مفهوم القيافة
الْقِيَافَةُ: لُغَةً مِنْ قَافَ يَقُوفُ قِيَافَةً فَهُوَ قَائِفٌ، وَهُوَ: الَّذِي يَتَتَبَّعُ الآْثَارَ وَيَعْرِفُهَا، وَيَعْرِفُ شَبَهَ الرَّجُل بِأَخِيهِ وَأَبِيهِ، وَالْجَمْعُ: الْقَافَةُ. وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْقِيَافَةِ وَالْفِرَاسَةِ أَنَّ كِلَيْهِمَا يَقُومُ عَلَى النَّظَرِ إلاَّ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَارِقًا.
وَقَدْ سُئِل ابْنُ فَرْحُونَ: هَل الْقِيَافَةُ مِنَ الْفِرَاسَةِ لِكَوْنِهَا مَبْنِيَّةً عَلَى الْحَدْسِ؟ فَأَجَابَ: بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهَا، بَل هِيَ مِنْ بَابِ قِيَاسِ الشَّبَهِ، وَهُوَ أَصْلٌ مَعْمُولٌ بِهِ فِي الشَّرْعِ.[1]
وفي الاصطلاح: هي معرفة الشبه بين الولد والوالد ليلحق الولد بأبيه عند التنازع في استلحاقه أكثر من واحد وذلك من خلال معرفة أثر الأقدام، قال الجرجاني: "القائف هو الذي يعرف النسب بفراسته ونظره إلى أعضاء المولود".
وكتب الدكتور جواد علي عن القيافة فقال:
"القيافة": ويقصد به التنبؤ والإخبار عن شيء بتتبع الأثر والشبه. وتدخل في ذلك قيافة آثار الأقدام والأخفاف والحوافر للاستدلال منها على أصحابها، وتعيين النسب في حالة الشك فيه. وما زالت القيافة معروفة عند العرب حتى الآن. وقد اشتهرت بها "بنو مدلج" خاصة، حتى قيل للقائف "مدلجي" بسبب هذا الاختصاص، وبنو لهب، وأحياء مضر.
ويرى "المسعودي" أن القيافة من الأمور التي برع بها العرب واختصوا بها، وصار لهم مران وخبرة بها، وذكر أن ممن عرف واشتهر بها "محرز المدلجي"، وقد تعجب الرسول من قيافته وصدقه.
وذكر أهل الأخبار أن "الحازر"، هو من يحزر الأشياء، وأن "الحزارة" في معنى القيافة.
وأما "الفراسة"، فتكون بالاستدلال بهيأة الإنسان وأشكاله وأقواله على صفاته وطبائعه. وقد ذهب بعض المستشرقين بهيأة الإنسان وأشكاله وأقواله على صفاته وطبائعه. وقد ذهب بعض المستشرقين إلى أنها من الكلمات المعربة التي أخذت من "بني إرم"، وإنها أحدث عهدا من لفظة "القيافة" التي هي من الكلمات العربية الجاهلية. وقد توسع في معناها وألف فيها الكتب في الإسلام وتبحر فيها بعض أئمة الفقهاء مثل الشافعي.[2]
قال ابن منظور: "القائف: هو الذي يتتبع الآثار ويعرفها، ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه"، ويظهر من هذا التعريف أن القيافة نوعان: معرفة الآثار، ومعرفة الشبه.
وفي لغة أهل البادية: تقول العرب "تقييف الثوب: أي تجعله بمقياسك"، واذهب للخياط لتقييف الثوب" ومن هنا فالقيافة من القياس اذا في لغة أهل البادية، ويقول الله سبحانه وتعالى : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [36: الإسراء] ومعناها تتبع، ولا تتبع ومن هنا فان القيافة في اللغة العربية تعني القياس والتتبع.
وجاء في مجلة مجمع الفقه الإسلامي:
أن القيافة: اسم لاقتفاء الأثر.
ومتتبع الآثار يقال له: قائف، وجمعه: قافة، كبائع وباعة، وقاف أثره: تبعه.
وتشمل القيافة أيضا: الذي ينظر بفراسته في وجوه الشبه بين شخصين ليعرف بينهما النسب في الأبوة والبنوة والأخوة، فالقائف: من يلحق النسب بغيره.
كما تشمل القيافة: ملاحظة أقدام المارة من الناس، وأخفاف الإبل، وحوافر الدواب والتمييز بينها.
حتى أن القائف يميز بين آثار قدم الشاب وقدم العجوز، وبين آثار قدم المرأة المتزوجة من غير المتزوجة.
وبهذا المعنى يقول سبحانه وتعالى: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ} [المائدة: 46] . ويقول: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ} [الحديد: 27] .
وتعتبر القيافة علما مستقلا قائما على الحدس والتخمين والممارسة، ولا يؤخذ هذا العلم بالمدراسة والتعلم.[3]
شروط العمل بالقيافة:
1 - أن يوجد تنازع في ادعاء الولد كما لو ادعى اثنان نسب مولود وليست هناك بينة أو قرينة لأحدهما فيعمل بالقيافة في هذه الحالة.
2 - أن لا يكون مع أحد المتداعيين دليل أقوي من القيافة، فإن وجد مع أحدهما دليل أقوى من القيافة فإنه يعمل به ولا عبرة بالقيافة حينئذ.
فلو ادعى الولد اثنان وجاء أحدهما بشهود يشهدون أنه ابنه وجاء الآخر بقافة ألحقوا الولد به، حكم القاضي لمن أقام البينة؛ لأنها أقوى من القيافة.
3 - أن لا يكون مع أحد المتداعيين قرينة أقوي من القيافة، فإذا ادعى شخص ولدًا ولد على فراش رجل فإنه يحكم بالولد لصاحب الفراش ولا عبرة للقيافة.
ومن الوسائل الحديثة كما تقدم الحمض النووي (DNA) قد تستخدم هذه التقنية عند الاختلاف في النسب كما إذا ولدت امرأتان في مستشفى واختلط الأولاد وتعذر تمييزهم فيمكن تمييزهم عن طريق الحمض النووي.[4]
مشروعية القضاء بالقيافة:
الأصل في مشروعية الأخذ بالقيافة ما رواه البخاري ومسلمٌ عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم وهو مسرور فقال: "يا عائشة ألم ترى أن مجززًا المدلجي دخل فرأى أسامة وزيدًا وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض"، وحديث أنس -رضي الله عنه- قال: "قدم أناس من عكل، فاجتووا المدينة فأمر لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بلقاح وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا فلما صحوا قتلوا راعي النبي - صلى الله عليه وسلم - واستاقوا النعم فجاء الخبر في أول النهار فبعث في آثارهم فلما ارتفع النهار جيء بهم فأمر فقطع أيديهم وأرجلهم وسمرت أعينهم، وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون قال أبو قلابة: فهؤلاء سرقوا، وقتلوا، وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله" رواه البخاري ومسلمٌ.
فقد أمر - صلى الله عليه وسلم - بتتبع آثار الأقدام في البحث عن هؤلاء الجناة حتى جيء بهم إليه. وما قيل في البصمات من لزوم الاحتياط والتثبت، يقال هنا في تتبع آثار الأقدام.
رأي الفقهاء في القيافة:
أ - رأي الجمهور (مالك والشافعي وأحمد وابن حزم) : أنهم يأخذون بالقيافة ويعتبرونها وسيلة من وسائل الإثبات، وأنها أقوى من القرعة، واستدلوا بما يأتي:
1- الحديث النبوي الشريف: عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل على النبي صلي الله عليه وسلم مسرورا تبرق أسارير وجهه، فقال: ألم تري أن مجززا المدلجي دخل علي فرأى أسامة وزيدا، وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقداهما. فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض)) ، وقد كان لون أسامة أسود شديد السواد طويل القامة ولون زيد أبيض شديد البياض قصير القامة. وكان المنافقون- من أجل هذا- يطعنون في نسب أسامة بن زيد. فلما قال القائف مقالته هذه سر النبي صلي الله عليه وسلم، ولم يسر إلا لما هو حق وصدق.
2- أخذ الرسول عليه الصلاة والسلام بالقيافة. في حادثة اللعان فقال من حديث مطول: (( ... أبصروها فإن جاءت به أبيض سبطا قضئ العينين فهو لهلال ابن أمية، وإن جاءت به أكحل جعدا حمش الساقين فهو لشريك بن سحماء)) .
3- عمل الصحابة بالقيافة أمثال: عمر بن الخطاب وعلى بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وأبي موسى الأشعري وأنس بن مالك، ولم يخالف أحد من الصحابة رضوان الله عليهم جميعا فكان إجماعا منهم.
ومن التابعين سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والزهري وإياس بن معاوية وقتادة وكعب بن سوار.
وقد اختلف القائلون بالقيافة: هل يكتفي بقول قائف واحد أم لابد من اثنين كالشهادة؟ وقد اختار ابن قيم الجوزية أنه يكتفى بقائف واحد لأن كلامه خبر لا شهادة. وهذا أيضا قول ابن القاسم وابن حبيب من المالكية. ونسب للإمام أحمد أنه اشترط اثنين لأن القيافة أشبه بالشهادة وهي رواية عن أشهب عن مالك.
ب- يرى الحنفية أن القيافة لا تعتبر وسيلة من وسائل الإثبات لأنها تعتمد على الظن والتخمين والله سبحانه وتعالى يقول: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] . لذا فإن مجلة الأحكام العدلية لم تتعرض للقافة، وإن المحاكم الشرعية في بلادنا لا تعمل بها. [5]
إثبات النسب بالقيافة:
اختلف الفقهاء في مشروعية القضاء بالقيافة في إثبات النسب على قولين:
القول الأول: إن النسب يثبت بقول القافة وبه قال المالكية والشافعية والحنابلة.
القول الثاني: أن النسب لا يثبت بقول القافة وبه قال الحنفية.
الأدلة:
استدل الجمهور على مشروعية العمل بالقيافة بما يلي:
1 - روى البخاري ومسلمٌ عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم وهو مسرور فقال: "يا عائشة ألم ترى أن مجززًا المدلجي دخل فرأى أسامة وزيدًا وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض".
قال أبو داود: كان أسامة أسود وكان زيد أبيض.
وجه الاستدلال من الحديث: أن القائف ألحق أسامة بأبيه زيد بناء على ما رآه من شبه بينهما وقد سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك فدل سروره على مشروعية القيافة إذ لا يسر إلا بحق.
2 - روى البخاري عن سهل بن سعد الساعدي في قصة عويمر العجلاني وقذف امرأته إلى أن قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "انظروها فإن جاءت به أحمر قصيرًا مثل وحرة فلا أراه إلا قد كذب، وإن جاءت به أسحم أعين ذا إليتين فلا أحسب إلا قد صدق عليها" فجاءت به على الأمر المكروه.
وجه الدلالة: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ألحق الولد بمن يشبهه وهذا هو حقيقة القيافة فدل ذلك على مشروعية العمل بها.
3 - روى البخاري ومسلمٌ عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلام فقال سعد: هذا يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أنه ابنه انظر إلى شبهه، وقال عبد بن زمعة: هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبي من وليدته فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى شبهه فرأى شبهًا بينًا بعتبة فقال: "هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة" قالت: فلم ير سودة قط.
وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رتب على شبه الولد بعتبة أنه ليس ابنًا لزمعة ولذلك أمر سودة بالاحتجاب منه فدل على مشروعية العمل بالقيافة.
ومن الوسائل الحديثة كما تقدم الحمض النووي (DNA) قد تستخدم هذه التقنية عند الاختلاف في النسب كما إذا ولدت امرأتان في مستشفى واختلط الأولاد وتعذر تمييزهم فيمكن تمييزهم عن طريق الحمض النووي.[6]
واشتهر من العرب في القيافة كثير: من قريش ومدلج من كنانة، وبني أسد، ومزينة، وكندة، وقبائل مضر، وبني عامر بن صعصعة، وخثعم وخزاعة، والقيافي بطن من بني غافق.
ومما يستوجب الذكر في هذا المجال، هو أن أهل البادية وممن يقطنون الصحراء، اشتهروا وبرعوا بمثل هذه الفطنة، المتعلقة بعلم القيافة وقص الآثر وغير ذلك فقد استمرت الدول والحكومات لفترة طويلة جدا، تحتاج أهل البادية في تتبع الآثار، ومعرفة أصول الناس ومنابتهم وقد كانت في وحدات الجيوش العسكرية أقساما خاصة لهؤلاء الناس، تختص بملاحقة الفارين والمتسللين من مناطق الثغور أو الحدود، أو في تقصي الحقائق المتعلقة بمواقع الجرائم، والكشف عن المجرمين، وتحديد هوياتهم وأعراقهم من خلال هؤلاء البدو، حتى أن الجيوش الإسلامية الأولى التي تحركت خارج الجزيرة العربية اعتمدت على عدد من الخبراء بالآثار والمسالك لاستطلاع العدو والكشف عن مواقعه وتحركاته.
------------
المراجع
[1] الكتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية، صادر عن: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت، عدد الأجزاء: 45 جزءا، الطبعة: (من 1404 - 1427 هـ)
[2] المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام
[3] الكتاب: مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، تصدر عن منظمة المؤتمر الاسلامي بجدة.
[4] الكتاب: الفِقهُ الميَسَّر، المؤلف: أ. د. عَبد الله بن محمد الطيّار، أ. د. عبد الله بن محمّد المطلق، د. محمَّد بن إبراهيم الموسَى، الناشر: مَدَارُ الوَطن للنَّشر، الرياض - المملكة العربية السعودية، جـ 7 و 11 - 13: ط الأولى 1432/ 2011
[5] مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سبق ذكره.
[6] الفقه الميسر، الطيار وآخرون، ج8، ص 148-153
التسميات :
التاريخ