التعرية والعوامل المؤثرة

التعرية والعوامل المؤثرة
مَوْسُوعَةُ الْهُلًاْلِيُّ -  التعرية DENUDATION OR EROSION. 
تعريفها: المقصود بالتعرية هو كشف السطح ونقل مواده من مكان إلى آخر، وهي تختلف اختلافًا جوهريًّا عن التجوية؛ فبينما لا تتضمن التجوية تحريك المواد التي تنتج عنها فإن التعرية تتضمن عمليات كثيرة تتلخص في نحت الصخور ونقل موادها من أماكنها. ومعنى ذلك أنها تؤدي وظيفتين متعارضتين إحداهما هي الكشف والهدم بواسطة نحت الصخور ونقل موادها، والثانية هي البناء بواسطة إرساب المواد المنقولة في أماكن جديدة؛ ولذلك فإن تسميتها بالتعرية فيه كثير من التجاوز، ولهذا السبب فإن كثيرًا من الكتاب الغربيين يستخدمون تعبير Denudation للدلالة على التعرية بمعناها الشامل الذي يتضمن الهدم والبناء معًا؛ بينما يستخدمون تعبير Erosion للدلالة على النحت والهدم.

وأهم عوامل التعرية بمعناها الشامل: هي الرياح والمياه الجارية ومياه البحار والجليد.

١- الرياح:

تساهم الرياح بطريق مباشر في تشكيل سطح الأرض، ويكون تأثيرها واضحًا بصفة خاصة في الأقاليم الصحراوية وشبه الصحراوية؛ لأن رياح هذه الأقاليم تكون قوية في أغلب الأوقات؛ ولأن سطح أرضها مكشوف ولا يحميه أي غطاء نباتي يستحق الذكر، ولهذا فقد أصبحت الرياح هي المسئولة عن تكوين كثير من الظاهرات الطوبرغرافية المنتشرة فيها؛ ولكن هذا لا يمنع من أن توجد في نفس هذه الأقاليم ظاهرات أخرى يرجع تكوينها إلى فعل المياه الجارية، كما سنبين عند الكلام على الدور الذي تقوم به هذه المياه في تشكيل سطح الأرض

ويتضمن دور الرياح في تشكيل سطح الأرض "وخصوصًا المناطق الجافة"

أربع عمليات محددة هي

١- النحت "أو البرد" Abrasion
٢- الصقل بطريق الاحتكاك Attrition
٣- التذرية والنقل Deflation
٤- الإرساب Deposition

وعلى الرغم من أن كل عملية من هذه العمليات تختلف في طبيعتها وفي وظيفتها عن العمليات الأخرى؛ فإنها جميعًا تؤدي أدوارها في وقت واحد. فعندها تقوم الرياح بنحت أو إزالة أجزاء من السطح، فإنها تحمل معها المواد الناعمة التي تكونت بسبب النحت والتجوية، ثم تقوم بترسيبها في أماكن جديدة. ومعنى ذلك أن الرياح تقوم بدورين متضادين أحدهما هو النحت والهدم، والثاني هو الإرساب والبناء، وأشهر الأشكال الجيومورفولوجية الناتجة عن النحت بواسطة الرياح هي المناضد والمسلات الصحراوية ومنخفضات كثير من الواحات، أما أشهر الأشكال الناتجة عن الإرساب الهوائي فهي الكثبان الرملية التي تأخذ غالبًا أشكالًا هلالية أو تأخذ أحيانًا أشكالًا طولية.

ب- المياه الجارية:

إن الدور الذي تقوم به المياه الجارية في تشكيل سطح الأرض يفوق الدور الذي يقوم به أي عامل آخر من عوامل التعرية، بما في ذلك الرياح؛ لأن المياه الجارية يظهر أثرها في كل الأقاليم تقريبًا، بما في ذلك الأقاليم الجافة، ولأنها كذلك ذات قدرة كبيرة على النحت والنقل. ويبدو هذا واضحًا من كثرة الوديان التي حفرتها وضخامة أحجام الكثير منها، ومن اتساع السهول الفيضية التي كونتها، وغير ذلك من المظاهر الكثيرة للتعرية المائية، ونظرًا لأن الأمطار هي مصدر كل المياه الجارية؛ فمن الطبيعي أن يكون دور هذه المياه في تشكيل السطح في الأقاليم المطيرة أكبر منه في غيرها. وأكبر مظهر من مظاهر جريان المياه السطحية هو الأنهار؛ ولذلك فإنها تعتبر من أهم الموضوعات التي يوجه إليها الاهتمام في دراسة الجغرافيا الطبيعية لسطح الأرض.

وتقوم المياه الجارية بكثير من عمليات النحت والإرساب، وأهم مظاهر النحت التي تقوم بها على الإطلاق هي حفر الوديان النهرية بمختلف أشكالها وأحجامها، والمساقط المائية التي تعترض مجاريها في بعض المواضع، أما أهم مظاهر الإرساب فهي السهول الفيضية التي تتكون حول مجاري الأنهار والدلتاوات التي تتكون عادة عند مصباتها، وكذلك الدلتاوات الأرضية التي تتكون في الأقاليم الجافة عند نهايات الأخوار التي لا تصل إلى البحر.

نشأة الأنهار Rivers:

ويبدأ تكوين أي نظام نهري عندما تسقط الأمطار على أية منطقة جديدة من الأرض، ولتكن منطقة ظهرت حديثًا من تحت ماء البحر بسبب ارتفاع الأرض أو هبوط منسوب سطح البحر؛ فبمجرد سقوط الأمطار على هذه المنطقة فإن مياهها تجري على حسب ما تفرضه انحدارات سطح الأرض، وينتج عن ذلك تكون مسارب وبرك صغيرة. وإذا استمر سقوط الأمطار فإن المسارب تلتقي ببعضها وبالبرك الصغيرة، ويتزايد عمق بعض المسارب على حساب بعضها الآخر، كما تأخذ البرك في الاستطالة بسبب نحت المياه لأطرافها العليا وأطرافها السفلى، وبسبب اختراق بعض المسارب الكبيرة لها. وبمرور الزمن تستولي المسارب القوية على مياه المسارب الضعيفة فتتزايد أحجامها، ويتكون منها عدد أقل من الأنهار لا تلبث أن تلتقي ببعضها، ويتكون منها نهر واحد كبير يسير نحو المصب، ويكون هذا النهر هو الرئيسي؛ بينما تكون الأنهار التي تغذيه روافد له. ويطلق على الشبكة التي تضم النهر وكل روافده تعبير النظام النهري River System.

ويختلف الشكل العام الذي ينتج عن اتصال روافد النهر الواحد بعضها ببعض وبالنهر الرئيسي على عوامل كثيرة؛ أهمها مظاهر السطح في المنطقة التي يوجد بها حوضه، وتركيبها الجيولوجي وما يوجد بها من انكسارات أو مناطق ضعف، مثل وجود طبقات صخرية لينة متتابعة مع طبقات أشد منها صلابة، ومن الواضح أننا لا يمكن أن نجد نظامين نهريين متشابهين تمام التشابه من حيث شكليهما العام؛ ومع ذلك فقد قسم الباحثون الأشكال العامة التي يمكن أن تأخذها النظم المختلفة إلى عدة أنواع رئيسية أهمها:

١- النظام السحري الذي يأخذ في النهاية شكل الشجرة، وفيه تلتقي الروافد ببعضها وبالنهر الرئيسي بزوايا حادة، وهو يتكون على المنحدرات التي تتكون من صخور متجانسة
٢- شكل المستقيمات المتعامدة وفيه تلتقي الروافد ببعضها وبالنهر الرئيسي بزوايا قائمة، وهو يتكون في المناطق التي تتكون من طبقات صخرية متعاقبة ومتباينة في صلابتها؛ بحيث تميل الروافد إلى أن تسير مع خطوط الضعف التي توجد في مناطق التقاء الطبقات الصخرية..

ج- مياه البحار:

تلعب حركات مياه البحار، وخصوصًا الأمواج أدوارًا هامة في تشكيل السواحل؛ فعلى الرغم من أن حركات المد والجزر، وحركات التيارات البحرية لها أدوار جيومورفولوجية.

وتتوقف قدرة الأمواج على النحت على عدة عوامل أهمها:

١- قوة الأمواج نفسها.

٢- طبيعة صخور الشاطئ من حيث صلابتها وتناسق طبقاتها واتجاه مياهها وما يوجد بها من مناطق ضعف مثل الشقوق والمفاصل.

٣- طبيعة الساحل من حيث كونه مكونًا من جروف قائمة أو مسطحات رملية منخفضة أو بطيئة الانحدار، ومن حيث كونه محميًّا في خلجان هادئة المياه أو مكشوفًا للتصادم المباشر بالأمواج.

٤- كمية ما تلتقطه الأمواج عند تحركها من مواد صخرية مثل قطع الصخور والحصى والرمال؛ فكلما زادت كمية هذه المواد وزادت أحجامها زادت قدرة الأمواج على تحطيم صخور الشاطئ ونحتها.

وأهم الأشكال الجيومورفولوجية التي تنتج عن حركات مياه البحار هي: الجروف والكهوف الساحلية والمسلات والأقواس البحرية والشواطئ الرملية والحصوية..

د- الجليد:

يعتبر الجليد من أهم العوامل التي لعبت في الماضي، ولا تزال تلعب في الحاضر، دورًا أساسيًّا في تشكيل سطح الأرض، ولا تزال آثار التعرية الجليدية القديمة ظاهرة حتى الآن في كثير من المناطق التي تدخل في الوقت الحاضر ضمن الأقاليم المعتدلة أو الحارة مثل جنوب إفريقيا وأستراليا والهند والبرازيل، وهي المناطق التي كانت أجزاء من قارة جندوانا القديمة. ومن الثابت أن كثيرًا من المظاهر الجيومورفولوجية في وسط أوروبا وشمالها، وفي وسط أمريكا الشمالية وشمالها قد تكونت بسب التعرية الجليدية التي قام بها الجليد أثناء زحفه على هذه المناطق خلال العصور الجليدية في البليستوسين.

ويقوم الجليد أثناء الحركة ببعض عمليات النحت والإرساب، وأهم الأشكال الناتجة عن النحت الجليدي هي الوديان "أو الأنهار" الجليدية. والفيوردات التي يقطعها الجليد في جوانب الجبال. أما أهم مظاهر الإرساب؛ فهي الركامات الجليدية التي تتكون من رواسب متنوعة يلقى بها الجليد عند انصهاره على جوانب الوديان أو عند نهاياتها أو في أواسطها.

المرجع/ المقدمات في الجغرافيا الطبيعية، عبد العزيز طرح شرف
              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم