تسمية مرج بني عامر، وأصلها

خاص بنسب قبيلة بني عامر. الذي سمي المرج باسمها (مرج بني عامر) شمال فلسطين.
مَوْسُوعَةُ الْهُلًاْلِيُّ - إن الحديث عن نسب موغل في التاريخ وتكثر فيه الروايات وتتعدد أساليبها، يحتاج لدقة عالية جدا في البحث والتحقيق، ولابد من الاستناد على مراجع موثقة ترتبط وتتعلق بالروايات التراثية والثقافية للقبيلة، خصوصاً في مثل هذه الحالة التي تمثل قبيلة بني عامر التي اختفى دورها اسمياً قبل أكثر من 400 عام في حين أن عمرها يرجع لنحو أكثر من 1300 سنة، فتكون فترة تاريخها القديم (700م - 1591م) حوالي 890 سنة وهو أمر يصعب دراسته مهما أوتينا من قوة وعلم، إلا أننا نستطيع اعطاء صورة مناسبة لهذه الفترة الزمنية من منطلق المنهج التاريخي..

وفي هذا المقال، نكشف فيه لأول مرة الحقائق الرسمية التي اختفت من التاريخ، نتيجة الالتباس والتحريف والتصحيف والأخطاء التي تراكمت عبر التاريخ فوق بعضها البعض، حتى استفحلت وترسخت واختلطت ببعضها اختلاطاً عظيماً، فكان هذا المقال الأول من نوعه، الذي يوضح نسب قبيلة بني عامر أو بن عامر، التي كانت تقطن في مرج بني عامر شمال فلسطين، في عهد الخلافة العباسية تحديدا !؟، فهذه القبيلة بالطبع تشعبت وتفرعت وتكاثرت وتوزعت خلال تلك المدة الطويلة، لذا فنحن غير قادرين اطلاقاً على الكشف عن جميع من يتفرع منها، لكن قادرين بحمد الله وتوفيقه، على الإشارة المقبولة عن بعض آثارها، ولكن ليس بالشكل الشامل والمطلق، وفيما يلي نسب قبيلة بني عامر الفلسطينية بالتفصيل المقبول، إن شاء الله:

هناك روايتين مهمتين وهما :- 
1) نسب بعض المؤرخين تسمية المرج ببني عامر أو ابن عامر إلى قبيلة بني عامر بن كلب، وبناءا على ذلك ذهبنا للقول إن كلب من قضاعة وقضاعة هذه مختلف فيها أعدنانية هي أم قحطانية، وهناك فريقين كبيرين مختلفين حول ذلك، الأول منهم يقول بعدنانية قضاعة المؤكدة، والثاني يقول بقحطانية قضاعة المؤكدة.
2) مؤرخين آخرين ينسبون المرج لبني عامر بن كلاب وليس كلب، وبناء على ذلك فإن النسب يمتد إلى صعصعة من هوازن من قيس.
فما هو الرأي الأصح والأرجح؟!
أولاً: علينا تحديد وقت تسمية المرج بهذا الاسم، لأن للمرج اسم آخر كان مشهور وهو "مرج اللجون" ومرج عكا.
  1. الجغرافي الشهير ابن حوقل المتوفي سنة 376هـ ذكر اسم اللجون في سياق وصفه لأجناد الشام وفلسطين.
  2. ياقوت الحموي المتوفي سنة 626هـ/1228م ذكر مرج عكا وفيه تل كيسان، وذكر مرج اللجون ووصفه بأنه مرج طوله 6 أميال كثير الوحل صيفاً وشتاءً.
  3. ابن فضل الله العمري المتوفي سنة 749هـ ذكر اسم مرج عكا في سياق كلامه عن وقائع الحروب مع الفرنجه.
  4. المقريزي المتوفي سنة 845هـ ذكر مرج عكا في أثناء تأريخه عن وقائع الحروب مع التتار والفرنجة
نلاحظ أنه قبل عام 845هـ لم يرد اسم المرج "بمرج بني عامر" ولم يتطرق الحموي وهو ابن بلاد الشام والخبير بها وهو صاحب المعجم الشهير "معجم البلدان" والذي ذكر كل كبيرة وصغيرة عن بلاد الشام وفلسطين فلم يذكر اسم المرج إلا باسم "مرج اللجون، ومرج عكا" وكذلك المؤرخ والرحالة ابن فضل الله العمري ولا المؤرخ المقريزي، ولا الجغرافي الشهير ابن حوقل الذي سبقهم بمئات السنين..، ومن هنا نكاد نجزم أن هذه التسمية غير موجودة في عهد الخلافة الراشدة ولا في عهد بني أمية ولا في عهد الخلافة العباسية ولا في عهد الدولة الفاطمية، (634م - 1450م) لم يكن لهذا الاسم وجود يذكر، وإنما كان مرج اللجون ومرج عكا، فمن أين جاءت تسميته بمرج ابن عامر ومتى؟! وفي معلومة لاحقة ذكر المقريزي مرج عكا سنة 679هـ/1280م ولكن المحقق الذي حقق كتاب المقريزي وطبعة سنة 1997م استبدل مرج عكا بمرج بني عامر.. حيث كان الأمير بدر الدين درباس بن يوسف الحميدي الخالدي العامري قد عين أميرا على ولاية جنين ومرج عكا من قبل السلطان الملك المنصور المملوكي.
اذا اقتربتا الآن من عهد الخلافة التركية أي سنة 1516م ونهاية دولة المماليك، وهنا نذكركم بوقائع مهمة ما بين 1450م - 1500م تخص قبيلة بني عامر بن صعصعة، ففي هذه الفترة حدث انهيار كامل لكافة امارات ودويلات بني عامر في الشام والاحساء وكذلك في مغارب مصر، ودخل عصر جديد للوطن العربي وهو السلطنة العثمانية..
في هذه الفترة بالذات ظهرت تسمية بني عامر للمرج.. بينما نلاحظ اسم بني عامر كان يدور في المناطق الجغرافية القريبة من المرج مثل سهل حوران حيث كان هناك جبل ينسب لبني هلال، وكان في نشاط لقبيلة بني كلاب العامريين حيث امتدت دولتهم في عصر قوتهم لمنطقة شمال فلسطين.. 
وجبل بني هلال: ذكره الحموي المتوفي سنة 626هـ بمنطقة حوران، وبني هلال طبعا هم من كبرى قبائل بني عامر بن صعصعة، وأورد المقريزي ذكرا لبني هلال في نفس هذه المنطقة بعد عام 1309م/ 709هـ.
اذا فان تسمية المرج باسم "مرج بني عامر" بدأت تظهر في الفترة التي كانت فيها قوافل بني عامر تأتي بشكل مكثف ومستمر من الاحساء إلى فلسطين ومنها إلى مصر وهذه الفترة تقع ما بين سنة 1293م - 1294م - 1298م - 1308م، 1309م -1340م ( كتاب البدو، اوبنهايم، ص195، ج3) يعني في سنة 740هـ كانت قوافل بني عامر لا تزال تهبط مصر قادمة من البحرين والكويت فالعراق ثم سوريا حتى فلسطين، ثم باتجاه سيناء فمصر،  وهذا المرج من احدى دروبهم، ونلاحظ هنا أن سنة 740هـ بعد وفاة ابن حوقل وبعد وفاة الحموي وقبل وفاة ابن فضل الله العمري بنحو 9 سنوات وقبل وفاة المقريزي بنحو 100 سنة، ولم يذكر أياً منهم تسمية المرج باسم بني عامر، فتكون التسمية رسخت في فترة قريبة من تاريخ وفاة المقريزي 845هـ/1441م - أي قبل سيطرة الأتراك بنحو75 سنة - حيث سيطر الاتراك على الشام بعد تاريخ 1516م وعلى مصر 1517م هذا التاريخ هو المهم بالنسبة لتسمية المرج باسم بني عامر، لأنه متعلق بانهيار امارتهم في البحرين والعراق وفي حلب، وهذا الحديث يرجح أن يكون قوما منهم نزل المرج واستوطنوا فيه وخاصة من فرع بني عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، لأن بني كلاب خاصة هم الذين أقاموا دولتهم في بلاد الشام واشتهر منهم "بني مرداس" ولهم صلة قوية باخوانهم الهلاليون، يعني (بني كلاب وبني هلال) ولهم بقايا في حوران لغاية الآن.. ومن بني كلاب واشهر فروعهم في مناطق بلاد الشام : بني عبد الله، وبني بكر، وبني مرداس، وبني جعفر، وبني كعب، وبني ربيعة، وبني معاوية، وبني عقيل، وورد ذكر بني عامر بن كلاب في الفيوم سنة 640هـ- 650هـ/ 1252م وكان من بطونهم في الفيوم آنذاك بني زرعة وبني غانم وبني الاضبط وبني غصين وبني قريط وبني جعفر وبني عجلان وبني جواب (الذين كانوا يتاجرون في ملح النطرون) وبني مطير وبني شاكر وبني جابر، وهؤلاء شاركوا مع السلطان الأشرف بن قلاوون في تحرير فلسطين من الفرنجة، وكان لهم حصة جهادية. ( تاريخ الفيوم، أبو عثمان الصفدي، من ص13)
وبهذا التحقيق المختصر والمعمق في مجريات الأحداث في هذه البلاد، يكون من الأرجح أن تسمية مرج بني عامر بهذا الاسم، له علاقة مؤكدة باحدى بطون قبائل بني عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم