قافلة بني عامر الأخيرة


حادثة القافلة التي تسببت بتشتيت بني عامر:
موقع الحادث كان بمنطقة البحيرة في الجزء الشمالي الغربي لمصر، وهي قافلة مرسلة لسلطان القاهرة، وكانت قبيلة بني عامر في المناطق الممتدة ما بين البحيرة حتى برقة تخضع لخفارة بني هلال بن عامر وبني كلاب بن عامر، وفق ما ذكره العلامة ابن خلدون في تاريخه صفحة 1556.
يشار إلى أن قبيلة بني عامر كان لها قوافل خاصة كانت تنزل مصر قادمة من شرق الجزيرة العربية، حيث ترسلها القبيلة من الاحساء والقطيف والبصرة وهي عبارة عن عدة أنواع من البضائع والسلع والمنتوجات التي تنتج محليا وبعضها تستورد من بلاد الهند والفرس.
في البداية يجب أن نشير إلى أهم المناطق التي كانت تتبع قبيلة بني عامر في شرق الجزيرة العربية ولنذكر منها هذه الأسماء:
العيون، والخبر، والخفجي، والصرار، والحلوة، والإحساء والقطيف وملح ونطاع والقرعاء  إلى الجنوب من اللصافة ثم اللهابة وهي إلى الجنوب من القرعاء، وجودة وهي إلى الجنوب الغربي من أم العراد ومتالع وهي إلى الجنوب من أم ربيعة وتضم عريعرة وأم العراد وغيرها وقد ضمت امارة بني عامر منطقة نجد إلى نفوذها.. وبعض المعلومات تقول امتد نفوذهم إلى حلب [1]
في تلك المواقع كانت تنتشر وتمتد فيها قبيلة بني عامر والتي تتفرع وقتذاك إلى 15 بطناً على الأقل، وقد كان لها نمطين اجتماعيين احدهما حضري والآخر بدوي، أي أن قبيلة بني عامر كانت تنقسم إلى حضر وبادية وكانت بيوت الحضر مبنية من الحجر والصخر ومنها بعض القصور وكانت أغلب بيوت بدو بني عامر من الأخصاص جمع "خص" وهو عبارة عن بيت صغير من النباتات البرية وهؤلاء هم الذين يمدون حضر بني عامر بالفرسان والجيوش عند الحاجة إلى ذلك، وكان بدو بني عامر متنقلون ومرتحلون من موقع لآخر حسب ما تقتضيه مصالحهم التجارية والرعوية وكانوا يمتلكون أعدادا كبيرة من الإبل والأغنام والخيول
كان بدو بني عامر غير مهتمين بالسياسة ولا بالحكومة، أما حضر بني عامر فكان منهم رجال وشيوخ يقودون سياسة المنطقة وينظمون علاقاتها التجارية بين الدول.

فكان لأمراء بني عامر نفوذ قوي واتساع عظيم في كل من البصرة والمدينة المنورة ودمشق والرملة والعريش والبحيرة وبرقة، وكان لها رجال أشداء منتشرون وموزعون في محطات الطرق التجارية التي تخترقها قوافلهم ذهاباً وإياباً، وكانت إمارة بني عامر ترسل وفود سياسيين بين الفينة والأخرى إلى عواصم الدول لتنظيم وتجديد المعاملات التجارية.
لقد كانت قوة بني عامر بادئ ذي بدء قد تعاظمت بعد اندامجها مع حركة القرامطة، ثم أصبحت بعد ذلك جسم قوي مؤثر في حركة القرامطة وقراراتها السياسية مما جعلها تجلب أموالاً جمة من وراء ذلك، غير ما فرض لها من حصة مالية خاصة ترسل لزعمائها من أهل الحضر الذين امتلكوا البساتين والواحات والعيون والموانئ والقطاعات التجارية الواسعة، أما شيوخ بني عامر البدو الرحل فكانوا عبارة عن قادة للقوات البرية يتم تحريكهم أثناء الحروب والصراعات لترجيح كفة الانتصار لصالح امارة بني عامر المركزية ولذلك كان لهؤلاء الشيوخ حصة من المال ترسل لهم بشكل دوري، إلى جانب ما يتقاضاه رجالهم من أجرة نقل البضائع والسلع في القوافل التجارية التي يتم ارسالها إلى العواصم.
لكن قبيلة بني عامر بدأت تتعرض للمؤامرات من قبل أركان أحلافها وذلك لوضعها ومكانتها المرموقة في بلاد العرب، فالتهم الحسد قلوب رجالها وطمع الزعماء والشيوخ بالمناصب والجاه والمال فوجد الشيطان طريقه ممهدا لحياكة الفتن والقلاقل تحت حجج وذارئع متعددة وبالرغم من فداحة هذه الحروب والمؤامرات إلا أننا استنتجنا قوة بني عامر ومهارتها على الصمود والبقاء، حيث كانت أول الهجمات المباغتة على بني عامر كانت من قبل العيونيين وهم حسب ما يشاع من قبيلة عبد القيس لكن أنا أعتبرهم من بني عامر وهم فرع من أولاد ابراهيم أحد شيوخ بني عامر القدماء الذين كانوا يقطنون بمنطقة العيون وشن قائدهم عبد الله بن علي عدة هجمات على القرامطة وعلى بني عامر واستطاع الحاق الهزيمة بهم وتمكن من قتل عدد كبير من زعمائهم وفر عدد منهم إلى العراق وتم نفي بعضهم إلى عُمان وكان ذلك في العام 473هـ/1081م، إلا أن هذه المعارك لم تقضي على القبيلة لأنها قد أصرت على البقاء ومحاولة استرداد امارتها وهذا ما رأيناه فيما بعد، حيث شاركت في الصراع الدائر بين أسرة العيونيين الحاكمة وساهمت في اسقاط حكمهم، واستعادة امارتها في حدود العام 630هـ/1233م[2].
وكانت قوافل بني عامر التجارية المتجهة إلى مصر قد بلغت أوجها ما بين 1293م - 1340م حيث كانت تصل القاهرة باستمرار محملة بالخيول الأصيلة واللؤلؤ والبضائع الهندية والأقمشة والسكر والإبل [3] وهذه القوافل غير القوافل التي كانت تصل لأغراض سياسية، لكن في العام 1500م قد تفاقمت النزاعات الداخلية على إثر انهيار الحلف الشامي في جنوب فلسطين وفي سوريا ونقصد بذلك امارة بني جرم القضاعية وامارة عرب الفضل اللتان كانتا امتدادا تحالفيا لامارة بني عامر في شرق الجزيرة العربية، فتعاظمت عمليات السطو والنهب على القوافل التجارية وبطرق ارتجالية فردية من قبل الحراس والعمال، مما أدى إلى تشويه العمل وانعدام الأمن وقد طالت هذه الأعمال كافة القوافل على اختلاف أنواعها.
في الفترة الممتدة ما بين 740هـ/1340م - 800هـ/1398م وقعت أحداث وعواصف سياسية في تلك الأقاليم الجغرافية بين عدد هائل من الأقطاب السياسية الداخلية والخارجية، من بينها الصراعات الداخلية في إمارة بني عامر من جهة، وصراعات أخرى مماثلة في مناطق نفوذها الممتدة خارج الاحساء، ومن أمثلة ذلك صراع في الحوف الشرقي بمصر، وصراع في جنوب فلسطين وصراع آخر داخل امارة عرب الفضل بسوريا، وصراع في الجهة الغربية من أرض مصر، مما أدى إلى فقدان السيطرة على تنظيم عمل الطرق التجارية فأضحت مقصدا للسطو والنهب والقتل.

ومن حكام امارة بني عامر الذي أعقبت دولة القرامطة نذكر: العيونيين (538هـ/1144م-630هـ/1233م)، بني عصفور (651هـ/1253م- 720هـ/1320م)، بني عقيل وبني جروان، بني جبر (1430م-1520م)، بني مغامس وهذه القبائل هي أحلاف  تعود بأنسابها إلى عدة قبائل لعل أغلبها يرجع لقبائل بني عامر وأخواتها من بني قيس..
في العام 713هـ/1314م شنت قوات مصر بأمر من السلطان هجمات على العربان البدو في طرقات السويس والواحات [4] لضبط الأمن ومنع حوادث نهب القوافل والتجار والحجاج من ناحية، ووقف كمائن البدو لدوريات الجيش من ناحية ثانية والتي كانت تهدف إلى سرقة الأسلحة وقد قامت القوات المملوكية بهجمات انتقامية قاسية ضد البدو الذين كانوا أشد أعداء المماليك لمحاولاتهم المتكررة القيام بثورات ضدهم، وطالت عمليات التمشيط معظم محاور ومحطات الطرق التجارية الشرقية والغربية.
وفي خضم هذه الأحداث كان الصراع دائر في امارة بني عامر بشرق الجزيرة العربية بين بني عقيل وبني جبر، ففي الفترة الواقعة ما بين 1400م-1420م امتد الصراع إلى أحلافها في جنوب فلسطين بين قضاعة وجذام لتندلع الحروب ما بين العريش بشمال سيناء حتى مدينة غزة، وتدخلت قوات المماليك في غزة لصالح قضاعة، ونتيجة لذلك تشتت حركة القوافل التجارية في جنوب بلاد الشام عامة، وفي الجانب الآخر من مصر وخاصة في مراكز تجمع قبائل بني عامر بمنطقة البحيرة حتى برقة في ليبيا كانت تحدث بين الفينة والأخرى حروب طاحنة بين قبائل المغاربة من بني هلال بن عامر وبني كلاب بن عامر وبني سليم ضد السلطنة المملوكية الحاكمة في القاهرة، وكانت ترسل لهم تجريدات عسكرية واحدة تلو الأخرى، بسبب قيام العوامر بغزو مناطق الفيوم والقرى المجاروة للبحيرة وكذلك السطو على أعمال الجباية التي تقوم بها سلطنة المماليك، وفي ضوء هذه الوقائع وبموقع قريب من البحيرة طلبت مجموعة من العوامرة وهم من الفرع الهلالي المكلفون بجباية الخراج [5] لسلطان القاهرة من احدى القوافل القادمة من المغرب العربي رسم المرور حيث فرض العوامر رسما اضافيا شمل جمرك كلاب السلق التي تسير في القافلة وهذه الكلاب هي هدايا مقدمة من ملوك المغرب للسلطان بمصر اضافة إلى مرافقتها للقوافل ايضا لغرض الحراسة والصيد، ورفض أمير القافلة هذا الرسم المقرر عليه، إلا أنه استجاب لهم بعد أن وجهوا له تهديدا بالحرب، فدفع لهم رسما كما أرادوا، فنهبوه واتخذوا طريقا من هناك إلى بر سيناء، وبعد أن وصلت القافلة إلى القاهرة وابلغ السلطان عن الحادثة فقرر أن يهاجم عربان العوامر في البحيرة والانتقام منهم..وفي نفس وقت هذه الحادثة كان عربان البحيرة يقومون بغزو ونهب قوافل السلطنة ومصادر ثروتها، ووجهت السلطنة تهمة لمشايخ عربان البحيرة محاولة الانفصال عن السلطنة والاستقلال بمملكة خاصة..
وبالنسبة للمجموعة التي نهبت القافلة واتجهت إلى سيناء من هناك، فقد اتفقوا على استخدام اسم "الملالحة" أي باعة الملح حتى لا يتم اعتقالهم من قبل نقاط الجيش، وذلك لأن باعة الملح في النطرون والفيوم وسيناء يتنقلون من منطقة لأخرى دون ممانعة من الجيش لطبيعة حرفتهم وعدم مشاركتهم في الغزو والنهب وهذا بطبيعة الحال صفة من يعمل في الحرف، ومن خلال هذه الحيلة تمكن العوامر من انقاذ انفسهم من قبضة الجيش، الذي كان قد هاجم عربان العوامر في البحيرة باستخدام كافة الأسلحة ومنها المنجنيق وهي المرة الأولى الذي يستخدم فيها هذا السلاح في هذه الحروب حيث دمرت البيوت تدميرا كاملا، وبعد معارك عنيفة قتل خلالها الآلاف من الجنود التي ملأت جثثهم الطرقات الواقعة ما بين دمنهور وحتى البحيرة.. كسرت بني عامر وتشتتت واخفى الجميع اسمهم خوفا من الانتقام، كما تمكن المماليك من اعدام عدد من شيوخ القبيلة وقطعت رؤوسهم وعلقت على باب زويلة على عادة المماليك في كل معركة مع العربان، وللمزيد حول أحداث ووقائع عربان البحيرة يمكن قراءة هذه الأخبار...

المراجع والمصادر
[1] تاريخ الامارة العيونية في شرق الجزيرة العربية، عبد الرحمن آل ملا، 2002م، ص16
[2] تاريخ الدولة العيونية في سطور، مجلة الواحة، العدد 34، بقلم سامي أحمد بو خمسين
[3] البدو، أوبنهايم،ج3، ص194-196
[4] النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، الموسوعة الشاملة
[5] تاريخ ابن خلدون، ص1556

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم