كبيرة مزودة بمدافع ضخمة بقيادة انطونيوكوريا. تصدى الجبور لهذا الهجوم يقودهم السلطان مقرن شخصيا وجرت المعارك الحامية في هجير الصيف, وكانت المعارك تتوقف بسبب شدة الحر ثم يعاود الطرفان الهجوم بعضهم على بعض, وكان مقرن على راس قواته يحث جنوده على الصمود والاستبسال الى ان جرح جرحا بليغا بسلاح ناري في فخذه نقل على اثره الى احد المساجد حيث توفي فيه بعد ستة ايام متاثرا بجراحه. لم تتوقف المعارك بعد اصابة مقرن فقد كان يتولى القيادة الشيخ حميد الى ان استشهد مقرن , فانهارت معنويات قواته ونظرا لانهيار المعنويات وكثرة القتلى والجرحى امر الشيخ قوات الجبور بالانسحاب الى القطيف فورا ونقل جثمان مقرن ليدفن في الاحساء. وتذكر المصادر البرتغالية بان الوزير ريس شرف الدين قائد القوات الهرموزية قد امر قواته بضرورة انتزاع جثة السلطان مقرن من ايدي القوات المنسحبة , فتم له ما اراد وقام بقطع راس السلطان وحمله معه الى هرموز.

ومما يجدر بالاشارة اليه هنا ان ابن اياس قد ذكر بان السلطان مقرن قد وقع حيا في ايدي البرتغاليين اثناء حربه معهم, وانه قد عرض عليهم مليون دينار فدية ليطلقوا سراحة, الا انهم ابوا ذلك وقتلوه صبرا. ان هذا القول يصعب قبوله لكونه يتعارض مع ما اوردته المصادر البرتغالية القريبة من موقع المعركة. ولربمايقصد ابن اياس بقوله هذا ان السلطان مقرن قد فاوض القوات المهاجمة قبيل وقوع القتال بين الطرفين او خلاله وانه اظهر استعداده لان يدفع لملك هرموز مابذمته من ديون وحقوق على شرط ان تنسحب هذه القوات من بلاده, وان هذا العرض من مقرن قد رفض.

مهما يكن من امر فان البرتغاليين والهرموزيين قد نجحوا في انتزاع جزيرة البحرين من الجبور واعادوا الادارة الهرموزية المباشرة اليها. وعينوا حاكما هرموزيا فيها يتمتع باستقلال كبير في ادارة الجزيرة وتقيم الى جانب هذا الحاكم حامية برتغالية ترابط في قلعة هناك ويراقب قائدها الاوضاع فيما حوله ليمنع بالقوة اذا اقتضى الامر أي امر قد يؤدي الى الاضرار بالمصالح البرتغالية او بالوجود البرتغالي في الخليج العربي.

ومما يلاحظ هنا ان الحملة البرتغالية – الهرموزية- لم تكتمل مهمتها المقررة وهي احتلال القطيف ايضا وربما يعزى ذلك الى شدة المقاومة التي واجهتها من الجبور وخشيتها من ان تصاب بكارثة كبيرة فيما اذا حاولت النزول في القطيف.

على انه لابد لنا من التعليق على ماذكرته المصادر البرتغالية من ان احتلال البحرين قد تم بتحريض من ملك هرموز وان هدفه كان ضمان حصوله على حقوقه في البحرين. ان هذا الاعتداء من قبل البرتغاليين تضعفه (الوقائع) اذ نحن نعرف بانهم كانوا جشعين ومصممين على الاستئثار بمعظم المنافع في الخليج العربي. وكانت البحرين احدى المناطق التي توجهت اليها انظارهم منذ البداية نظرا لغناها ومركزها الاستراتيجي والتجاري المتميز. على اننا لايمكن ان نعفي ملك هرموز من تحمل ماحدث في البحرين, اذ كان حريصا جدا على ان يخفف من اعباء خزينته ماكان قد الزمه البرتغاليين بدفعه من مبالغ وذلك بتشجيعهم على انتزاع البحرين ووضع ايديهم على ما تغله من واردات. على انه يجب ان نستدرك فنقول بان القرار الاخير لهذه الحملة كان دون شك قد اتخذ من قبل البرتغاليين وتحت اشرافهم خصوصا ونحن نعرف بانهم كانوا حذرين جدا من احتشاد أي قوات في هرموز تحت اية ذريعة لئلا تستخدم ضدهم. هناك نقطة رئيسية حول السياسة التي اخذ يمارسها البرتغاليون في الخليج , تجدر الاشارة اليها , وهي انهم كانوا يقومون بتجريد المنطقة من كل سلاح لئلا يستخدم ضدهم في المستقبل ,وقامت فعلا بجمع المدافع من موانيء عمان وهرموز لهذا لغرض اضافة الى مراقبتهم لبناء السفن في الخليج وتفتيشها للتاكد من عدم تسليحها. ولقد اثار قلق البرتغاليين ما كان يقوم به السلطان مقرن من تعزيز قواته وتوسيعها وتسليحها بالاسلحة النارية وبناء السفن الكبيرة. ان هذه النقطة بالذات لابد ان تكون احد العوامل الرئيسة التي جعلت البرتغاليين يسعون للبحث عن الوقت المناسب لتدمير الجبور ولما كانوا عاجزين عن قهرهم بدا نظرهم للتفوق الذي يتمتع به الجبور في هذه الساحة , لذا فقد لجاوا الى عمل عسكري يرتكز اساسا على تفوقهم البحري.

مهما يكن من امر فان سياسة البرتغاليين في الخليج العربي القائمة على عرقلة النشاط التجاري لسكان الخليج مع المحيط الهندي وفرض الضرائب الباهضة على سكان المنطقة وقسوتهم المتناهية في التعامل مع السكان ثم الاعتداء على الكرامات والاعراض ونهب الاموال , كلها عوامل قد هيأت الاجواء للثورة ضدهم. ولم يكن استشهاد السلطان مقرن ليقع دون ان يحدث صدى حزن واسع في انحاء الجزيرة العربية وربما كان ابن اياس يعبر عن ذلك حينما قال معلقا على استشهاد السلطان مقرن بان ذلك كان من اشد الحوادث في الاسلام واعظمها كان الراي العام في تلك الظروف العصيبة يراقب باعصاب مشدودة ما كان يحدث على طول ساحة المواجهة مع البرتغاليين والمتدة من سواحل الهند الغربية حتى السويس, ويتنسم اخبارها . ان ماحدث بعد بضعة شهور من استشهاد مقرن لا يمكن عزل بعض فصوله على الاقل عن هذه الحادثة. ففي اواخر عام 1521 انفجرت ثورة عارمة ضدالبرتغاليين في طول الخليج العربي وعرضه تقريبا, ويبدوا ان توقيت الثورة كان منظما بشكل دقيق بحيث تقوم في كل مناطق الخليج في وقت واحد على الحاميات البرتغالية المتواجدة فيها, وقد نجحت هذه الثورة فعلا في ايقاع خسائر كبيرة في البرتغاليين وكادت ان تقضي على وجودهم فيه. والذي يعنينا في بحثنا هذا هو موقف الجبور على الخصوص ففي حين نرى سكان البحرين قد ثاروا في وجه البرتغاليين وقتلوا قائدهم وفتكوا ببقيتهم نجد ان قيادة الجبور في عمان والتي تذكر المصادر البرتغالية انها تتركز بيد الشيخ حسين بن سعيد تقف موقفا آخر. فقد عمل الشيخ حسين بن سعيد على ان يستغل ظروف الاضطراب التي عم الخليج ليطبق بقواته البالغة 450 رجل على صحار التي كان يحكمها احد كبار اخوان ملك هرموز وهو ريس شهاب الدين والذي من المحتمل ان يكون قد ساهم هو وقواته في الحملة البحرية التي انتهت باحتلال البحرين واستشهاد مقرن. وعندما كان الجبور مطبقين على صحار وصل الاسطول البرتغالي بقيادة دون الوين الى سواحل صحار وهو يعتزم اقتحام المدينة ايضا لانهاء التمرد ضد البرتغاليين فيها ادرك لوين بانه لن يستطيع الوصول الى نتيجة حاسمة مع صحار من دون ان يغري الجبور بالتعاون معه فاتصل لهذا الغرض بالشيخ حسين بن سعيد الذي رحب بذلك لكنه اشترط ان يحكم الجبور صحار. ويبدوا ان الجبور كانوا معنيين اساسا بالانتقام من اتباع ملك هرموز. في 12 ربيع الآخر عام 928/11 مارت 1522 وبعد اتفاق الطرفين قام الاسطول البرتغالي بمهاجمة صحار من البحر والجبور من البر فاضطر السكان الى طلب الحماية من الجبور خشية تنكيل البرتغاليين بهم فمنحوهم ذلك, كما كلفوا الحامية الهرموزية بالانسحاب مقابل مبلغ من المال . اما ريس شهاب الدين فقد تمكن من الفرار. دخل البرتغاليون صحار من جهة البحر واخذوا ينهبونها ويشعلون النار فيها لكنهم انسحبوا منها بعد حين وسلموها الى الشيخ حسين بن سعيد الذي كان قد دخل صحار من جهة البر, فاستقل في حكم المدينة مع الاعتراف بالسيادة للبرتغاليين(145). ان مما يلفت الانتباه حقا ان المؤرخ الايراني عباس اقبال قد دفعه تعصبه الى ان يصف موقف بعض شيوخ العرب من البرتغاليين خلال هذه الثورة بالذات بالخيانة(146) في حين انه تغاضى تماما عن تحالف الشاه اسماعيل الصفوي مع البرتغاليين في الخليج كما تغاضى ايضا عن موقف حكام مملكة هرموز الذين كانوا عموما قد مهدوا بتخاذلهم وضعفهم للبرتغاليين ليثبتوا اقدامهم في الخليج العربي , ولينكلوا بالسكان بل وليحرضوهم ويتواطاوا معهم في ذلك.كما حصل في البحرين .(148) يضاف الى ذلك ان عباس اقبال قد اهمل متعمدا الاشارة الى موقف التحدي للقوات البرتغالية الذي كان يقفه العرب عموما وبنو جبر خصوصا طوال الفترة السابقة لذلك كما انه تناسى ان معظم سكان مملكة هرموز والتي كانت قد ثارت ضد البرتغاليين هم من العرب. والذي يبدوا لنا ان موقف بعض شيوخ العرب عموما والجبور خصوصا في هذا الظرف بالذات من البرتغاليين كان مبعثه اساسا هو انهم كانوا يرون ان كما اصابهم من ضرر كان مصدره تخاذل وتواطؤ حكام هرموز مع البرتغاليين ثم قيامهم بتعريضهم على التنكيل بالجبور وقتل سلطانهم مقرن فتحركوا في هذا الاتجاه وهو الانتقام من الهرموزيين, وقد ظهر ذلك واضحا في هجومهم على صحار ولكن ملك هرموز طورانشاه قد لجا الى جزيرة قشم هربا من البرتغاليين بعد فشل ثورته ضدهم , فارسل زعيم الجبور حسين بن سعيد احد اتباعه اليه ليثار منه لمقتل السلطان مقرن بن زامل وقد تمكن من ذلك وبذلك صفى الجبور الحساب مع عدوهم اللدود طورانشاه(149).


9 – نهاية امارة الجبور

ترك استشهاد السلطان مقرن بن زامل بن اجود بن زامل الجبري فراغا سياسيا كبيرا في امارة الجبور عجز الامراء الذين اعقبوه ان يملاوه ومن المحتمل انه قد ظهر خلال هذه الفترة في صفوف الجبور محوران متنافسان حول الزعامة . احدها كانت تتركز زعامته في الاحساء في اولاد الجبور واحفاده والاخر في عمان الشمالي . وفي واحات تؤام (البريمي) بالذات في اولاد هلال بن زامل بن حسين الجبري واحفاده. ويعزى السبب الرئيسي لانهيار امارة الجبور الى التناحر بين هذين المحورين والى ضغف قياداتهما. على انه يجب ان لا يغب عن بالنا جمود النشاط الاقتصادي وكساد النشاط التجاري الذي ساد امارة بني جبر بظهور البرتغاليين في مياه الخليج العربي. ثم زاد الامر سوءا خروج جزيرة البحرين من ايديهم وهو عامل مهم في انحلال امارتهم وسقوطها.

ولقد لخص لنا الشيخ الجزيري الوضع السياسي الذي ساد امارة الجبور عقب مقتل السلطان مقرن بن زامل مباشرة سنة 927/1561 فذكر ان السلطة قد انتقلت بعد مقرن الى عمه علي بن اجود الذي لم يستطع الاحتفاظ بها اكثر من شهر, فاعقبه ابن اخيه ناصر بن محمد بن اجود الذي بقي في السلطة مدة ثلاث سنوات, تميزت كما يبدو بالضعف والفوضى فادرك عجزه وافلاسه مما دفعه الى ان يتنازل عن هذه الامارة لقطن بن علي بن هلال بن زامل مقابل مبلغ من المال . وبتولي قطن بن علي بن هلال لامارة الجبور تكون السلطة قد خرجت من بيت السلطان اجود بن زامل لتنتقل الى بيت اخيه هلال بن زامل, الذي كان نفوذهم يتركز في عمان الشمالي , ويطلق عليهم المؤرخون العمانيون في بعض الاحيان اسم بني هلال, وتغلب عليهم البداوة.

مهما يكن من امر فان قطن بن علي قد توفى بعد ان حكم فترة لم تتجاوز اشهر او شهرين ثم اضطر الى التنازل عنها لعمه غصيب( قضيب) اننا نعرف من المصادر العمانية ان لقطن هذا ثلاثة اولاد هم قطن وناصر وعلي ولابد ان يكون احد هؤلاء الثلاثة هو الذي ورث الامارة من والده على ان ابن قطن لم يستطع ان يحتفظ بالسلطة الا فترة قصيرة جدا لم تتجاوز الشهر او الشهرين ثم اضطر الى التنازل عنها لعمه غصيب (قضيب) بن زامل بن هلال بن زامل.

ان هذه الفوضى السياسية والاقتصادية التي اخذت تتخبط فيها امارة الجبور بعد استشهاد السلطان مقرن مباشرة وبعد انتقال السلطة الى الهلاليين خاصة قد دفعت بالتاكيد ببعض الزعماء في الاحساء والقطيف بما فيهم بيت السلطان اجود بن زامل الى البحث عن زعيم قوي ينتشل البلاد من حالة التخبط والتدهور التي وقعت فيها, ولابد ان انظارهم قد اتجهت الى الشمال منهم الى البصرة حيث كان الشيخ راشد بن مغامس بن صقر بن محمد بن فضل قد نجح في انتزاع البصرة من المشعشعين في حدود العقد الثاني من القرن السادس عشر وكون له امارة قوية هناك مستقلا بها عن الصفويين. هذا ولابد ان نشير هنا الى ان الشيخ راشد بن مغامس زعيم المنتفق كان بدون شك يراقب ما كان يحدث في بلاد البحرين نظرا لعلاقة ذلك بامن امارته وبمصالحها الاقتصادية وخاصة بامن قافلة الحج الكبيرة التي كانت تنطلق من البصرة مارة باطراف بادية البحرين. ولابد ان الشيخ راشد راى ان الظروف مواتية جدا لتحقيق طموحه في توسيع امارته وضم بلاد البحرين اليها وهو مطمئن الى حد ما الى انه لن يلقى مقاومة تذكر فيما لو حاول ذلك. ويفهم من عبارات الشيخ الجزيري التي يقول فيها ان الجميع كانوا قد استعانوا بالشيخ راشد بن مغامس لضعف حالهم فقوي عليهم. ان الشيخ راشد كان قد دخل في البداية الى بلاد البحرين بمطلب من الجبور كحليف لهم ومعين في ضبط الامن والنظام, الا انه بعد فترة قصيرة استغل ضعفهم وارتباك امرهم فانتزع منهم الحسا والقطيف في حدود عامي 931- 932/1524- 1525. وبذلك تكون امارة الجبور قد زالت من بلاد البحرين في هذا التاريخ كسلطة سياسية. وحلت محلها امارة آل فضل واصبح الشيخ راشد بن مغامس بذلك يلقب بسلطان البصرة والحسا والقطيف. بقي ان نتساءل لماذا اختفى من مسرح الاحداث اسم الشيخ حميد ابن اخت السلطان مقرن بن زامل الذي كان حاكما على جزيرة البحرين والقطيف في عهد خاله مقرن, واشترك الى جانبه في القتال دفاعا عن جزيرة البحرين ثم اين اختفى اسم الشيخ حسين بن سعيد الذي مربنا ما قام به من نشاط بعد استشهاد السلطان مقرن؟ هذان الزعيمان يتزعمان بني خالد وهم من بطون عامر بن أسد بن ربيعة الذين قدرلهم ان يلعبوا دورا كبيرا في حياة بلاد البحرين بعد فترة قصيرة من زوال امارة الجبور؟

المراجع والهوامش

[1] المسلم ؛ محمد سعيد: واحة على ضفاف الخليج الصفحة 225.
[2] الكندري؛ فيصل: بحث (قانون نامه لواء القطيف لعام 959هـ) المنشور في المجلة التاريخية العربية للدراسات العثمانية العدد الخامس عشر والسادس عشر / أكتوبر – نوفمبر 1997م.
[3] الكندري؛ فيصل: تقرير حملة مصطفى باشا على البحرين عام 966هـ / المجلة التاريخية العربية للدراسات العثمانية ع:13، 14 أكتوبر 1995م.
[4] كان من ضمن من نهبتهم القوات العثمانية في القطيف عام 966هـ أحد أكبر أثريائها واسمه جمعة بن رحال الذي صادرت القوات العثمانية أملاكه مما أجبره على الخروج منها والذهاب إلى جزيرة البحرين والاشتراك مع حاكمها مراد بك في الدفاع عنها ضد القوات العثمانية التي توجهت لاحتلالها في العام نفسه.
[5] فرضت القوات العثمانية نوعين جائرين من الضرائب على أهالي المنطقة؛ النوع الأول كان عبارة عن الضرائب الرسمية التي وضعتها الدولة وطلبت من قواتها جبايتها من الأهالي، وهي بحد ذاتها كانت باهضة وجائرة في كثير من الأحيان، والنوع الثاني كان أكثر جوراً وبهضاً لأنّ بعض الحكام والقواد العثمانيين قاموا بفرض ضريبة على الأهالي عُرفت باسم (بدعت لر) أي ضريبة غير شرعية أو حتى رسمية من قبل الحكومة، وقد بدأ بعض الحكام والقواد تطبيق هذا النوع من الضرائب عندما كانت الدولة تتأخر في دفع رواتب هؤلاء الحكام والقواد، ثم صارت عادةً لهم لجني أكبر قدر من الثروة، ويوجد في خزائن الوثائق العثمانية الكثير من الشكاوى التي كان يرفعها المواطنون في المنقطة للدولة العثمانية يتظلمون فيها من مثل هذا النوع من الضرائب المبتدعة. انظر بحث (قانون نامه لواء القطيف لعام 959هـ) للدكتور فيصل الكندري المنشور في المجلة التاريخية العربية للدراسات العثمانية العدد الخامس عشر والسادس عشر / أكتوبر – نوفمبر 1997م.
[6] جاء في تقرير كتبه أحد الجنود العثمانيين عام 966هـ عن الحملة العثمانية الفاشلة لفتح جزيرة البحرين: " إنّ جزيرة البحرين خطرة وصعبة، وكل أهلها من الروافض، وقد اتحدوا مع الكفار." وهذا كلامٌ لا يقوله إلا من هو مليء بالحقد الطائفي، ويصح أن يكون مقياساً لما كان يكنّه أغلب الجنود العثمانيين الذين احتلوا المنطقة، وفي نفس الوقت يصلح أنْ يكون هذا الكلام دليلاً قوياً على أنّ سكّان جزيرة البحرين كانوا جميعهم من الشيعة في ذلك الوقت، وأنّ المدّ السني إنما جاءها مع الاحتلال العثماني للمنطقة وبعده لا كما نسمع من بعض كتاب هذا العصر، وانظر عن التقرير المذكور "حملة مصطفى باشا على البحرين" للدكتور فيصل عبد الله القندري المتقدم.
[7] بإمكان القارئ التوسع في معرفة ما يتعلق بهذه السجلات، وذلك بالرجوع إلى كتاب (مصادر وتاريخ الجزيرة العربية في تركيا) للدكتور سهيل صابان.
[8] القندري؛ فيصل: قانون نامه لواء القطيف مصدر سابق.
[9] القندري؛ فيصل: قانون نامه لواء القطيف مصدر سابق.
[10] القندري؛ فيصل: قانون نامة لواء القطيف.
[11] القندري؛ فيصل: قانون نامة لواء القطيف/ الصفحة 343.
[12] قانون نامه مصطلح مركب من كلمتين هما (قانون) أي نظام و(نامه) أي كتاب، وقانون نامه لواء القطيف يعني نظام لواء القطيف.
[13] القندري؛ فيصل: قانون نامة لواء القطيف.
[14] القندري؛ فيصل: قانون نامة لواء القطيف.
[15] ابن الأثير؛ الكامل في التاريخ حوادث سنة (588هـ) بعنوان: نهب البصرة.
[16] ابن المقرّب؛ شرح ديوان ابن المقرّب بتحقيق الكاتب وصاحبيه ج2: 1163.
[17] راجعه بتحقيق الكاتب وصاحبيه، ج2: 1163 وما بعدها.
[18] الحميدان؛ عبد اللطيف ناصر: إمارة العصفوريين ودورها السياسي في تاريخ شرق الجزيرة العربية/ مجلة الوثيقة البحرينية العدد الثالث السنة الثانية رمضان 1413هـ الموافق يوليو 1983م.
[19] ج2: 1226
[20] ابن المقرب؛ شرح ديوان ابن المقرب بتحقيق الكاتب وصاحبيه ج2: 1227.
[21] الحميدان؛ المصدر السابق.
[22] الحميدان؛ المصدر السابق.
[23] ابن المقرب؛ شرح ديوان ابن المقرَّب بتحقيق الكاتب وصاحبيه علي البيك وعبد الغني العرفات ج2: 1293.
[24] القلقشندي؛ نهاية الأرب في معرفة قبائل العرب الصفحة 331.
[25] لوريمر؛ دليل الخليج / القسم الجغرافي ج3: 1253.
[26] القلقشندي؛ صبح الأعشى ج7: 370 – 371.
[27] القلقشندي؛ صبح الأعشى ج7: 370 – 371.
[28] ابن حجر؛ الدرر الكامنة/ ترجمة إبراهيم بن ناصر بن جروان المالكي، ويلاحظ أنّ مؤرخي العراق والشام ومصر قد نبزوا كل حكام البحرين الذين خلفوا القرامطة بهذا اللقب حتى ولو لم يكونوا منهم، والسبب في ذلك أنّ الذين حكموا بعد القرامطة كالعُيونيين والعُقيليين كانوا في الأصل من أتباع القرامطة وأنصارهم الذين يحاربون بهم، فاستمر مؤرخو العراق والشام ومصر بإطلاق هذا اللقب عليهم حتى القرن التاسع الهجري كما نرى عند ابن حجر هنا؛ بل حتى جروان وولده لم يسلموا من هذا النبز عند السخاوي في الضوء اللامع عند حديثه عن أجود بن زامل الجبري، فقد نعتهم ببقايا القرامطة.
[29] ابن المقرّب؛ شرح ديوان ابن المقرّب بتحقيق الكاتب وصاحبيه ج2: 971 و 1124.
[30] الظاهري؛ أبو عبد الرحمن بن عقيل / أنساب الأسر الحاكمة في الأحساء ج1: 205 – 206.
[31] ابن عنبة؛ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب الصفحة 142 وما بعدها.
[32] الطهطاوي؛ أحمد: التنبيه والإيقاظ لما في ذيول تذكرة الحفاظ 59 – 60.
[33] ابن عنبة؛ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب الصفحة 142 وما بعدها.
[34] موسوعة المعرفة.
              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم