العين احدى النعم التي أنعم بها الله علينا نحن بني آدم، لكنّ الإنسان قد يسيئ لهذه النعمة، ومن ثم تعم الإساءة والضرر على بقية أعضائه وبذلك يكون من الخاسرين..
لماذا يستخدم الإنسان هذه النعمة "البصر" في إضرار نفسه..؟!
قال الله تعالى: {قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ} [ الأنعام:104]
وقال سبحانه وتعالى: { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36]
وقال سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور: 30].
العين التي لا تشبع من الاستطلاع والتتبع والمراقبة لما يلبسه جارك أو ما يشتريه أو يملكه، والعين التي لا تشبع من النظر فيما حرم الله، وتتبع العورات بالسر والعلن، العين التي لا تشبع من مراقبة الناس هذا من أين جاء، وهذا إلى أين يذهب، العين التي لا تشبع من التلصص والتعسس، تتبع لعقل وذهن تعيس، بمجرد أن تبصر العين حدث ما ترسله للمخ، فمن كان يتمع بمخ وعقل مؤمن قوي قاهر الوسواس والشيطان سيأمرها بالكف عن ذلك، ويأمرها بالأقلاع فوراً ويصدر أوامره للقلب القوي بالاستغفار والاستغفار والاستغفار..
العين التي لا تشبع من مراقبة عورات الناس، وأفعالهم، هي عين يتحكم فيها عقل بائس وقلب مريض، فزاده الله مرضاً، وعاهة، فازدات عينه شراسة لإكتساب المزيد من السيئات والمتاعب وتضليل الحياة وكثرة الضياع والتشتت والسقوط في حفر الظلمات وقيعان الهاوية..
العين التي لا تشبع من التلصص على مقتنيات الناس وتتبعهم .. لن تكون أبداً مجلبة لراحة البال، بل هي جالبةً الهموم والسيئات والمتاعب، وقد صدقت الحكمة التي تقول: "من راقب الناس مات هماً" ولكي لا تموت مهموماً فدعك من مراقبة عيناك هنا وهناك.. وأمرها تتأمل في نعم الله التي لا تحصى عدداً، واجعل عينك لا تشبع من التأمل في كلمات الله ومعجزاته فالكون رحب أمام عينيك والطبيعة جميلة ورائعة ومريحة للعقل والذهن والقلب والنفس، وأجعل عينك ساهرة في سبيل الله، وأمرها أن تكون عوناً لذلك..
وإنظر إلى ما قاله رسولنا صلى الله عليه وسلم: ( عينان لا تمسهما النار؛ عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله) وقال صلى الله عليه وسلم : (من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة) فاجعل عينك تحرس في سبيل الله وتبكي من خشيته وتستر إخوانك المسلمين في مجتمعك ليسترك الله في الحياة الدنيا وفي الحياة المستقر الآخرة..
وتأمل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: في قوله (أعوذ بكلمات الله التامات من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة) فالعين اللامة قريبة الشيطان لأنها مثله، وهما يلحقان الضرر للآخرين ويجلبان الضرر لأنفسهما.. والهامة من الهوام التي لها سموم، والعين اللامة كالشيطان وكالحية السامة..
كما قال رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه ؛ ( أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين ) حديث حسن
وقال أيضاً، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : العين حق . متفق عليه ، زاد مسلم : ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين.
إذا العين حق؛ فيا أخا العرب والإسلام، أتمنى أن تحاسب نفسك، وتمنع عينك من مراقبة الناس ومحاسدتهم فإن خطر العين واقع، فكفها وامنعها بإيمانك وصبرك وتقربك وتعبدك لله، واحفظ نفسك واحفظ أهلك وربعك وجيرانك، ولا تتبع خطوات الشيطان ونظرات العين وجشعها ولا تتبع شهوات الدنيا، فرزقك مقدر لك، والله يرزق من يشاء بغير حساب.. أتمنى أن يكف ويهجع أصحاب العيون الجشعة والنفوس المريضة ويتوبوا قبل أن تقفل أبواب التوبة ويوم لا ينفع الندم .
وقد قال الشاعر:
اصبِرْ على حسدِ العدوَِ فإن صبرَك قاتلُـهْ
فالنارُ تأكلُ نفسَها إن لم تجدْ ما تأكلُهْ
ولربما نال الفتى بالصبر ما لم يأملُـه
وقال أخر:
واحذر حسودك ما استطعت فإنه
إن نمت عنه فليس عنك براقد
إن الحسود وإن أراك توددًا
منه أضرّ من العدو الحاقد
وصدق ما جاء في السيرة النبوية؛
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
لو كان لابنِ آدمَ وادٍ من مالٍ لابتغى إليه ثانيًا ، و لو كان له واديان لابتغى لهما ثالثًا ، و لا يملأ جوفَ ابنِ آدمَ إلا الترابُ ، و يتوبُ اللهُ على من تاب.
الراوي : أنس بن مالك وابن عباس وعبدالله بن الزبير وأبو هريرة وأبو واقد وبريدة الأسلمي | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع..
والعين في الأمثال الشعبية لها نصيب؛ لان الكل عانى منها ومن آثارها :
فقالت العرب:
عينه ترمي الطير الطاير
عين الحسود فيها عود
عين وما صلت على النبي (عليه الصلاة والسلام)
ما وجع إلا وجع العين ولا هم إلا هم الدين
عيونه زرق وسنونه فرق
العين تغار من أختها
يخزي العين وما شاء الله..
عينه عين صقر، تنقر نقر
فلان عينه والقبر
حسدوا الأعمى على كبر عيونه
عينه فارغة
عينه ما ودها إلا مخرز
عينه تفلق الحجر
اللي عينك عليه، عيون الناس عليه
والعين في المجتمعين تصيب
ما ييجي إلا بالعين الحمرة ..