أنساب الهمل والأنذال |
يقول أحد الشعراء العرب "محمد الفراتي":
- شتانَ بين مصرحٍ عن رأيهِ ... حُرٍ و بين مخادعٍ ختالِ
- يرضى الدناءةَ كلُّ نذلٍ ساقطٍ ... إِن الدناءةَ شيمةُ الأَنْذالِ..
وقال المعري:
- قد يسمي الفتى الجبانَ أبوه ... أسداً وهو من خِساسِ الكلابِ
- والبرايا لفظُ الزمانِ ولا بد ... له من تغيرٍ وانقلابِ..
وقال آخر:
- يَفِرُّ الجبانُ عن أبيه وأمِّه ... ويحمي شجاعُ القومِ من لا ينسابهْ..
وقال أحد الشعراء:
- كم من لئيمِ الجدودِ سَوَّدَهُ المـ ... ـالُ (المال) أبوهُ وأمهُ الورِقُ
- وكم كريمِ الجدودِ ليس له ... عيبٌ سوى أَنَّ ثَوبهُ خَلقُ
- أدبه سادةٌ كرامٌ فما ثوباهُ ... إِلا العفافُ والخُلقُ...
كما قال المعري:
- إِذا ما الأصلُ ألفَي غيرَ زاكٍ ... فما تزكو مَدى الدهر الفروعُ
- وليس يوافقُ ابنُ أبٍ وأمٍ ... أخاه، فكيفَ تتفقُ الشروعُ...
وقال صفي الدين الحلبي:
- إِذا غابَ أصلُ المرءِ فاستقرِ فعلَه ... فإِن دليلَ الفرعِ ينبي عن الأصلِ
- فقد يشهدُ الفعلُ الجميلُ لربهِ ... كذاكَ مضاءُ الحدِ من شاهدٍ النصلِ
- لعمُركَ لا يغني الفتى طيبُ أصلهِ ... وقد خالفَ الآباءَ في القولِ والفعلِ..
قَالَ الأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ (ت ٦٧ هـ) -رحمه الله-: (لَا يَزَالُ الْعَرَبُ بِخَيْرٍ مَا تَذَاكرُوْا الْأَحْسَابَ وَأَحْيَوْهَا، وَأَخَذُوْا بِصَالِحِ مَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُهُمْ وَأَغْلَظُوْا وَلَمْ يَكُوْنُوْا فَوْضَى، وَتَعَايَرُوْا الْدَّنَاءَةَ، وَأَقَالُوْا الْأَحْيَاءَ، وَأَعْفَوْا الْأَمْوَاتَ، وَلَمْ يَعُدُّوا الْحِلْمَ ذُلَّاً).
قِيْلَ: لَا زِيْنَةَ أَحَسَنُ مِنْ زِيْنَةِ الْحَسَبِ، وَلَا حَسَبَ لِمَنْ لَا أَدَبَ لَهُ،
وَلَا أَدَبَ لِمَنْ لَا مُرُوْءَةَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَدَبِ مِمَّنْ لَا حَسَبَ لَهُ؛ بَلَغَ بِهِ أَدَبُه مَرَاتِبَ ذَوِيْ الْأَحَسَابِ.
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ (ت ١١٠ هـ) -رحمه الله- ضِمْنَ نَصِيْحَتِهِ لِلْخَلِيْفَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِالْعَزِيْزِ -رحمهما الله-: ( .... عَلَيْكَ بِذَوِي الْأَحْسَابِ، فَإنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَتَّقوا اسْتَحْيَوْا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحْيَوْا تَكَرَّمُوْا).
علاقة الهمالة والنذالة بالأنساب :
يلاحظ في دراسة السلوك الاجتماعي بأن السلوكيات السيئة والصفات المنبوذة، غالباً ما تكون موروثة إلا في بعض الحالات الشاذة، لكن في الغالب السلوك مكتسب وموروث أحياناً، وهذا مرتبط بدرجة التأثير الوراثي أو التأثير الاجتماعي، حيث أن البيئة السيئة تنجب وتخرج أجيالاً سيئين في الغالب، ومن هنا فإن غالبية الناس مشتركون في صفات وخصائص عامة، نلاحظها في المجتمع، فكثير ما تشتهر عائلة معينة بصفات سيئة تكون هذه الصفات مكتسبة من أجدادهم السابقين، وقد تكون هذه الصفات قديمة وهي تكاد تكون ثابتة فيها على مدى تاريخهم، وقد تكون ورثتها في مرحلة زمنية معينة، واستمرت فيها، وبناءً على ذلك فإن هناك همالة ونذالة موجودة في أنساب معينة تشتهر بها..
وفي كثير من الأمور قد يدفعنا الفضول إلى تتبع سلوك شخص معين، له سوابق سيئة وصفات همالة ونذالة فإذا بنا بعد البحث والتقصي نجد أن أجداده كانوا مثله في سلوكياتهم، أو قد نجد شهرة لهذه الصفات السيئة في أقاربه وجماعته وعشيرته ومن هنا فيجب ألا نستهين في السيرة التاريخية لعائلة ما، أو نسب معين فلا بد من وجود دلالة واضحة على سلوك هذه العائلة أو تلك، وهذا أمر لا يمكن الاستهانة به من أجل أخذ الانسان الحيطة والحذر من التعامل مع هكذا أشخاص وأفراد أو أحياء وحارات وعائلات أو حتى قرى معينة ..
فهذه الصفات والخصائص غير المرغوبة قد تظهر بشكل فجائي كردة فعل لسلوك معين، وحتى لا يتفاجئ الشخص بذلك كان لزاماً عليه أن يحاول الاطلاع والمعرفة وقياس الأمور حول بيئة هذا الشخص، قبل احتدام أي علاقة أو معاملة .. ومن خلال الاطلاع والبحث والدارسة في أنساب القبائل والمجتمعات وجدت هناك دلائل قوية على وجود العلاقة التاريخية بين صفات الشخص وسلوكه بصفات نسبه وسلالته وعرقه الذي ينحدر منه ..
وعليه أقول ما يلي:
إن القبائل التي اشتهرت بفترة من فترات التاريخ القديمة، أو أنها عرفت في الأزمنة السابقة بصفات سيئة وسلوكيات هاملة وتصرفات نذلة فإن صفاتها تلك لا تزال موجودة في ذارريها حتى يومنا هذا، ويجب على الجميع تقبل الحقائق والاعتراف بالأخطاء من أجل المقدرة على خلق وإيجاد مناخ صالح لكافة المجتمعات التي أعيتها التصرفات الهوجائية والغوغائية والهمجية، لأن هناك قاعدة اجتماعية تنص على أن التعلم والثقافة والبناء الفكري لها دور مؤثر في تصحيح سلوكيات الناس الخاطئة التي كانوا قد اكتسبوها أو تورثوها على أسلافهم، وقد أثبت العلم ذلك حيث نلاحظ أن هناك الكثير من المتعلمين والمثقفين قد تبرأوا من أسلافهم ومجتمعاتهم السيئة وجاء هذا التغيير نتيجة تمكنهم من الانخراط في مجتمعات مثقفة وحضارية وأخلاقية وتطورت أفكارهم بسبب اطلاعهم على الكثير من العلم الإنساني والأدبي والثقافي والديني والأخلاقي ...إلخ
كيف نحدد القبائل التي اشتهرت بالهمالة والنذالة ؟!
يتم تحديد أنساب هذه القبائل من خلال دراسة التاريخ والاجتماع والدراسة الصامتة في المجتمع، كتلك الدراسات التي تجري بطرق سرية كالتحري مثلا والتقصي والتحقيقات والاستطلاعات، مثل أساليب وطرق أجهزة الأمن والمخابرات والمباحث، ويتم التعرف على تلك القبائل والعائلات والمجتمعات السيئة ثم تحديد طرق المعالجة المباشرة وغير المباشرة، وذلك باستخدام طرق التثقيف والدروس والمحاضرات والاجتماعات وتوزيع الكتب والنشرات التوعية والارشادية ومعالجة الأسباب التي قد تولد سلوكيات منبوذة ..
كما يمكن تحديد العائلات السيئة من خلال تتبع سجلات ووثائق المحاكم ومراكز الشرطة والأمن والاطلاع على مذكرات التحقيق أو الأحكام والمحكومين والقضايا الجنائية وخاصة قضايا الشرف والأخلاق، لأن الهمل والأنذال هم الذين يرتكبون مثل هذه الجنايات المخلة بالشرف والعرض مثل الاغتصاب والزنا واللواط والتعدي على الضعفاء من الناس، واستغلال نقاط الضعف والمآسي والأحزان لارتكاب المزيد من جرائم القذارة والحقارة، وكثيرة هي صفات هذه الطبقة القذرة في المجتمع وأفعالهم المخزية متنوعة تغطي كافة أشكال وصور الهمالة والنذالة ومنها الغدر والخيانة والكذب وشهادة الزور والرياء والمكر والفجور والفسوق والتحاسد والتحرش والتنابز بالألقاب والتفاخر بالحرام وحب الملذات والشهوات، والنميمة واللمز والهمز والغيبة والأنانية وحب الذات، والجشع والطمع والبخل، والشماتة بمصائب الناس وأحزانهم، والتلذذ على جراح الآخرين..
ما ذكره علماء الأنساب في رواياتهم ومؤلفاتهم:
ذكر علماء الأنساب بعض تلك القبائل التي اشتهرت بالدناءة واللؤم في الأزمنة الماضية، فمن مصطلحاتهم التي وردت نذكر ما يلي:
الدناءة واللؤم والسخف والحقارة، والخب والفجور، الغش والإثم، والبخل، والمذلة، والمنتبذة، و(الأَنْباذُ) من النَّاس (الأَوْبَاشُ) وهم المَطْرُوحُونَ المَتْرُوكُونَ، والمنبوذون هم الذين يتجنبهم المجتمع، كما وصف النسابين بعض الأشخاص ممن اشتهر بالكذب والنفاق والتدليس والتحيل وقد ذكروهم بالاسم وذكروا ذريتهم أيضاً، كما وصف بعضهم بالعيب وقد وردت قصص وسوالف تعيبهم ..
الأعمال والصفات والخصائص الذي تميز بها أهل الهمالة والنذالة:
1- كثرة الفحشاء وممارسة الزنا واللواط بينهم ..
2- كثرة ممارسة التسول..
3- عدم الاهتمام بالنظافة العامة والخاصة .. ويرتدون ملابس قذرة..
4- ممارسة الشعوذة والسحر والجهل..
5- انتشار التحاسد بينهم..
6- يتصفون بالبخل و الشح والطمع..
7- يخضع رجالهم لسلطة نسائهم باستمرار..
8- لا يغارون على شرفهم ولا أعراضهم ولا عوراتهم..
9- يتكلمون بلهجة خاصة فيها نعومة وغنج ومياعة في الصوت والنبرة..
10- يشتهرون بالمكر والخباثة والأنانية والاختلاس كلما سنحت لهم الفرصة بذلك..
11- يمارسون الشعائر الدينية بهدف النفاق والرياء والمنفعة الخاصة..
الحل والمعالجة وتحسين سلوكيات هذه الفئة:
الحل ليس سهلاً وليس مستحيلاً، وطرق المعالجة اليوم كثيرة بفضل ما توصلت إليه الحضارة المعاصرة من ابداع واختراع وابتكار، ولكن المعالجة بحاجة إلى مختصين يتميزون بالصبر والحنكة والجدية في انتاج مجتمع سليم قادر على الانخراط في مجتمع بناء متحضر ، ولكن أهم أساليب المعالجة والتطوير يجب أن تبدأ بقرار جريء وشجاع من قبل أصحاب القرار والمسؤولية وتوظيف كل الطاقات والامكانيات المتاحة لتحسين وتطوير وتنظيف المجتمع والنأي به عن كل الوسائل السلبية التي تبث السموم في المجتمع ووجوب تدخل مسؤول وقوي لمنع استخدام وسائل التنكولوجيا الحالية المضرة بالمجتمع والتي أدت إلى انتشار العديد من الظواهر الجاهلية التي عملت على انحلال الأخلاق وفساد الناس..
يقول أحد شعراء العرب "صالح عبد القدوس":
- لا تحقرنَّ من الأيامِ محتقراً ... كُلُّ امرئٍ سوف يُجْزَى بالذي اكتسبا
- قد يحقرُ المرءُ ما يهوى فيركبُه ... حتى يكونَ إِلى توريطهِ سَبَبا..
وقال القسيم بن الهذيل:
لا تحقرنْ ذا بؤسةٍ أن تنيلَهُ ... وإِن كانَ بين الناسِ وهو حَقيرُ
- فإِن عسى أن يرفعَ الدهرُ طَرْفَهُ ... ولله راعٍ بالعبادِ بصيرُ
- فيلقاكَ يوماً ثم يجزيكَ مثلهَا ... وأنتَ إِليها عندَ ذاكَ فقيرُ..
****
التسميات :
الأنساب