عرب الجرامنة (بني جرم)

نسبها وأحلافها
جرم في القاموس:
جِرم بكسر أولها الجسد، وجَرم بفتح أولها أذنب أي ارتكب جناية وجريمة، والجُرم بالضم الذنب[1]، والتَّعدي[2]، وبنو جرم بفتح أوله بطنان من العرب، واحدة في قضاعة والثانية في طيء، وبنو جارم بطنان أيضاً واحدة في ضبة والأخرى في بني سعد[3]، وأجرم بألف قبل الجيم بطن من خثعم[4]، وقال الزبيدي، جَرم بفتح أولها بطن في طيء وهو ثعلبة بن عمرو، مساكنهم بصعيد مصر ومنهم بقية في نواحي غزة، وجرم بفتح أولها هو جرم بن ربان بن عمران بن الحافي بطنٌ في قضاعة، وجِرم بكسر أولها بلاد قرب بذخشان، والجرم قرية في الضفة الشرقية بالأردن[5] وجرم في بجيلة وهو جرم بن علقة بن أنمار، وجرم في عاملة وهو جرم بن شعل بن معاوية[6]، قلتُ ولا يوجد شهرة لهذه الأسماء في التاريخ إلا لقبيلة بني جرم بن ربان بن عمران بن قضاعة، وليس كل فردٍ من العرب هو اسم قبيلة فمنهم من لم يعقب ومنهم من يبقى محتفظاً بنسب قبيلته الأولى حتى اليوم، وأما تلك الجروم التي جاءت في القاموس إنما جاءت لاستكمال المعنى اللغوي لاسم جرم، أو أن في الأمر التباس، وإليك بيانه.
نسب بني جرم وما جاء فيه:
تنتسب بني جرم، في بلاد غزة إلى جرم بن ربان بن الحاف بن قضاعة، وكانت مساكنهم ما بين غزة والكرك، أي في جنوب فلسطين وبلاد الشام، وجرم (واسمه ثعلبة) بن عمرو بطن من طيء هكذا قال الزبيدي ولم يقل غيره بهذا لأنه حذف ثعلبة وأبقى على لقبه جرم، كانوا يسكنون فلسطين مما يلي الساحل زمن صلاح الدين الأيوبي[7]، إذاً هناك نسبين واحدة من قضاعة والثانية من طيء، وهما في نفس المكان الجغرافي، في جنوب بلاد الشام وغربه، فإلى أي القبيلتين تتنسب عرب الجرامنة أو بني جرم الذي قادت حرب قضاعة ضد جذام سنة 1445م، وكانت بمنطقة ساحل فلسطين؟!
والجواب إن شاء الله كما يلي:
قال النسابة الصحاري العوتبي المتوفي سنة 550هـ/ 1154م تقريباً أن جرم بن ربان بن حلوان بن عمران بن الحاف[8] بن قضاعة، ومن بنو جرم قدامة وراسب وملكان وجدة وناجية، وقال ابن حزم الأندلسي المتوفي سنة 456هـ/ 1063م بني جرم بن ربان بن حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة، ومن بني جرم اضافة لما مر ذكره: بني الهون، وبني رفاعة، وبني عذرة، وبني شميس، وبني سلي، وبني طرود، ومنهم بهيس بن صهيب بن عامر له عقب بالشام، وعمرو بن عبد الجن بن عائذ، ومنهم عمرو بن سلمة بن قيس الذي عاصر معاوية بن أبي سفيان[9]، وقال النسابة ابن الكلبي القضاعي بني جرم بن ربان بن قضاعة ولم يذكر جرم طيء، وقال أبو عبيد البكري الأندلسي المتوفي سنة 487هـ/ 1094م أن جرم وكلب من قضاعة أول من نزلوا الشام عند هجرتهم من اليمن[10]، ولم يذكر أبو عبيد جرم طيء، وقال أبو بكر الهمذاني المتوفي سنة 584هـ/1188م أن الجرمي منسوب إلى جرم بن ربان بن ثعلبة بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، كذا قاله خليفة بن خياط[11] المتوفي سنة 240هـ/ 819م، ولم يذكر جرم غيرها، وكذا لم يذكر الفقيه ابن عبد ربه الأندلسي المتوفي سنة 328هـ/939م  في كتابه العقد الفريد أي كلام عن جرم طيء، بينما تحدث عن جرم بن ربان القبيلة القضاعية، وقال المقريزي المتوفي سنة 845هـ/1441م بأن جرم سنة 636هـ/1237م كانت بالشرقية من ديار مصر، ووقع بينها وبين جذام وثعلبة حروب قتل فيها كثير منهم، وقتل شيخهم شمخ* بن نجم فجرد الملك العادل إليهم الأمير بهاء الدين بن ملكيشو بعساكر مصر ليصلح بينهم[12]، وفي نص المقريزي السابق ما يؤكد أن جرم من قضاعة، لأن القبائل الثلاثة المذكورة هي جرم وهي قضاعة، والثانية ثعلبة وهي طيء، والثالثة جذام وقد كانت هذه القبائل متحالفة كلها، وهذه الفترة عاصرها الجغرافي ياقوت الحموي المتوفي سنة 626هـ/1229م وقال عن جرم ولد ربان ومن ولده قدامة وجدة وملكان  وناجية[13] والمقتضب مأخوذ عن كتاب جمهرة النسب لابن الكلبي، ولم يتطرق ابن سعيد الأندلسي المتوفي سنة 685هـ/1286م في كتابه نشوة الطرب[14] عندما ذكر طيء وتاريخها في الجاهلية لأي لقب أو اسم "جرم طيء" بل ذكر ثعلبة وطيء، وقال النويري المتوفي سنة 733هـ/1331م بأن جرم من قضاعة وإليها يرجع كل جرمي[15]، ومن المعروف بأن بني جرم تزعمت قضاعة في العهد الأخير من فترة المماليك، وتزعمت عرب العايد جذام، ووقعت بينهم حروب عديدة، بينما تزعم عرب الفضل وبني ربيعة وبني الجراح وبني مهنا قبيلة ثعلبة طيء، ومن الجدير ذكره بأن غالبية طيء اندمجت مع قضاعة في كثير من الحروب القبيلة، ولا يزال هذا الاندماج حاضراً حتى اليوم.
وبهذا فإن بني جرم بطن من قضاعة، وقد يكون قد اندمجت معها طيء، مثلما ذكره ابن خلدون حيث قال وجرم جامعة البطون كلها وهي احدى بطون قضاعة كانت ببلاد غزة[16]، ومن أقدم النسابة الذين ذكروا جرم هو خليفة بن خياط المتوفي سنة 819م حيث قال جرم من قضاعة ولم يذكر غيرها، والدليل الثاني هو ذكر ثلاثة قبائل تولت خفارة الطرق والبريد في عهد بيربس وهم عرب العايد وجرم وثعلبة والمشهور بأن ثعلبة هي طيء، وعرب العايد تزعمت جذام، وجرم تزعمت قضاعة.
وذكر ابن حبيب المتوفي سنة 245هـ/824م أن جرم طيء هو ثعلبة بن عمرو بن الغوث، وأما جرم فلا تعرف بغيرها، فهي جرم بن ربان بن حلوان من قضاعة[17]، وقال الدار قطني المتوفي سنة 385هـ/ 996م فأما جرم ، فهو جرم بن ربان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، قاله ابن حبيب، وأما جرم طيء فهو ثعلبة بن عمرو بن الغوث[18]، يتضح من خلال هذه المعلومات بأن جرم بطن من قضاعة، وأن جرم ثعلبة لا تشتهر إلا بثعلبة وطيء، ومما يؤكد ذلك بأن الحرب الذي وقعت بين جذام وقضاعة، كانت تحت زعامة كل من جرم والعايد، وفي موسوعة الأنساب للسمعاني قال الجرمي ينسب إلى قبيلة جرم بن ربان[19]، قلتُ وبعد الاطلاع على عدة أسماء كثيرة، إن من ينسب إلى جرم فهو قضاعي، فأما جرم ثعلبة، فهو مجرد لقب كان قديماً وانقرض، فلم يستخدم اسم جرم في التاريخ إلا بقصد جرم قضاعة لا غيرها، وقد أخطأ كل من نسبها إلى ثعلبة، والصحيح هو أن قضاعة وثعلبة وجذام كانوا جميعاً تحت حلف واحد وكان لهم شيخ يقودهم جميعاً في مصر قبل أن يدب بينهم الخلاف والفرقة والانقسام، ولا يخفى على أحد بأن هناك قبائل قد تكونت من عائلات وأسر تنتمي للثلاثة قبائل المذكورة، وهم عائلات قد ربطتهم علاقات وثيقة تأسست على علاقة المصاهرة المتجذرة بينهم من ناحية، وعلى علاقة الجوار والتعاون من ناحية ثانية، وعلاقة الحلف اليمني أو القحطاني من ناحية ثالثة، ومن أمثلة ذلك زبيد الأحلاف، وقبيلة حرب، وعرب الحوارث، وعرب المغاربة، حتى أن بعضها قد اندمج معه قبائل قيسية كما هو الحال في قبيلة حرب، وبني كلب وجرم وغيرها، كما أننا لا نزال نلمس هذا البعد التاريخي العريق في قبائل فلسطين وقراها، ومن أمثلة ذلك أيضاً عرب قطية في شمال سيناء وهم يعودون إلى قضاعة وجذام وطيء، وكثيرٌ منهم نسب إلى قطية الموضع فقيل لهم القطاطوة ومفردها القطاوي، وأصبحت عشيرة اشتهرت بهذا اللقب.
لكن في التاريخ والتراث والروايات الشفهية يذكر الكثير من كبار السن أن عرب الجرامنه في فلسطين كانوا في الفترة الآخيرة ينتمون لحزب العرب القيسية وهذا عليه اتفاق بين معظم الرواة..

[1]- المعجم الوسيط، ص118
[2]- تاج العروس، الزبيدي، ج31، ص394
[3]- جمهرة اللغة، لابن دريد، ج1، ص465
[4]- تاج العروس، الزبيدي، ج31، ص393
[5]- موسوعة بلادنا فلسطين، الدباغ، ج1، ص101
[6]- تاج العروس، الزبيدي، ج31، ص292-294
[7]- معجم قبائل العرب، كحالة، ج1، ص182
[8]- الأنساب، للصحاري، ج1، ص260
[9]- جمهرة النسب، لابن حزم الأندلسي، ج2، ص451- 452
[10]- معجم ما استعجم، أبو عبيد البكري، ج1، ص24
[11]- عجالة المبتدي وفضالة المنتهي، أبو بكر الهمذاني، ص39
* شمخ من الأسماء القديمة في قضاعة، كان منهم بطن في جهينة – موسوعة القبائل العربية ج1، ص384
[12]- السلوك في معرفة دول الملوك، المقريزي، ج1، ص393
[13]- المقتضب من كتاب جمهرة النسب، الحموي، ص337
[14]- نشوة الطرب في تاريخ جاهلية العرب، ابن سعيد الأندلسي، ص222-237
[15]- نهاية الأرب في فنون الأدب، للنويري، ج2، ص312
[16]- تاريخ بئر السبع وقبائلها، عارف العارف، ص14
[17]- مؤتلف القبائل ومختلفها، ابن حبيب، تحقيق إبراهيم الأبياري، ص60
[18]- المؤتلف والمختلف، الدراقطني، تحقيق د. موفق عبد القادر، ص709
[19]- الأنساب، للسمعاني، ج3، ص233
              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم