الانتماء والفخر بالقبيلة قاعدة من قواعد الإسلام

رداً على أصحاب الجهالة الذين يعتقدون أن بناء وتوحيد القبيلة هو مخالف للشرع وأنه عصبية مقيتة ونتة

ففي هذا المقال توضيح مبسط وميسر إن شاء الله 
يعتمد هؤلاء في تفسير وفهم خاطئ للحديث ( دعوها فإنها منتة)
(حديث مرفوع) حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ ، قَالَ : فَجَاءَ قَوْمُ ذَا ، وَقَوْمُ ذَا ، فَقَالَ هَؤُلاءِ : يَا لِلْمُهَاجِرِينَ ! وَقَالَ هَؤُلاءِ : يَا لِلأَنْصَارِ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ " ، ثُمَّ قَالَ : " أَلا مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ؟ أَلا مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ؟ ".
فالمقصود من الحديث هنا عدم السماح للتحزب والعصبية التي تثير الفتنة، وأن التعصب الأقوى يجب أن يكون للدين الإسلامي والدفاع عنه، ولا يمكن للشخص ولا حتى الجيش بالقيام بهذه المهمة دون بناء سليم للقواعد الأساسية في المجتمع، بحيث يتم بناء علاقة قوية ومتينة بين مكونات القبيلة، ثم مكونات المجتمع، ثم بعد ذلك العمل العام والمشترك بين الجميع هذا أولا أما ثانيا فإن الحديث المرفوع هو ما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، من قول أو فعل أو صفة. وقد يكون صحيحاً أو حسناً أو ضعيفاً بحسب حال سنده ومتنه. والله أعلم. 
أما بالنسبة للانتماء القبلي والحث على تنظيمها وتحسين العلاقات بينها فهو أمر محبب والأدلة كثيرة ومنها:
1- قول النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه:
أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر. رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم.  رواه الترمذي، وقال : حسن صحيح.
ومن هنا: فإن العصبية السلبية تكون بالتعصب المقيت لنفسه فقط دون الغير، فهذا أمر مرفوض فأما من افتخر بكونه عربي ومسلم أي ان افتخاره بهذا الأمر افتخارا بالكل فهذا محبب لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حب قريش إيمان وبغضهم كفر، وحب العرب إيمان وبغضهم كفر، فمن أحب العرب فقد أحبني، ومن أبغض العرب فقد أبغضني. [ أخرجه الحاكم والطبراني] وقيل هذا حديث ضعيف 
لكن نرى أحد أهم شروط الخلافة أن يكون الخليفة من قريش، فهل هذا تعصب لقريش! دون غيرها من قبائل العرب!
كما نرى بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب أحفاده من بنته فاطمة وهما الحسن والحسين فهل هذا تعصب للسلالته وقرابته!
ليس المقصود من حب العرب وحب قبيلتك وحب أولادك بأنك متعصب وأنها منتنة.
2- اسمع وتأمل قول الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات القرآنية:
يقول الله سبحانه وتعالى:
 يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {الحجرات:13}
ووردت كلمة القربى في عدة مواضع من القرآن الكريم
وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا   [الإسراء (26)]
فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ   [الروم (38)]
إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ   [النحل (90)]
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا   [النساء (36)]
وحين نتأمل الآيات السابقة نجد أنها أسساً لمجتمع قوي، وهي قواعد أخلاقية مهمة لتنمية وتطوير المجتمع والمحافظة على وجوده، فكيف سينهض المجتمع إذا كانت أواصره مفككة، فبناء المجتمع قاعدة مهمة لفهم الدين وترسيخه، ففي الدين مصلحة للفرد فهو ينظمه في الحياة الدنيا وينجيه من عذاب الحياة الآخرة، فلا يعقل أن يقوم شخص بالإحسان لجيرانه دون أن يكون محسن لأقاربه، فالأول أن تحسن لأقاربك ثم المكسين ثم ابن السبيل، والإحسان للأقارب يكون بالتدرج أولا للوالدين ثم القربى والأيتام ثم المساكين ثم الجار الذي يليك ثم الجار الذي يلي جارك ثم الذي يليه وهذا هو المجتمع وهذه هي القبيلة التي تتجاور في بيوتها، ولم تكن هذه الأعمال المنوطة بك هي أعمال مقيتة بل هي سلوك أخلاقي يعمل على تقوية المجتمع، ولذلك فنهاك زكاة تؤخذ من الأغنياء في المجتمع وتعطى للفقراء حتى يعيشوا ويشعروا بمحبة المجتمع لهم، وهناك زيارة للمريض وهناك صلة أرحام كله يعمل على بناء مجتمع إسلامي متين فلا يكفي أن نصلي في المسجد ونهمل صلة الأقارب والأيتام والفقراء ونهمل المعرفة بالقبيلة وأنسابها فنجهل الأقارب ويتباعد حبنا عنهم ونترك للشيطان بعدها فجوة ليزرع الفتنة والكراهية، بل علينا أن نهتم بالقبيلة ونعلمها تاريخها وتراثها العربي وانتمائها للدين ونعلمهم شيئا عن رجالهم القدماء ودورهم في نشر الإسلام والسيرة والجهاد.
يقول الله سبحانه وتعالى:
ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ   [الشورى (23)] لاحظ في الآية ( إلا المودة في القربى)
ووردت كلمة الأقربين في قوله 
يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ   [البقرة (215)]
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ   [البقرة (180)]
والسؤال الآن لماذا ينزعج بعض الناس من حب الشخص لقبيلته ؟!
والله جعلنا شعوب وقبائل لنتعارف على أساس المودة والمحبة والكرم وحسن المعاملة فكيف بنا سنعرف الشعوب والقبائل إن كنا لا نعرف أنفسنا؟! وما الفائدة من مجتمع مسلم مفكك فيما بينه متناحر ومتصارع يكره بعضه بعضا، أليس من المفترض زرع المحبة والألفة ولنبدأ بزراعتها في البيت والأسرة والقبيلة والمجتمع ولنبني مجتمعا قوياً يتعامل فيما بينه بالقسط والعدل والإحسان.
الفخر بالقبيلة يكون بما يلي:
بعاداتها الحسنة وليس بعاداتها السيئة 
برجالها المتعلمين والمثقفين والمجاهدين وليس بلصوصها ومجرميها وسفهائها
بأخلاقها وطهارتها ومحبتها لبعضها البعض
فالفخر بهذه الأمور مدعاة للأخرين على تقليدها حينما يكون الكل والجميع فخورا بأخلاقه وحسن سلوكه وأدبه ومحبته للجميع ولا مجال للسفيه واللص والخبيث فحتما سكيون من أفضل المجتمعات في العالم، حينما ننشر ثقافة الإحسان والتعاون على الخير بين الناس سنقضي على ظواهر سيئة كثيرة في المجتمع كانت قد ظهرت بسبب الفقر والعنصرية والتمييز وسياسة الكيل بمكيالين
ولذلك فأنا فخور بعائلتي لأنها لا ترتكب الفواحش ولا تعمل السيئات، فخور بها لأن أخلاقها الكرم والإحسان والزهد والقناعة، وفخور بقبيلتي التي شاركت في الفتوحات الإسلامية بفرسانها ورجالها وعلمائها، ولماذا لا أفتخر أيها السادة ما الحرام وما العيب في ذلك نعم فخور بأنني أنتمي للدين الإسلامي وفخور بأنني دخلت التعليم وتعلمت ودرست وتخرجت وفخور بأنني أحمل رسالة العلم، فخور بأنني أكتب ما افهمه وأعرفه للناس، فخور بأنني أتبرع لمساعدة الضعفاء والمساكين والفقراء ولما لا أفتخر بهذا، ما المانع أأبغضها وأكرهها وهي على خلق جميل كلا والله، لن يحدث ذلك، وإنما نحبها وفتخر بها طالما بأنها تسير على قاعدة الأخلاق الحسنة التي هي ركن أساسي من أركان الإسلام.
              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم