البريد في فلسطين قبل 7 قرون

البريد في فلسطين قبل 7 قرون

البريد في بلاد غزة والشام :

كان الظاهر بيبرس قد تنبه لمنفعة البريد وأهميته، فقام بتنظيم عمل البريد بطريقتين واحدة برية والثانية جوية، ورأى بأن هذا العمل بالرغم من صعوبته، يمكن تسريعه ما أمكن لهدف معرفة أخبار البلاد على عجل، وتحصين الأطراف والثغور.

1- البريد البري:

كانت بلاد غزة واقعة على الخط الرابع، من الخطوط البرية يرتبط بريدها بدمياط ومنها للقاهرة، وحال وصول البريد من دمياط إلى غزة، تتولى غزة ارسالها إلى أي جهة من جهات البلاد الشامية، ويأتي البريد الشامي إلى غزة ومنها تتولى غزة إيصاله إلى مصر.
وقد أقام بيبرس المحطات البريدية على مسافات تبعد الواحدة عن الأخرى 12ميلاً، وربما تتفاوت المسافة بين محطة وأخرى، بحسب عوامل جغرافية واستراتيجية حيث يراعى في الاعتبار مناطق توفر المياه والأودية وطبيعة التضاريس وعوامل الحماية والأمن والقرى، وكان لهذه المحطات ذات المسافات المتقاربة أثر كبير في تسهيل مهمة الرسل على اجتياز المسافات بسرعة فائقة، فإذا وصل ناقل الخبر إلى محطة بدل فرسه المتعب بآخر مستريح، وتزود بما يحتاج إليه، حتى أضحى البريد بهذه الطريقة يصل من دمشق إلى القاهرة بمسافة 3 أيام إلى أربعة والعكس صحيح.
وكانت محطة وادي السلقا جنوب دير البلح، احدى محطات البريد البري، حيث تقطن هناك قبيلتي بني ثعلبة (طيء) ومنهم السنابسة وبني جرم القضاعيين، وهما من أهل الفروسية ومن أصحاب الجياد الأصيلة كانوا يجلبون الخيل ويتاجرون بها، يأتون بها من سوريا ومن الحجاز ويرسلونها إلى مصر.

2- البريد الجوي:

كان الخط الجوي لبريد غزة يبدأ من المركز الرئيسي وهو برج قلعة الجبل في القاهرة ثم بلبيس ثم غزة ثم القدس ثم إلى دمشق، والخط الثاني من غزة إلى الكرك، يعتمد هذا البريد على الحمام الزاجل، الذي يقطع المسافة الواحدة بين المحطة والتي تليها في ثلث الوقت الذي تقطعه الخيل في المحطات البرية، وبلغت المسافة بين محطة البريد الجوية والثانية حوالي 7 أميال.
أما طريقة عمل البريد الجوي فكانت كما يلي:
عندما ينزل الحمام في المحطة يقوم الموظف " البرَّاج " بنقل الرسالة من الطائر إلى طائر آخر ليوصلها إلى المحطة التي تليها، وتميزت رسائل الحمام الزاجل بالاختصار حيث يستغنى فيها عن البسملة والمقدمات الطويلة والألقاب الكثيرة، ويكتفى بذكر التاريخ والساعة وإيراد المطلوب في صيغة موجزة، ويراعى استخدام الورق الرقيق كي لا ينوء الطائر بحمله أو يكون سبباً في إبطاء سرعته، وتشد الرسالة تحت جناح الطائر أو ذيله، وكان الخط دقيقاً وصغير الحجم ويعرف باسم الغبار لكونه يشبه ذرات الغبار، كما كان الحمام الزاجل المستخدم في البريد يسم بوسم خاص كبصم منقاره أو ترك علامة معينة في ريشه[1].
أما عن المسافات بين الطرق البرية للمسافرين بين بلاد الشام ومصر، والطرق الداخلية في بلاد الشام والتي تسلكها قوافل الإبل، كانت تقدر مسافاتها بالأيام، وفيما يلي بعض النماذج:
كانت المسافة من العريش إلى القدس تقدر بخمسة أيام، ومن العقبة جنوب فلسطين إلى غزة ثمانية أيام، ومن العقبة إلى القدس ثمانية أيام، ومن غزة إلى دمشق ثمانية أيام، ومن مصر إلى دمشق ثمانية عشر يوماً، ومن القدس إلى العراق عشرون يوماً، ومن العريش إلى الفرات ثلاثون يوماً، ومن جبلي طيء إلى سواحل البحر المتوسط مسافة 20 يوماً، ومن مدينة عكا الواقعة في الجزء الشمالي من فلسطين إلى دمشق أربعة أيام، ومن دمشق إلى حلب مسيرة عشرة أيام، أما المسافة بين بور فؤاد حتى رفح تقدر بحوالي ستة إلى سبعة أيام وطولها نحو 200 كيلومتر، والمسافة بين رفح حتى حيفا شمال فلسطين على طول الساحل مسافة خمسة أيام، وتستغرق رحلة المسافر من مصر إلى بغداد على الشام والجزيرة نحو 90 يوماً أي ثلاثة أشهر[2]، وبين مكة والقدس 840 ميلاً وهي 280 فرسخاً، أما بين مكة والفسطاط 854 ميلاً، وهي 284 فرسخاً، أما بين مكة ودمشق نحو 728 ميلاً أي 242 فرسخاً وثلث الفرسخ.
وكان طريق الحج الشامي المبتدئ من دمشق ثم ينزل الكسوة فيقيم بها يومان، ثم يرحل فينزل الصنمين ثم المليحة، ثم ينزل على زرع ويقيم عليها يومان، ثم إلى بصرى ويقيم عليها 3 إلى 4 أيام، ثم إلى الزرقاء فيقيم عليها يومان، ثم إلى زيز ويقيم عليها ما بين 3 إلى 4 أيام، ثم إلى الكرك مدة 4 أيام، ثم إلى الحسا ومنها إلى معان وفيها 3 أيام، ثم إلى العقبة ثم إلى ذات حج، ومنها إلى تبوك، ومنها إلى العلا، ثم إلى هدية، ثم إلى عيون حمزة، ويتأهب الركب منها لدخول المدينة الشريفة، ثم إلى ذي الحليفة (بئر علي) وهو ميقات الحج الشامي ومن مر على المدينة، ثم إلى الصفراء، وهنا تتلاقى مع الطريق المصرية، أما خط العودة فيرجع الحج الشامي من نفس الطريق وصولاً للمدينة النبوية، فيمتاز على سائر الركبان بالزيارة مرتين، ثم يأخذ بطريقه إلى الحسا، ومنها إلى زيزا ، ثم إلى دمشق، وكان الركب الشامي قديماً ينزل إلى اللجون ويقيم بها 3 أيام[3]، أما قافلة فلسطين فتهبط من غزة إلى العقبة ومعان لتنضم من هناك للركب السوري.

ومن الطرق البرية التي تربط سيناء بغزة نذكر:

1- مدق غزة الشط، بعد اجتازه وادي العريش يستمر بالاتجاه نحو الجنوب الغربي ماراً بجبل لبنى ومشاش السر فالأبرقين فالحسنة، ثم بير روض سالم فجبل الختمية فبئر الجفجافة مارا بجنوب مطار المليز ثم بير الجدي فوادي الطوال ثم وادي الحج إلى الشط، وكان يسمى قديماً بالدرب المصري[4].
2- طريق الفرما: من أقدم الطرق التي تربط مصر بالشام، وهي تبدأ من أطراف المحافظة الشرقية ثم شرقاً إلى القنطرة ثم شمالاً بشرق إلى شاطئ البحر المتوسط ثم عبر برزخ البردويل حتى بلدة القلس ثم يدخل المسافرين عبر المعديات القوارب حتى ساحل العريش ثم بمحاذاة التلال الرملية حتى الخروبة ومنها إلى المكسر ثم الشيخ زويد ثم رفح، وقد الغي هذا الطريق بعد فتح طريق مرصوف بين القنطرة شرق حتى رفح.
3- الطريق الساحلي: ويسمى قديماً طريق العريش، يبلغ طوله حوالي 247 كم، من القنطرة شرق حتى مدينة غزة، ويمر بالنقاط التالية بالوظة ورمانة وقاطية وبئر العبد والمصفق والمزار والمساعيد ثم العريش ثم الشيخ زويد ثم رفح، وهو من الطرق القديمة التي تربط بين مصر والشام.
4- الطريق الأوسط: وهو يربط بين الاسماعيلية وأبو عجيلة والعوجا، ثم بئر السبع ثم الخليل ثم القدس، يبلغ طوله من الاسماعيلية إلى العوجا الواقعة الآن على الحدود حوالي 232كم، ومن أهم نقاطه ومحطاته الذي يمر بها مفرق المليز وطريق المغارة ومفرق الحسنة ومفرق بير لحفن وأبو عجيلة والعوجا، تم رصفه عام 1939م، وكان يعرف قديماً من خطوط الدرب المصري.
5- مدق الشط إلى نقب العقبة: وهو الطريق الذي يربط سيناء بجنوب فلسطين، ويبدأ من السويس وينتهي عند رأس النقب.
6- طريق نخل – غزة: يبدأ من نخل فالضفة اليمني لوادي العريش، فوادي الرواق فوادي العقابة حتى جبل خريم، فوادي الفهري ثم وادي قرية ثم جبل الشريف ثم وادي الجرور ثم وادي السيسب فوادي الجايفة حتى وادي المويلح فالصبحة ثم يعبر الحدود ويمر بدرب غزة قرب رأس وادي حرام فوادي الرحبة ثم وادي الشريعة حتى غزة[5]، ومن الملاحظ بأن هذا الطريق يمر من الأودية التي تكون مغمورة بالسيول شتاءً، وفي الربيع تنمو فيها الأعشاب وتكون فيها حفر يستخرج منها المياه، وتنمو فيها أشجار صحرواية.
7- مدق من النويبع إلى غزة: عن طرق وادي المويلح من النويبع إلى وادي العين مارا بين السورة ثم وادي الشيخ عطية ثم وادي وتير ثم وادي التمد فبئر التمد ثم ينضم للطريق المعتادة إلى غزة.
وهناك العديد من الطرق العرضية والداخلية في سيناء كطرق فرعية تربط بين الخطوط الرئيسية والتي إن دلت على شيء فإنها تدل على ضخامة الحركة والنشاط بين الشام ومصر والحجاز، كما وتدل على تعدد القبائل البدوية العاملة في النقل والحراسة ولكل قبيلة أو حلف درب معين يقع ضمن نفوذها، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى تدل هذه الخطوط على حجم الحركة التجارية والعسكرية والاجتماعية بين سيناء وغزة، فهما الرابط والشريان القومي الذي يربط بين الشام والحجاز ومصر وافريقيا. 
مراجع:-----
[1](تاريخ المماليك في مصر والشام، د. محمد سهيل طقوش، ص102- 105)
[2] ( درر الفرائد المنظمة، الجزيري، ج2، ص44)
[3] (درر الفرائد المنظمة، الجزيري، ج2، ص60-68)
[4] ( سيناء الموقع والتاريخ، عبده مباشر وإسلام توفيق، ص74)
[5] ( سيناء الموقع والتاريخ، المرجع السابق، ص79)
              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم