لقد عشق العربي الخيول وولع بها، لدرجة أنه فضلها على كل شيء في حياته، وحرص حرصاً شديداً على اقتنائها والاهتمام بها، واعتبرها القوة الوحيدة الذي يعتمد عليها لتحقيق أهدافه وإنجاز مصالحه، وكان أول من استخدم الخيول في الغزو، هم الشعب الجنوبي لبلاد الشام، وقد عرفوا باسم الهكسوس، أي بمعنى قادة الخيل، وقيل ملوك الرعاة، وهم من الأمم والأعراق العربية الأولى، الذين عاشوا حياة البداوة في جنوب فلسطين وسيناء، والهكسوس مجرد لقب لهم لا نسب ولا اسم، واعتقد أنهم من أولاد سيدنا اسماعيل عليه السلام، وهو أول من ركبها وكانت قبل ذلك وحوش لا تركب، وقيل إنهم من أجناس مختلطة سامية وغير سامية، وكلمة هيكسوس مصطلح أطلقه مؤرخو اليونان، ومعناه هيك أي ملوك، وسوس تعني راعي، وشاسو معناها البادية وقد جاء ذكر الشاسو في تاريخ مصر القديم إلا أن الهيكسوس يختلفون عن الشاسو، بينما كلمة سوس العبرية معناها الحصان، وفي أصلهم اختلاف بطبيعة الحال فمنهم من قال هم من العرب العمالقة، أو العرب البائدة، وقد سيطر الهيكسوس على مصر سنة 1720 ق.م مدة خمسة قرون زمن إبراهيم الخليل عليه السلام.
وكان النبي يوسف عليه السلام وزيراً في عهد حكمهم لمصر[1]، وفي رواية أنهم حكموا مصر أزيد من قرن ونصف القرن[2]، ومهما كان من امر هذه الأمة، فإن ما هو معروف عنهم أنهم كتنوا بارعين في استخدام الخيول التي كانت في بلاد غزة، كما وجد أثراً فرعونياً يدل على أنهم جلبوا من أرض كنعان في سنة من السنوات 1500 حصان[3]، وهذا عدد ليس بقليل بالنسبة لوسيلة هامة في تلك الفترة، يعتمد عليها اعتمادا رئيسيا في البنية العسكرية، مما يدل على وجود العدد الكافي والفائض عن الحاجة لدى شعب كنعان في فلسطين، كما يدل أن الخيول موجودة في بلاد غزة قبل أكثر من 4000 سنة، ومن المعلوم والمشهور بأن الخيول أهم وسيلة حربية في الأزمنة الغابرة، وهذا معناه بأن بلاد غزة كانت من البلدان التي تتمتع بالقوة العسكرية العظمى آنذاك، ووجد في أواخر عهد غزة وبعد تمديرها في الحرب التي وقعت بين الانجليز والاتراك سنة 1917م، وبعد مضي 30 عاماً من ذلك قرابة 500 رأس من الخيول، منها 117 خيلاً في مدينة غزة نفسها[4]، هذا في وقت خرابها وضيق المعيشة فيها.
ولوجود الأودية والمراعي المعتدلة والمياه العذبة في سواحل فلسطين، كان مناخها وبيئتها أكثر ملائمة لتربية الخيول من شبه الجزيرة العربية، لذا فخيول البلاد الساحلية أكثر عددا من خيول بلاد الحجاز فلم تكن الخيل كثيرة بالحجاز عند ظهور الإسلام[5]، بينما الإبل على العكس من ذلك، كما أننا وجدنا القبائل العربية التي تسكن بالقرب من مصبات الأودية والأنهار أكثر اقتناء للخيول من القبائل الموغلة في الصحراء، ويقول العرب بأن العز في الإبل، والقوة بالخيول، بمعنى أن أهل الخيول أكثر قوة من أهل الإبل، لذلك فإن القبائل التي احتوت على تربية الإبل والخيول معاً، كانت تتمتع بالقوة والعز فهي إذا أقوى قبائل العرب، وكانت قبيلة قضاعة تتمتع بهذه المزايا مجتمعة، وهذا هو السبب وراء تقرب الأمويين لقبيلة قضاعة منذ بدأت خلافتهم، ومن الجدير ذكره بأن قصي بن كلاب بن مرة يوم استيلائه على مكة، استعان بإخوته لأمه من قبيلة عذرة القضاعية، فأنجدوه وأمدوه بألف فارس من أحياء قضاعة[6]، وهم من قبائل الشام التي تقطن شمال الحجاز من وادي القرى حتى العقبة ومعان والبتراء والبلقاء، وأكثر أهل فلسطين منهم، وأكثر القبائل اقتناء للخيول في سيناء وفلسطين، هم طيء وجذام وقضاعة حتى زمن المماليك، والسماعنة والسواركة والرميلات ويندر في الرميلات من ليس له فرس أو فرسان[7]، وأكثر مناطق فلسطين اقتناء للخيول منطقة وادي غزة والرملة وحول العوجا، وسهول مرج بن عامر، وطبريا وبيسان، وأفضل خيول الشام خيل العراب والذي يبلغ وزنه ما بين 400 – 500 كيلوجرام وارتفاعها نحو متر ونصف المتر[8]، وخيل العرب أجمل خيول الدنيا[9]، والحصان العربي " خيل العراب" الأصيل أجمل وأكمل جواد على وجه الأرض[10]، ويقال أن الخيول العربية نشأت في شبه الجزيرة العربية يوم كانت بلاد خصبة ومأهولة بالإنسان والحيوان، وهناك رأي آخر يعتقد بأن الخيول أدخلها الهكسوس إلى مصر ومنها إلى جزيرة العرب[11]، والحاصل أن بلاد الشام كانت جزء من جزيرة العرب وهي حدودها الشمالية والشمالية الغربية، كان ذلك قبل زحزحة القارات وتكون البحر الأحمر والمتوسط، إبان الحقب الجيولوجية السحيقة، فأيّ كان بالجزيرة أو بالشام، فهما بلدين مرتبطان دينياً وتاريخياً وجغرافياً، والعلاقة بين الحصان والإنسان العربي قديمة ومشهورة، حتى فضلها العربي وأحبها وعني بها، أكثر من ولده ونفسه، حتى أحبته هي بدورها فتكرمه كما يكرمها وتحافظ عليه وتراعاه وتنقذه ان شعرت بالخطر يهدده وتحزن على فراقه أو مرضه، لدرجة أنها تذرف دموعها حزناً على موته أو فراقه.
وتعددت أسماء الخيول وأنسابها، كما تعددت أشكالها وألوانها، وأكثرها شهرة في سيناء وفلسطين، العبية، والمخلدية يقال أنها تنسب لفرس خالد بن الوليد، والكبيشة[12] من خيول الرميلات، أما ما كان مشهور قديماً، نذكر: دباس، والحسامية، والحومل، البرخاء، وهي من الخيول القضاعية، والأعوج من خيول الهلالية، والكديد خيل طائية[13]، ولهذه الخيول أهمية كبيرة في قطاع النقل والمواصلات فمنها ما قد خصص للركوب الشخصي، ومنها ما خصص للقوات العسكرية، ومنها ما خصص للبريد، ومنها ما خصص لجر العربات لنقل الأفراد والبضائع، ولا يزال هذا النوع مستخدم حتى الآن، ومنها استخدم لإدارة مطاحن الحبوب التي تعتمد على حجر كبير مستدير[14]، لكن الخيول الأصيلة مدللة ولم تخصص إلا لركوب صاحبها امتطاءً على ظهورها فقط، وكان أهل غزة حاذقين في تربية الخيل وركوبها، وكان للخيل عندهم المقام الأول، غير أن هذا الميل قد تضاءل مع الايام بسبب اختراع السيارات وانتشارها في البلاد[15].
ومن الحيوانات الأخرى التي استخدمت في النقل، الأكاديش والحمير والبغال، والجواميس، والفيلة.
وفي احصائية في العام 1940م تقريباً، بلغ عدد الحمير حوالي 13ألف رأس، و700 رأس من البغال، 18ألف رأس من البقر[16]، وكما ذكرنا فهذه الاحصائيات التقديرية جاءت في عهد الاستعمار وبعد خراب غزة وهجرة كثيرٌ من أهلها إلى مناطق أخرى من البلاد.
أسماء الخيول العربية المشهورة في صدر الإسلام
المراجع..........
[1] ( تاريخ بئر السبع وقبائلها، عارف العارف، ص209-210)
[2] ( البيان والإعراب، عبد المجيد عابدين، ص21)
[3] ( غزة وقطاعها، المبيض، ص85)
[4] ( تاريخ غزة، عارف العارف، ص306)
[5] ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، د. جواد علي، ج7، ص115)
[6] ( التذكرة الحمدونية، ابن حمدون، ج7، ص375)
[7] ( تاريخ سيناء، نعوم شقير، ص96)
[8] ( خطط الشام، محمد كرد علي، ج4، ص184)
[9] ( بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، ج2، ص76)
[10] ( خطط الشام، محمد كرد علي، ج4، ص184)
[11] ( أسماء خيل العرب وأنسابها وذكر فرسانها، لأبي محمد الأعرابي، تحقيق د. محمد سلطاني، ص14)
[12] ( تاريخ سيناء، مرجع سابق، ص96-97)
[13] ( بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، ج2، ص104- 108)
[14] ( تاريخ غزة، عارف العارف، ص270)
[15] ( تاريخ غزة، عارف العارف، ص318)
[16] ( تاريخ غزة، عارف العارف، ص306)
التسميات :
الثقافة