في التاريخ أكاذيب متعددة

التاريخ مادة خام خصبة جداً، وكثيفة جدا، ومزدحمة بأشياء قد لا نقتنع بها، هناك أكاذيب متعددة لها ألوان عديدة، لعل هذه الأكاذيب، يؤمن بها أناس كثر، وقد يموتون دفاعاً عنها، بالرغم من أنهم لم يشاركوا أبداً لا في صياغتها ولا في صنعها، وبالرغم من ذلك هناك مفارقات لا يفهمها أحد، فهناك حقائق في التاريخ لا يدافع عنها أحد، ولا يلتفت لها أحد، ولا يفكر أحد بها مجرد تفكير بسيط، والأغرب من ذلك كله، إن قصص وحكايات التاريخ سواء كانت واقعية وحقيقية أو كاذبة ووهمية يجب أن يستخلص منها عبرة وعظة، لكن لا أحد على الإطلاق، يتوصل إلى هذه العبرة والعظة أويعمل جاهدا في حياته، على تفادي الوقوع في الأخطاء..
في التاريخ العربي بالذات، أشياء كتبت بالأقلام العربية، ويدرسونها في المدارس العربية والجامعات والكليات والمؤسسات الرسمية والأهلية والمجتمعية، لكن لا أحد من العرب يطبقها على أرض الواقع، والعكس من هذا تجدهم في كثير من الأحيان يجلبون أشياء لم نسمع بها قط لا في تاريخ المشرق ولا في حضارة المغرب، تشعر أحياناً كثيرة أن جميع القادة العرب في التاريخ الجاهلي والإسلامي بأنهم كانوا أبطالاً لا مثيل لهم.
على سبيل المثال لا الحصر، تسمع بالقائد البطل صلاح الدين الأيوبي الذي فتح بيت المقدس، وتسمع بأن العالم العربي يطالب بقائد مثله، لكن لا تسمع أبداً، بمن يطالب بجنود كجنود صلاح الدين الأيوبي، علماً بأن صلاح الدين الأيوبي لن يحرر بيت المقدس بمفرده، وإنما بسواعد أولائك الجنود الذين قاموا بتلك المهمة، فهم الأبطال الذين وجهوا الضربة القاضية للعدو في أرض المعارك، وليس صلاح الدين الأيوبي هو الذي صنع هؤلاء الجنود، ولكن الله صنعهم، وذويهم أحسنوا تربيتهم، وحافظوا على هذا الصنيع وأحسنوا استخدامه في سبيل الحق والطريق المستقيم..
والأغرب من هذا كله، في التاريخ أن الإسلام دين واحد، وأن المسلمون إخوة، لكنك لن تجد هذا صادقاً في أي فترة من فترات التاريخ الإسلامي على الإطلاق، فأنت ترى في الفوارق بين السنة والشيعة بأن هناك ديانتين متصارعيتن لا دين واحد، ومما يزيد التوضيح في ذلك إنك ترى الصراع بين المذهب السني نفسه، لستنتج بأن المذهب السني يتكون من عدة ديانات متحاربة لا من دين واحد أيضاً، فما هي المشكلة اذاً..؟!
المشكلة أيها القارئ، تكمن في عقول الناس، فهي عقول تالفة، لا تعمل إلا من أجل الشهوة فقط، فليست هناك عقول عربية إطلاقاً، وان كانت موجودة، فلن يسمعها أحد مهما ارتفعت أصواتها، لأن الشهوة الحيوانية هي الصفة السائدة والمسيطرة على هذه الأمة، فحب الأكل والإكثار منه واللهث وراء الشهوة الجنسية حتى لو بالحرام هو هدف رئيسي لدى هؤلاء الناس حتى الذين يدعون بأنهم أولى الأمر من هذه الامة، فهم يتربعون على قمة الهرم، والسعي وراء المال بشتى الطرق حتى لو بالخيانة، تلك هي الأسس التي أوجدها العقل الحيواني في أذهان هؤلاء الناس،، فأي أمة وأي جنود وأي قادة وأي مسؤولين يتشبهون بصناع التاريخ والمجد التليد.
نعم صحيح بأننا ندرس ونتعلم قواعد ومبادئ الأخلاق والقيم الإنسانية، لكن حتى من يعلمنا إياها لا يطبقها، وهذه مشكلة صعبة للغاية.
ولما وصلت الأذهان العربية لهذه المرحلة ذات الشهوة الحيوانية، تمكن أعداء هذه الأمة من غلغلة أنيابهم في جسدها الطري، فنهشتها نهشاً مؤلماً لا يمكن الشفاء منه، حتى استمر في مرضه التي تعجز عن تطبيبه كل الأمة العربية والإسلامية.
حقاً هذا هو واقع العالم الشرقي، ولازالت أكاذيب التاريخ تكتب وتنقش على الصخور وتظهر بأزهى الخطوط والنقوش والألوان، لكن لا أحد منا يعي ذلك ولا يفهم أحد منا، ما الذي يحدث، أكثر من 70% من تاريخ عالمنا العربي مزور ومشوه ومزيف، والمشكلة الكبيرة والمعقدة أن أكثر الكتب القيمة والقديمة تم إعادة صياغتها ونشرها بواسطة علماء غربيين وصدروها لنا، وصارت هي المراجع التي نتوجه لها عندما نقوم بالبحث عنها، وقد نتعب ونحن نترجى ونستجدي علماء الغرب من أجل السماح لنا برؤية مخطوطة ابن حوقل والأدريسي الملقاة في متحف أجنبي ببلاد أوربا، ونحن في بلادنا العربية نكتب القصص الخرافية والأساطير والحكايات المصطنعة من أجل تعزيز قيمة اكتسبناها من بلاد الغرب من فرنسا وبريطانيا والمانيا، وندعي بأن لدينا حضارة وتاريخ وأمة، وفي نفس الوقت نلقي بقيمنا الأصيلة في سلة المهملات ونكيل لها التهم. 
لم نتوصل بعد للجرأة العلمية والموضوعية لنقول كلمة الحق، لأننا لو فعلنا ذلك بالطبع ستكون الحياة هي الثمن، ثم اليتم والقهر والتشرد لمن بقي حياً من ذريتنا، أليس كذلك، في جميع الأحوال والظروف والأوقات، الناس سيقولون كان رحمه الله مجنوناً..
لكن السؤال الأهم، ما هي الأكاذيب التي يجب عدم تصديقها البتة، أيها الإخوة القراء الأفاضل، إننا نحن العرب كثيراً ما تسوقنا العواطف الجياشة نحو بعض السلوكيات السلبية أو الايجابية، لكن في التاريخ بالذات فلا نسمح للعواطف أن تتحكم في أذهاننا وعقولنا، إنما علينا أن نكون عقلانيين ونتروى قليلاً قبل أن تثور فينا العواطف الوجدانية، ومن هنا فالقاعدة الأساسية التي يجب أن نقف عليها ونتسلح بها، هي قاعدة الشرع التي نستمدها من القرآن الكريم والسنة النبوية العطرة، ونجعل من هذه القاعدة أساساً نعتمد عليه في تحليلنا للأمور المحيطة بنا، سواء كان ماضياً أو حاضراً وعلينا أن نعتمد على هذا الأساس في المستقبل، ليكون مستقبلنا مشرقاً ومضيئاً ومنيراً، وفق قاعدة الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق فيها، وقاعدة أن الإسلام ليس فيه ضرر ولا ضرار.
ومن أجل فهم التاريخ جيداً وبناء الحاضر والمستقبل بما يرضي الله والأمة، فعلينا أن نتخلى عن كل أشكال العدوانية والكراهية والبغضاء فانها لم تكن يوماً من الأيام صفة لشعوب عاقلة على الإطلاق.
              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم