الوراثة الفيزيولوجية والسلوكية

الوراثة الفيزيولوجية والسلوكية
مَوْسُوعَةُ الْهُلًاْلِيُّ - الوراثة:  وهو علم أحياء يختص بدراسة الجينات الوراثية التي تنتقل من كائن حي إلى آخر من خلال طرق الاتصال الطبيعي بين هذه الكائنات الحية، وما ينتج عن هذا الاتصال من تنوع ونمو لهذه الكائنات الحية سواء كانت نباتية أو حيوانية أو بشرية، وقد كان رائد هذا العلم هو عالم نمساوي يدعى غيغور مندل ما بين 1856-1863م..
ولذلك فإن علم الوراثة: هو العلم الذي يدرس كل ما يتعلق بالمادة الوراثية التي تنتقل عبر أجيال الكائنات الحية مثل الجينات و تركيبها و تحديد اماكن تواجدها و كيفية تنظيمها وكذلك طريقة تكوينها و انتقالها عبر الأجيال وحدوث الطفرات فيها اضافة الى كيفية توزيع الاختلافات Variations في العشيرة و تأثير عوامل البيئة و التكوين على هذه الاختلافات، وهو علم متطور ومتشعب وواسع وكبير ويمكن أن يختصر تعريف علم الوراثة على أنه العلم الذي يدرس كل ما يتعلق بالمواد الحية التي تتنقل بين أجيال مختلفة من الكائنات الحية، ولذلك فإن لهذا العلم فروع عديدة على سبيل المثال: علم الوراثة الخلوي، وعلم وراثة العشائر، وعلم الوراثة الكمية، وعلم الوراثة التكوينية، وعلم الوراثة الفسيولوجية، والوراثة الاشعاعية، وعلم وراثة الطفرات .. إلخ..
ويطيب لي في هذا المقام أن أتحدث عن الوراثة الطبيعية (الجينات الوراثية) والسلوكية في مجتمعاتنا العربية، والحديث سيكون في محور ما هي المؤثرات الحقيقية التي تؤثر في الإنسان العربي وتظهر في نشاطاته السلوكية والإجتماعية..
وهنا فنحن سوف نتكلم عن الصفات الطبيعية الموروثات الجينية التي تنتقل وفق قانون الوراثة من الآباء إلى الأبناء، وعن الصفات الأخلاقية التي هي في الأصل أنماط سلوكية مكتسبة من البيئة التي يتفاعل فيها الإنسان .. فما هو التأثير الطبيعي لكل منهما؟! وما هو الأهم في ذلك؟!
حيث أن علم الوراثة السلوكي أو علم الوراثة السلوكية هو العلم الذي يدرس تأثير المورثات (الجينات) على سلوك الحيوان والإنسان ضمن البيئة المحيطة به... وفق هذا التعريف أو المفهوم سنبدأ بالحديث ولكن ليس كلغة أهل الاختصاص في دراسة هذا العلم، وإنما من وجهة نظرنا وفق تقييمنا لأنشطة الإنسان العربي في مجتمعاتنا المحلية..
والتساؤل الذي يدور هنا، هل الإنسان يتورث جينات من أبويه تجعل سلوكه وأفعاله وأخلاقه وتصرفاته ومعتقداته كلها كأنها مكون أساسي في دمه وخلاياه الحية وأعصابه وعقله؟ أم أن الإنسان يتحصل على هذه السلوكيات والأفعال من خلال احتكاكه بالمجتمع واكتسابه للأفكار والمعتقدات والسلوكيات بواسطة التعلم والاحتكاك والتفاعل والعلاقة والتقليد للمجتمع والبيئة التي يعيش فيها، وأن لا دخل للجينات الوراثية في ذلك؟!
أو بصورة أخرى هل ابن شخص خائن لابد أن يكون خائن مثله؟! وهل ابن الشخص الشريف لا بد أن يكون شريفاً مثله؟! ليس بالضرورة القطعية والحتمية أن يكون السلوك الاجتماعي والأخلاقي للابن هو نفس سلوك الأب، للأب تأثير كبير في سلوك أولاده، ولكن ليس هذا التأثير حتمياً، ففي تاريخ المجتمعات العربية أمثلة واقعية وحية على أن ليس بالحتمية القطعية أن يكون سلوك الابن هو نفس سلوك الأب، ولكن لا ينفى ولا يستبعد أبداً قوة تأثير الأب أو الوالدين في سلوكيات أولادهم، ولكن هذا التأثير يأتي من باب الاكتساب والتعلم والتقليد والاقتداء وليس من خلال الموروث الجيني، وعلى سبيل المثال لا الحصر لقد كان ابن سيدنا نوح عليه السلام كافراً ولم يطع والده ولم يؤمن بدينه ومعتقداته، كما كان سيدنا إبراهيم عليه السلام نبياً مسلماً وكان أبوه كافراً، وقد كان حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه أخو أبو لهب بن عبد المطلب لعنه الله، فهما من بيت واحد وأسرة واحدة ولكل منهما سلوكه ومعتقداته وأفكاره وأفعاله الخاصة به.
وليس أجد أوضح وأدل من كلام الله عز وجل في قوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}[التغابن:14] فالأسرة المؤمنة التي تكون أخلاقها نبيلة قد يخرج من بينهم أعداء لهم، أي أن سلوكهم وأفعالهم وتصرفاتهم مختلفة عن أسرتهم لدرجة العداء .. وكذلك هناك توقعات وواقع عكس ذلك أي قد يخرج من ذرية المشركين وأصلابهم من يؤمن بالله ورسوله..! وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى ألا نطع والدينا في معصية الخالق.. وذلك في قوله تعالى: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ} [لقمان:15]..
إذا ليس هناك جينات سلوكية موروثة، ولكن هناك سلوكيات اجتماعية موروثة يكتسبها الفرد من خلال مستوى تفكيره العقلي ومدى استجابته للمؤثرات الاجتماعية في بيئته التي يعيش فيها، وهذه السلوكيات مستجيبة لعوامل التغير، وإنما الجينات الوراثية الحتمية والقطعية هي تلك الجينات الطبيعية التي تنتقل من الإنسان إلى ابنه، وتظهر في الصفات الجسمية ولا دخل لها في السلوكيات والتصرفات لأن الصفات الجسمية ثابتة حتمية وأما السلوكيات هي متغيرات مكتسبة..
وهذه السلوكيات يمكن السيطرة عليها وتوجييها من خلال التعليم والتدريب بهدف احداث تغيير فيها، وحالها في ذلك حال التربية والتعليم، إذا هل الرجل الجبان ينجب ابنا جباناً مثله؟! وأن الرجل الشجاع ينجب ابناً شجاعاً مثله؟! الجواب لا ليس هذا أمراً حتمياً، لأن الشجاعة عبارة عن سلوك وفعل يقوم به الإنسان وهي مكتسبة من خلال التعلم والاتقان والممارسة وحالها كحال تعلم الفروسية بفعل التدريب الموجه تحت إشراف المختصين سواء كان قديما في العصر الجاهلي أو حديثا في عصرنا الحالي، كلها اسمها تدريب وتعليم واكتساب وتقليد..
إذا هل يمكننا أن نبني مجتمعا قوياً ويتميز بأخلاق نظيفة وشريفة ونبيلة، وأن نوجد جنودا أقوياء قادرين على هزيمة الأعداء؟ نعم الإجابة على ذلك ممكنة ولكن بحاجة إلى عوامل مساعدة تتعلق في الكفاءة والامكانيات البشرية والمادية.. 
وأما الجينات الوراثية التي لا تخضع للتعلم والاكتساب فهي التي تنتقل كما قلنا انتقالا طبيعيا بواسطة التزاوج والتكاثر، وهي تلك المسؤولة عن التكوين الجسمي للإنسان، ومن أمثلة ذلك الأمراض الوراثية وفق قاعدة علمية تنصل على:
1- في الحالة المتنحية، لن يؤثر التغيير (الطفرة) في نسخة واحدة من زوج الجينات على الحالة الصحية، بشرط أن تكون النسخة الأخرى من نفس زوج الجينات طبيعية. في هذه الحالة يكون الشخص حاملاً للطفرة وهو شخص سليم.
2- في الحالة المهيمنة، تكون الطفرة في نسخة واحدة من زوج الجينات كافية للتأثير على الصحة، حتى عندما تكون النسخة الأخرى من نفس زوج الجينات طبيعية. في هذه الحالة يكون الشخص المصاب بالطفرة مريضًا.
والطريقة الوحيدة للحد من المعاناة المرتبطة بالاضطرابات الوراثية هي الوقاية، إذا كان لدى العائلة تاريخ من الاضطرابات الوراثية ، فمن الممكن معرفة ما إذا كان الزوجان في خطر ، وهو جزء من الاستشارة الوراثية، إذا لم يكن لدى الزوجين اضطراب عائلي معروف ، فيمكن الكشف عن مستوى الخطورة من خلال الفحص الجيني..
تأثير المظاهر والصفات السلوكية في المجتمع:
لكل عائلة أو أسرة صفات سلوكية تشتهر بها في المجتمع، فتكون هذه الصفات السلوكية إما سلبية مكروهة أو مذمومة، وإما صفات سلوكية إيجابية محبوبة ومحمودة، بناءا على هذه السمعة أو الشهرة أو الصيت يتحدد مصير هذه الأسرة في المجتمع من ناحية النمو الاجتماعي، ففي حال كانت الأسرة سيئة الصيت والسمعة بسبب تصرفاتها السلوكية الخاطئة فأن علاقتها ستكون محصورة، وإن لم تستفيد هذه الأسرة من محاضرات ودورس التربية الأخلاقية والاجتماعية والثقافية التي تستهدف تحسين وتنظيم سلوكيات المجتمع ستبقى مستمرة في منحدر يهوي بها إلى الحضيض، إلا في حال بروز أشخاص منهم ذوي ثقافة محمودة يبدأون برسم صورة متجهة نحو النظافة والقيم النبيلة ويشقون طريقاً جديدا نحو السمعة الطيبة ..
وأما الأسرة التي تحظى بسمعة طيبة ساطعة الصيت المشهور بالأخلاق الحميدة والنبيلة والشريفة فيكون نصيبها من النمو الاجتماعي التفاعلي في المجتمع نموا ناحجا، بفضل أن غالبية العقلاء والنبلاء والشرفاء لديهم رغبة مستمرة في المحافظة دائما وأبداً على أصالة وعراقة النسل والذرية والتمسك بالقيم النبيلة والأخلاق الحسنة إذ أن ذلك هو عقيدة المجتمع الأساسية..
ويعلب المستوى الثقافي والعقلي والفكري للفرد أثرا بالغ الأهمية في تحديد مصيره في خارطة المجتمع السلوكية والاجتماعية، ومن أجل ذلك ننصح دائما بالبحث عن الأمور التي تعمل على تنمية العقول فكرياً وعلميا وأخلاقياً وثقافيا وكل ما يمكنه من إحداث تنمية عقلية وذهنية منفتحة على أمور الحياة ومجالاتها ومتطلباتها الكبيرة...
أثر العقيدة الإسلامية في سلوك الأفراد والمجتمعات:
- أثر هذه العقيدة في سلوك الفرد
يمتاز رجل العقيدة عن غيره بمحافظته على جميع ما أمر به الله واجتنابه جميع ما نهى عنه الله، وإذا خالف لله أمرًا أو نهيًا فسَرعان ما يؤنبه ضميره ويرجع إلى ربه تائبًا مستغفرًا، ولذلك لن أتناول أثر العقيدة على الفرد في محافظته على الصلاة والصيام والزكاة والحج والصدق والبر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والرحمة والعدل والإيثار وغيرها من الفضائل..
١- العقيدة تهب صاحبها عزة النفس..
٢- رجل العقيدة رجل يحتكم إلى كتاب الله ولا يستبدل به حكمًا آخر، ويرضى بحكم الله ولو كان الحق عليه..
٣- رجل العقيدة رجل نشيط عامل منتج, لا يتكاسل ولا يتواكل, حريص على الوقت..
٤- رجل العقيدة عنده إيثار وتضحية وشجاعة، لا يخاف من بذل الروح والمال..
٥- رجل العقيدة عنده سعة نظر ووضوح في الهدف..
٦- والعقيدة توقظ الضمير فتجعله مراقبًا لله دائمًا لا يعتريه ضعف ولا يتبدل بالأمكنة والأزمنة..
٧- يمتاز رجل العقيدة عن غيره بأنه مطمئن البال, مستريح الفكر, غير قلق على المستقبل ولا تمزق الأوهام نفسه..
٨- رجل العقيدة عنده قيم وموازين ثابتة يزن بها الناس وهي موازين عقيدته الثابتة، فالحق فيها حق والباطل باطل..[عقيدة التوحيد في القرآن الكريم، ملكاوي، ص37-42]


              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم