مراحل نمو الدولة

مراحل نمو الدولة
مَوْسُوعَةُ الْهُلًاْلِيُّ - أي جسم سياسي في هذا العالم، له مراحل نمو لا بد من أن يمر بها، وذلك لأن هذه الكيانات أو الدول أو الحضارات ترتكز بشكل رئيسي على الأعمال التي يقوم بها البشر، ولما كان للبشر نهاية حتمية، فإن لكياناتهم أيضاً نهاية وبداية، ترتبط مع البشر ارتباطاً أزلياً، حيث أن هذه الكيانات تتأثر بشكل مباشر وقوي بما يقوم به البشر من أعمال، فإن أي جسم سياسي موجود فوق هذه الأرض، هو مرتبط بالجسم البشري الذي يقوده وينظمه ويطوره ويدير شؤونه، ولهذا الجسم البشري مؤثرات تؤثر فيه وفي طباعه وسلوكه وأفعاله وينعكس على كل ما يقع تحت إدارته ونفوذه..
وهذا المجال الدراسي يقع ضمن مجموعة من العلوم منها:  "الجغرافيا السياسية" التي تهتم  بدراسة الوحدات السياسية ومقومات وجودها وتطورها، وتتصدى لكثير من الأمور أهمها: ماهية الدولة، والفرق بين الدولة والوطن، والحدود السياسية ومشكلاتها وأسباب هذه المشكلات، وتستخدم الجغرافيا السياسية عناصر البيئة الجغرافية لتفسير خصائص الوحدات السياسية من حيث قوتها أو ضعفها واستقرارها أو تفككها، وتبحث الجغرافيا السياسية كذلك في أسباب المشكلات السياسية على ضوء الظروف الجغرافية المختلفة.
ولذلك فإن لأي كيان سياسي مراحل نمو، يمكن التنويه إليها باختصار فيما يلي:

1- مرحلة النمو

من أهم خصائص نمو الدولة أو الجسم السياسي هو توجيه طاقاته إلى تنظيم الشؤون الداخلية، وتنمية الموارد المحلية وربط الجماعات البشرية الأساسية في هذا الجسم ببعضها البعض، وفي هذه المرحلة تعمل الدولة الناشئة على الحفاظ على وجودها من خلال دفع الأخطار  القادمة إليها بالطرق الأقل ضرراً، ويكون اهتمامها داخلياً..

2- مرحلة الشباب: 

هي بداية ظهور قوة هذا الجسم السياسي واستكمال بنائه الداخلي، واستقرار مصادر قوته وفي هذه المرحلة تكون الدولة قادرة على مد نفوذها خارج حدودها بهدف التوسع السياسي أو الاقتصادي، وربما تكون الدولة عدوانية في هذه المرحلة..

3- مرحلة النضج والاستقرار:

هنا يظهر سلوك أخر لهذه الدولة وهو الاكتفاء بما لديها من انجازات تحاول الاحتفاظ بها والتسمك بها والاستفادة قدر الامكان من ذلك، فتتجه إلى الهدوء والدبلوماسية والدعوة إلى السلام ودعم كل الجهود المبذولة في هذه الجوانب، وتكون الدولة في هذه المرحلة قد بلغت أوجها من الازدهار والتطور والاستقرار، كما أن هذه الدولة قد تقوم بدفع أي خطر يهدد مصالحها بوسائل متقدمة ومتطورة ..

4- مرحلة الشيخوخة:

تأتي هذه المرحلة بالمفاجآت غير المتوقعة التي قد تظهر دفعة واحدة، مثل الفساد والانحلال والانحطاط في أنظمتها الرئيسية وقواعدها المركزية، نتيجة تداخل عوامل خارجية وعوامل داخلية، وتكون الدولة عاجزة عن معالجة كل ذلك، فتصبح هدفا ومطمعا لقوى أخرى تحاول الاجهاز على ممتلكاتها، فتكون بذلك دخلت في مرحلة الانعاش، وهنا يمكن لهذه الدولة الموت والانتهاء وظهور بديلا لها يعيد مراحل الدورة من جديد، أو التوقف نهائياً ..
ويمكن أن تنقطع مراحل النمو عند مرحلة معينة، فمثلاً هناك الكثير من الكيانات السياسية أو الدول قد وقفت صامدة عند مرحلة النضج والاستقرار وهذا راجع للتخطيط والتنظيم والبناء القوي، كذلك يمكن للدولة أن تبلغ مرحلة الشيخوخة والفناء لكنها تعود من جديد وكأنها في مرحلة الشباب وتتسم بنزعة عدوانية ..

مظاهر وخصائص النمو السياسي:
1- وجود النواة المركزية
2- وجود عاصمة وبؤرة مركزية للنظام السياسي 
3- وجود هيكيلة ادراية للاقاليم الداخلية
4- وجود الحدود السياسية ..

ومن الجدير ذكره أن كثيرٌ من الاارسين والباحثين والمؤرخين والرحالة الجغرافيين والفلاسفة، وعلماء الاجتماع، قد تنبهوا لهذه الحقائق وكل عبر عنها بطريقة ما، ويذكر بأن صاحب هذه النظرية هو عالم وسياسي أمريكي يدعى صامويل هنتنجتون توفي عام 2008م، وهي تتشابه مع نظرية الفيلسوف الألماني جورج هيغل المتوفي عام 1831م، كما كان قد سبق كل هؤلاء منذ 700 سنة مؤسس علم الاجتماع العالم ابن خلدون وقد تطرق لنظرية مراحل نمو الدولة ووضع لها تصنيفا حيث ذكر : تطور الدولة يمر بخمس أطوار وهي : 
الظفر، الانفراد بالمجد، ثم الفراغ والدعة، ثم طور القنوع والمسالمة، ثم الإسراف والتبذير ، ويربط ابن خلدون أطوار الدولة الخمسة بثلاثة اجيال وهم:
1- جيل البناء والعناية 
2- جيل تقليد الجيل السابق 
3- الجيل الهادم
والاتفاق بين جميع المختصين هو أن للدولة أعمار طبيعية كما للأشخاص ..

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم