تعريف الشهرة:
التاريخ والشهرة
جاء في التاج: «الشُّهْرة: ظهور الشيء في شُنْعة ... وقد ذكر الجوهري أن الشُّهْرَة: وضوح الأمر»، دون أن يقيِّده بالشُّنْعة، وفي الوسيط: «الشُّهْرة: ظهور الشيء وانتشاره»، وبهذا يصح المعنى المرفوض بنوع من توسيع المعنى، الصواب والرتبة:-له صيت واسع بين الناس [فصيحة]-له شُهْرَة واسعة بين الناس [صحيحة] (معجم الصواب اللغوي، أحمد مختار عمر، ج1، ص477)أي أن الشهرة لغة تتضمن معنى ذيوع الشيء ووضوحه. ومنه قولهم: شهر فلان سيفه، وسيف مشهور. وقد أطلقت (الشهرة) باصطلاح أهل الحديث على كل خبر كثر راويه على وجه لا يبلغ حد التواتر. والخبر يقال له حينئذ: (مشهور).
قال ابن خلدون: " حال الشّهرة والصّيت فقلّ أن تصادف موضعها في أحد من طبقات النّاس من الملوك والعلماء والصّالحين والمنتحلين للفضائل على العموم وكثير ممّن اشتهر بالشّرّ وهو بخلافه وكثير ممّن تجاوزت عنه الشّهرة وهو أحقّ بها وأهلها وقد تصادف موضعها وتكون طبقا على صاحبها والسّبب في ذلك أنّ الشّهرة والصّيت إنّما هما بالإخبار والإخبار يدخلها الذّهول عن المقاصد عند التّناقل ويدخلها التّعصّب والتّشييع ويدخلها الأوهام ويدخلها الجهل بمطابقة الحكايات للأحوال لخفائها بالتّلبيس والتّصنّع أو لجهل النّاقل ويدخلها التّقرّب لأصحاب التّجلّة والمراتب الدّنيويّة بالثّناء والمدح وتحسين الأحوال وإشاعة الذّكر بذلك والنّفوس مولعة بحبّ الثّناء والنّاس متطاولون إلى الدّنيا وأسبابها من جاه أو ثروة وليسوا من الأكثر براغبين في الفضائل ولا منافسين في أهلها وأين مطابقة الحقّ مع هذه كلّها فتختلّ الشّهرة عن أسباب خفيّة من هذه وتكون غير مطابقة، وكلّ ما حصل بسبب خفيّ فهو الّذي يعبّر عنه بالبخت كما تقرّر والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التّوفيق.." (كتاب تاريخ ابن خلدون، ج1، ص344)..
كراهية الشهرة:
مثال/ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: خَرَجْتُ حَاجًّا أَنَا وَشَيْبَانُ الرَّاعِي فَلَمَّا صِرْنَا بِبَعْضِ الطُّرُقِ إِذَا نَحْنُ بَأَسَدٍ قَدْ عَارَضَنَا، فَقُلْتُ لِشَيْبَانَ: أَمَا تَرَى هَذَا الْكَلْبَ قَدْ عَرَضَ لَنَا فَقَالَ لِي: لَا تَخَفْ يَا سُفْيَانُ، ثُمَّ صَاحَ بِالْأَسَدِ فَبَصْبَصَ وَضَرَبَ بِذَنَبِهِ مِثْلَ الْكَلْبِ، فَأَخَذَ شَيْبَانُ بِأُذُنِهِ فَعَرَكَهَا فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذِهِ الشُّهْرَةُ؟ لِي: وَأَيُّ شُهْرَةٍ تَرَى يَا ثَوْرِيُّ، لَوْلَا كَرَاهِيَةُ الشُّهْرَةِ مَا حَمَلْتُ زَادِي إِلَى مَكَّةَ إِلَّا عَلَى ظَهْرِهِ. ( كتاب سير السلف الصالحين، الأصبهاني، ج3، ص1016).
*رأي بعض العلماء في ذم الشهرة وعدم السعي في طلبها: (من مقال د. عبد الرحمن العصيمي)
1. عن شهر بن حوشب قال: "من ركب مشهورًا من الدواب ولبس مشهورًا من الثياب أعرض الله عنه وإن كان كريمًا"
2. قال البيهقي: "كل شيء صير صاحبه شهرة ، فحقه أن يجتنب "
3. وعن بُريدة بن الحصيب يقول: "شهدت خيبر، وكنت فيمن صعد الثُّلْمَةَ، فقاتلت حتى رئي مكاني، وعلي ثوب أحمر، فما أعلم أني ركبت في الإسلام ذنباً أعظم علي منه. أي الشهرة ".
4. عن سفيان الثوري قال: "إياك والشهرة؛ فما أتيت أحدًا إلا وقد نهى عن الشهرة"
5. وقال إبراهيم بن أدهم: "ما صدق اللهَ عبدٌ أحب الشهرة".
6. وقَالَ أيوب السختياني: "مَا صدق عبد قط، فأحب الشهرة"
7. وقال بشر بن الحارث: مَا اتقى الله من أحب الشهرة".
8. وقال أحمد بن عاصم الأنطاكي: "الخير كله أن تزوى عنك الدنيا، وَيُمَنَّ عليك بالقُنُوع، وَتُصْرَفَ عنك وجوه الناس".
فهذا نهج سلف الأمة في بُعدهم عن الشهرة وهروبهم منها، ثم يأتيك من يلقب نفسه، ويضفي عليها في لقاءاته ومقابلاته بأنه المشهور أو المشهورة .. (صيد الفوائد، بقلم د. عبد الرحمن بن دخيل العصيمي)
أنواع الشهرة :شهرة إيجابية أو حسنة مثلا كشهرة طبيب ناجح في معالجة المرضى، وشهرة سلبية أو سيئة، والشهرة المزيفة أو الكاذبة وهي التي يكون لا أصل لها في الواقع مثل شهرة بعض الأنماط الاستعمارية، والشهرة المتوارثة ذات الأصل التاريخي وهذه شهرة أصيلة مثل شهرة قبيلة بني عامر بن صعصعة، وشهرة قبيلة بني هلال، وشهرة قبيلة قريش، وما شابه، وشهرة الحضارة الإسلامية، وشهرة بعض الوقائع والمعارك أو شهرة بعض القلاع والحصون، أو شهرة بعض الكتب القيمة مثل شهرة معجم البلدان لياقوت الحموي..
- فقد يكون الرجل جهير الاسم ذائع الصيت ولكنها شهرة لا تتصل بالنفع العام أو بخدمة الناس، وقد تكون الشهرة بالطغيان مثلا في الثراء وفى ظلم الناس واضطهادهم والإساءة إليهم..
- قد تشتهر قبيلة باسم معين مغاير ومختلف عن اسم نسبها الأصلي، وقد تشتهر رحلة أو هجرة أو غزوة باسم معين أيضاً لا يعبر بشكل كامل عن جميع المشاركين فيها ..
حدود الشهرة: للشهرة أيضاً حدود اما ضيقة ومحدودة وإما واسعة النطاق، مثلاً: شهرة محدودة في منطقة معينة في قرية أو مدينة أو قبيلة ، وشهرة واسعة النطاق يعني في كافة أنحاء الدولة مثلاً أو في مجموعة من الدول، وهناك شهرة قصيرة من ناحية المدة يعني لفترة محددة ثم تنتهي، وهناك شهرة طويلة أو دائمة مستمرة..
وقت الشهرة: فالشهرة قد تكون مبكرة وقد تكون متأخرة وقد تكون مخطط لها وقد تكون صدفة ..
أسباب الشهرة : متنوعة ومنها: حدث - أو فعل - أو قول كالشعر أو الخطابة - أو مهنة - أو كتاب- أو موقع الكتروني ... إلخ
اسم الشهرة والتاريخ:
الشهرة بلا تاريخ : أشياء كثيرة لها شهرة لكن ليس لها تاريخ، يعني ليس لها تأريخ محدد وليس لها مراحل تاريخية وليس لها أساس في علم التاريخ مثل بعض القصص المشهورة والتي ليس لها أصل تاريخي حقيقي مدون أو معروف، وهي تلك القصص التي تسمى خرافات وأساطير بالرغم من شهرتها وكثرة الحديث عنها..
تاريخ بلا شهرة: وعلى عكس النقطة السابقة هناك أشياء تاريخية مدونة لا تحظى بشهرة مناسبة لحجم سردها وأحداثها التاريخية، وهناك وقائع تاريخية عديدة فقدت شهرتها لسبب من الأسباب المقصودة أو غير المقصودة فبقيت كأنها حروف متناثرة يشعر أنها محفوفة بالغموض والتكتم.
تاريخ وشهرة: هناك أيضاً تتزامن الشهرة والتاريخ معاً، في قصة أو في سيرة أو موقع أثري أو في حدث سياسي أو ديني معين أو في غير ذلك من الأمور والأشياء الأخرى..
لا تاريخ ولا شهرة: بعض الأشياء والحقائق التي ضاعت وفقدت على الرغم من وجود علامات معينة على وجودها الفعلي؛ كبواقي الآثار المطموسة وبعض الوثائق المتهالكة وفي بعض السطور التي حرفت وصحفت، ولم يستدل على تفسيرها وفهمها واسمها، وكلها تقع ضمن مفهوم المفقودات و المجهول، فبعض الكتب لم يعرف مؤلفوها، وبعض المؤلفين ضاعت كتبهم ومؤلفاتهم..
مصادر ومراجع:
1- (معجم الصواب اللغوي، أحمد مختار عمر، ج1، ص477)
2- (كتاب تاريخ ابن خلدون، ج1، ص344)
3- ( كتاب سير السلف الصالحين، الأصبهاني، ج3، ص1016)
4- (صيد الفوائد، بقلم د. عبد الرحمن بن دخيل العصيمي)