بسم الله الرحمن الرحيم,, والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين، محمدٌ بن عبدالله الصادق الأمين، خاتم الأنبياء والمرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، والحمد لله رب العالمين، الذي هدانا وجعلنا من المؤمنين، وصلى الله على محمد وعلى من تبعه بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد’’..
أود أن أتحدث اليوم، عن العلاقة بين العروبة كعرق ولغة وبين الإسلام كمنهج وعقيدة ونظام، فالإسلام كما يعلم الجميع هي ديانة سماوية، معتمدة على كلام الله المُنَزَّل على نبيه العربي محمدٌ صلى الله عليه وسلم، بلسانٍ عربي مبين، وهو القرآن الكريم، ومعتمدة على السنة النبوية الشريفة، وحمل هذه الرسالة العرب ونشروها إلى العالم المحيط بهم، ليعم بينهم النُّور والعلم ويزول الظلام والجهل، ومن هنا فإن الإسلام ديانة عربية بامتياز ولا جدال في ذلك، فكتاب الله بلسان عربي "لغة عربية" ولا يجوز أن يتبدل أو يتغير كلام الله عن صورته ورسمه إلى أي لغة أخرى، والنبي الذي اختاره الله لنشر هذا الدين، هو عربي عرقاً ولساناً، والأمة التي حملت هذه الرسالة وضحت في سبيل نشرها في العالم، هي الأمة العربية عرقاً ولساناً، وأن هذه الديانة لا يمكن فهمها إلا من خلال لسانها الطبيعي والأصلي وهو اللسان العربي، إذا فالعلاقة بين العروبة والإسلام علاقة الجسد بالروح، فالجسد بلا روح جثة أو رمة لا فائدة ولا رجاء فيها..
العروبة والإسلام: في القرآن الكريم
قال تعالى "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿2﴾" وقال سبحانه" وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ ﴿37﴾" وقال تعالى "قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴿28﴾" وقال تعالى:
{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ﴿44﴾} وقال تعالى"وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ ﴿12﴾" وقال سبحانه وتعالى:
{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ﴿103﴾}
الآيات الكريمة، آنفة الذكر، كلمات عربية مبينة "واضحة" لكل شخص متمكن من اللسان العربي المبين، فالله سبحانه وتعالى اختار اللسان العربي لهذه العقيدة، وهذا معناه أنه تلاوة وقراءة القرآن الكريم في الصلاة والعبادة لا يجوز إلا باللسان العربي المبين، الذي لا اعوجاج ولا عوج فيه، وفيه هدى وشفاء للذين آمنوا وصدقوا بهذا القرآن وهذه العقيدة، هدى وشفاء من الجهل والضلال والتيه والفساد والضياع والأسقام والضيق، وسبحانه تعالى عما يصفون.. فالإيمان أعلى درجة من الإسلام، ولا يصل لدرجة الإيمان من لا يفهم ولا يعرف اللغة العربية لسان هذا الدين، ومن هنا فإننا نوضح المقصود الحقيقي للسان العربي:
اللسان العربي: أصله لسان العرق العربي، لكن كل من يدخل مع العرب ويصير في عدادهم ويعيش في أكنافهم ويكتسب أنماط معيشتهم ولسانهم فهو هنا في عداد العرب، لأن لسانه صار لساناً عربياً، مثل سلمان الفارسي "رضي الله عنه" وغيره كثير من العجم الذين تعرب لسانهم، إذا فالمفهوم المعاصر للعرب هو:
" جميع السكان الناطقين بالعربية سواء كان عرقهم عربي أو عرقهم غير عربي، والشرط الرئيسي أن يكون لسانه عربي مبين، يعني يتحدث العربية بوضوح مثل أهلها، وهذا لن يتم دون الانخراط معهم وبينهم في بيئة واحدة، اذا فجميع الناس الذين دخلوا مع العرب منذ بداية الإسلام قبل 1400 سنة من الآن، هم عرب اللسان لأنهم اكتسبوا كل أنماط الحياة العربية وصارت أسماؤهم عربية ولسانهم عربي، وصاروا يفهمون كل المعاني والمفردات والدلالات والتعابير، ويحق لهؤلاء ما يحق للعرب الأعراق.."
وهناك على سبيل المثال: من هم عرب العرق والأصل، لكنه لا يفهم اللسان العربي، فهذا ليس من عداد العرب، ومن أمثلة ذلك: من رحل قبل 500 عام واستوطن في اوربا وعاش في مجتمعهم وصار اوربي الجنسية فتعلم أولاده لغة أمهم ومجتمعهم ونسوا اللسان العربي وصار لسانهم عجمياً ولو كان على دين الإسلام، فلا يحق ولا يجوز لمن لا يفقه اللسان العربي أن يحكم بين العرب وفق الأحكام الإسلامية لأنه لن يعرفها أصلاً، وكثير من العرب انخرطوا قديما في الأعراق المجاورة وتحول لسانهم عن العروبة، ومن هنا فإن مفهوم العروبة: عروبة العرق واللسان معا، أو عروبة اللسان، ويحق لكل منهما الولاية في الإسلام، إن كان مسلماً بالطبع، ولو كان عبدا حبشياً.
العروبة والإسلام في السُّنة والسيرة النبوية:
"العروبة شرط رئيسي من شروط الخلافة والرياسة والولاية والإمامة في الإسلام، ولا بديل عنه، فالشريعة عربية ولذلك لابد بأن من يتولى أمور الرعية، أن يكون فاهما ومتفهما وواعيا لأحكامها وضوابطها فهما وعرفا لا يحتمل الشك، واللغة العربية اساس هذه الشريعة وقاعدتها، والعروبة هنا بمثابة مادة الإسلام الرئيسية، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى"، والإسلام للقومية العربية هو العزة والكرامة، كما هو الرحمة والإيمان، فالعرب لا نجاح لهم - ولا لغيرهم - دون الإسلام، فهو الدين المقبول عند الله، وهو قاعدة الاستخلاف في الأرض، فهو نظام شامل وكامل وجامع لتنظيم حياة الناس جميعاً، ولما كان العرب هم من تحمل مسؤولية نشره بين الأمم، فهم أولى من غيرهم في رعايته بين الأمم، فالعرب المسلمين هم أسرع من غيرهم بالتدرج من الإسلام والإيمان والتقوى، ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، إذا فالعزة للعرب هي بالإسلام، والذل والهوان إذا اتخذوا غيره، أذلهم الله.
ينقسم القوم الواحد إلى أمم، فالعرب قوم واحد، ولكنَّ الله بهذا الدين جعلهم أمةً واحدة، طالما التزموا بشرع الله، وهم بذلك بخلاف الأقوام السابقة، فالله جعل منهم أممٌ لا أمة واحدة، ووفق القرآن الكريم فأن الأمة جزءٌ من القوم وليس القوم جزء من الأمة.
قال تعالى:{ وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴿159﴾} فمصطلح الأمة مرتبط بالديانة، ومصطلح القوم بمرتبط بالعرق والسلالة، قال تعالى :{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴿36﴾} ومن هنا فالله بعث فينا نحو قوم العرب نبياً واحداً وجعلنا أمةٌ واحدة، وأما أبناء قومنا العرب الذين ليسوا على دين الإسلام، فهم لا يؤمنون بالدين الذي أنزله الله على قومنا العربي، لأنهم على دين قوم آخر، فيهم عدة أمم، بينما أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، لم يكن يهوديا ولا نصرانياً، وكان حنيفا مسلماً، وأخبرنا الله سبحانه وتعالى في قوله: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿67﴾} وقال سبحانه: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴿68﴾} فنحن قوم العرب وأبينا وسيدنا إبراهيم عليه السلام على دين واحد، ونحن أولى الناس في اتباعه مثلما نتبع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك فاسم ابراهيم ومحمد مقترنين في الصلاة.
ومن هنا فكلمة القومية العربية، وفق الشريعة هي متعلقة بالأمة العربية الإسلامية، لأنهم أمة واحدة دينيا وعرقيا ولغوياً، ومن هنا فإن معاداة القومية العربية ليس من الصواب ولا من السُّنة، فالعرب أساس الإسلام ومادته الحيوية.
والله سبحانه وتعالى، جعل منا نحن قوم العرب بالذات ترابط اجتماعي خاص، وهو شرعي وواجب مثل صلة الرحم، واعطاء ذوي القربى حقهم، والأقربون أولى بالمعروف، والله سبحانه وتعالى قال في الكتاب الكريم: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴿214﴾} وقال سبحانه " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴿13﴾" بشرط أن يكن هذا الارتباط والعلاقة بما يرضي الله ورسوله، ووفقاً لقواعد الشريعة الإسلامية، والقيم العالية النبيلة المستمدة من عقيدة الإسلام، مثل الألفة والرحمة والإحسان والتعاون والمحبة والمودة التي تندرج تحت تقوى الله سبحانه وتعالى، وفي الحديث النبوي الشريف الكثير من التعليمات والمبادئ الأخلاقية التي تنظم حياة المجتمع العربي الإسلامي، يمكن لكم الرجوع إليها والتزود منها.