قافلة الحج الشامي

مسار الحج الشامي. احتل موسم الحج مكانة كبيرة في حياة دمشق عاصمة الشام، في زمن كانت فيه دمشق مطلقاً لقافلة حجيج بلاد الشام والأناضول والبلاد التي تتاخم الدولة العثمانية في الشمال والشرق والغرب.. فضلاً عن حجاج بلاد فارس في بعض السنين. كان حجاج هذه الأصقاع يتوافدون على مدينة دمشق بدءاً من شهر رمضان، وينزلون في الأماكن التي اعتادوا النزول فيها، كخان الحرمين القريب من باب البريد، وخان أسعد باشا في سوق البزورية، وفي أحياء الخ ا رب شمال حي الشاغور والقنوات وسوق ساروجة. حظيت دمشق بمكانة عالية في نفوس العرب والمسلمين من جميع أنحاء العالم ، واحتلت دمشق هذه المكانة في حقب التاريخ المتتابعة ، وحتى بعد انتهاء سلطتها كعاصمة سياسية بعد سقوط الدولة الأموية أصبحت دمشق العاصمة الروحية للعرب والمسلمين ولاسيما الحجاج. إن دمشق الشام كانت في مختلف العصور ملتقى الحجاج في الذهاب والإياب ، ونشير بشكل خاص إلى الحجاج القادمين من المغرب العربي وشمال إفريقيا الذين يزورون دمشق في طريق العودة إلى بلادهم ، وكانوا يرون أن حجهم لا يكمل إلا بزيارة دمشق والقدس وشراء بعض الحاجيات منهما ، وأطلقوا عليهما لقب التشريف فقالوا شام شريف والقدس الشريف .وأطلق على طريق قوافل الحجاج طريق الحج الشامي ، وبقي هذا الطريق أهم وأفضل طرق الحج القديمة في مختلف الفت ا رت التاريخية ،، نجد هذا في العصور الأموية والنورية والأيوبية والمملوكية والعثمانية ، وكان درب الحج الشامي مطروقا منذ عهد الصحابة ، يشهد لهذا ما سطره المسافرون من كتابات على صخور الدرب ، وفقد دوره بضعة عقود من الزمن أيام غزو الفرنجة الذين كانوا يهاجمون قوافل الحج ويقتلون وينهبون ، لكنه سرعان مااستعاد مكانته في العهد الأيوبي . وبالعودة إلى الخ ا رئط التاريخية لدروب الحج نلاحظ أن دمشق كانت منطلق جميع قوافل العالم الإسلامي تقريبا، فكانت قوافل الشرق تأتي من سمرقند وتمر ببخارى ونيسابور كما يقدم إليها حجاج منطقة ثم تمر « باكستان حاليا » القوقاز ، وتجتمع معها في نيسابور قوافل الحج القادمة من الهند والسند. فكان ينضم إليه بالاضافة للشاميين حجاج من الع ا رق وفارس والقوقاز و الأناضول وأوروبا وذكر أحد المؤرخين انه سنة ٩٧١ هجري حجت زوج ة الشا ه بصحب ة الحا ج الشام ي ، و ا رف ق الركب الإي ا رني موكب الحج الشامي في بعض السنين ، وحتى المصريين استخدموا جزءاً من درب الحج الشامي ، كما ا رفق أندلسيون الركب الشامي ومنهم ابن رُشيد الذي كتب عن رحلة خرجت من دمشق في ١١ شوال ٦٨٤ هجرية ١٢٨٦ ميلادي ، وقدر الركب الشامي بستين ألف ا رحلة دون الخيل والبغال وذكر أنه التقى بحجاج من بغداد. وذكر أن مسار الطريق يبدأ من دمشق ويمر ببصرى الشام ومنها إلى معان .

الدرب القديم:

قال المقريزي[1]، وكان الدرب أوّلاً قبل استيلاء الفرنج على سواحل البلاد الشامية غير هذا، قال أبو عبيد الله بن عبد الله بن خرداذبه في كتاب المسالك والممالك وصفة الأرض والطريق من دمَشق إلى الكسوة: اثنا عشر ميلاً، ثم إلى جاسم أربعة وعشرون ميلاً، ثم إلى فيق أربعة وعشرون ميلاً، ثم إلى طبرية مدينة الأردن ستة أميال، ومن طبرية إلى اللجون عشرون ميلاً، ثم إلى القلنسوة عشرون ميلاً، ثم إلى الرملة مدينة فلسطين أربعة وعشرون ميلاً، والطريق من الرملة إلى أسدود اثنا عشر ميلاً، ثم إلى غزة عشرون ميلاً، ثم إلى العريش أربعة وعشرون ميلاً في رمل، ثم إلى الورادة ثمانية عشر ميلاً، ثم إلى أم العرب عشرون ميلاً، ثم إلى الفرما أربعة وعشرون ميلاً، ثم إلى جرير ثلاثون ميلاً، ثم إلى القاصرة أربعة وعشرون ميلاً، ثم إلى مسجد قضاعة ثمانية عشر ميلاً، ثم إلى بلبيس أحد وعشرون ميلاً، ثم إلى الفسطاط مدينة مصر أربعة وعشرون ميلاً، فهذا كما ترى. إنما كان الدرب المسلوك من مصر إلى دمشق، على غير ما هو الآن، فيسلك من بلبيس إلى الفرما في البلاد التي تعرف اليوم ببلاد السباخ من الحوف، ويسلك من الفرما وهي بالقرب من قطية إلى أم العرب، وهي بلاد خراب على البحر، فيما بين قطية والورادة، ويقصدها قوم من الناس، ويحفرون في كيمانها، فيجدون دراهم من فضة خالصة ثقيلة الوزن، كبيرة المقدار، ويسلك من أم العرب، إلى الورادة وكانت بلدة في غير موضعها الآن.

جاء في المسالك لابن خرداذبه، بأن سكك طريق المغرب:

تبدأ من من سرّ من رأى إلى جَبِلتا سبع سكك، ثم إلى السن عشر سكك، ثم إلى الحديثة تسع سكك، ثم إلى الموصل سبع سكك، ثم إلى بلد أربع سكك، ثم إلى أذْرمة تسع سكك، ثم إلى نصيبين ست سكك، ثم إلى كفرتوثا ست سكك، ثم إلى رأس عين عشر سكك ثم إلى الرقّة خمس عشرة سكة، ثم إلى النقيرة عشر سكك، ثم إلى منبج خمس سككن ثم إلى حلب تسع سكك، ثم إلى قنّسرين ثلاث سكك، ثم إلى صوّرى عشر سكك، ثم إلى حماه سكّتان، ثم إلى حمص أربع سكك، ثم إلى جوسيَة أربع سكك، ثم إلى بعلبَكّ ست سكك، ثم إلى دمشق تسع سكك، ثم إلى دير أيوب سبع سكك، ثم إلى الطبرية وهي قصبة الأردن ست سكك، ثم إلى اللّجون أربع سكك، ثم إلى الرملة وهي قصبة فلسطين تسع سكك، ثم إلى الجفَار سبع عشرة سكة، ثم إلى البارورية تسع عشرة سكة، ثم إلى الفسطاط، ومن الفسطاط إلى الإسكندريّة ثلاث عشرة سكة، ثم إلى جب الرمل مما يلي برقة ثلاثون سكة.[2]..

وصف دورة المحمل:

1- كانت تبدأ في اليوم الثامن من شهر شوال من عام هجري، بهدف الإعلام بموسم الحج، والتشجيع عليه وتحريك الاشتياق له، وترهيب الأعداء ..

2- تبدأ مراسم الدورة من خلال مشاركة رسمية وشعبية واستعراض للفرق العسكرية والزعماء وأمراء القعلة والأعيان والكتاب وأرباب الأقلام والخيالة والمشاة بعدتهم وسلاحهم ..

3- تنطلق الدورة من السرايا فيكون في المقدمة الأغاوات وعكامة الحج وخلفهم قوافل الجمال وعليها الجوخ والمخمل والطرز والحرير، والأواعي المذهبة والصيني، وفيها التخوت يطل منها الأطفال الصغار.

4- بعد ذلك الفوج تنطلق بيارق الطرق وعساكر الباشا الخيالة والمشاة، ثم دولة الشام وأولهم الزعماء وآلاي بيك ثم الأغة الينكجرية وجماعته مقنعين بالزرود والدروع، ثم الجربجية النقر بالريش وقد يكون عددهم من 18 إلى 40 ريشة وأحيانا 60 ريشة ..

5- بعد هذه الأفواج ينطلق الكتاب مع آغة القلعة وعليه عمامة كبيرة ثم الدفتدار ويلبس عمامة كبيرة، ومعه كاتب الينكجرية ويلبس عمامة ايضاً، ثم قاضي المحمل ثم أمير الحج ثم المحمل واللواء الجاويشية حوله والقبيقول والأزلام "المشاة"، وآغة القول قدام المحمل، وهذا الريش لا يلبسه إلا الجربجي صاحب النقر، ومن فعل من غير نقر أو لبس، أدبوه ومنعوه في وجاقهم، والحاصل يكون يوماً مشهوداً.

6- الضيافة: ثم تعمل الضيافة العظيمة في إيوان السرايا حالاً، يشتمل على ألف صحن توضع جملةً، وأظنه من عمل نور الدين الشهيد، وأما العساكر فإنها تجتمع في هذا الموكب كلها لا يتخلف أحد، فربما يكون العسكر أوله عند سيدي خليل، وآخره عند برج الروس، فانخرمت تلك القواعد، وانمحت آثار تلك العوائد.

وقد تم ابطال دورة المحمل هذه في 24 شوال سنة 1120هـ ..[3]

المراجع

[1] المواعظ والاعتبار، المقريزي، نسخة الموسوعة الشاملة.

[2] المسالك والممالك، لابن خرداذبه، موقع الوراق، نسخة الموسوعة الشاملة.

[3] يوميات شامية، لابن كنان المتوفي سنة 1153هـ، ص39.

           

تحرير المقال