مواعظ أخلاقية وأدبية

 من تراثنا الإسلامي.. والأدبي.. الكثير من المواعظ نقتطف منها: 


1) حكاية عن الأصمعي:

يحْكى عَن الْأَصْمَعِي، أَنه قَالَ مَرَرْت بأعرابي وَهُوَ وَاقِف على مَقْبرَة فَقلت لَهُ يَا أَخا الْعَرَب مَا هَذَا الْموضع الَّذِي أَنْت فِيهِ فَقَالَ

(هذي منَازِل أَقوام عهدتهم ... فِي رغد عَيْش نَفِيس مَا لَهُ خطر)

(صاحت بِهن نائبات الدَّهْر فانقلبوا ... إِلَى الْقُبُور فَلَا عين وَلَا أثر)

عباد الله من كَانَ مصيره إِلَى الْقَبْر مَا للفرح إِلَيْهِ سَبِيل والقبر يُنَادِيه كل يَوْم يَقُول لَهُ لَا بُد لَك مني فَمَاذَا قدمت لي من عمل صَالح وأنشدوا

(أَجَارَ الدَّهْر لَيْسَ لَهُ جوَار ... وَحسن الظَّن بالدنيا اغترار)

(إِذا مَا رمت يَوْمًا كَانَ يَوْمًا ... وَنقص الْبَدْر غَايَته السرَار)

(ودع حرص الجبان على حَيَاة ... وأجمل إِن عمرك مستعار)

(وَذُو الآمال مِنْهَا فِي غمار ... وَعند الْمَوْت ينْكَشف الغمار)

(ويرجو الْمَرْء أَن يبْقى سليما ... ويأبى اللَّيْل ذَلِك وَالنَّهَار)

(وَهل تخطي الْمنية نفس حَيّ ... وهاديها رواح وابتكار)..


2)  حِكَايَة عَن الْحُسَيْن رضي الله عنه

قيل كَانَ الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ إِذا رأى الْقُبُور قَالَ مَا أحسن ظواهرها وَإِنَّمَا الدَّوَاهِي فِي بطونها

فَالله الله عباد الله لَا تشتغلوا بالدنيا فَإِن الْقَبْر بَيت الْعَمَل فاعملوا وَلَا تغفلوا وأنشدوا

(يَا من بدنياه اشْتغل ... وغره طول الأمل)

(الْمَوْت يَأْتِي بَغْتَة ... والقبر صندوق الْعَمَل)

أخي لَو رَأَيْت الْمَيِّت فِي قَبره بعد ثَلَاثَة أَيَّام لاستوحشت من فَقده بعد طول الْأنس بناحيته وَلَو رَأَيْت كَيفَ تجول فِيهِ الْهَوَام وَيجْرِي فِيهِ الصديد وتخرقه الديدان مَعَ تغير الرّيح وبلاء الأكفان بعد حسن الهيأة وَطيب الرّيح ونقاء الثَّوْب

وأنشدوا

(باتوا على قلل الأجبال تحرسهم ... غلب الرِّجَال فَلم تنفعهم القلل)

(واستنزلوا من أعالي عز معقلهم ... واسكنوا حفرا يَا بئس مَا سكنوا)

(ناداهم صارخ من بعد مَا دفنُوا ... ايْنَ الأسرة والتيجان وَالْحلَل)

أَيْن الْوُجُوه الَّتِي كَانَت محجبة ... من دونهَا تضرب الأستار والكلل)

(فافصح الْقَبْر عَنْهُم حِين سَاءَ لَهُم ... تِلْكَ الْوُجُوه عَلَيْهَا الدُّود يقتتل)

(قد طَال مَا أكلُوا دهرا وَمَا نعموا ... فَأَصْبحُوا بعد طول الْأكل قد أكلُوا)

فيا معشر الشَّبَاب تأهبوا للغدو إِلَى التُّرَاب فَإِن الشَّيْخ يَكْفِيهِ مُصِيبَة الشيب فَإِنَّهُ يمهد للقبر

وأنشدوا

(مَا للشيوخ وللغد ... وَإِلَى الملاهي والبكور)

(وهم غَدا أَو قبله ... أَو بعده حَشْو الْقُبُور)

 موعظة: نِدَاء الْقَبْر لساكنيه

عباد الله مَا من أحد لَا مُؤمن وَلَا فَاجر إِلَّا وقبره يُنَادِيه بكرَة وَعَشِيَّة إِمَّا بالبشرى وَالسُّرُور وَإِمَّا بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور فَمن فكر فِيهِ وَفِي وحشته وضيقه وغمته كَانَ عَلَيْهِ أوسع من الدُّنْيَا وَأَفْرج مِنْهَا وأبدله الله خيرا من دَاره وَأهلا خيرا من أَهله وَجعل الْقَبْر خيرا من دَاره فَأَكْثرُوا ذكره فِي الآناء والأوقات وَأَطيعُوا جَبَّار الْأَرْضين وَالسَّمَوَات عساه يَجعله لكم رَوْضَة من رياض الجنات ويقيكم فِيهِ الذل والحسرات

وأنشدوا:--

(قف بالمقابر وَاذْكُر وَإِن وقفت بهَا ... لله دَرك مَاذَا تستر الْحفر)

(ففيهم لَك يَا مغرور موعظة ... وَفِيهِمْ لَك يَا مغرور مُعْتَبر)

(كَانُوا ملوكا تواريهم قصورهم ... دهرا فوارتهم من بعْدهَا الْحفر)

(الدُّود يَأْكُل أَقْوَامًا منعمة ... نعم وَمن دونهَا الألواح والمدر)

(أعن رِضَاهُ ذَاك عَنْهُم أم على سخط ... هَيْهَات ضلت وحارت فيهم الْفِكر)

من كتاب/

بستان الواعظين ورياض السامعين، الجوزي المتوفي سنة 579هـ

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم