اهتمام العرب بكلاب الصيد

تستعمل كلاب الصيد ( السلقا أو السلوقي) ، وهي كلاب سريعة مدربة تدريبًا خاصًّا، فإذا رأت الصقر فوق الفريسة عدت خلفها لتساعد الصقر في القبض على الحيوان فلا يهرب ويولي. ومنها ما تفتش عن مواضع اختفاء الحيوانات، فإذا شعرت بوجود حيوان في كهف أو مغارة تدخل إليها أو تقوم بحركات تضطره إلى الخروج فيصطاده الصياد.
وكان يزيد بن معاوية أشد الناس كلفاً بالصيد لا يزال لاهياً به، وكان يلبس كلاب الصيد الأساور من الذهب والجلال المنسوجة منه، ويهب لكل كلب عبداً يخدمه[1]
وكان السلطان بيبرص والناصر، والأمير حسام الدين طرنطاي، مهتمين بتربية كلاب الصيد، ولهم ولع بالصيد في البر، ويذكر بأن السلطان الناصر مولعاً بالصيد ، فلم يدع أرضاً تعرف بصيد الطير إلا وأقام بها صيادين مقيمين في البرية أوان الصيد[2]، وقد ترك حسام الدين طرنطاي ثمانين جوقة من كلاب الصيد، كان قد اتخذ لها موضعاً بالجبل أثناء توجهه لحصار سنقر الأشقر.
وبلغ اهتمام العربي بكلاب الصيد مبلغاً كبيراً، حيث كان قتلها أو الاعتداء عليها، سرعان ما يشعل لهيب الحروب التي لا تنطفئ، وكان علي بن عيسى بن ماهان أمير بلخ يحب كلاب الصيد، ففقد كلباً منها، فسُعي برجل أنه عنده، وكان الرجل في جوار شقيق، فطلب الرجل وضرب، فدخل دار شقيق مستجيراً، فمضى شقيق إلى الأمير وقال: خلوا سبيله فإن الكلب عندي أرده إليكم إلى ثلاثة أيام، فخلوا سبيله، وانصرف شقيق مهتماً لما صنع. فلما كان اليوم الثالث كان رجل غائباً عن بلخ رجع، فوجد في الطريق كلباً عليه قلادة فأخذه وقال: أهديه إلى شقيق فإنه يشتغل بالتفتي فحمله إليه، فنظر شقيق فإذا هو كلب الأمير، فسر به وحمله إلى الأمير، وتخلص من الضمان، فرزقه الله الانتباه، وتاب مما كان فيه وسلك طريق الزهد[3]
ويذكر أن هشام بن عبد الملك الأموي، جعل الوليد أمير على قافلة حج سنة 116هـ، فأخذ معه كلاب الصيد خفية من عمه، حتى يقال إنه جعلها في صناديق فسقط منها صندوق فيه كلب فسمع صوته فأحالوا ذلك على الجمال فضرب على ذلك[4].
وكانت كلاب الصيد أيضاً جزء من هدايا الملوك إلى نظرائهم، باعتبارها من الهدايا القيمة [5]، وكانت كلاب الصيد هذه ترافق القوافل العربية التي تجوب البلدان، سواء كانت قوافل تجارية أو قوافل الحج والمسافرين، أو قوافل العسكر والجيوش، وفيما يذكر عن أهمية هذه الكلاب عند أصحابها، أنه حدث أن قتل حجاج المغاربة كلباً من كلاب الصيد في جدة، ففرض على الحجاج دية لهذا الكلب، فبطش الجند بهم لقتلهم الكلب، وأرغموهم بأن يدفع كل حاج ديناراً واحدا دية للكلب الذي قتل[6].
وكانت قبائل العرب تعتمد طريقة الصيد باستخدام الكلاب، ومن بينهم قبيلة عذرة من قضاعة وكان أكثر صيدهم للظباء جمع ظبي [7].
أما عن الحكم الشرعي للصيد بالكلاب، فجاء ما يلي من موقع إسلام ويب، مركز الفتوى: ما نصه 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن الصيد بالكلاب يجوز إذا توافرت الشروط المطلوبة لذلك وهي: 
1- أن يكون الكلب مدرباً على الصيد يستجيب لأوامر الصائد بحيث إذا أمره يمتثل وإذا زجره كف.
2- أن يكون الصائد سمى الله تعالى عند إرسال الكلب أو الجارح.
3- أن لا يكون الكلب قد أكل من الصيد لأنه إذا أكل منه فإنما أمسكه لنفسه، وقد اشتملت الآية الكريمة من سورة المائدة على بعض هذه الشروط.. حيث قال الله تعالى: يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [المائدة:4].
وفي صحيح البخاري عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إذا أرسلت كلبك المعلم فقتل فكل، وإذا أكل فلا تأكل، فإنما أمسكه على نفسه. 
4- أن يكون الصائد غير مُحْرِم بحج أو عمرة، لقول الله تعالى: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً [المائدة:96]، وقوله تعالى: وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا [المائدة:2]، وللمزيد من التفصيل والفائدة في الموضوع يمكن الرجوع إلى الفتاوى ذات الأرقام التالية: 11698، 14858، 10633.
والله أعلم.

......................................
[1] الفخري في الآداب السلطانية، ابن الطقطقي، موقع الوراق، الموسوعة الشاملة.
[2] السلوك لمعرفة دول الملوك، المقريزي، موقع الوراق، الموسوعة الشاملة.
[3] مختصر تاريخ دمشق، ابن منظور، موقع الوراق، الموسوعة الشاملة.
[4] البداية والنهاية، موقع يعسوب، ص3، الموسوعة الشاملة.
[5] تاريخ الرسل والملوك، الطبري، موقع الوراق، الموسوعة الشاملة
[6] البحر الأحمر في التاريخ الإسلامي، الدكتور السيد عبد العزيز سالم، ص171.
[7] ديوان الشاعر جميل بن معمر، درويش، ص207
              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم