المزاح بضم الميم: كلام يراد به المباسطة بحيث لا يفضي إلى أذى، والمزاح مباح، ولكن لا يستحب الإكثار منه؛ لأنه قد يؤدي إلى جرح مشاعر الآخرين أو أذيتهم، ولا تجوز أذية المسلمين، والمزاح له آداب وضوابط ذكرت في هذا الدرس.
وقد وردت أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يمازح أهله وأصحابه رضوان الله عليهم.
[صور من ممازحة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه]
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: نشرع في آداب المزاح إن شاء الله تعالى, والمزاح -بضم الميم-: كلام يراد به المباسطة بحيث لا يفضي إلى أذى, فإذا بلغ إلى الإيذاء، فهو السخرية.
والمزاح بكسر الميم مصدر, وقد ثبت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم أنه مزح، وكان يمزح عليه الصلاة السلام, فقد روى الترمذي في كتاب الشمائل المحمدية: باب ما جاء في صفة مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم, عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا ذا الأذنين).
قال أبو أسامة الراوي: أي: يمازحه, وليس المقصود السخرية أو الاستهزاء، وإنما ممازحة منه صلى الله عليه وسلم؛ لأن كل إنسان له أذنان, وهو حديث صحيح.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير -وهو أخوه لأمه-: يا أبا عمير! ما فعل النغير).
قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله: وفِقه هذا الحديث:
١ - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمازح.
٢ - وفيه: أنه كنَّى غلاماً صغيراً فقال له: (يا أبا عمير).
٣ - وفيه: أنه لا بأس أن يعطى الصبي الطير ليلعب به, وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا عمير ما فعل النغير) لأنه كان له نغير -أي: طائر صغير- يلعب به فمات هذا الطائر، فحزن الغلام عليه، فمازحه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (يا أبا عمير! ما فعل النغير).
هذا الحديث فيه عدة فوائد، حتى قال الشافعي رحمه الله: إنه أمضى ليلة فاستخرج من هذا الحديث ألف فائدة بتوابعها ومتعلقاتها، وإلا فيصعب أن يستخرج منه بدونها ألفاً, لكن بما يمكن أن يترتب على ما يستخرج منه يكون فيه هذا العدد الكبير من الفوائد.
وهذا الحديث -أيضاً- حديث صحيح, وأبو عمير توفي صغيراً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قالوا: يا رسول الله! إنك تداعبنا، قال: (نعم. غير أني لا أقول إلا حقاً).
وعن أنس بن مالك أن رجلاً استحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي: سأله دابة ليركبها- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني حاملك على ولد ناقة, فقال: يا رسول الله! ما أصنع بولد الناقة, فقال صلى الله عليه وسلم: وهل تلد الإبل إلا النوق) أي: أن الناقة مهما كبرت فهي بنت ناقة, قد ولدتها أمها من قبل, وهو حديث صحيح.
وعنه أن رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهراً , وكان يهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم هدية من البادية، فيجهزه النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج إلى مسكنه في البادية، وإذا جاء هو من البادية أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم هدايا, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن زاهراً باديتنا -أي: نستفيد منه ما يستفيد الرجل من باديته- ونحن حاضروه) أي: نحن حاضروا المدينة له, نعطيه ما يستفيد من الحاضرة, وهو يعطينا ما نستفيد من البادية, وكان صلى الله عليه وسلم يحبه، وكان رجلاً دميماً رضي الله عنه، فهو قبيح الصورة، مليح السريرة، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وهو يبيع متاعه -كأنه أتى من البادية بشيء يبيعه في المدينة - فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره, فقال: من هذا؟ أرسلني -اتركني- فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم, فجعل لا يألوا ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه- أي: يحاول ويجتهد طيلة الوقت أن يلصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم، لبركته عليه الصلاة والسلام وبركة جسده الشريف- فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من يشتري هذا العبد, فقال: يا رسول الله! إذاً والله تجدني كاسداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكنك عند الله لست بكاسد) أو قال: (أنت عند الله غالٍ).
وعن الحسن قال: أتت عجوزٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: (يا رسول الله! ادع الله أن يدخلني الجنة, فقال: يا أم فلان! إن الجنة لا تدخلها عجوز, قال: فولت تبكي, فقال: أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً} [الواقعة:٣٥ - ٣٧]) فجعلناهن عذارى، أعدنا إنشاءهن من جديد حتى تصبح الثيب في الدنيا عذراء يوم القيامة (عرباً) متحببات إلى أزواجهن, (أتراباً) في سن واحدة, وأهل الجنة أعمارهم جميعاً ثلاثة وثلاثين سنة كما جاء في الحديث الصحيح.
إذاً: هذا يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمزح، ولكنه قال: (إني لأمزح ولا أقول إلا حقاً) للتأكيد, وفي رواية: (إني وإن داعبتكم، فلا أقول إلا حقاً) وكذلك فإنه عليه الصلاة والسلام قال -أيضاً- مبيناً شيئاً مما لا يجوز في المزاح، قال: (لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً).
وكذلك فإنه عليه الصلاة والسلام قد قال في الحديث الصحيح: (أنا زعيمٌ ببيت في ربض الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً).
إذاً: هذه الأحاديث تدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يمزح، وهناك ضوابط مذكورة في هذه الأحاديث تدل على مزاحه عليه الصلاة والسلام, ومشروعية مزاحه عليه الصلاة والسلام.
[قراءة في كتاب المراح في المزاح للغزي]
أما بالنسبة لآداب المزاح، فقد ذكر العلماء فيها أشياء كثيرة منهم: الماوردي رحمه الله في أدب الدنيا والدين , وللغزي رحمه الله كتاب بعنوان: المراح في المزاح , ونقتطف منه أجزاء في هذا الدرس.
قال: "الحمد لله على جميل أفضاله وجزيل بره ونواله, والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد وصحبه وآله, وبعد: فقد سئلت قديماً عن المزاح وما يكره منه وما يباح، فأجبت؛ لأنه مندوب إليه بين الإخوان والأصدقاء والخلان، لما فيه من ترويح القلوب والاستئناس المطلوب، بشرط ألا يكون فيه قذف ولا غيبة ولا انهماك فيه يسقط الحشمة ويقلل الهيبة".
وسنستعرض بعد قليل ما هي الضوابط في المزاح.
المسألة ليست مسألة إقناع الناس أن المزاح أمر شرعي, فالناس -على كل حال- متفلتين في هذا الجانب, الآن القضية قضية ضبط المزاح ضبطاً شرعياً, فذكرنا بعض الضوابط في الأحاديث وسنعيدها مع شيء من التعليق, وأيضاً- سيأتي في كلام صاحب هذه الرسالة المراح للغزي رحمه الله وبعض الأشياء الأخرى, قال: "بشرط ألا يكون فيه قذف ولا غيبة ولا انهماكٌ فيه يسقط الحشمة ويقلل الهيبة، ولا فحشٌ يورث الضغينة ويحرك الحقود الكنينة, ثم طلب السائل من بعد مدة بسط الكلام في ذلك وإيضاح الدلائل، فقلت مستعيناً بالله ومتوكلاً عليه ومفوضاً جميع أموري إليه: قد ورد في ذم المزاح ومدحه أخبار, فحملنا ما ورد في ذمه على ما إذا وصل إلى حد المثابرة والإكثار، فإنه إزاحةٌ عن الحقوق، ومخرجٌ إلى القطيعة والعقوق, يصم المازح، ويضيم الممازح".
بعض العبارات ربما إذا قارن أحد بعض الكتب يجدها منقولة، فمثلاً يقول الماوردي في كتابه: اعلم أن للمزاح إزاحة عن الحقوق ومخرج إلى القطيعة والعقوق, يصم المازح، ويؤذي الممازح, والعبارة تقريباً موجودة, فوصمه المازح: أن يذهب عنه الهيبة والبهاء ويجرئ عليه الغوغاء والسفهاء, ويورث الغل في قلوب الأكابر والنبهاء, وأما إضامة الممازح، فلأنه إذا قوبل بفعل ممضٍ أو قول مستكره وسكت عليه أحزن قلبه، وأشغل فكره -الذي يمزح معه في الغالب أنه تخرج منه المزحة بطريقة استهزاء، فهذا سيسكت على مضر, وربما يجامل ويضحك مع البقية في المجلس لكن في الحقيقة ماذا في قلبه؟ - قال: أو قابل عليه مع صاحبه حشمة وأدباً، وربما كان للعداوة والبغضاء سبباً, فإن الشر إذا فتح لا يستد, وسهم الأذى إذا أرسل لا يرتد, وقد يعرض العرض للهتك، والدماء للسفك, وربما تكون هذه المقاتلة التي ربما تصل إلى سفك الدماء أصلها مزحة, فحق العاقل يتقيه وينزه نفسه عن وصمة مساويه, وعلى ذلك يحمل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأتى بها هنا بصيغة التضعيف: (لا تماري أخاك ولا تمازحه) لكن بما أنه لم يثبت فلا نتكلف الجواب عليه, لكن لو ثبت فنقول: ما معنى لا تمازحه وقد مازح النبي صلى الله عليه وسلم؟ فنقول: لا بد أن نحمل النهي عن الممازحة هنا على أمرٍ غير الذي ورد في الممازحة, فنقول: إن الممازحة كانت للدعابة والفكاهة والطرفة والملح، وكان فيها تطييب للنفوس، وتأليف للقلوب, وما ورد فيه النهي عنه إلا إذا كان فيه غيبة أو إيذاء للآخرين أو نحو ذلك.
[أقوال عابرة في المزاح]
قال عمر بن عبد العزيز: " اتقوا المزاح فإنها حمقة تولد ضغينة ".
وقال: " إن المزاح سباب إلا أن صاحبه يضحك ".
وقيل: إنما سمي مزاحاً لأنه مُزيح عن الحق.
وقال إبراهيم النخعي: المزاح من سخط أو بطر.
وقيل في ميسور الحكم: المزاح يأكل الهيبة كما تأكل النار الحطب.
وقال بعض الحكماء: من كثر مزاحه زالت هيبته ومن كثر خلافه طابت غيبته.
وقال بعض البلغاء: من قلّ عقله كثر هزله.
وذكر خالد بن صفوان المزاح -وهو من الخطباء المشهورين- فقال: يصك أحد صاحبه بأشد من الجندل، وينشقه أحرق من الخردل, ويفرغ عليه أحرَّ من المرجل، ثم يقول: إنما كنت أمازحه بعد كل هذا الإيذاء، يقول: إنما كنت أمزح معك.
وقال بعض الحكماء: خير المزاح لا ينال، وشره لا يقال، فنظمها بعض الشعراء، فقال:
شر مزاح المرء لا يقال وخيره يا صاح لا ينال
وقد يقال كثرة المزاح من الفتى تدعو إلى التلاح
إن المزاح بدؤه حلاوة لكنما آخره عداوة
يحقد منه الرجل الشريف ويجترئ بسخفه السخيف
لا تمازح الشريف يحقد ولا الدنيء يجترئ ويفسد
وقال بعضهم: ربما يستفتح المزح مغاليق الحمم، أي: الموت.
وقال بعضهم لولده: اقتصد في مزحك، فإن الإفراط فيه يذهب البهاء، ويجرئ السفهاء، وإن التقصير فيه يغض عنك المآنسين، ويوحش منك المصاحبين -يجعل بينك وبينهم وحشة- وإما أن ينفي بالمزاح ما طرأ عليه من سأم, أي: إذا كان المقصود بالمزاح نفي السآمة التي طرأت، مثلاً: حصل ملل في مجلس العلم، كأن يطول المجلس، فحصل فيه نوعٌ من السآمة، فأورد أحد الحاضرين طرفة قصد بهذه المزحة إزالة السآمة، فهذا أمرٌ محمود، وإما أن ينفي بالمزاح ما طرأ عليه من سأم، أو حدث به من همَّ أو غم، فقد قيل: لا بد للمصدور أن ينفس، أي: الذي في صدره شيء لا بد له من تنفيس.
وقال بعض الشعراء:
أروق القلب ببعض الهزل تجاهل مني بغير جهل
أمزح فيه مزح أهل فضل والمزح أحياناً جلاء العقل
وقال أبو الفتح البستي رحمه الله وهو صاحب القصيدة المشهورة:
زيادة المرء في دنياه نقصان وربحه غير محض الخير خسران
أفض طبعك المكدود بالجد راحةً يجم وعلله بشيءٍ من المزح
ولكن إذا أعطيته المزح فليكن بمقدار ما تعطي الطعام من الملح
إذاً: فليكن المزاح في الكلام مثل الملح في الطعام, وإذا لم يوجد بالمرة كان الكلام فيه شيء من السآمة, وإذا كثر أفسد، مثلما أن الملح إذا كثر في الطعام أفسده وما عاد مستساغاً، إما أن يكون غير مستساغ أو ممجوج.
[مزاحه صلى الله عليه وسلم]
ومما ورد عنه صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث.
حديث: (صح جسمك يا خوات) وهذا الحديث رواه الحاكم، وفي سنده موسى بن زكريا التستري , قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال: موسى بن زكريا التستري الذي يروي عن شباب العصفري ونحوه تكلم فيه الدارقطني , وحكى الحاكم عن الدارقطني أنه متروك، وقال ابن حجر في لسان الميزان عن موسى بن زكريا التستري الذي هو في إسناد (صح جسمك يا خوات) قال: الذي يروي عن شَبَاب العصفري ونحوه تكلم فيه الدارقطني، وحكى الحاكم عن الدارقطني بأنه متروك, وهذه العبارة في ميزان الاعتدال ولسان الميزان لـ ابن حجر.
إذاً: علة هذا السند هو موسى بن زكريا التستري.
ولنأت الآن إلى بعض الأحاديث التي وردت مما أورده المصنف رحمه الله وغيره, ونريد معرفة صحة هذه الأحاديث من مزاح النبي عليه الصلاة والسلام, عن أم أيمن أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة لزوجها، فقال لها: (من زوجك؟ قالت: فلان, فقال: الذي في عينه بياض؟ فقالت: أي رسول الله! ما بعينه بياض, قال: بلى.
إن بعينه بياضاً, فقالت: لا والله, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وما من أحدٍ إلا في عينه بياض)، وفي رواية: (فانصرفت عجلة إلى زوجها، وجعلت تتأمل عينيه, فقال لها: ما شأنك؟ فقالت: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في عينيك بياضاً, فقال: أما ترين بياض عيني أكثر من سوادها).
وكذلك قد جاء أنه مزح صلى الله عليه وسلم مع محمود بن الربيع، والقصة معروفة وهي في الصحيح، ومجّ مجّة من دلوٍ من ماء في وجهه, فداعبه بها أو مازحه بها.
وكذلك مما ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال للشفاء بنت عبد الله: (علمي حفصة رقية النملة) وهي قروح تخرج في الجنب, هذه الرقية يقول فيها بعض العلماء: إن فيها إشارة إلى مزاحه صلى الله عليه وسلم ومداعبته لزوجته حفصة , قالوا: إنها كانت -أي: الرقية- كلاماً تقوله النساء مما لا يضر ولا ينفع, وهو أنهم كانوا يقولون:
العروس تحتفل وتختضب وتكتحل
وكل شيء تفتعل غير ألَّا تعصي الرجل
فقيل: إنه عليه الصلاة والسلام أراد مزاحاً ولغزاً في الكلام؛ لأنه كان قد ألقى إلى حفصة سراً، فأفشته، فقال للشفاء: (علميها رقية النملة) لأن في رقية النملة هذه العبارة: "غير ألَّا تعصي الرجل" وأنها قد عصته بإفشاء سره.
وقال البعض: ليس الأمر مزاحاً إنما تعليماً، وأنه قال: كما علمتها الكتابة، وأن هذه الرقية رقية جادة وليست مزاحاًَ على الاختلاف في شرح هذا الحديث, لكن هذا قول من الأقوال التي وردت في شرحه.
وعن النعمان بن بشير قال: استأذن أبو بكر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع صوت عائشة عالياً، فلما دخل تناولها ليلطمها -أي: أبو بكر أراد أن يؤدب بنته, كيف ترفع صوتها على النبي صلى الله عليه وسلم؟! - وقال: لا أراك ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبسه -أي: يمنع أبا بكر من ضرب عائشة - فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج أبو بكر لـ عائشة: (كيف رأيتني أنقذتك من الرجل؟ قال: فمكث أبو بكر أياماً، ثم استأذن، فوجدهما قد اصطلحا، فقال لهما: أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد فعلنا) رواه أبو داود.
وثبت من ممازحته عليه الصلاة والسلام وتلطيف الجو بين نسائه، والضرائر يكون بينهن ما يكون, عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بيت عائشة، فبعث إليه بعض نسائه بقصعة - فغارت عائشة: كيف تأتي بصحن طعام في بيتي وفي يومي؟ تتجرأ هذه الجرأة- فأخذت عائشة القصعة وألقتها، فكسرتها، من غيرتها رضي الله عنها, فجعل النبي صلى الله عليه وسلم -في البخاري وغيره- يضم الطعام ويجمعه ويجمع كسر الإناء, ويقول: (غارت أمكم) أي: عائشة، لأنها أم المؤمنين، هذا من مزاحه عليه الصلاة والسلام، ومن ملاطفته أو من تلطيف الجو المتكهم نتيجة الغيرة بين نسائه.
يقول العلماء: "إن الغيرة يعذر فيها صاحبها أو صاحبتها ما لا يعذر الشخص الذي لا يكون عنده هذه الغيرة, حتى قيل: الغيرة لا ترى أسفل الوادي من أعلاه" أي: إذا بلغت بها الغيرة شدتها لا تعرف أسفل الوادي من أعلاه, تنقلب الأمور عندها وتنعكس.
ولذلك ربما يغتفر منها في الغيرة ما لا يغتفر من المرأة العادية, هذا فيه إشارة إلى أن الشخص -مثلاً- لو تزوج امرأة واحدة، ثم تزوج عليها أخرى فحدثت غيرة شديدة من الأولى أو الثانية ولكن الغيرة من الأولى أكثر، فساء تصرفها، فعليه أن يحتمل ذلك ويعذرها لأجل ما فيها من الغيرة, كما هو مركبٌ في طبع النساء, فعليه أن يعذر في هذه الحالة, فلما جاءت قصعة عائشة بعث بها إلى صاحبة القصعة التي كسرتها، وأعطى عائشة القصعة المكسورة, فعدل عليه الصلاة والسلام, وعوض صاحبة القصعة المكسورة بقصعة المرأة التي كسرتها.
وكذلك فإنه قد جاء في حديث رواه أبو يعلى، وقال الحافظ العراقي: إسناده جيد, أن عائشة قالت: (كان عندي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسودة , فصنعت خزيراً -الخزير: نوع من الطعام يستخدم فيه اللحم والدقيق- فجئت به، فقلت لـ سودة: كلي, فقالت: لا أحبه- فظنت عائشة أنها قالت: لا أحبه؛ لأنها لا تريد أن تأكل من صنعها وأنها نفرت من صنعها، أو أن فيها إذلالاً أو في تصرفها شيء- فقالت: والله لتأكلين أو لألطخنّ وجهك -كل هذه الأشياء لا بد أن تفهم في قضية الغيرة الموجودة بين النساء, والإنسان العادي لا يحتمل ما يحصل- فقالت: ما أنا بباغية, فأخذت شيئاً من الصحفة فلطخت به وجهها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ما بيني وبينها, فخفض لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبتيه لتستقيد مني, فتناولت من الصفحة شيئاً، فمسحت به وجهي, وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك).
وجاء كذلك عند أبي داود عن أسيد بن حضير -رجل من الأنصار- قال: بينما هو يحدث القوم وكان فيه مزاح، وبينما هو يضحكهم، فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في خاصرته بعود, فقال: أصبرني، فقال: (اصطبر -أي: أنت طعنتني وأنا أريد أن أقتص- قال الأعرابي: إن عليك قميصاً يا رسول الله! وليس علي قميص -لا بد من العدل، أنت طعنتني وليس علي قميص، في اللحم مباشرة, وأنا أريد أن يكون في اللحم مباشرة- فرفع النبي صلى الله عليه وسلم عن قميصه، فاحتضنه وجعل يقبل كشحه- أي: يقبل جلده وبياضه- قال: إنما أردت هذا يا رسول الله) الحديث رواه أبو داود في كتاب الأدب.
ومن أمثلة الممازحات التي ليست في موضعها وتصلح أن تكون مثالاً يأتينا في الضوابط، ما رواه أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث علقمة بن مجزر على بعثٍ وأنا فيهم, فلما انتهى إلى رأس غزاته، أو كان ببعض الطريق استأذنته طائفة من الجيش فأذن لهم، وأمّر عليهم عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي، فكنت فيمن غزا معهم, فلما كنت ببعض الطريق أوقد القوم ناراً ليصطلوا، أو ليصنعوا عليها صنيعاً- أي: يطبخوا عليها- فقال عبد الله - وكانت فيه دعابة أليس لي عليكم السمع والطاعة؟ قالوا: بلى.
قال: فما أنا بآمركم بشيء إلا صنعتموه, قالوا: نعم.
قال: فإني أعزم عليكم إلا تواثبتم في هذه النار - أي: تدخلوا في هذه النار- فقام أناس فتحجزوا، فلما ظن أنهم واثبون- أي: أنهم فعلاً سيثبون بها- قال: أمسكوا على أنفسكم، فإنما كنت أمزح معكم, فلما قدمنا -أي: على النبي صلى الله عليه وسلم- ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أمركم منهم بمعصية الله فلا تطيعوه) الأمير إذا أمر بمعصية الله فلا تطيعوه, أنتم تريدون الهرب من النار، فكيف تقعون فيها؟ هذا الحديث موجود في أحد الكتب الأربعة؛ أبو داود، أو النسائي، أو الترمذي، أو ابن ماجة.
[صور من مزاح السلف الصالح رضوان الله عليهم]
ومما ورد في مزاح أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ما رواه البخاري عن بكر بن عبد الله المزني قال: [كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمازحون حتى يتبادحون بالبطيخ، فإذا حزبهم أمر كانوا هم الرجال] وهذا حديث صحيح رواه البخاري في الأدب المفرد , وهذا ليس فيه إهدار للنعمة، أو أنه يؤذي، بمعنى: أنه يضربه بشيء ثقيل, فلو أنه حصل في بعض المناسبات أن رماه بقشرته -مثلاً- دون أن يؤذيه فلا بأس, لكن المقصود أنه كان في بعض المواقف يحصل شيء من هذا, قد يكون في الأسفار عندما يكون الجو فيه تعب, فيكون المزاح في السفر مما يقبل لأن في السفر شدة وعناء, والملاطفة والممازحة في السفر أوكد من الحضر, فيكون مقبولاً.
وسئل النخعي: هل كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يضحكون؟ قال: نعم.
والإيمان في قلوبهم كالجبال الرواسي, والناس الآن قد يغرقون في الضحك، لكن ما عندهم إيمان لا مثل الجبال الرواسي ولا مثل القدور الرواسي.
وكذلك فإنه قد جاء في مزاح عدد من السلف آثار، فمن ذلك: ما رواه ابن أبي المليح، عن أبيه، قال: قال عمر بن الخطاب: [إني ليعجبني أن يكون الرجل في أهله مثل الصبي، فإذا أربد منه حاجة وجد رجلاً] أي: أنه يكون عنده تواضع لأهله، ولين ورفق, ولكن إذا كانت حاجة المرأة إلى رجل كان رجلاً, ونظر ابن الخطاب إلى أعرابي يصلي صلاة خفيفة، فلما قضاها، قال: اللهم زوجني بحور العين, قال عمر: أسأت النقد، وأعظمت الخطبة, خطبت الحور العين، وما هو المقابل؟ صلاة سريعة بلا طمأنينة.
وكذلك مما جاء عن عيينة بن حصن أنه شكا إلى نعيمان -ونعيمان كان فيه طرافة- صعوبة الصيام, فقال: صم الليل, فروي أن عيينه دخل على عثمان وهو يفطر في شهر رمضان, فقال: العشاء، فقال: أنا صائم, فقال عثمان: الصوم بالليل, فقال: هو أخف عليّ, فيقال: إن عثمان قال: هذه إحدى هنات نعيمان -وكبير السن الذي لا يستطيع أن يصوم يشرع له الإفطار ويطعم: {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:١٨٤].
وقال علي بن أبي طالب: [لا بأس بالمفاكهة يخرج بها الرجل عن حد العبوس] أحياناً تكون هناك للمازحة مناسبات، وتكون مؤكدة ومقبولة، كأن يكون هناك رجل عابس أو مقطب, فالإنسان يمازحه ليذهب عنه تقطيبه أو عبوسه, وقد ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما دخل على النبي عليه الصلاة والسلام، والنبي عليه الصلاة والسلام مهموم وفيه غم بسبب ما حصل مع زوجاته, قال عمر: [أردت أن أقول شيئاً أضحك به النبي صلى الله عليه وسلم] فهو تقصد ذلك في هذه المناسبة.
وكذلك روي أن علياً رضي الله عنه جاءه رجل يشكو إليه، يقول: إني احتلمت على أمي -أي: إني رأيت أني أزني بأمي- فقال: أقيموه بالشمس واضربوا ظله حد الزنا, كأنه يقول: أنا مهموم، وحصلت لي مصيبة رأيت في المنام أني وقعت على أمي, ماذا أفعل؟ ما هو الحكم الآن؟ وعلي معروف في القضاء رضي الله عنه, قال: أقيموه في الشمس واجلدوا ظله.
وروى الأعمش عن أبي وائل أنه قال: مضيت مع صاحب لي نزور سلمان، فقدم إلينا خبز شعير وملحاً جريشاً, فقال صاحبي: لو كان في هذا الملح زعتر كان أطيب, فلما أكلنا قال صاحبي: الحمد الله الذي قنعنا بما رزقنا, فقال سلمان: لو قنعت بما رزقت لم تكن مطهرتي مرهونة -أي: من أجل أن آتي لك بالزعتر رهنت مطهرتي، لأنه ليس عندي قيمة الزعتر- وأنت تتمنى الزعتر على صاحب البيت، فتسبب ذلك أن المطهرة مرهونة الآن من أجلك.
وكذلك جاء من الطرف عن الشعبي وكان الشعبي من العلماء الكبار، لكن كان مزاحاً- فمما جاء عن الشعبي أنه سئل عن المسح على اللحية؟ فقال: خللها بالأصابع، قال: أخاف ألا تبلها- بعض العلماء المفتين قد يمزح مع السائل مزحة لكن لها معنى ومغزى وليست فقط للضحك- قال: أخاف ألا تبلها -هذا تنطع- قال الشعبي: إن خفت، فانقعها من أول الليل!! وسأله آخر: هل يجوز للمحرم أن يحك بدنه؟ قال: نعم.
قال: مقدار كم؟ قال: حتى يبدو العظم! وروى الشعبي حديثاً (تسحروا ولو بأن يضع أحدكم أصبعه على التراب ثم يضعها في فيه) فقال رجل: أي الأصابع؟ فتناول الشعبي إبهام رجله، وقال: هذه! وقال رجل: ما اسم امرأة إبليس, قال الشعبي: ذاك نكاح ما شهدناه.
وروي أن خياطاً مرَّ بـ الشعبي وهو مع امرأةٍ في المسجد، فقال: أيكما الشعبي؟ هذا مغفل إلى هذه الدرجة لا يعرف الشعبي! فأشار إليه الشعبي: أن هذه! وكذلك من الذين كانوا معروفين بالمزاح الأعمش رحمه الله, قال ابن عياش: رأيت على الأعمش فروة مقلوبة صوفها من الخارج, فأصابنا مطر، فمررنا على كلب، فتنحى الأعمش وقال: لا يحسب أني شاة.
وقع بين الأعمش وامرأته وحشة، فسأل بعض أصحابه أن يصلح بينهما, فقال هذا الصاحب لزوجة ذاك محاولاً تلطيف ما بينهما, قال: هذا سيدنا وشيخنا أبو محمد فلا يزهدنك فيه عمش عينيه، وحموشة ساقيه، وضعف ركبتيه، وقزل رجليه، وجعل يصف!! فقال الأعمش: قم عنا فقد ذكرت لها من عيوبي ما لم تكن تعرفه.
وجاء رجل إلى أبي حنيفة، فقال له: إذا نزعت ثيابي ودخلت النهر أغتسل فإلى القبلة أتوجه أم إلى غيرها؟ فقال له: الأفضل أن يكون وجهك إلى جهة ثيابك لئلا تسرق! قال الربيع: دخلت على الشافعي وهو مريض، فقلت: قوِّى الله ضعفك؟ -فقصده واضح أي: أن يبدلك الله بدلاً من الضعف قوة, يعني: بدل المرض صحة- فقال الشافعي رحمه الله: لو قوى ضعفي قتلتني, لأن العبارة قد تفهم قوى الله ضعفك أي زاده وجعله مضاعفاً, قال قلت: والله ما أردت إلا الخير, قال: أعلم أنك لو شتمتني لم ترد إلا الخير.
فقلت: ما أقول؟ أي: علمني عبارة بدل هذه العبارة، فلاطفه بهذه الملاطفة.
قال عثمان الصيدلاني: شهدت إبراهيم الحربي وقد أتاه حائكٌ في يوم عيد، فقال: يا أبا إسحاق! ما تقول في رجل صلّى صلاة العيد ولم يشترِ ناطفاً ما الذي يجب عليه؟ الناطف: نوع من الحلوى, يجعل من السكر ويدهن به الأشياء التي تصنع من العجين فانظر إلى سذاجة هذا الخياط.
فتبسم إبراهيم، ثم قال: يتصدق بدرهمين, فلما مضى قال: ما علينا أن نفرح المساكين من مال هذا الأحمق الذي يسأل مثل هذا السؤال! وهناك كثير من القصص التي وردت عن السلف في مسألة المزاح, وحسبنا منها ما ذكرنا.
[ضوابط المزاح]
نذكر في ختام هذا الدرس ضوابط المزاح: أولاً: ألاَّ يكون فيه كذب, امزح ولكن لا تقول إلا حقاً, رواية، حادثة صحيحة فيها طرفة تذكرها, أما أن تختلق أشياء لإضحاك الناس فلا.
ثانياً: ألا يكون فيه غيبة.
ثالثاً: ألا يكون فيه قذف.
رابعاً: أن يكون في الوقت المناسب, فلا يكون -مثلاً- في وقت الوعظ، أو التذكير بالموت، أو جلسة علم وجِدٍّ، ويأتي في منتصف هذا الجو العلمي أو الوعظي من يلقي بطرفة، فهذا من أسوأ ما يمكن أن يحدث في مجالس العلم.
خامساً: عدم الانهماك والاسترسال والمبالغة والإطالة.
سادساً: عدم الترويع وعدم الإضرار به, فلا يأتي شخص ويخطف مفتاح سيارة شخص آخر أو يسرق, أو يأخذ منه شيئاً ثميناً، فهذا فيه ترويع وخوف، وربما يبلغ الشرطة، وفي الأخير يأتي هذا ويقول: كنت أمزح, فهذا لا يكون بحال.
سابعاً: ألا يكون فيه فحش, بعض النكت التي تُسمى عند العوام نكتاً هي عبارة عن قلة حياء، وقلة أدب وبذاءة, وتكون قبيحة، وهي كثيرة جداً ومنتشرة بين الناس في المجالس, كل الطرف التي يأتون بها متعلقة بالعورات المغلظة, وربما بلغت البذاءة ببعضهم أن يأتيك بطرفة فيما يتعلق بجماع الرجل بزوجته, أو ما يكون بينهما من الأشياء, والله لا يحب الجهر بالسوء من القول, ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشاً أو متفحشاً.
ثامناً: ألا يكون فيها استهزاء بشيء من الدين، كالاستهزاء بالكتاب العزيز، أو بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، أو بالملائكة, فبعض النكت مذكور فيها استهزاء بالملائكة، أو الجنة والنار، أو عذاب القبر، فهذه كثيرة بين الناس, يقول: عندي نكتة ثم يأتي بشيء فيه ذكر لأشياء من العقيدة أو من اليوم الآخر يجعله في هيئة طرفة ونكتة.
تاسعاً: ألا يكون مع السفهاء، لأنه إذا مازح السفهاء ردوا عليه سفاهة, فأضر ذلك بشخصيته.
عاشراً: أن يراعي شعور الآخرين, لأنه قد يأتي بمزحة لكن تجرح شعور الذي أمامه, ويجب على الإنسان أن يكون أدبياً يراعي مشاعر الخلق, وإذا أراد أن يمازح لا يزعجه ولا يجعله يغضب منه, وليست القضية إضحاك أكبر عدد في المجلس ولو كان فيها إيذاء للآخرين, وكثير من المزحات يكون فيها ضحايا, يعني: ضحك من في المجلس، لكن صار بينك وبين الذي مزحت به كما يقال في لغة العرب: تطنزت به, هذا موجود في كثير من النكت وطرائف الناس, وربما قام من المجلس وقد خاصمهم وهجرهم أو لم يكلمه من أجل أنه جعل منه أضحوكة في المجلس, وهذا يقع كثيراً, وهذا لا شك أنه إيذاء للمؤمنين, وإيذاء المؤمنين حرام وسخرية، قال تعالى: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ} [الحجرات:١١] وبعض الناس متخصص في هذه القضية, المسألة أنه كيف يجعل الآخرين أضحوكة كيف يهزأ بهم في المجلس، كيف يجعلهم مضحكة في الناس, وهذا حرام لا يجوز.
حادي عشر: ألا يمازح مع الكبير والعالم بما لا يليق بمقامه أن تمازحه في هذا المجال, ممكن أن يمازح شخص صديقه، لكن قد لا يناسبه أن يمزح مع كبير في السن في المجلس، فأنت عندما تمازحه فكأنك لا تحترمه ولا توقره, مزاحك له تنبئ عن عدم توقيرك له.
ثانية عشر: ألَّا يكون فيه إغراق في الضحك، أو يؤدي إلى الإغراق في الضحك, كل مزاح النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه إغراق في الضحك حتى ينقلب الإنسان على قفاه, أو على عقبيه وهو يضحك, بل مزاح معتدل.
ثالثة عشر: ألَّا يضر بشخصه بين الناس, فيكون مضحكة أو مهرج القوم، حتى إذا أراد أحد أن يضحك -كما يقولون- يأتي إلى هذا المهرج، ويقولون: ما هو آخر شيء عندك؟ أعطنا موقفاً، وكثير من المقابلات الجادة مع بعض المشايخ يكون فيها سؤالاً، مثل أن يقول: اذكر لنا موقفاً طريفاً مر بك؟ نكتفي بهذا القدر، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يؤدبنا بآداب شريعته, وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
التسميات :
الأخلاق