الأمانة عند العرب

الأمانة: هي تأدية العمل والمهام بأخلاص وصدق، ودون نقصان أو زيادة، وعند الفقهاء: هي كل ما فرضه الله على العباد، وهي الشيء الذي يوجد عند أمين، سواء كان أمانة بعقد الاستحفاظ كالوديعة، أو كان أمانة ضمن عقد كالمأجور والمستعار، أو دخل بطريق الأمانة في يد شخص بدون عقد ولا قصد كما لو ألقت الريحُ في دار أحدٍ مالَ جاره، فحيث كان ذلك بدون عقد لا يكون وديعة بل أمانة فقط، وأصل الأمانة موافقة الحق بإيفاء العهد في السرِّ ونقيضُها الخيانة قاله الراغب.

الأَمانَةَ هُنَا (النِّيَّةَ الَّتِي يَعْتَقِدُها) الإِنْسانُ (فيمَا يُظْهِرُه باللِّسانِ مِن الإِيمانِ ويُؤَدِّيَه من جَميعِ الفَرائِضِ فِي الظَّاهِرِ، لأنَّ اللَّهَ تعالَى ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا، وَلم يُظْهِرْها لأَحَدٍ من خَلْقِه، فَمَنْ أَضْمَرَ من التَّوْحيدِ) ومِن التَّصْديقِ (مِثْلَ مَا أَظْهَرَ فقد أَدَّى الأَمانَةَ) ، ومَنْ أَضْمَرَ التّكْذيبَ وَهُوَ مُصَدِّقٌ باللِّسانِ فِي الظاهِرِ فقد حَمَل الأَمانَةَ وَلم يُؤَدِّها، وكلُّ مَنْ خانَ فيمَا اؤتُمِنَ عَلَيْهِ فَهُوَ حامِلٌ؛ والإِنْسانُ فِي قوْلِه: {وحَمَلَها الإنْسانُ} ؛ هُوَ الكافِرُ الشاكُّ الَّذِي لَا يُصدِّقُ، وَهُوَ الظَّلُومُ الجَهُولُ؛ نَقَلَهُ الأَزْهرِيُّ وأَيَّدَه.[1]

وَفِي حدِيثِ ابنِ عبَّاسٍ، رضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، رَفَعَه: (الإِيمانُ {أَمانَةٌ وَلَا دِينَ لمَنْ لَا أَمانَةَ لَهُ) .

«أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ»[2]

" يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ، فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلَ المَجْلِ، كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ، فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، فَلاَ يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأَمَانَةَ، فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فُلاَنٍ رَجُلًا أَمِينًا، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ وَمَا أَظْرَفَهُ وَمَا أَجْلَدَهُ، وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ " وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيَّكُمْ بَايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا رَدَّهُ عَلَيَّ الإِسْلاَمُ، وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا رَدَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، فَأَمَّا اليَوْمَ: فَمَا كُنْتُ أُبَايِعُ إِلَّا فُلاَنًا وَفُلاَنًا"

عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ، يَقُولُ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، وَنَزَلَ القُرْآنُ فَقَرَءُوا القُرْآنَ، وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ»

هناك مجالات وصور تدخل فيها الأمانة وهي كثيرة جدا ومنها المجالات الآتية:

1 - الأمانة فيما افترضه الله على عباده:

فمن الأمانة: (ما ائتمنه الله على عباده من العبادات التي كلفهم بها فإنها أمانة ائتمن الله عليها العباد) 

2 - الأمانة في الأموال.

3– الأمانة في الأعراض. (فمن الأمانة في الأعراض العفة عما ليس للإنسان به حق منها، وكف النفس واللسان عن نيل شيء منها بسوء، كالقذف والغيبة.

4 - الأمانة في الأجسام والأرواح: فمن الأمانة في الأجسام والأرواح كف النفس واليد عن التعرض لها بسوء من قتل أو جرح أو ضر أو أذى.

5– الأمانة في المعارف والعلوم: فمن الأمانة في المعارف والعلوم تأديتها دون تحريف أو تغيير، ونسبة الأقوال إلى أصحابها وعدم انتحال الإنسان ما لغيره منها.

6 - الأمانة في الولاية. 7- الأمانة في القضاء، 8- الأمانة في الشهادة، 9- الأمانة في الكتابة، 10- الأمانة في الأسرار.11- الأمانة في الرسالات. 12- الأمانة في الحواس مثل "السمع والبصر. 13- الأمانة في النصح والمشورة.[3].

قال الشاعر

لا يَستَوي ملك تلهيه مملكة ... وَذو ضَرائر لا يَنتابه الوسن

عار عليك عمارات مشيدة ... وَللرعية دور كلها دِمَن

فانظر إِلَيهم فعين اللَه ناظرة ... هم الأَمانة وَالسلطان مؤتمن

وقال أحمد شوقي:

إِن أَنتَ أَطلَعتَ المُمَثِّلَ ناقِصاً ... لَم تَلقَ عِندَ كَمالِهِ التَمثيلا

فَاِدعوا لَها أَهلَ الأَمانَةِ وَاِجعَلوا ... لأولى البَصائِرِ مِنهُمُ التَفضيلا

وقال أعرابي اللهم إني أعوذ بك من الخيانة فبئست البطانة. وقال بعضهم: إذا لم تكن خائنا فبت آمنا. وقال الجاحظ: سقى الله قبر الأحنف، حيث يقول الزم الصحة يلزمك العمل. وقيل: من أحرز العفاف لم يعدم الكفاف.

 وقال معاوية رضي الله عنه: من ولّيناه أمرا فليلزم الرفيعين: الأمانة والعدل.

الأمانة عند البدو: هي من الأشياء التي يتفاخر ويعتز البدو بحفظها وأدائها في وقتها، وهي عندهم شيء عظيم جليل، قد يصل فقدانها أو ضياعها عندهم نهاية النفس في هذه الصحراء، فمن ضيع الأمانة دون قصد منه، فهو يتوارى عن أنظار أقاربه وقد يصل به الأمر للجنون أو الموت، فكل البدو يعتبرون الأمانة أغلى شيء في حياتهم وأكثر الأمور التي يجب أن تحتفظ وتصان حتى تأديتها على أكمل وجه، ولذلك يعامل البدو كل خائن ضيع أو استهان بالأمانة عامد ومتعمد، معاملة ازدراء واهانة وينعتوه بصفات مؤلمة، ولا يستحضروه في أمورهم وقضاياهم وشئونهم ولا يجلسوه في مجالسهم، ولا يتعاملوا معه بأي معاملة كانت، وأما من اشتهر منهم بصون الأمانة فينظرون له نظرة تبجيل واحترام وتقدير كبير، ويجعلوه على رأس قضاياهم وأمورهم، ولقد ضرب البدو أمثلة كثيرة ورائعة في حفظ الأمانة وصونها.

-----------

[1] تاج العروس من جواهر القاموس، الزبيدي، ص193، ج34

[2]المسند الموضوعي الجامع للكتب العشرة، صهيب عبد الجبار، نشر 2013م، ص218، ج2

[3] موسوعة الأخلاق الإسلامية، موقع الدرر السنية، مجموعة من الباحثين.

              

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم