قصة القصر الكبير

 قصة القصر الكبير؛


القصر الكبير مدينة في المملكة المغربية، تقع جنوبي إقليم العرائش، وهي مدينة تبتعد بنحو 30 كليومترا عن ساحل المحيط الأطلسي، وكذلك تقع المدينة على ضفاف نهر اللوكوس، والذي يحيط بها من جهتي الغرب والجنوب..

يذكر أن نشأة هذه المدينة لها قصة من قصص العرب التراثية,, حيث قيل قبل أكثر من 500 عاما، أن حكاية هذه المدينة بدأت في عهد المنصور ملك مراكش في حوالي سنة 1184م/ 579هـ.

حيث خرج الملك ذات يوم للصيد في البادية، وشاءت الأحوال أن تفاجئه أمطارٌ شديدة، وريح عاتية وظلام حالك، حتى افتقد حرسه وتوقف في مكان لا يدري أين هو. واضطر أن يقضي الليل في العراء.

وبينما هو كذلك لا يتحرك خوفا من يغوص في المستنقعات، رأى نورا يقبل عليه واذا به صياد تعود على أن يخرج لصيد سمك الانقليس من هذه المستنقعات، فقال له المنصور:

يا رجل هل لك أن تدلني على مخيم الملك؟ فأجابه الصياد بأن المخيم يبعد بنحو عشرة أميال من هنا.

ولما طلب منه الملك أن يصحبه إليه، قال له: " لو كنت أنت المنصور نفسه لما اصطحبتك إليه، لأنني أخشى أن تغرق في المستنقع".

فقال الملك: " وماذا يهمك من حياة المنصور؟"

فأجاب الصياد: "أوه.. يبدو لي بأن الملك جدير بالمحبة، فقال الملك: " لقد وصلك منه إذاً احسان كبير.." 

فرد الصياد: " أي احسان أكبر من أن يناله إنسان من ملك، أكثر من العدل والرفق الكامل والعطف الذي يبرهن عنه حكمه للرعية"..

وبفضل هذا استطيع أنا الصياد المسكين، أن أتمتع بفقري في سلام مع زوجتي وأسرتي الصغيرة.. وأخرج من كوخي في منتصف الليل، وأعود إليه متى شئت، فلا أجد أحدا يسيء إليّ أو لأحد غيري بأقل إساءة في هذا الوادي وهذه الأمكنة الخالية، وأنت أيها النبيل، أرجوك أن تقضي هذه الليلة في منزلي، وغدا في الصباح سأكون في خدمتك لأصحبك إلى حيث تريد.."

قبل الملك الدعوة وذهب مع الرجل الطيب إلى كوخه المتواضع، ولما وصلا رفع الصياد السرج عن فرس الملك وقدم لها العلف الكثير، ثم طبخ سمك  وقدمه للملك، الذي كان في هذه الأثناء قد جفف ثيابه بقدر الإمكان قرب موقد النار، ولما كان الملك لا يستطيع أكل السمك فإنه طلب من الصياد إن كان عنده قليل من لحم..!!

فأجابه الصياد (الرجل الفقير) إن كل ثروته عنزة وجديها الذي لا يزال رضيعا..! إلا أنني أعتقد أن من حسن حظ الذبيحة أن تقدم لحمها تشريفا لمثلك..وإذا لم يخدعني ظاهرك..فيبدو أنك أمير كبير..

ولم يلبث أن ذبح الجدي وأعده شواء..فتعشى الملك وأخذ قسطاً من الراحة حتى الصباح.. وفي الصباح انطلق مع مضيفه اللطيف كدليل.. وما كادا يخرجان من المستنقع حتى لقيا جماعة من الفرسان والصيادين مذعورين وهم يبحثون عن الملك، ويطلقون صرخات النداء..

وقد فرحوا جميعا برؤية الملك.. والتفت المنصور إلى الصياد وعرفه بنفسه، قائلا له سأتذكر لطفك دائما .. وفي أثناء توقف الملك بتلك الناحية أمر ببناء قصور مهمة وجميلة وعدد من البيوت. وأهداها للصياد مكافأة له ..

والتمس منه الصياد أن يسور هذه القصور والدور، الشيء الذي يدل أكثر على حلمه وكرمه.. وكان له ذلك..

وأصبح الصياد أميراً على المدينة الجديدة الصغيرة التي أخذت تكبر يوما بعد يوم، حتى أصبحت في وقت قصير تتسع أربعمئة كانون، بسبب خصوبة البلاد.

وقد تعود الملك أن يقضي الصيف كله في هذه الناحية، وكان هذا أيضاً عاملا من عوامل ازدهار المدينة .

وصف القصر:

يمر بجوار سور القصر الكبير نهر اللكوس الذي يفيض أحياناً حتى يدخل الماء من باب المدينة، وفي القصر كثير من الصناع والتجار، وعدد من الجوامع، ومدرسة أو مارستان، وخزانات للماء، وأهل القصر كرماء، ولباسهم حسن حيث يرتدون قطعاً كبيرة من قماش القطن على صورة غطاء الفرش يلفونها حول أجسامهم.

وتوجد خارج القصر حدائق كثيرة، وأراض بها ثمار جيدة، إلا أن العنب غالباً ما يكون رديء الطعم بسبب رطوبة الأرض، ويعقد يوم الاثنين في البادية سوق يقصده أعراب النواحي المجاورة.

ومن عادة أهل المدينة: أن يذهبوا خلال شهر مايو لاصطياد الطيور بالفخاخ في الضاحية فيصطادوا كميات كبيرة من اليمام.

المرجع/ كتاب وصف افريقيا، للفاسي، الطبعة الثانية، ص 303...

صورة مدينة القصر الكبير حاليا

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم