عشائر القيسية (الأردن فلسطين) :
عشائر قبيلة القيسية تتوزع في: مادبا (ذيبان), الكرك (الطيبة), جرش, برما,الطفيلة, وادي السير, عمان
يوردُ كتابُ (قاموس العشائر في الأردن وفلسطين) أسماء خمس عشائر في الأردن تحمل اسم القيسية وهي:
} عشيرة القيسية في الكرك ومأدبا (ذيبان) وبلدة خنريرة في منطقة الكرك (الطيبة), وأصلهم من بلدة السمُّوع في منطقة الكرك التي ارتحلوا منها إلى شرقي الأردن, والأرجحُ أن الوزير الفريق المتقاعد مصطفى القيسي ينتمي لهذا الفرع من عشيرة القيسية حيث استقرَّ جَدُّه في ذيبان منذ عقودٍ طويلةٍ .
} عشيرة القيسية في جرش وبرما وأصلهم من بلدة عجُّور في منطقة الخليل.
} عشيرة القيسية في الطفيلة وينحدرون من عشيرة الحميدات من قبيلة الجوابرة.
} عشيرة القيسية في الطفيلة وأصلهم من بلدة دورا الخليل ويشكِّلون مع عشائر المرافي والعمايره والهريشات والقوابعة والسواديس والدلابيح والجفوت والسودان والضباعين والعرضان والشول والطرمان والعوادين والخطبا والنظامين ما يُعرف بتجمِّعِ عشائر البحرات.
} عشيرة القيسية في وادي السير وأصلهم من دار صندوقة في بلدة الدوايمة القريبة من الخليل.
أما العشائر والعائلات التي تحمل اسم القيسي فقد أورد الكتابُ أسمَ عشيرة واحدة في شرقي الأردن تحمل اسم القيسي وتقيم في معان, وأصلهم من الحجاز.
وأوردَ الكتابُ أسماءَ ست عشائر فلسطينية تحملُ اسمَ القيسي يتوزَّعون على بيت جبرين والخليل وبئر السبع وطولكرم وبير زيت وجنين.
ويُعزِّزُ فريدريك. ج. بيك في كتابه (تاريخ شرقي الأردن وقبائلها) الرواية التي تردُّ قيسية الطفيلة إلى بلدة دورا الخليل, كما يُعزِّزُ هذه الرواية الباحثُ أحمد أبو خوصة في كتابه (العشائر الاردنية والفلسطينية ووشائج القربى بينها).
ويوردُ كتابُ (معجم العشائر الفلسطينية) لمؤلفه الباحث محمد محمد حسن شرَّاب أسماء (9) عشائر وعائلات فلسطينية تحمل اسم القيسي تتوزع على الرملة ومخيم العزة وبيرزيت ونابلس ومخيم جنين وسنجل والخليل وكفرعانه وبئر السبع, كما يوردُ اسمي عائلتين فلسطينيتين تحملان اسم قيسي في عرفة والرملة, ويوردُ اسمي عشيرتين تحملان اسمَ القيسية في الدوايمة والظاهرية, ولم يتطرق الباحث شرَّاب إلى الحديث عن وجود أو عدم وجود علاقات قربى بين هذه العشائر والعائلات فيما بينها أو بينها و بين أي منها مع قيسية الأردن.
ويشيرُ كتابُ (السياسية والتغيُّر في الكرك- الأردن) لمؤلفه بيتر جوبسر والذي ترجمه الوزير الدكتور خالد الكركي وراجعه الدكتور محمد عدنان البخيت إلى عشيرةٍ تحملُ اسمَ القيسية تسكن في الربَّة والإفرنج في منطقة الكرك, ولكنه لم يتطرق إلى الحديث عن وجود أو عدم وجود علاقة لهم بقيسية مأدبا وذيبان أو بقيسية فلسطين.
ويُعزِّزُ الدكتور أحمد عويدي العبَّادي في كتابه (مقدمة لدراسة العشائر الأردنية) الرواية التي تقولُ إنَّ قيسية الطفيلة هم أحد فروع عشائر الحميدات التي تضم العوران والحوامده والجرابعة والحناقطة والمهايرة والمصاروه والزغاليل والزريقات, ولكنه لم يتطرق إلى وجود أو عدم وجود علاقة لهم بقيسية مأدباً أو بقيسية فلسطين.
ويذكرُ كتابُ (الطفيلة.. تاريخها وجغرافيتها) لمؤلفه الباحث سليمان القوابعة أنَّ عشيرة قيسية الطفيلة من الحميدات يعودون بنسبهم إل¯ى عائ¯لة أب¯و الخير في منطقة الرملة, وأنَّ بعض أبناء هذه العائلة ارتحلوا إلى الطفيلة في أواخر القرن التاسع عشر وانتظموا مع عشائر الحميدات, ولكنه لم يتحدث عن وجود أو عدم وجود علاقة لهم بقيسية مأدبا أو بقيسية فلسطين.
ويذكرُ الباحث القوابعة أنَّ قيسية الطفيلة نزحوا إلى الطفيلة بعد منتصف القرن التاسع عشر وارتبطوا مع عشيرة البحارات بعلاقة المصاهرة, وأنهم قدموا إلى الطفيلة من دورا الخليل في مجموعتين الأولى هي عائلة جماعة صالح وهم فخذ من قطينة ويلتقون مع العمايرة بنسبهم, والثانية هي عائلة أبو نصر وهم فخذ من الشرحا.
ويوردُ كتابُ (الطفيلة- الإنسان والتاريخ) لمؤلفه الباحث فوزي الخطبا اسمَ عشيرة القيسية مع فروع عشائر الحميدات ومع فروع عشائر البحرات, ولكنه لا يتطرقُ إلى وجود أو عدم وجود علاقة قرابة بين قيسية الحميدات وقيسية البحرات أو بينهما أو بين أي منهما مع قيسية مأدبا وقيسية فلسطين, ولكنه يشيرُ إلى أن قيسية البحرات يعودون بأصولهم إلى بلدة دورا بمنطقة الخليل.
وما يسترعي الانتباه خلوَّ كتاب (تاريخ مأدباً الحديث) لمؤلفه الباحث سامي سلامة النحَّاس من الإشارة إلى عشيرة قيسية ذيبان - مأدبا في سياق حديثه عن عشائرمنطقة مأدبا.
ويشيرُ المؤرِّخُ مصطفى مراد الدبَّاغ في الجزء الرابع من القسم الثاني من كتابه (بلادنا فلسطين) إلى عشيرةٍ فلسطينية تحملُ اسمَ الحميدات تسكن بلدة العبَّاسية في منطقة يافا يقولون إنهم من أحفاد الملك الظاهر بيبرس ويرجِّح الدبَّاغ أنهم من بقايا المماليك.
ويورد كتاب (الصفوة - جوهرة الأنساب - الأردن ) لمؤلفه النسَّابة المحامي طلال البطاينه اسم عشيرة أردنية تحمل اسم القيسي , ويذكر أنها من عشائر منطقة معان - البادية الجنوبية , وأنهم قدموا من الحجاز وينحدرون من قبيلة قيس عيلان من العرب العدنانية , كما يورد أسماء أربع عشائر تحمل اسم القيسية , وهي :
1- القيسية ( القيسي) : من عشائر الكرك , قدموا إليها من دورا- الخليل, وتوزعوا في بلدة الطيبة في الكرك الخليل , وفي البلقاء , ويعودون بأصولهم إلى قيس عيلان من العرب العدنانية .
2- القيسية : من عشائر منطقة وادي السير قدموا إليها من الدوايمه - الخليل , ولهم فيها أقارب هم آل صندوقة .
3- القيسية : فرقة من البحارات بالطفيلة , قدموا إليها من الخليل , والتحقوا بالجوابرة مع البحارات , ومنهم من إلتحق بقبيلة بني حميده مع الحميدات بالطفيلة.
4- القيسية : من عشائر منطقة جرش ومنازلهم في بلدة برما, قدموا إليها من بلدة عجور - الخليل .
ومن الجدير بالذكر أن أحد أحياء جنوب عمان يحمل اسم حي القيسية وينتمي غالبية سكانه إلى عشيرة القيسية الخليلية الجذور .
ويذكر المؤرِّخ مصطفى مراد الدبَّاغ في الجزء الثاني من القسم الثاني من كتابه (بلادنا فلسطين) أن اسم القيسية كان يطلق على القبائل والعشائر التي تنحدر من العرب العدنانية , ويقابله اسم اليمنية أو اليمانية على القبائل والعشائر التي تنحدر من العرب القحطانية اليمنية , ويذكر الدبَّاغ أن هذا التصنيف ظهر للعلن في معركة مرج راهط , ولايفوتني ان اذكر النزاع الذي نشب في أواسط القرن التاسع عشر في فلسطين بين (اليمنية) من آل طوقان وحلفائهم وبين (القيسية) من آل عبد الهادي وحلفائهم , وانتهى النزاع بغلبة القيسية من آل عبد الهادي وحلفائهم , ولكن الدولة العثمانية خشيت أن يغري ذلك الأنتصار آل عبد الهادي على الخروج عليها , فجرَّدت جيشا وهاجمت آل عبد الهادي في معقلهم بلدة عرَّابة وخرَّبتها في عام 1859 م , وسمي ذلك العام بعام خراب عرَّابة
قيسية جرش وبرما قدموا من بلدة عجور في منطقة الخليل بفلسطين
قيسية الطفيلة ينحدرون من عشيرة الحميدات من قبيلة الجوابرة
قيسية الطفيلة قدموا من دورا الخليل وينضوون في تجمع عشائر البحرات
قيسية وادي السير قدموا من بلدة الدوايمة في منطقة الخليل وينحدرون من عشيرة آل صندوقة قيسية مادبا والكرك قدموا من بلدة السموع في منطقة الخليل بفلسطين.
بني قيس في فلسطين
العشائر القيسية كثيرة في فلسطين وتكثر ضمن جبل الخليل وأريافها نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
- عشيرة تسمى بالقيسي: وتتألف من صندوقة, عبدالحي, المحاسنة, السبع, العبيد, العرامين, أبوالسندس وغيرهم.
وكذلك هناك عشائر مهمة ترجع في أصولها إلى قيس عيلان مثل:
- السياعرة وفروعها العشائرية المختلفة وتحالفاتها التي تضم عشائر الحروب والجرادات والجرايشة والقديمات.
وهناك عشائر أخرى في هذه المنطقة مثل: الشرارات, دودين, الرجوب, المشارقة, الشحاتيت, البطوش, التلابين, الجواعدة, الشراونة, الخضور, الطويل, الشريف, الخطيب, القاحوش, أبوعرقوب, القمري, ربعي, النصار, الشرحة, الشنان, الهندي, خلاف وإعويمر وغيرهم.
وهناك أيضآ الطمايزة وتحالفاتها التي تضم عشائرالعواودة, العوضات, السليمية, البطران, العسود, الجياوي, فرح الله, الصوافية, أبوسعد, وغيرهم.
وفي بلدات مثل السموع وفيها قيسية مثل عشيرة العواودة وتتألف من:
- الدغيلي- النبهان- المحفوظ- المعيلش- النصار
والعواودة متواجدون بفروعهم العشائرية المختلفة في عدة بلدات
كذلك في السموع هناك عشائر الزعارير, الحوامدة, الخلايلة, الرواشدة, البدارين, المحاريق, العقيلي, الدغامين, السلامين, السيوفي وغيرهم.
وفي بلدة حلحول وفيها قيسية مثل: العناني, الملحم, العمور, الكرجات, البرابرة, الشواهين وغيرهم.
وفي بلدة بني نعيم وهم في جلهم عشائر قيسية مثل:
, المناصرة, الحراحشة والعمور.
وفي بلدة تفوح وفيها قيسية مثل: المطالقة, الزريقات, الصرايرة, العطيات, السدايدة, الزواتنة, الخمايسة والعطاونة.
وفي بلدة صوريف وفيها قيسية مثل: الحميدات, الغنيمات والبراذعية وغيرهم.
وفي بلدة بيت أمر وفيها قيسية مثل: أبوعياش, العلامي, الوهادين وغيرهم.
وفي بلدة سعير وفيها قيسية مثل: الجبارين, الكوازية, الشلالدة, الجرادات, اللهالية وغيرهم.
وفي بلدة الظاهرية وفيها قيسية مثل: عشيرة القيسيّة: وفروعها أبو جبين, أبو ديّة, حرب, وشنيور, وغيرهم.
وفي يطا وغيرها من قرى الخليل هناك عشيرة المخامرة حيث تنقسم الى:
- عوض -المسلم
وعشيرة الشعابين, حيث تنقسم الى:
- ابو صبحة. - الهريني. - بلل. - الهدار. - النواجعة. - ابو قبيطة. - إشريتح
وعشيرة الحريزات حيث تنقسم الى:
- ابوعلي. - العبدل. - الهروش. - البحيصات. - الزهور. - السميرات
وعشيرة الدعاجنة حيث تنقسم الى:
- عائلة غيث علما انه يوجد نفس الاسم في مدين
رواسب القيسية واليمنية في العصر الحديث في الشرق العربي:
عمدت قوى الاستعمار الحديث في الوطن العربي إلى تغذية النزاعات الجهوية والقبلية والطائفية تسهيلا لمهمتها في السيطرة على مقدرات العرب وسعيا لإبقائهم متخلفين عن ركب التطور، وكان من ثمرات ذلك الجهد الخبيث ما يتجلى هذه الأيام من نزاعات على الساحة السورية والساحة العراقية ومن قبله في لبنان والسودان من تطور للنزاعات الطائفية والمذهبية والمناطقية والزبائنية، وحيث أن السيادة في المجتمع العربي للقبيلة وحيث أن العقل العربي جاهز للشحن الطائفي والقبلي باستمرار، كانت جهود المستعمر تنجح غالبا في إثارة الفتن والنعرات.
إن ما تعانيه مناطق عديدة في عالمنا العربي من نزاعات وتشرذمات ما هي إلا استمرار لفتن قديمة منها القيسية واليمنية البغيضة ، وإن اختلفت تسميات العصبويات الراهنة، فقد كانت تقوم قديما بين العشائر السائدة منافسات مستمرة للحصول على مراكز سلطة محلية في المناطق وللمحافظة عليها وتعزيزها ، ولكسب الأنصار فيها وللسيطرة على مواردها المالية . وكثيرا ما كانت هذه المنافسات تؤدي الى نزاعات دموية ، وتنبثق منها أحيانا حروب محلية حقيقية . وكان الفرقاء في الخصومات بين الحمائل المتنافسة في البلدة الواحدة ، وفي المنازعات بين القرى أو المناطق المتجاورة ، وكذلك في المصادمات التي تقع في الجبل ، خصوصا في المناطق الواقعة شمالي القدس وجنوبها ، كثيرا ما يواجهون بعضهم بعضا تحت رايتي قيس ويمن ، ولذلك لا بد لنا أن نقدم هنا بعض الملاحظات حول الأهمية الحقيقية لهذا الانقسام ، مع ملاحظة أن جوانب هذه الظاهرة المتصلة بعلمي الأنساب والانثروبولوجيا لا تهمنا كثيرا هنا .
إن جذور الحزبية تكمن فيما توارثته العرب من أصل ثنائي مجد في أشخاص . فعـرب الشمال ( قيس ) وعرب الجنوب ( يمن ) يردون أصلهم الى جدين أوليين مختلفين ، الأولون الى عدنان ، والأخيرون الى قحطان ، بيد أن التنظيم النسبي لهذا الأصل المصنوع جرى من باب استرجاع الماضي ، بعد أن انقسمت القبائل العربية التي ازداد عددها الى حزبين على أساس " رموز مشتركة نصف مفقودة وجديدة " (1)وفي ظل هذا التقسيم الممعن في بعده عن الواقع الى عرب شمال وعرب جنوب جرت خصومات طويلة ومدمرة للذات في القرنين الأولين في التاريخ العربي الاسلامي ، ثم فقدت هذه العصبية الحزبية أهميتها السياسية العسكرية المباشرة ، ولم يعد هناك الا مكانان كما يقول " كاسكل " ظل فيهما التناقض بين قيس ويمن قائما بحدته الكاملة وبتشبث لا يصدق ، حتى مشارف العصر الحاضر ، هما لبنان وفلسطين . ولكننا اذا أردنا أن نفهم المشكلة فنحن لا نستطيع أن نتمسك بالتسميات وحدها ، فالنسبة " لباتاي " يمثل التنظيم الثنائي الذي يتجذر في هذا التقسيم الأول بين قيس ويمن مقولة أنثروبولوجية أساسية لفهم الهياكل الاجتماعية والعلاقات في المشرق العربي والاسلامي . إن التنظيم الثنائي ، التقسيم السياسي المبني على أساس النسب ، هو خاصيـة عامـة لثقافـة الشرق الأدنى ، وعلى نحو مماثل يشتق " شلهود " الهيكل الأساسي الثنائي للمجتمع البدوي من ثنائية حزبية ضخمة لتاريخية مشكوك فيها .
بيد أن ظواهرية باتاي لا تساعدنا أبعد من ذلك اذا كنا نريد أن نفهم الأهمية الذاتية والموضوعية لهذه العصبية الحزبية في فلسطين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر . وقد تتبع المؤلفون الفلسطينيون والأوربيون في القرن التاسع عشر والعشرين المرة تلو الأخرى جذور هذا التناقض بين قيس ويمن الى العصر السابق للاسلام . ولكنهم عندما كانوا يسألون في البلاد نفسها أؤلئك الذين ما زالوا يعيشون تقاليد هذه الحزبية ويعايشون مظاهرها المتشددة في نزعتها القتالية ومظاهرها التي لا ضرر منها في شكل عادات وأعراف ، فان الأشخاص المسؤولين إما انهم كانوا يتخبطون في إجاباتهم أو أنهم كانوا يرددون أساطير وخرافات مختلفة حول أصل الثنائية ، مرتبطة بأحداث التاريخ الاسلامي أو بصورة البطل عنترة أيضا .
إن التخطيط في تفسير هذه الظاهرة يستند بناء على ذلك الى أن التحزب بين قيس ويمن كان يعلو فوق جميع أشكال الوجود الاجتماعي ، والتكتلات الاجتماعية الأخرى . ففي الجانبين كان هناك فلاحون وسكان بدو وكذلك مسلمون ومسيحيون ودروز ، وكانت الحزبية تمر أفقيا كذلك عبر المناطق والمواقع ، بل إنها كانت تقسم العشيرة الواحدة ، أي أن الأمر كان يتعلق بمبدأ للانتماء والتحلل الاجتماعي في الوقت ذاتـه . وعنـد هـذه النقطـة يحاول " نيوقنهريتسه " تفسير الوظيفة الاجتماعية لحزبيات كهذه ، فيؤكد وجود تكامل في التنظيم الاجتماعي الثنائي ، تكامل بين الحوافز الرابطة والحوافز العدائية لكل من القرابة والحزب . وإن الحزب المزدوج يمكن اعتباره كمصحح لمبدأ القرابة بوصفه العامل المقرر في النظام الاجتماعي . إنه يعالج الانتشار الزائد عن الحد في وضوح التعبير ... بالسماح لوحدات منعزلة نسبيا في الدخول في علاقات بشروط تختلف عن صلـة القرابة . بيد أن الأمر لا يتعلق بصورة من الصور بتكامل لا مشاكل لـه ، كما تشهد بذلك نزاعات الولاء . ومع نشوء علاقات ولاء جديدة ( الجامعة الاسلامية ، القومية ، والأحزاب العصرية ) ترتب على هذه الحزبية القديمة أن تفقد بالضرورة أهميتها الاجتماعية السياسية . لكن هذا هو مجرد تفسير جزئي في سياق التنظيم الاجتماعي ، ومع ذلك فماذا كانت الأهمية الاجتماعية السياسية الملموسة لهذه الحزبية في القرن التاسع عشر في فلسطين ؟
يبدو لنا أن الحزبية كانت قد أصبحت في نهاية القرن التاسع عشر والى حد كبير جزءا من التراث الشعبي ـ الفلكلور ـ لقد هان شأنها بحيث غدت عادات وأعرافا متوارثة لا معنى لها من وجهة وظيفية ـ تشبه تلك التي يتمسك بها المرء بدافع من الوعي بالتقاليد ، ربما لأنها كانت تشرك الألعاب والألوان في نشاطات الحياة اليومية الرتيبة . ومفهوم اللون هنا ينبغي أن نفهمه حتى بمعناه الحرفي : الأحمر كان شعار قيس والأبيض شعار يمن . ففي الحروب وفي مواكب الأعراس ... الخ كانت تحمل الأعلام بألوانها الملائمة ، وفي الملابس أيضا كان الناس ينحون هذا المنحى ، وعلى سبيل المثال كانت العمامة القيسية الأصيلة مقلمة باللونين الأحمـر الغامـق والأصفـر ، والعمامـة اليمنيـة باللونين الأبيض والوردي . وقد تنـاهـت الينـا اختلافـات محليـة متنوعـة في عـادات العـرس بين اليمنيين والقيسيين( أو بالعكس ) ، فاذا تزوجت مثلا قيسية من يمني من قرية أخرى فانها كانت تلف في قريتها بثوب ظاهره أحمر ، وتساق على جمل ، وحالما تدخل حدود بلدها المقبل ، كان العريس الذي ينتظرها هنا ، يترك لأهله أن يقوموا بخلع الثوب باستعمال القوة ظاهريا ثم قلبه على الوجه الآخر حتى يبدو اللون الأبيض الذي بداخله أو كان يعطيها ثوبا أبيض .
واذا حل يمني ضيفا على قيسي وقدمت الهيطلية فان القيسي كان يصب العسل أو الدبس عليها لكي يغطي اللون الأبيض اليمني . ولم يعد الأمر مجرد فلكلور عندما كانت النساء اليمنيات يعمدن في خصومة بين الحزبين في البيرة الى ضرب ديك أحمر على مرأى من النساء القيسيات فتقوم الأخيرات بامساك ديك أبيض ، ويضربنه بدورهن رمزا للتحقير والاهانة المتبادلة .
وكانت هناك أغنية " على الرابعية " التي تتحدث عن الصراع القوي الذي كان بين قيس ويمن والذي استنفذ الكثير من الأموال والأفراد واستمر الى فترة طويلة ، وأغلب التفسيرات " للرابعية " هي الاتجاه الى قرى دورا والقرى المجاورة لها في منطقة الخليل ، ومما جاء في هذه الأغنية :
عالـرابعيـة عالـرابعيـة والـرايـا بيضـاء للخليليـة
عالـرابعيـة عالـرابعيـة واحصلوا يا العدا ما هي ردية
واسندوا البارود ع لعامـود واطلع يا أبو فلان بعزوة قوية
واسندوا السلاح ع المراح واطلع يا أبو فلان بعزوة جراح
إن الطابع المتفسخ للحزبية يتضح في مثل آخر من الحياة اليومية ، أراد القنصل الفرنسي في نهاية الخمسينات أن يبيت في الرملة مع مرافق قيسي من أهل البلاد ، وكانت الرملـة " يمنية " ولذلك فان الرجل فضل أن ينام في اللد المجاورة ، وقال : ليس هذا كرها ، ولكن هذه الحزبية هي تقليد وضعه الله وعريق في القدم .
ولكن لماذا ظلت هذه الحزبية ذات أهمية اجتماعية سياسية مباشرة في فلسطين في الحمسينات والستينات من القرن التاسع عشر على الأقل ، ولماذا فقدت هذه الأهمية في العقود التالية ؟ إن الاجابة على هذين السؤالين يجب أن نبحث عنهما في سياق الخصومات التي دارت للسيطرة على مناطق الجبال ، لقد استعملت الحزبية الخرافية ورموزها من الألوان والأعلام كأدوات في النزاعات المحلية في المنطقة الجبلية ، في نواح منفـردة وفي قرى منفردة . وبمـا أن التقسيـم الى قيس ويمـن كـان أداة لهـذه النزاعات وليس جوهرا لها
فان العشائر المنفردة أو أقساما منها كانت تبدل الأعلام حالما كانت تتوسم جني مغانم مباشرة من وراء ذلك . وكمثال على هذا ، فعندما ثارت فئة من عشيرة اللحام القيسية في الخمسينات أي في القرن التاسع عشر ، في قـرى العرقوب ضد عثمان اللحام بقيادة شخص يدعى عطاالله ، لم يستطع عطاالله أن يجـد أنصارا وتأييدا من الخارج الا بانتقال الى صفوف اليمنيين . وانه لمن الأرجح بكثير أن آل النمر انحازوا الى القيسيين وآل طوقان انحازوا الى اليمنيين ليستطيعوا حشد أنصارهم في البلاد ، وليس لأن الحزبية كما يرى دروزة قد لعبت دورا في التنافس بينهما . وبالنسبة لبدو فلسطين أيضا يؤكد أوبينهايم أن " الانقسام بين قيس ويمن ... لم يكن موروثا الا في حالات قليلة ... فقد كان يطعم بالاحرى على أساس علاقات الجوار أو الصداقة . ولذلك فان الانتماء الى نسب معين لم يكن يتطابق في بعض الأحيان والانتماء الحزبي , وكانت قبائل من أصل واحد موزعة بين كلا الحزبين
صحيح أن رايات قيس ويمن وحدت بين المسلمين والمسيحيين وكذلك بين البدو وسكان المدن والفلاحين ، لكنها قسمت العشائر والقرى والمناطق خدمة لمصالح الزعماء المتنافسين . ان الفلاحين الذين كان زعماء العشائر المسيطرة يدعونهم الى القتال لم يستفيدوا في أغلب الظن من " انتمائهم الحزبي " أما المستفيدون فكانوا العشائر المنتصرة والبدو المتحالفين معها الذين استطاعـوا على هـذا الوجـه أن يشاركـوا في النهب والسلب بطريقة " مشروعة " وكان المستفيدون في جبل القدس وجهاء القدس المتحالفين مع الزعماء المحليين . ان ثنائية قيس ويمن اتاحت الامكانية لتشكيل " عصبية عليا " شاملة خرافية اسطورية تعلو على عصبية العشائر ، حتى ولو أن هذه كانت كثيرا ما تصل بتبديل الجبهات الى حدود السخف والبطلان .
وبناء على ذلك فانه عندما انتهى " حكم الشيوخ " في الستينات أي في القرن التاسع عشر ، وعندما اندمجت مراكز السلطة المحلية في الهياكل الادارية الجديدة ، فقدت حزبية قيس ويمن اهميتها السياسية وشبه العسكرية ، وقل شأنها أكثر وأكثر حتى هبطت الى مستوى عناصرها الفلكلورية . صحيح أنه ظلت تجري اشتباكات بين القرى أو في داخل القرى كان يقف فيه القيسيون واليمنيون وجها لوجه كما كان عليه الأمر من قبل . الا أن النزاعات لم تعد تتسع ، والحزبية لم تعد تخسر لخدمة الصراعات المحلية على السلطة .
وفي وسعنـا ان نتخلى هنـا عـن ذكر انتماء القرى أو العشائر المختلفة الى حزب مـن " الحـزبيين " وعـن تفصيلات خصوماتها وتبديلها الجبهات لأن مريام هوكستر قد انجزت من قبل جميع المعلومات المتناثرة المتعلقة بهذا الأمر ، ولكن ما زال علينا أن نشير الى الأهمية الاقليمية المتباينة الحزبية . ليست لدينا عن الجليل والسهول الساحلية بصرف النظر عن الرملة وللد ، أي معلومات تذكر ، وهذا يشير من جديد الى أن ثنائية قيس ويمن لم تلعب دورا الا حيث كانت هناك خصومات بين الزعماء الى ما بعد بداية عقد الستينات ، أي القرن التاسع عشر وفي المنطقة الجبلية الوسطى بالذات . وقد رأى بعض المعاصرين في الحزبية مشكلة نوعية خاصة بجنوب فلسطين .
وكانت ثنائية قيس ويمن في جبل نابلس وجبل الخليل أقل أههية ، ولو كان ذلك لأسباب مختلفة أيضا . وازدادت أهميتها في جبل القدس . وفي جبل الخليل كان هنالك فعلا هذا التحديد الموروث للهوية ، الا ان المنافسات والصراعات المحلية لم تدر على جبهة قيس ويمن لأن سكان الخليل كانوا كلهم بلا استثناء تقريبا قيسيين . ( دعيت الناحيتان اللتان كان يسعى الى السيطرة عليهما في ماكالستر وماسترمان بالقيسية التحتا والقيسية الفوقا ) . بيد أن الحزبية لعبت دورا هنا في النزاعات مع العشائر التي كانت تسكن في النواحي المتاخمة من الشمال .
وكانت هياكل السلطة المحلية في جبل نابلس تختلف عن نظيرتها في جبل القدس من حيث أن الصراعات هناك ( نابلس ) لم تكن تدور في الغالب حول السيطرة على منطقة أو أخرى فقط ، بل كانت تدور أيضا حول مركز السيطرة في الجبل كله ، وبعبارة أخرى حول منصب الحاكم في نابلس . ولذلك فان المتنافسين الأقوياء كآل جرار وعبد الهادي وطوقان كانت حاجهتم الى اخفاء أعوانهم وراء الرايات الحمراء والبيضاء تقل باضطراد بل انهم لم يكونوا في حاجة الى ذلك ايضا . لقد كانوا من القوة بحيث استطاعوا أن يشكلوا حزبيات أكثر شمولا تحت أسمائهم هم ( في لبنان لم يعد يدعى الحزبان حتى منذ سنة 1711 بقيس ويمن بل بيزبك وجنبلاط ) الا أن الفلاحين في جبل نابلس كانوا يعبأون ايضا باسم قيس ويمن ، لأن هذا التحزب كان ما يزال حاضرا في اذهان جزء من سكان الريف على الأقل .
أما في جبل نابلس فلم يكن الأمر يتعلق بالسيطرة على المنطقة الجبلية باسرها ، بل على القدس ، كان وجهاء القدس ينتمون الى شريحة اجتماعية تختلف عن شريحة الزعماء المحليين في الريف ، لكنهم حاولوا أن يجنوا مغانم من وراء ارتباطاتهم بالعشائر والكتل في المناطق المحيطة بهم ، وعلى هذا النحو كان الوجهاء يعكسون الانحيازات الحزبية أو أنهم استفـادوا منهـا على الأقـل . وهكـذا اعتبر آل الخـالـدي قيسيين وآل الـحسني يمنيين .
أما في المنطقة الجبلية حول القدس فالأمر كان يتعلق في الدرجة الأولى بتعزيز المراكز المحلية الضيقة لا بـ " حكومة " الجبل ومدينته المركزية . ولذلك فقد كان من الضروري أن يعول بازدياد على ثنائية قيس ويمن لتقام الأحلاف ويعبأ الفلاحون .
ومن الجائز أن عاملا آخر يلعب دورا كذلك وهو أن سكان جبل نابلس وجبل الخليل كانوا في كثرتهم الساحقة من المسلمين ، أما جبل القدس فكان فيه قسم لا يستهان به من المسيحيين ، على أن الفرق بين المسيحيين والمسلمين لم يكن ذا شأن تحت رايات القيسية واليمنية ، وبهذا المعنى المحدود أدت الحزبية حتى وظيفة اجتماعية في الدمج بين فئات السكان . أما القناصل الأوروبيون الذين كانت تصبو نفوسهم الى تعزيز العصبية الدينية فنظروا الى هذا طبعا بانزعاج . وقد لاحظ ممثل فرنسا غاضبا أن " الانتماء الحزبي " الذي يفصل بين السكان كان عند كاثوليك بيت جالا أقوى من الانتماء الى العقيدة المشتركة .
وآخر صفحة من صفحات هذه العصبية البغيضة في الديار النابلسية هي الحروب التي قامت بين ( آل طوقان ) و ( آل عبد الهادي ) في منتصف القرن التاسع عشر . فكان الأولون يمثلون ( اليمانيين ) والأخرون ( القيسيين ) . فاز القيسيون ( آل عبد الهادي ) وحلفاؤهم على اليمانيين عند " خروبة " بالقرب من جنين . ولكن الحكومة العثمانية رأت أن تضع حـدا لهذه العصابات لتثبت وجودها وحكمها . فارسلت جندها الى جبل نابلس وهاجمت " عرابة " معقل أسرة عبد الهادي ودمرتها والحقت بهم خسائر عظيمة ، فمعركة " خروبة " و " خراب عرابة " في سنة 1859 كانت نهاية الحروب بين قيس ويمن في هذه البلاد ولم نسمع بعدئذ بمثل هذه التسمية للآن.
إقرأ موضوع أسماء العائلات القيسية في فلسطين