سكان الكهوف في العصر الحديث

لقد علمنا بأن أول بيت للإنسان على وجه الأرض، منذ خلق آدم عليه السلام، كان هو الكهف الذي نحتته عوامل الطبيعة من الأنهار والسيول أو الذي صنعته الحيوانات، منذ نحو100 ألف عام مضت عاش إنسان نياندرتال في الكهوف في أوروبا وغربي آسيا. وسكن الإنسان الكرومانيوني الكهوف في تلك المنطقة منذ نحو 40 ألف سنة مضت إلى نحو 8 آلاف سنة قبل الميلاد. وشيّد إنسان نياندرتال والإنسان الكرومانيوني المآوى والخيام عند مداخل الكهوف، واستخدم الشعبان الأجزاء الداخلية المظلمة للأغراض الاحتفالية الطقوسية. رسم الإنسان الكرومانيوني صور الحيوانات على جدران الكهوف وربما ظن أن لهذه الحيوانات قدرات سحرية. غير أن عددًا قليلاً نسبيًا من الشعوب لم يكن قط من سكان الكهوف، إذ لم تُعرف الكهوف في معظم أنحاء العالم. أضف إلى ذلك أن الناس قد وجدوا أن معظم الكهوف رطب وبارد جدًا أو معتم ولذلك يتعذر العيش فيها، كذلك كان وجود حيوانات، مثل دببة الكهوف وضباعها وأسودها عائقًا أمام العيش داخلها. خلال الفترة من القرن الحادي عشر الميلادي إلى القرن الرابع عشر الميلادي عاش بعض هنود الأناسازي في الأمريكتين في قرى كهفية فيما يعرف الآن بجنوب غربي الولايات المتحدة الأمريكية. ولاتزال فئة قليلة من سكان الكهوف تعيش في أنحاء من إفريقيا وآسيا وأوروبا والشرق الأدنى، ولا يزال نحو ثلاثة آلاف من الغجر يعيشون في الكهوف بالقرب من غرناطة بأسبانيا، ولديهم كنائس ومدارس ومخازن في تلك الكهوف. ولكن في هذا الوقت المعاصر، وفي ظل التطور الرهيب للحياة البشرية الحديثة، ما زال هناك بشرٌ يعيشون على فطرتهم وطبيعتهم منسجمين مع مظاهر الطبيعة من حولهم، هي بنا نتعرف على سكان الكهوف في بعض الدول:
  1. في ليسوتو،‏ المملكة الجبلية في افريقيا الجنوبية.‏ تقع قرية لسكان الكهوف تعرف بـ ها كومِه،‏ على بعد ٦٠ كيلومترا تقريبا من مازيرو،‏ عاصمة ليسوتو،‏ في التلال الواقعة عند سفح جبال مالوتي الشامخة.
  2. في قرية البهاليل وهي قرية مغربية صغيرة بجوار مدينة صفرو جنوبي مدينة فاس (26 كلم).
  3. في جنوب الخليل بفلسطين يعيش نحو 1000 فلسطيني في الكهوف.
  4. في قرية بير نكوئيه الواقعة على بعد 120 كلم من بلدة عنبر اباد جنوب مدينة كرمان يعيش افرادها البالغ عددهم 200 شخص.
  5. وفي البتراء كان هناك سكان يعيشون في كهوف حتى سنة 1985م، لكن الحكومة الأردنية بنت لهم قريتين فانتقلوا للعيش فيها، ومن ذكريات تلك الحياة نذكر قصة:

النيوزلنديّة مارغريت فان غيلدرمالسن التي جاءت إلى البتراء سائحة في العام 1978 فوقعت في حبّ أحد البدول من سكان الكهوف الذي كان يملك متجراً للهدايا في البتراء فتزوجته وعاشت معه في كهفه لمدّة سبع سنوات. غيلدرمالسن أو "أم رامي" حيث عاشت مع زوجها بين العامَين 1978 و1985 في كهف فتعلمت الطبخ على الحطب وخبز أرغفة الشراك وجرّ الماء من الوديان على الحمير إلى الكهف.

ومارغريت أنجبت ثلاثة أولاد صبيَين وبنت، توفي زوجها قبل 12 سنة. وهي تؤكّد أنها كانت سعيدة في حياتها معه. وعن قدرتها على ترك الحياة المدنيّة الحديثة وتحمّل العيش في كهف، وتقول أم رامي إن الحياة كانت أسهل لأنها لم تكن تكلف شيئاً. فكلّ شيء كان متوفراً ومن دون أعباء النفقات، إذ إن السكن مجاني ولا فواتير للمياه والكهرباء والطعام والشراب من "الحلال" أي من الأغنام والماعز التي يربونها.

وتوضح أم رامي أن أولادها أكملوا تعليمهم، فالأكبر رامي درس الهندسة الإلكترونيّة في أستراليا لكنه قرّر العودة إلى البتراء ليعمل في السياحة بدلاً من الهندسة. أما ابنتها فهي تعمل في أكاديميّة الملك في الأردن بينما تابع الابن الأصغر مروان دراسته في الإعلام والسينما وهو يعمل في مجال السينما في دبي. 

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم