أجواد العرب في الإسلام

أجواد العرب في الإسلام
مَوْسُوعَةُ الْهُلًاْلِيُّ - كان الجود والكرم معروفا عند العرب قبل الإسلام، فجاء الإسلام وأكد عليه حتى صار الكرم من صفات المؤمن، تعالوا بنا نستذكر أجواد العرب في الإسلام بحسب ما ذكرهم النسابة المؤرخ محمد بن حبيب المتوفي سنة 245هـ ..
حيث ذكر في كتابه "المحبر: ما يلي:

بنو هاشم: (عبيد الله) بن العباس بن عبد المطلب. وله أحاديث في جوده. فمنها أن صرافا قام للناس بتسعة آلاف دينار، فلزمه غرماؤه فسألهم أن ينفسوه حتى يضطرب ويقتضى ديونه.

فقالوا. لا يرضى منك بكفيل دون أن يضمنك عبيد الله بن العباس» . فأتى بابه فاستأذن عليه، فدخل ودخل معه غرماؤه، وعبيد الله جالس يخوص لغنم بين يديه البزروهى تشرب. فقص عليه الصيرفي قصته. فقال لغرمائه: «إئتوني بصكوككم» . فأتوه بها فخرقها وقال: «هي لكم علي» . فقضي عنه تسعة آلاف [٣] دينار ولم يكن بينه وبينه خلطة قبل ذلك ولا حرمة. و (السفاح) وهو عبد الله الأصغر بن علي بن عبد الله بن عباس. و (محمد) بن جعفر ابن عبيد الله بن العباس. و (عبد الله) بن جعفر بن أبي طالب. وله أحاديث كثيرة عجيبة. فمنها أنه أتاه رجل، وقد قدمت راحلته ليركَب، فقال: «إني رجل منقطع بي» . فأعطاه الراحلة بما عليها. فقام الغلام ليأخذ سيفه من قرابه. فصاح به عبد الله: «دعه، ويلك» . ثم قال للرجل:

«يا هذا! لا تخدع عن السيف فإني اشتريته بألف دينار» . ومنها أن امرأة جاءته فقالت له: «تفديك خالتك! هذه دجاجة، ربيتها فروجة وسمنتها. فلم/ أر أحدا أحق بها منك.» فأخذها منها وأمر لها بألف درهم. فقالت: «أبقاك الله وأعانك على ما أنت فيه» . فقال: «زدوها [١] ألفا» . فقالت: «حفظ الله نفسك الكريمة» . فقال: «زدوها ألفا».
فقالت: «أمتعني الله وسائر الناس ببقائك» . فقال «زدوها ألفا» .

فقالت: «جعلني الله فدا هذه الروح الطيبة» . فقال: «زدوها ألفا» . فقالت: «حسبك يا مسرف» . فقال لها: «والله لو ثبتّ لثبت.» ومنها أن مولى لعبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي قدم على مولاه عبد الله بالمدينة. فتذاكروا يوما جود عبد الله بن جعفر. فقال المولى: «إنا لنسمع من جود عبد الله بأشياء ما سمعنا بمثلها عن أحد».
فقال له عبد الله مولاه: «صدق بكل ما تسمعه عنه، فان فيه أكثر منه» . فقال المولى: «والله إني لأحب أن أرى من ذلك شيئا» .

فقال له ابن مطيع: «هات صحيفة» . فأتاه بها. فكتب فيها ذكر حق لفلان باسم المولى على عبد الله بن جعفر بثلاثمائة دينار حالة، وأعطاه الصحيفة وقال: «إذهب إليه فسلم عليه وقل له: هذا ذكر حق لى عليك يا با جعفر! فإذا سألك: كم هو؟ فأخبره بمبلغه» . ففعل المولى ذلك. فقال له عبد الله بن جعفر: «أهذا المال لك علينا؟» قال: «نعم» .

قال: «يا غلام خذ بيده، وأعطه المال الذي في صحيفته» . فأخذ الدنانير.

وردّ ابن جعفر عليه صحيفته. فرجع إلى ابن مطيع فأعلمه القصة وقال:

«ما رأيت مثل هذا الرجل قط» . فقال له ابن مطيع: «احتفظ بالدنانير معك ولا تنفق منها شيئا واتركه عشرة أيام ثم امض ثانية بالصحيفة إليه وقل له: هذا ذكر حق لي/ عليك» . فقال له المولى: «أنا أخاف أن يعرفني فتكون الفضيحة» . فقال له: «انظر ما أقول لك، فافعله» . فمضى إلى ابن جعفر فقال له ذلك. فما زاده ابن جعفر على أن قال: «يا غلام! أعطه ما يعول» . فأخذ ثلاثمائة دينار اخرى.

وردوا صحيفته عليه ولم يأخذوها. وجاء إلى ابن مطيع وهو مكثر التعجب. فقال له ابن مطيع: «احتفظ بالمال عندك واتركه شهرا، ثم عد إليه.» ففعل. فما زاده ابن جعفر أيضا على أن قال:

«يا غلام! أعطه ما يقول» . فصارت الدنانير تسعمائة دينار. فقال له ابن مطيع: «هات الان المال كله» . فجاءه به فأخذه ابن مطيع وركب إلى ابن جعفر ومعه مولاه ذلك. فقال له: «يا أبا جعفر! اتق الله وانظر لنفسك» . قال «وما ذاك؟» قال: «أتاك مولاي هذا بصك فذكر أن له عليك ثلاثمائة دينار، وما كانت بينك وبينه معاملة قط، فأعطيته المال ولم تأخذ صكه منه. فجاءك بالصك مرة اخرى ومرة اخرى، فأخذ منك تسعمائة دينار.» فقال: «كأنك تقول إني لا أعرف مالي مما علي.» قال: «أنا أظن ذاك» . قال: «فلا تتوهم ما توهمته. فانه ما لي درهم ولا علي درهم إلا وأنا أعرفه. ولقد علمت أن الذي يذكره مولاك باطل. ولكني ميلت بين أن أقول: ليس لك علي شيء، ويقول هو: بلى، فيسمع ذلك سامع، فأكون بين مصدق ومكذب، وبين أن أدفع إليه ما قال. فكان دفع ذلك إليه أخف على وآثر عندي» . فقال له ابن مطيع: «أما أنا فاوصيك بأن تتقي الله وتنظر لنفسك» . ثم قال: «يا غلام هات ما معك» . فدفعه إلى ابن جعفر. فقال له ابن جعفر: «ما هذا؟» قال: «هذا المال الذي أخذه منك مولاي/ هذا» . فقال: «يغفر الله لك. والله لا يرجع إلى مالي شيء خرج منه أبدا. فليأخذه الرجل حلالا طيبا» . وأحاديثه أكثر من أن تستقصى. و (طلحة الخير) وهو طلحة بن الحسن بن علي بن ابي طالب رحمه الله. وأمه [أم] إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله بن عثمان. وكان مطعاما للطعام، ممدحا. ولم يعقب. و (عبيد الله) بن أبي بكرة مولى رسول الله صلى الله عليه.

بنو امية: (سعيد) بن العاص بن سعيد بن العاص بن امية.

وكان ينحر في كل يوم جزورا يطعمها الناس. و (عبد الله) بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس. وله حياض عرفات وسوق البصرة اشتراه من ماله ووهبه لأهله فلا خراج عليهم فيه. و (خالد) ابن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن امية بن عبد شمس. وكان جوادا ممدحا.

ومن بني. أسد بن عبد العزى: (حمزة) بن عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزي. وكان [جوادا] ممدحا.

ومن بني زهرة: (طلحة الندى) بن عبد الله بن عوف بن عبد عوف بن عبد [بن] الحارث بن زهرة. وكان يأتيه الرجل فيسأله فيقعده طعامه أن يطعم الناس مع الطعام الخبيص.

ومن اليمن: (قيس) بن سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن حزمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة. وكان قيس وسبعة من آبائه أجوادا إلى طريف. كل جواد مطعام للطعام. ولقيس أحاديث. منها أنه مرض فاستبطأ إخوانه في عيادته. فقيل له «إنهم يستحيون أن يأتوك من أجل ديونك عليهم.» فأمر مناديا فنادى: من كان لقيس عليه دين فهو منه في حل. فكثر/ عواده حتى كسروا درجته. و (عرابة) بن أوس بن قيظى الأوسى. ومر بابل عليها زبيب فقال له الشماخ «أطعمني من هذا الزبيب» . فقال: «خذ برأس القطار.» فقال: «أتهز أبى؟» قال: «خذه كما أقول لك» . فأخذ الإبل وما عليها. وأملق عرابة وكف بصره فأتاه رجل فقال له: «قطع بى فلا راحلة لى ولا نفقة معى.» كان عرابة متوكئا على عبدين له أسودين، يريد المسجد. فقال للرجل: «ويحك أتيتني والله وقد أملقت، وما أملك على وجه الأرض غير هذين العبدين. فخذهما فاشتر بثمن أحدهما راحلة والآخر يكون ثمنه نفقتك» . فقال السائل «ما كنت والله لأسلبك جناحيك.» فقال عرابة. «هما حران إن لم تقبلهما. فان شئت فخذ، وإن شئت فأعتق.» و (طلحة) بن عبد الله ابن خلف الخزاعي وهو طلحة الطلحات وكان من الأجواد المقدمين فى الجود. و (عدى) بن حاتم الطائي. وخطب إليه عمرو بن حريث ابنته. فقال: أزوجكها على حكمى. فخاف عمرو أن يثمده في الحكم.

فأمسك عنه وشاور. فقيل له: «تزوج بها على حكمه فانه كريم.» فأتاه فأجابه إلى حكمه. فحمد الله عز وجل عدي وأثنى عليه ثم قال: «قد زوجتك على السنة: أربعمائة وثمانين درهما.» فبعث إليه عمرو بن حريث بكرامة ابنته أربعين ألفا وبجرب من ثياب. فقسمها بين جلسائه وجهز ابنته من عنده. واستعار بعض أشراف الكوفه من عدى قدوره لوليمة له. فنحر الجزر، وملأها ثم حملت إلى المستعير بالدهوق مملوءة وقال: «هكذا/ نعير قدورنا» . و (خالد) بن عبد الله القسري أمير العراق. وله فى الجود أخبار كثيرة. و (قبيصة) ابن المهلب بن أبي صفرة العتكي..

ومن بنى تيم: (طلحة) بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب ابن سعد بن تيم بن مرة. وهو طلحة الخير. وأتاه رجل فسأله برحم بينه وبينه. فقال له: «هذا حائطي بمكان/ كذا وكذا. قد أعطيت به ستمائة ألف درهم. وماله يأتينى العشية. فان شئت فالمال لك وإن شئت فالحائط لك» . وهو أحد أهل الشورى. و (يعقوب) بن طلحة ابن عبيد الله هذا. و (عمر) بن عبيد الله بن معمر التيمي. وله أحاديث فى جوده. فمنها أن أبا حزابة التميمي كانت له جارية يقال لها بسباسة وكان بها مشغوفا. فاضطرته الحاجة إلى بيعها. فاشتراها منه عمر بن عبيد الله بمال كثير. فلما قبض المال، ذهبت الجارية لتدخل. فتعلق بثوبها ثم قال:
تذكر من بسباسة اليوم حاجة ... أتت كمدا من حاجة المتذكر
ولولا قعود الدهر بي عنك لم يكن ... يفرقنا شيء سوى الموت فاعذري
أبوء  بحزن من فراقك موجع ... أناجي به قلبا طويل التفكر
عليك سلام لا زيارة بيننا ... ولا وصل إلا أن يشأ ابن معمر
فقال: قد شئنا  هي لك وثمنها.
 ومن بنى مخزوم: (الأزرق) وهو عبد الله بن عبد الرحمن ابن الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وكان جوادا ممدحا. وكان ابن الزبير ولاه اليمن ثم عزله، فأعطى فى حالتي ولايته وعزله. وله يقول أبو دهبل الجمحي:
ومن بنى فهر: (نهشل) بن عمرو بن عبد الله بن وهب الفهري. وكان جوادا.
 ومن بنى تميم: (محمد) بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة، حمل ألف رجل انهزموا إليه من بكر بن وائل بأذربيجان على ألف فرس فى غداة واحدة. و (عتاب) بن ورقاء الرياحي.
المرجع/
الكتاب: المحبر
المؤلف: أبو جعفر، محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو الهاشمي البغدادي (ت ٢٤٥ هـ)
رواية: أبي سعيد الحسن بن الحسين السكري
اعتنتْ بتصحيحه: الدكتوره: إيلزه ليختن شتيتر
الناشر: دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند
الطبعة: ١٣٦١ هـ - ١٩٤٢ م..
              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم