حرب البسوس

حرب البسوس
مَوْسُوعَةُ الْهُلًاْلِيُّ - قال ابن دريد في الاشتقاق: "
وأما بنو عمرو بن سعد، فهم بالكوفة والجزيرة، وليس بالبصرة منهم أحد، يقال لهم الصَّحْصَحِيُّون. والصحْصَح: الفَضَاء الأملس من الأرض.
ومن بني عمرو هذهِ: الهائلةُ، والبسوس: ابنتا مُنْقِذ. فأمّا الهائلة فإِنَّما سميِّت بذلك لأنّه نَزَل بها ضيفٌ ومعه وِعاءٌ فيه دقيق، فأخذت وعاءَ كان عندها فيه دقيق أيضاً لتأخذَ من دقيق الضيف لتلقىَ في وعائها، ففاجأها الضَّيف فلما رأتْه جعلَتْ تأخذ من وعائها فَتَهِيلُ في وعاء الضَّيف، فقال: ما تصنعين؟ قالت: أَهيل من هذا في هذا. قال: " محسنةٌ فَهِيلى " فذهبَتْ مثلاً فولدت جَسَّاس بن مُرَّة قاتل كليب. وكانت أختها البسوسَ التي يقال أشْأَمُ من البسوس، وعلى رأسها كان حربُ ابنَيْ وائل أربعين سنة، فقالت العرب: أشأم من البسوس!.
واشتقاق البسوس من الناقة التي تَدُرُّ على الإبساس، وهو أن يُبِسَّ بها الراعي فيقول: بُسْ بُسْ! فتتيه فيحلُبها.. [الاشتقاق، لابن دريد، ص258]

حرب البسوس:
من أطول حروب العرب في العصر الجاهلي يرجح أنها وقعت عام 496م واستمرت حتى عام 536م، أي قبل مولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بنحو 34 سنة تقريبا، إلا أن هذه الرواية لا زالت مشهورة في تراث العرب حتى اليوم .. 
هل تعلم أنها حدثت في عدة أماكن من البلاد العربية كان أهمها شبه الجزيرة العربية والعراق والشام، حيث دار جزء من أحداثها في سوريا ..
 - حرب البَسوس: 
وكانت بين قبائل ربيعة إذ اشتعلت الحرب بين قبيلتي بكر وتغلب في أواخر القرن الخامس الميلادي.
وكان سببها اعتداء كليب سيد تغلب على ناقة للبسوس، اسمها سراب، وكانت البسوس خالة جساس بن مرة سيد بني بكر وكانت خالته من تميم نزلت بجواره.
واسم كليب: وائل بن ربيعة، لُقِّب بكليب لأنه كان إذا سار أخذ معه جرو كلب، فإذا مر بروضة أو بموضع يعجبه ضرب الكلب ثم ألقاه وهو يصيح في ذلك المكان ويعوي فلا يسمع عواءه أحد إلا تجنب ذلك الموضع، وكان يقال له كليب وائل ثم اختصروا فقالوا: كليب، فغلب عليه.
وكان كليب قائد معدّ يوم خزازى، ففض جموع اليمن وهزمهم وجعلت له معد قسم الملك وتاجه وطاعته، وبقي زمان ثم دخله زهو شديد وبغى على قومه، حتى أنه كان يحمي مواقع السحاب فلا يرعى حماه ولا يورد أحد مع إبله.
وعندما رأى كليب ناقة البسوس رمى ضلعها بسهم فاختلط لبنها بدمها، ولما علم جساس بالأمر وسمع صياح البسوس وهي تصيح: واذلاه! ، انتقم من كليب وطعنه بالرمح وقتله على حين غِرَّة.
واشتدت الحرب بين الطرفين، وقاد عدي بن ربيعة - الملقب بالمهلهل - جموع تغلب ضد بني بكر بعد أن رفضت المساعي، واستمرت رحى الحرب أربعين سنة وكثرت أيامها مثل: يوم عنيزة ويوم واردات، ويوم الحنو ويوم القصيبات ويوم تحلاق اللمم الذي حضره الحارث بن عباد.
وذكر ابن قتيبة: "(وكانت أيام بكر وتغلب خمسة أيام مشاهير  : أوّلها: يوم عنيزة، وتكافؤوا فيه، والثانى: يوم واردات، وكان لتغلب على بكر، والثالث: يوم الحنو، وكان لبكر على تغلب، والرابع: يوم القصيبات، وكان لتغلب على بكر، وقتلوهم قتلا ذريعا، والخامس: يوم قضة، وهو آخر أيامهم، وكان لبكر، وفيه أسر مهلهل بن ربيعة) . [الشعر والشعراء، ابن قتيبة، ج1، ص290]
وقُتل في هذه الحروب جساس بن مرة وأخوه همام، وبجير ولد الحارث بن عباد، وخلق كثير، وملّ الناس الحرب، ثم عرض المهلهل على قومه أن يغادرهم، ونزل في حي من اليمن اسمه جنب ثم أجبره القوم على زواج ابنته وساقوا إليه صداقها جلوداً من أدم فقال في ذلك :
أنكحها فقدُها الأراقمَ في ... جنبٍ وكان الحباء من أَدَمِ 
لو بأبانَينِ جاء يخطبُها ... رُمِّلَ ما أنفُ خاطبٍ يدمِ 
ثم انحدر إلى قومه، فلقيه عوف بن مالك - وهو أبو أسماء صاحبة المرقِّش
الأكبر - فأسره ومات في أسره.
قال المهلهل كثيراً من الشعر في هذه الحرب منها هذه القصيدة التي قالها بعد
أن أدرك بثأر أخيه  :
فإن يكُ بالذنائبِ طال ليلي ... فقد يُبكى من الليل القصير
فلو نُبشَ المقابرُ عن كليب ... فيخبر بالذنائب أي زيرِ 
فلولا الريحُ أسمعَ أهلَ حَجرٍ ... صليلَ البَيْضِ يُقرعُ بالذكورِ 
ومن جيد شعر المهلهل - بطل هذه المعارك - قصيدة ذكرها صاحب جمهرة أشعار العرب واعتبرها من المنتقيات .
وقد قالها يهدد بني بكر، ويتوعدهم بالثأر لأخيه، ويتحدث عن ظلم بني بكر وجساس بن مرة، وما كان من قتله لكليب (سيد العرب من معدّ) وقائدها يوم خَزازى ضد جموع اليمن، إذ قَهرتْ ربيعة ومضر أعداءها، ثم يهددهم بالذبح، ذبح الشياه ومن هذه القصيدة:
جارت بنو بكر، ولم يعدلوا ... والمرءُ قد يعرف قصد الطريقْ 
حطتْ ركابُ البغي من وائلٍ ... في رهطِ جساسٍ ثقال الوسوقْ
يا أيها الجاني على قومه ... ما لم يكن كان له بالخليقْ 
جنايةً لم يدرِ ما كُنهها ... جانٍ ولم يصبح لها بالمطيقْ 
من عرفتْ يوم خزازى له ... عَلْيَا معدٍّ عند جذب الرتوق 
إن امرءاً ضرَّجتم ثوبه ... من عاتكٍ، من دمِهِ كالخَلوقْ 
لم يكُ كالسيد في قومه ... بل ملكٌ، دِينَ له بالحقوقْ 
إن نحن لم نثأرْ به فاشحذوا ... شفاركم منا لحزّ الحلوقْ
ذبحاً كذبح الشاةِ لا تتقي ... ذابحَها إلا بشخْب العروقْ 
هذه الحروب بين بكر بن وائل وتغلب - وكلها قبائل من ربيعة - استمرت عداوتها، وطالما ذكرها شعراء القبيلتين في شعرهم وهو كثير. نذكر على سبيل المثال عمرو بن كلثوم في معلقته - وهو من سادات تغلب :
إليكم يا بني بكر إليكم ... ألما تعرفوا منا اليقينا
ألما تعلموا منا ومنكم ... كتائب يطّعِنّ ويرتمينا
ومعلقة الحارث بن حلزة اليشكري التي يرد فيها على عمرو بن كلثوم وهى
طويلة وذلك أمام عمرو بن هند ملك الحيرة: 
أيها الناطق المرقشُ عنا ... عند عمرو وهل لذاك بقاءُ
ما أصابوا من تغلبي فمطلو ... لٌ عليه إذا تولى العفاءُ
              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم