تغييرات جذرية في البوادي العربية |
التطور هو شيء بديهي في حياة الإنسان، وهذا هو التاريخ البشري يشهد ويقر بهذا التطور الذي يرافق الإنسان في مناطق معيشته ومراحل حياته، ولعلنا في هذه المقالة سوف أتحدث عن التطور والتغييرات الجذرية التي وقعت ورافقت الإنسان البدوي العربي في مناطق البوادي العربية، وقد طالت هذه التغييرات كافة المناحي الحياتية للبوادي، محدثة تطور سريع سوف نقوم بالتعرف على هذا التطور والتغييرات في سياق هذا الموضوع.. ابقوا معنا وأكمل القراءة..
بداية لا بد لنا أن نعرف أن هناك عوامل أساسية دخلت على مناطق البادية كان لها التأثير القوي في حدوث هذه التغييرات، فمثلاً ظهور البترول في منتصف القرن التاسع عشر في العالم، وبدء ظهوره في بداية القرن العشرين في الوطن العربي، فمثلا سنة 1927م في العراق، وفي سنة 1932م في البحرين، وفي سنة 1938م في الكويت والسعودية وقطر، وفي سنة 1962م في عمان و الإمارات وفي الجزائر سنة 1949م وفي ليبيا سنة 1958م، ومن هنا فإن عامل ظهور البترول كان له دور مؤثر في احدث تغييرات طالت كافة مناحي الحياة بشكل عام، والعامل الآخر هو عامل توطين البدو لاجبارهم على ترك حياة التنقل والترحال لأنها كانت تسبب متاعب وقلق للحكومات المحلية وايضا حكومات الدول الاستعمارية، فقد ظهرت أوائل سياسة التوطين في حوالي العام 1856م في فلسطين بعد انسحاب قوات ابراهيم باشا من الشام، وكان أسباب سياسة التوطين هو حفظ الأمن ومنع حدوث الحروب الأهلية، وفي الأردن ايضا في بداية القرن التاسع عشر، وفي المملكة العربية السعودية بدأ توطين البدو في العام 1912م، وفي مصر حدث التوطين في عهد محمد علي والي مصر حولي سنة 1835م..
اذا بدأت أعمال توطين البدو الرحل في مناطق قروية ذات حدود معلومة وأسماء ومسيمات موثقة، وفرضت عليهم الحكومات اختيار مخاتير محلية كما في الشام والعراق، وعمد (جمع عمدة) في مصر، ثم بدأ البدو يمارسون أعمال الرعي المستقر ثم الزراعة، وخضعوا لسيطرة الحكومات ثم دخلوا في التجنيد وقوات الأمن، ثم بدأ حدوث التطور الصناعي المحدود وظهر من البدو العمال والموظفين في هذه القطاعات.. من هنا بدأ البدوي يترك بيت الشعر ويبتني بيت الحجر القروي في مناطق الاستقرار.. لتبدأ مرحلة التغيير الجذري تكتسح مناحي الحياة في البوادي رويدا رويداً، بين مؤيد وبين معارض..
وهذه جملة من التغييرات الجذرية التي لمسنا وجودها في المجتمعات التي كانت بدوية فيما سبق..
- ففي دول الخليج لمسنا التطور الحضاري في البناء والرفاهية، فبدأت تُظهر الفتيات زينتهن ويظهرن بشعورهن، كونهن أصبحهن من طبقات المجتمع المدني الراقية إسوة بأهل المدن .. فيما كان هذا في الزمن الغابر لا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال..
- بدأت تنقرض سكنات البدو من بيوت الشعر، وأصبح كأنه رمز تراثي تراه في المناسبات فقط، وظهرت بدلا منه المباني الراقية وتمددت هنا وهناك، بفضل النهوض الاقتصادي، كما انقرضت مظاهر الرعي، وتحولت إلى مشروعات اقتصادية يعمل بها أشخاص من العمالة الوافدة..
- تفككت القبائل إلى عائلات، ولم يعد الفتى مجبرا على الزواج من بنت عمه، وهذا التغير طال جميع سكان البوادي العربية في كافة المناطق، ولم يعد أيضاً الزواج من داخل القبيلة أو العائلة اجباريا، بل صار مفتوحا في كل المجتمع فتوسعت علاقات المصاهرة والنسب وتمددت داخل وخارج المدن والدول..
- دخل أبناء البوادي مناحي الصناعة والمهن والتعليم، بأفواج متعاقبة ومتتالية، حتى صار الجد والأحفاد كلهم متعلمين وموظفين ذكورا واناثاً، وصار منهم الأطباء والمهندسين والمحامين والأساتذة والصناع والتجار، ورجال الساسة والنواب والأمن ،،الخ.. فيما كان هذا الأمر في سابق الزمن من لائحة المحظورات والممنوعات في النظام البدوي، حتى أن أهل البادية كانوا يعيبون المهن والصناعات ويستحقرون من يعمل أجيراً أو صانعاً.. ولكن هذا كله تغير الآن وأصبح البدوي فخوراً بتعليم أبنائه وبناته..
- ترك أبناء البوادي الكثير من العادات والتقاليد القديمة في الملبس والمأكل والمسكن والنظام العشائري، حتى أن الكثير منها انقرض ولم يعد الجيل الجديد يعرف عنها شيء، كما يبدو أنه لا يقبل بها أيضاً في ظل هذا التطور والتغيير مثل الأزياء التراثية لكلا الجنسين من الذكور والإناث، وكذلك تغير في اللهجة واللغة ايضا، وفي مظاهر الاحتفالات ومظاهر المناسبات الخاصة والعامة، لأن معظم العادات والتقاليد مرتبطة بالنمط المعيشي والاجتماعي، فكونه انقرض وتغيير ، فلابد من انقراض كل ما يتربط به..
- كان أهل البوادي لديهم نظام قضائي عشائري، يلجئون إليه وقت حدوث مشكلات بينهم، وكان أغلب أبناء البادية لديهم ثقافة كبيرة عن هذا النظام العشائري، ولكن وبسبب هذا التغيُّر الجذري، ترك أغلبهم هذا النظام وأصبح نظاماً رمزياً شكلياً، واستبدله الناس باللجوء للهيئات المحلية والأمنية والقضائية، وصار النظام القديم عبارة عن روتين تقليدي مكمل لما يتم في الهئيات المحلية الرسمية، وضاعت غالبية ثقافة ومصطلحات هذا النظام بنسبة لا تقل عن 70% من سكان المجتمع البدوي..
- انقرضت أيضاً المجالس والدواوين العشائرية، حيث أصبحت معظم العشائر لا تخضع لسيطرة "شيخ العشيرة" الذي كان فيما سبق هو الزعيم والقائد الذي يحرك العشيرة من موقع لآخر، فلما حدث التوطين اصبحت كل عائلة منفصلة يمثلها كبيرها في العائلة نفسها، وهو صاحب الرأي فيما يراه مناسبا لعائلته هو وافراد العائلة..