الأمير سلام ابن التركية العامري

بسم الله الرحمن الرحيم,,

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد:
اليوم نأتي لكم بموضوع جيد جداً، وشيق وممتع فيه نضع الحقائق التاريخية في نصابها الصحيح ووفق مسمياتها التي ضاعت بين رياح التاريخ، والله الموفق والمستعان.
سلام ابن التركية العامري
من أمراء بني عامر في مصر
 بن سلام ابن التركية أمير عرب الصعيد
هو سلام بن محمد بن سليمان فايد المعروف بابن التركية وهو من قبيلة بني عامر بن صعصعة


ابن التركية
- بني التركية هكذا ذكرهم ابن خلدون ص534 ج5 وقال بني التركية أمراء العرب بعقبة الاسكندرية، فيما كان بدر بن سلام أمير عرب البحيرة
- سنة 796هـ وفيه مات سلام بن محمد بن سليمان بن فايد، أمير (صنهاجة) بالصعيد، المعروف بابن التركية ( نيل الأمل، ابن شاهين، ق2ج1، ص342، وكلمة صنهاجة هنا جاءت خطأ (تصحيف وتحريف) لكلمة خفاجة بني عامر.
- سنة 796هـ توفى الأمير سلّام (بتشديد اللام) ابن محمد سليمان بن فايد، المعروف بابن التركية أمير خفاجة من الصعيد فى سابع شهر ربيع الآخر، وكان من أجلّ أمراء العرب.( النجوم الزاهرة، ابن تغري بردي، ص139ج12)
- سنة 789هـ قطع رأس كبير عربان البحيرة بدر بن سلام، وأرسلت رأسه إلى القاهرة وعلقت رأسه بباب زويلة أياماً [ نيل الأمل، ج2، ص253]
- سنة 780هـ أمسك ابن التركية أمير عربان البحيرة وسجن، وفيها وقع القتال بين الأمير مراد وبين بدر بن سلام أمير عرب البحيرة (إنباء الغمر، ص177ج1) هذا النص يؤكد أن ابن التركية هو بدر بن سلام نفسه..وبقية النصوص تؤكد ذلك
- سنة881هـ توفي بالقاهرة سلام بن سعد الله بن سلام الخفاجي العامري، أمير خفاجة باخميم، وكان رجلا حشما من أعيان طائفته، ووجها من وجوه البلاد، ذائع الصيت والشهرة ..

قال عنه ابن حجر العسقلاني المتوفي سنة 852هـ: الأمير سلام ابن التركية أمير عرب خفاجة بصعيد مصر سنة 785هـ (1) وأنه خرج في تلك السنة مع عربان الوجه البحري إلى جهة الفيوم، للخروج على السلطان، وعرب خفاجة عامريين أصليين وكان لهم دولة في الشام والعراق وفدوا على الظاهر بيبرس سنة 660هـ ضمن وفود كبيرة وكثيرة من قبائل بني عامر، ولكن وجود بني عامر بن صعصعة في مصر كان أسبق من هذا التاريخ، حيث دون وجودهم  منذ عام 109هـ،  وفي منطقة البحيرة بمصر كانوا موجودين سنة 351هـ (البستان الجامع لجميع تواريخ أهل الزمان، الأصفهاني، ص25، 225)، وفي الفيوم كان لبني عامر بن صعصعة الخفارة والدرك وهم زعماء الصعيد منذ العام 635هـ/1234م ومعهم بني هوارة ولواتة وكانت الأغلبية لبطون بني عامر ومنهم بني كلاب وبني ربيعة وبني زرعة وبني عجلان وبني جواب ( تاريخ الفيوم وبلاده، الصفدي النابلسي - ناظر الفيوم - ص13، 14، ص145-170) وهذا معناه أن قبيلة بني عامر تتواجد في الصعيد والبحيرة في نفس الفترة الزمنية وأن قبائل الصعيد وقبائل البحيرة متعاونين ومتفقين فيما بينهم ضد المماليك، وقد حاول المماليك قطع الاتصال والاجتماع بين عربان البحيرة وعربان الصعيد لعدم تجمعهم ورص صفوفهم وحرصوا على وقف أي لقاء بينهم، كما راقبوا تحركاتهم باستمرار، وشواهد التاريخ كثيرة على ذلك لا مجال هنا لذكرها كلها، وسوف نضع بين أيديكم مجموعة من الأحداث التاريخية التي توضح العلاقة بينهم وكذلك الحركات الذي قام بها العربان تباعاً..
وقد ذكر القلقشندي المتوفي سنة 821هـ نقلاً عن تدوين المهمندار الحمداني المتوفي سنة 700هـ: وبني نزار نصفهم من بني عامر ومنهم بالنويرة والجيزة والمنوفية وهم عرب بدر بن سلام، ومنازلهم من البحيرة غرباً إلى العقبة الكبيرة ببرقة (2) نلاحظ هنا أن القلقشندي يتحدث عن القيسية العدنانية وأن نصفهم من بني عامر بن صعصعة وهذا منطقيا صحيح، فهم بطون وقبائل عظيمة، ويشير القلقشندي أنهم يسكنون الصعيد، والبحيرة وبرقة.. يعني مناطق شاسعة جدا..
منزل بدر بن سلام كان في تروجة بالفتح، ثم الضم، وسكون الواو، وجيم: قرية بمصر من كورة البحيرة، من أعمال الإسكندرية، أكثر ما يزرع بها الكمّون، وهي قرية على مسيرة نصف يوم من الاسكندرية، وهي قرية كبيرة يشتهر أهلها بمكارم الأخلاق والمروءة.
وفي العام 881هـ توفي بالقاهرة سلام بن سعد الله بن سلام الخفاجي العامري، أمير خفاجة باخميم، وكان رجلا حشما من أعيان طائفته، ووجها من وجوه البلاد، ذائع الصيت والشهرة (3)
وقد ذكر المقريزي بني خفاجة وهوارة ولبيد وجماعة سلام وعدهم ضمن بني سليم، فيما بين الاسكندرية والعقبة الكبرى(*) كما ذكر ناظر الفيوم أبو عثمان بأن هوارة البحرية في الفيوم بلدة كبيرة أهلها من بني زرعة من بني عجلان من بني كلاب بن عامر بن صعصعة، وهم أخوة خفاجة واخوة بني هلال وبني ربيعة..
وعن عرب خفاجة ونسبهم العامري:
بنو خفاجة بن عمرو بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان (4)، وبني خفاجة العامريين لهم تاريخ قديم وطويل، فكان لهم في بادية العراق دولة، وكان منهم طائفة نزلت بالبحيرة من الديار المصرية، ومنهم النويرة والنويري بطن من خفاجة العامري، وبنو خالد، والهياثم، والكعوب، والموالك، وبنو معاوية، والوازع، وبنو يزيد، وبنو عامر، وبنو عمرو، وبني عقيل.
وقال القلقشندي: "قال الحمداني": بني خفاجة العامرين وفدوا على الظاهر بيبرس صاحب الديار المصرية، وكان كبار جماعتهم:
خضر بن بدران بن مُقلد ابن سليمان بن مهاوش العبادي، وشهر بن أحمد الخفاجي، في أشياخ، منهم: مقبل بن سالم، وعياش بن حديثة، ووشاح، وغيرهم، فأنعم الملك الظاهر عليهم، فكانوا عوناً له على التتر(5) ومنهم طائفة ببلاد البحيرة وهم موجودين بها إلى الآن، وقال ابن حزم الاأندلسي المتوفي سنة 456هـ، ومن بني نزار:  بنو عامر بن صعصعة ومنهم:
بني كلاب، وبني أبي بكر، وبنو الوحيد، وبني عمرو، وبني رؤاس، وبني الضباب، وبني جعفر ومنهم بنو لبيد، وبني الأحوص، وبني مالك، وبني خالد، وكلهم يجتمعون في بني قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة المشهورة، وبطون بني عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر: بنو عبادة، وبني المنتفق، وبني خفاجة، ومضت بني نزار (6) وقال ابن حزم ومنهم بالاندلس بطون وقبائل (7) منهم بنو الحصين وبنو عطاف في بلاد المغرب وبنو عامر وبني ابراهيم وبني يحيى، وفي العراق والشام منهم قبائل كثيرة جداً.
اذا فعرب بني عامر سكنوا مصر بالصعيد والبحيرة وبرقة وبلاد المغرب، مثلما سكنوا الجزيرة العربية والشام والعراق، ولابد بكل تأكيد لهم علاقة بأخوانهم من عرب بني هلال بن عامر بن صعصعة وعرب بني سليم، منذ زحفهم إلى بلاد افريقيا أيام الدولة الفاطمية، وعلى هذا يكون لهم انتشارا كبيراً وفروعا متسعة وقبائل عديدة ومتعددة في ربوع الوطن العربي عامة، ومصر وافريقيا خاصة منذ العام 440هـ/1050م..
وبالعودة للأمير سلام ابن التركية فيتضح لنا هنا بما لا يدع مجالاً للشك أنه عامري النسب والأصل، وقد اختلف فيه المؤرخين فمنهم من قال من لبيد بن عامر ومنهم من قال من خفاجة بن عامر، والصحيح أن بني لبيد وبني خفاجة وبني هلال وبني سليم كلهم مجتمع واحد، ومضاربهم مشتركة بفضل المصاهرة والزواج وتجذر الخؤولة بينهم كونوا مجتمعاً واحداً، فلابد أن منطقة البحيرة  مثلماً تشمل عدة قبائل من هذا المجتمع، وكذلك بقية القرى والمضارب والأحياء التي نزلوها، وهذا الأمر طبيعي جداً وليس فيه اشكالا على الإطلاق.
فهنا نقول إن ابن التركية عامري الأصل والنسب، وكان أميراً لعربان البحيرة، وهذا معناه أن سيطرة بني عامر على البحيرة هو حقيقة لا خيال وفق اثباتات التاريخ..واليكم جملة من وقائع بدر بن سلام:
780هـ كان بدر بن سلام كبير عربان البحيرة، في هذه السنة سار بعربه يريد الصعيد، فلقيهم الأمير مراد كاشف الوجه القبلي، فوقع بينهم القتال، فقتل مراد الكاشف في المعركة ممن قتل. [ السوك - ص53]
782هـ في هذه السنة ورد الخبر بخروج بدر بن سلام بعربان البحيرة عن طاعة السلطان [ السلوك- المقريزي -ص88]
782هـ وفيها خرجت تجريدة البحيرة ولم يدركوا بدر بن سلام، وجرت وقائع مع رجاله وخربت تروجة وما حولها نتيجة المعارك، ونهبت أموالاً كثيرة [ السلوك - ص89]
782هـ وفي هذه السنة ايضاً جرت واقعة بين بدر بن سلام والأمير قرط بن عمر التركماني نائب البحيرة، قرب دمنهور وهزم التركماني واحتاج نجدة من القاهرة [ السلوك - ص95]
783هـ وفيها قدم البريد من الاسكندرية بأن بدر بن سلام طلب من الأمير بلوط بأن يسأل له الأمان من الأمير الكبير برقوق، فلم يجاب طلبه. [ السلوك - ص101]
وهذه الأحداث والوقائع عرفت بثورة زعيم هوارة بدر بن سلام سنة 782هـ/1380م ضد الأمير برقوق، ويذكر أن بدر بن سلام قتل سنة 789هـ غدرا من قبل اتباعه، وقطعت رأسه وأرسلت للأبواب السلطانية [ حوليات آداب عين شمس - المجلد 40 - (اكتوبر- ديسمبر 2012) -ص436] وكانت أسباب ثورة عربان البحيرة بقيادة كبيرهم بدر بن سلام، بسبب زيادة الجباية والضرائب وكثرة وظائفها ابان الصراع السياسي بين المماليك الترك والمماليك الجراكسة، اضافة إلى كراهية العرب للمماليك ورفض حكمهم وكثرة فسادهم وصراعاتهم على السلطة [ القبائل العربية في الوجه البحري..، عبد المطلب البخيت، ص74] وعلى إثر هذه الأحداث قام الأمير برقوق بنقل قبيلة هوارة من البحيرة إلى الصعيد، وهذا معناه تفكيك حلف قبائل البحيرة واضعافهم، ومن هنا فكلمة زعيم هوارة، لا تعني أن بدر بن سلام من قبيلة هوارة نسباً كما يظن البعض، بل هو من قبيلة بني عامر وكان زعيما لكل قبائل البحيرة الذين هم من هوارة وبني عامر وبني هلال وبني سليم، ويظهر من القراءة المتأنية للتاريخ أن أكثر عربان البحيرة حتى برقة هم من بني سليم و بني عامر وبني هلال، لكن من برقة غربا يتزايد تواجد بني هلال بن عامر وغالبيتهم في تونس ثم في الجزائر وأكثرهم هناك من بني عامر، وأما الصعيد فأغلبهم من بني هلال بن عامر وبقية بطون بني عامر بن صعصعة..
ويرجع سبب هذا الاختلاط والإلتباس إلى تشكيل القبائل من جديد بعد الزحف الهلالي العامري إلى افريقيا، والأدلة على ذلك في التاريخ كثيرة جداً، ونلاحظ الأن وبعد مقتل بدر بن سلام بثلاثة سنوات، يتجدد العداء والعصيان من قبل ذرية بدر بن سلام ابن التركية ضد السلطنة، ويتكرر ذكر اسم ابن التركية، فهو بمثابة اسم عائلة الأن وليس مجرد لقب لشخص، فقال العسقلاني انه في سنة:
792هـ وفي رمضان توجه ابن الحسام إلى الصعيد فحصل بها الأموال السلطانية فكبس عليه ابن التركية ونهب جميع ما حصله، فبلغ ذلك السلطان فأرسل إليه عسكراً[ إنباء الغمر بأنباء العمر، العسقلاني، ج1ص401] وابن التركية المذكور هنا هو ابن بدر بن سلام ابن التركية الذي قال عنه العسقلاني أمير عرب خفاجة بالصعيد سنة 785هـ، وذكرهم بن خلدون المتوفي سنة 808هـ وقال أولاد سلام بين برقة والعقبة الكبيرة، وبينها وبين الاسكندرية أولاد مقدم وهم بطنان أولاد التركية وأولاد قائد (فايد)، ومقدم وسلام معا ينسبون إلى لبيد وبعضهم يقول لبيد من بني جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر، وبعضهم يقول في كعب بن سليم، وذكر لي سلام "شيخ أولاد التركية" أن أولاد مقدم من ربيعة بن نزار [ ديوان المبتدأ والخبر، ابن خلدون، ص7، ط2 سنة 1988م] وقال ابن خلدون:
أن القبائل ما بين الاسكندرية ومصر عرب بدو رحل، يخرجون في المشاتي نواحي العقبة وبرقة، وهم أخلاط من العرب والبربر، ونواحي الصغير قبائل من عرب بني هلال وبني كلاب بن ربيعة، وهم يركبون الخيل ويحملون السلاح ويقومون بالخراج للسلطان، وبينهم مع ذلك من الحروب والفتن ما ليس يكون بين أحياء القفر.[ العبر وديوان المبتدأ والخبر، ابن خلدون، بيت الأفكار الدولية، ص1556]
وقال ابن خلدون وكان في برقة بني قرة بن هلال بن عامر، ومن بقايا بني عامر ببرقة أحياء من بني جعفر كان شيخهم أبو الذيب وأخوه حامد بن حميد وهم ينسبون تارة في العزة من بني كعب بن سليم، وتارة في الهيب وتارة في فزارة، والصحيح أنهم من هوارة وقد اختلطوا مع بني هلال وبني سليم، قلت إنما هم تشكيلات قبلية جديدة بفضل التغيير الجديد ضمت بطون من بني عامر بن صعصعة من بني جعفر وبني لبيد وبني خفاجة وقبيلة هوارة وبني سليم وبني هلال بن عامر، فأصحبوا يسيطرون على تلك النواحي الواقعة ما بين طرابلس وبرقة حتى الاسكندرية والبحيرة، وكذلك نفس هذه التشكيلات والتكتلات في الصعيد، ولذلك تتنقل زعامة المجتمع بين تلك القبائل، فتارة يكون الشيخ سلمي (سليم) وتارة يكون من احدى بطون بني عامر الأخرى (هلالي، جعفري، لبيدي، خفاجي) وتارة يكون من هوارة، وقبيلة هوارة أيضاً تتشكل من عدة قبائل، فهناك رواية متواترة فيهم تدل على وجود بطون من قبيلة كلب القضاعية بطن الصحابي دحية الكلبي [ عروبة مصر من قبائلها، مصطفى الشريف، ص36] وفيهم من المرابطين، ويذكر المقريزي أنه سمع من هوارة قولهم أنهم قوم من عرب اليمن جهلت أنسابهم، لكنه يذهب وينسبهم إلى سلسلة غريبة الألفاظ وكان على المقريزي أن يدون ما يسمعه من أصحاب الأمر لا أن يكتب ما يجول بخياله، وتجدر بنا الإشارة إلى تكتلات كثيرة وقعت بين القبائل ابان الصراعات الداخلية في الشمال الافريقي، ففي سنة 581هـ/1185م تكون تحالف بين بنو غانية وبني هلال وبني سليم مع المرابطين المواليين للخلافة العباسية ضد الموحدين، وهذا هو السبب وراء وجود اسم المرابطين مع قبائل بني هلال وبني سليم [ صفحات من التاريخ الإسلامي في الشمال الافريقي، محمد علي الصلابي، ص169] كما تحالف أمراء الأيوبيين مع بني هلال وبني سليم لنصرة دولة المرابطين، اذا نحن أمام تكتلات وتشكيلات بالفعل بين مجتمعات الساحل الافريقي، ولذلك لا غرابة اطلاقا أن نرى تعدد الأسماء وكثرة الروايات بين تلك الجموع، فقد عرفت التغريبة الهلالية بهذا الاسم رغم أنها تضم قبائل عربية كثيرة عدنانية وقحطانية.
قال ابن خلدون عن أحياء بني جعفر كان شيخهم أبو الذيب وأخوه حامد بن حميد، وقال المقريزي كان شيخهم أبو ذؤيب وأخوه حامد بن كميل [ رسائل المقريزي، ص154، ط1 لسنة 1419هـ] نلاحظ كلمة (حميد وكميل) هنا خطأ واضح "تصحيف وتحريف" بالكاد هو خطأ متعلق هنا بالسمع فالكاتب ظن بأنه سمعها كميل فكتبها كذلك، والأصح حميد لأن بطن الحميدات بطن شهير في قبيلة بني عامر( حميد من عامر من بني هلال بن عامر كانوا يقيمون بافريقيا الشمالية- معجم قبائل العرب)، قال المقريزي وأولاد مقدم بطنان منهم أولاد التركية وأولاد فايد ينسبون إلى لبيد من بني عامر [ رسائل المقريزي، ص154، مرجع سابق] وكذا قول ابن خلدون وهم ينسبون إلى لبيد من بني عامر، وقال العسقلاني سلام ابن التركية أمير عرب خفاجة بصعيد مصر سنة 785هـ/ 1383م، وقال ابن خلدون: " وذكر لي سلام بن التركية شيخ أولاد مقدم جيرتهم بالعقبة أنهم من بطون مسراتة من بقية هوارة " [ ديوان المبتدأ والخبر، ص114، ط2 لسنة 1988م ] وقال ابن خلدون وشيخ العرب ببرقة في عهده اسمه أبو ذئب من بني جعفر، وقال : "وتزعم نسابة الهلاليين أنهم لربيعة ابن عامر إخوة هلال بن عامر" قلت: وقد صدق نسابة بني هلال في هذا، بالفعل هم من ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور، ومنهم بطون بني جعفر وبني لبيد وبني خفاجة وبني كلاب وبني المنتفق وغيرهم، وكان لقبيلة بني عامر جوار لقبائل تركية في العراق والشام، ولابد أنهم تزوجوا من بناتهم، فقد كان في بني عامر شقرة في شعورهم وبياضاً في بشرتهم وعيوناً مائلة للزرقة، وهذا يدلل على مصاهرتهم لسكان هضبة الأناضول فيما سبق من سالف الزمن..
وأما هوارة فهي ضمن حلفهم وجزء من نسيجهم الاجتماعي والأخوي فقد اندمجت معهم في التاريخ والاجتماع والجغرافيا وصارت جزء لا يتجزأ منهم، وشاركت معهم الغزو والجهاد والثورات جمعيها، حتى اسم "الهواري" نجده في بعض الأقاليم عشيرة من عشائر القبائل العامرية، بيد أن كلمة هوارة كلمة عربية معناها " جماعة من العساكر غير المنظمة " مشتقة من التهور أي الشجاعة التي لا تحسب عاقبة الامور، بمعنى أخر تهور غير منظم..
اذا كان سلام ابن التركية من بني عامر من عربان برقة،كانوا قد تقدموا إلى البحيرة لأنهم عربان رحل أصحاب انتجاع وحلال، وقد جاء في أكثر من مصدر أن عربان البحيرة كانوا يتقدمون من برقة ففي سنة 842هـ/1438م ورد بأن تغري بردي قاد تجريدة إلى البحيرة ضد عرب لبيد من برقة [ نيل الأمل، ج5، ص44] ومن هذا النص نلاحظ أن ذكر عرب لبيد بالبحيرة جاء بعد ذكر عرب خفاجة بنحو 55 سنة وهذا يدل على تجدد الأدوار التاريخية لقبائل بني عامر ودليل على تنقل الزعامة بين مجتمع العربان هناك، ودليل على وجود تنافس بينهم، فكل قبيلة تحرص على اظهار بطولاتها وفرسانها وزعاماتها مدعاة للفخر والاعتزار..
ونريد الآن التعرف على أهم أحداث البحيرة وبرقة لنفهم بالضبط، ما هي التركيبة السكانية للقبائل والزعامات في تلك المنطقة صاحبة الأحداث العظيمة جدا عبر التاريخ:
396هـ/1005م ذكر المقريزي نزول بني قرة الهلالية في برقة قادمين من البحيرة، وعلى الرغم من ارتباط بني قرة باسم هلال، إلا أننا نجده ايضاً بشكل أوثق ضمن بني قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، يعني هلال هم أعمام قرة
414هـ/1023م خرج أهل الاسكندرية إلى البحيرة لقتال بني كلاب، وهزمت بني كلاب  وهذا الخبر يؤكد وجود قبيلة بني كلاب العامريين في البحيرة سنة 414هـ/1023م وفي رواية أنها كانت سنة 351هـ أي أن وجود أحياء من قبيلة بني عامر بن صعصعة في البحيرة كان قبل التغريبة الهلالية بنحو 20 عاماً على الأقل، وهذا ما تنبه له ابن خلدون عندما تحدث عن برقة وقال كان بها من العرب بني جعفر الكلابيين وقد انضموا لاخوانهم من بني هلال وبني سليم.
443هـ بعث الخليفة الفاطمي المستنصر جيشاً لقتال الخارجين عليه من بني قرة الهلالية، وأدركوهم عند البحيرة حيث اشتد القتال بينهم.
466هـ/1073م كان كبير عربان البحيرة اسمه سليمان اللواتي زمن الخلافة الفاطمية في عهد المستنصر بالله [ اتعاظ الحنفاء، المقريزي، ج2، ص312] واللواتي نسبة لقبيلة لواتة التي نزلت البحيرة زمن الفاطميين وتحالفت مع بني سنبس وتفرقت سنبس ولواتة سنة 651هـ بعد أن نكل بهم المماليك على خلفية مؤازرتهم لثورة حصن الدين ثعلب ضد المماليك، وكانت قبيلة هوارة في البحيرة ايضا منذ زمن الفاطميين ومنازلهم حتى برقة [البيان والإعراب، المقريزي]
467 هـ هجوم الجيش الفاطمي على قبيلة الملحية التي خرجت عليه في البحيرة وقتل منهم عددا كبيرا وهرب الباقون إلى برقة.
662هـ/ 1263م  كان السلطان قد أمر عرب بني سليم وألزمهم باشهاد كتب عليهم  بعمارة البلاد وخفارتها ورسم بتقديم سيف الدين عطا الله بن عزار بن مقدم على عرب برقة وألزمه بجباية زكاة المواشي وأخذ عشر الزورع والثمار بفريضة الله فالتزم بذلك وأنعم عليه بسنجق ونقارات وتوجه لحفظ البلاد واستخرج الزكاة والعشور من العربان ببرقة [السلوك في معرفة دول الملوك، المقريزي، ج2، ص13] قال في المعجم : مقدم: حي من الأثبج، من هلال ابن عامر، من العدنانية. موطنه بسيط تامست. وكان للسلطان عليه عسكرة وجباية (تاريخ ابن خلدون ج 6 ص 24، 31)
700هـ/1300م كانت الإمرة على عربان البحيرة في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون فيهم لفايد بن مقدم وخالد بن سليمان.
719هـ/1319م ( وقعة بني عامر والمماليك ) جهز الأمير أيتمش المحمدي على عسكر إلى برقة، ومعه فايد وسليمان أمراء العربان لجباية زكاة الأغنام على العادة، فسار في ثلاثمائة فارس من أجناد الحلقة ومعه من الأمراء عدة، وذلك في آخر يوم من المحرم، ونزل بالإسكندرية، ثم سار أيتمش يريد بلاد جعفر بن عمر من برقة، ومسافتها من الإسكندرية على الجادة نحو شهرين، فدله بعض العرب على طريق مسافتها ثلاثة عشر يوماً يفضي به إلى القوم من غير أن يعلموا به، وطلب في نظير دلالته على هذه الطريق مائة دينار وإقطاعات من السلطان بعد عود العسكر إلى القاهرة، فعجل له أيتمش المائة، والتزم له بالإقطاع من السلطان، وكتب له بعشرة أرادب قمحاً لعياله، وأركبه ناقة، وكتم ذلك كله عن العسكر من الأمراء والأجناد والعربان، وسار بمسيره، حتى إذا مضت ثلاث عشرة ليلة أشرف على منازل جعفر بن عمر وعربانه، فدهشوا لرؤية العسكر، وأرسل إليهم أيتمش بسليمان وفايد يدعوهم إلى الطاعة، فأجابوا مع رسلهم: إنا على الطاعة ولكن ما سبب قدوم هذا العسكر على غفلة من غير أن يتقدم لنا به علم؟ فقال لهم أيتمش: حتى يحضر الأمير جعفر ويسمع مرسوم السلطان، وأعادهم، وتقدم أيتمش إلى جميع من معه ألا ينزل أحد عن فرسه طول ليلته، فباتوا على ظهور الخيل، فلما كان الصباح حضر أخو جعفر ليسمع المرسوم، فنهره أيتمش وقال له ولمن معه: ارجعوا إلى جعفر فإن كان طائعاً فليحضر، وإلا فليعرفني، وبعث معه ثلاثة من مقدمي الحلقة، فامتنع جعفر من الحضور، فللحال لبس العسكر السلاح وترتب، وأفرد سليمان وفايد، بمن معهما من العسكر ناحية، واستعد جعفر أيضاً وجمع قومه وحمل بهم على العسكر، فرموهم بالنشاب فلم يبالوا به، ودقوا العسكر برماحهم، وصرعوا الأمير شجاع الدين غرلوا الجوكندار بعدما جرحوه ثلات جراحات، فتداركه أصحابه وأركبوه، وحملوا على العرب فكانت بين الفريقين تسع عشرة وقعة أخرها انهزم العرب إلى بيوتهم، فقاتلهم العسكر عند البيوت ساعة وهزموهم إليها، وكانت تلك البيوت في غاية قصب، فكف العسكر عن الدخول إليهم، ومنعهم أيتمش عن التعرض إلى البيوت وحماها، وأباح لهم ما عداها، فامتدت الأيدي، وأخذت من الجمال والأغنام ما لا ينحصر عدده، وبات العسكر محترسين، وقد أسروا نحو الستمائة رجل سوى من قتل، فلما أصبح الصبح من أيتمش على الأسرى وأطلقهم، وتفقد العسكر فوجد فيه اثنى عشر جريحاً، ولم يقتل غير جندي واحد، فرحل عائداً عن البيوت بأنعام تسد الفضاء، وأبيع معهم فيما بينهم الرأس الغنم بدرهم، والجمل ما بين عشرين إلى ثلاثين درهماً، وسار أيتمش ستة أيام في الطريق التي سلكها والعسكر بالسلاح، خشية من عود العرب إليهم، وبعث أيتمش بالبشارة إلى السلطان، فبعث الأمير سيف الدين ألجاي الساقي لتلقي العسكر بالإسكندرية وإخراج الخمس مما معهم للسلطان، وتفرقة ما بقي فيهم، فخص الجندي ما بين أربعة جمال وخمسة، ومن الغنم ما بين العشرين إلى الثلائين، وحضروا إلى القاهرة، فخلع السلطان على أيتمش، وبعد حضورهم بإسبوع قدم جعفر بن عمر إلى القاهرة، ونزل عند الأمير بكتمر الساقي مستجيراً، فأكرمه ودخل به على السلطان، فاعترف بالخطأ، وسأل العفو، وأن يقرر عليه ما يقوم به، فقبل السلطان قوله وعفا عنه، وخلع عليه ومضى، وصار يحمل القود في كل سنة [الموسوعة التاريخية، موقع الدرر السنة على الانترنت - مجموعة من الباحثين]
782هـ كان في البحيرة رجل اسمه خضر بن موسى من كبار رجالها
789هـ قطع رأس كبير عربان البحيرة بدر بن سلام، وأرسلت رأسه إلى القاهرة وعلقت رأسه بباب زويلة أياماً [ نيل الأمل، ج2، ص253]
819هـ في هذه السنة شن عربان لبيد غزوة على منطقة البحيرة بقوة قوامها 500 فارس سوى المشاة، وأوقعوا بأهلها، وعاثوا في ديارها [ إنباء الغمر بأنباء العمر، العسقلاني المتوفي سنة 852هـ، ج3، ص95، ص308] وقتل موسى بن رحاب، خلف بن عتيق، حسين بن شرف وغيرهم من شيوخهم، وصدهم الأستادار ولاحاقهم إلى العقبة الصغرى ثم إلى برقة، فسار أياماً ثم رجع ومعه من الغنم والبقر الشيء الكثير.
822هـ في هذه السنة مات أحمد بن بدر شيخ عربان البحيرة [ نيل الأمل، ج4، ص44]
837هـ انتصر عرب البحيرة على المماليك وقتلوا منهم جماعة، وقتل آق بغا الجمالي كاشف الوجه البحري [ نيل الأمل، ج4، ص347]
853هـ في هذه السنة وسّط إسماعيل بن زايد أحد مشايخ عربان البحيرة وأكابرها [ نيل الأمل في ذيل الدول، بن شاهين الظاهري، ج5 ص297]
858هـ عاد عرب لبيد إلى البحيرة، فعين لهم السلطان تجريدة ثانية بقيادة خير بك المؤيدي [ نيل الأمل، ج5، ص424]
866هـ  في هذه السنة انتصر عرب لبيد على الترك وقتلوا منهم عددا وأسروا آخرين، فتأثر السلطان لذلك [ نيل الأمل، ج6، ص148]
872هـ قرر تعيين الأمير صقر في مشيخة عربان البحيرة [ نيل الأمل، ج6، ص327] وفي هذه السنة خرج عربان البحيرة عن الطاعة (عصيان) وجرت تحالفات من القبائل، مما جعل السلطان يجري بعض التغييرات في المناصب والمشايخ.
875 هـ وفي هذه السنة هاجمت بني لبيد الترك فبعث قائدهم يشبك بطلب النجدة من القاهرة، فجاءته نجدة بقيادة الأتابك اوزبك
881هـ توفي بالقاهرة سلام بن سعد الله بن سلام الخفاجي العامري، أمير خفاجة باخميم
891هـ حدث ثورة عربان البحيرة ضد الكاشف كرتباي لسوء تدبيره، فتوجهت ليهم تجريدة من 200 جندي [نيل الأمل، ج8، ص34] وفي هذه السنة كان شيخ عربان البحيرة اسمه محمد الجويلي [ نيل الأمل، ج8، ص40] (في شهر شوال) وفيه أن التجريدة بسبب فساد محمد الجويلي شيخ عربان البحيرة. فتقاتلوا معه أشدّ قتال، وقتل من الترك والعرب جماعة كثيرة، ورجع العسكر من غير طائل، ولا حصلوا من الجويلي على شيء [ نيل الأمل، ج8، ص35]
893هـ  حدث افساد لعربان البحيرة بنزولهم القاهرة ودخلوها ركبانا على خيولهم، بسيوفهم ورماحهم [ نيل الأمل، ج8، ص114]
895هـ أحضر إلى القاهرة الشيخ صقر بن عشبه بن رحاب أحد مشايخ البحيرة وهو مسلوخاً، وكان قد أخذ بحيلة وسلخ جلده [ نيل الأمل، ج8، ص205]
922هـ/1517م كان حسن بن مرعي أحد مشايخ عربان البحيرة، وهو الذي سلم طومان باي إلى السلطان سليم العثماني

المراجع والمصادر
(1) ابن حجر العسقلاني، إنباء الغمر بأنباء العمر، ج1 ص276- القاهرة 1994م
(2) القلقشندي، صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، ج1 ص419-420
(3) ابن شاهين الظاهري، نيل الأمل في ذيل الدول، ج7 ص178
[*] البيان والإعراب، المقريزي، ص42، طبعة: جوتنجن، ألمانيا عام 1847 م
(4) كحالة، معجم قبائل العرب القديمة والحديثة، ج1، ص351
(5) القلقشندي، قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان، ص123، ط2 لسنة 1982م
(6) ابن حزم الأندلسي، جمهرة أنساب العرب، ص469- بيروت - ط1 لسنة 1983م
(7) ابن حزم الأندلسي، المصدر السابق، ص292
              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

1 تعليقات

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

  1. مجهود كبيرجزاكم الله خير ونرجوا التواصل لكاتب الموضوع وارسال رقم الموبايل او الايميل للاهمية.

    ردحذف
أحدث أقدم