الكلام في انقسام أجذام العرب جملة


يقول ابن حزم الأندلسي المولود في قرطبة بالأندلس سنة 384هـ/994م والمتوفي سنة 456هـ/1064م، في كتابه المسمى جمهرة أنساب العرب، وكتابه يعد من المراجع وأمهات الكتب في الأنساب، فيقول ما يلي:

أن جميع العرب يرجعون إلى ولد ثلاثة رجال: وهم عدنان، وقحطان، وقضاعة.

فعدنان من ولد إسماعيل بلا شك فى ذلك، إلاّ أنّ تسمية الآباء بينه وبين إسماعيل قد جهلت جملة. وتكلم فى ذلك قوم بما لا يصحّ؛ فلم نتعرض لذكر ما لا يقين فيه؛ وأمّا كلّ من تناسل من ولد إسماعيل-عليه السلام-فقد غبروا ودثروا، ولا يعرف أحد منهم على أديم الأرض أصلا، حاشا ما ذكرنا من أنّ بنى عدنان من ولده فقط.

وأما قحطان، فمختلف فيه من ولد من هو؟

 فقوم قالوا: هو من ولد إسماعيل -عليه السلام-. وهذا باطل بلا شك، إذ لو كانوا من ولد إسماعيل، لما خص رسول الله-صلى الله عليه وسلم-بنى العنبر بن عمرو بن تميم بن مرّ بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان بأن تعتق منهم عائشة.

وإذ كان عليها نذر عتق رقبة من بنى إسماعيل، فصحّ بهذا أنّ فى العرب من ليس من ولد إسماعيل. وإذ بنو العنبر من ولد إسماعيل، فآباؤه بلا شك من ولد إسماعيل؛ فلم يبق إلاّ قحطان وقضاعة.

وقد قيل إنّ قحطان من ولد سام بن نوح؛ والله أعلم؛ وقيل: من ولد هود عليه السلام؛ وهذا باطل أيضا بيقين قول الله تعالى: {وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً} وقال تعالى: {وَأَمّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ. سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ. فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ}. وهود، عليه السلام، من عاد، ولا ترى باقية لعاد.

والذى فى التوراة من أنه قحطان بن عامر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح، عليه السلام فقد بيّنّا فى كتابنا الموسوم ب‍ «الفصل» يقين فساد نقل التوراة، عند ذكرنا ما فيها من الكذب الظاهر، الذى لا مخرج منه، وأنها مصنوعة مولدة، ليست التى أنزل الله تعالى على موسى-عليه السلام-ألبتّة.

وأما قضاعة فمختلف فيه: فقوم يقولون: هو قضاعة بن معد بن عدنان، وقوم يقولون: هو قضاعة بن مالك بن حمير؛ فالله أعلم.

ووجدنا فى كتب بطليموس، وفى كتب العجم القديمة، ذكر القضاعيين ونبذة من أخبارهم وحروبهم. فالله أعلم أهم أوائل قضاعة هذه وأسلافهم، أم هم غيرهم.

وبلاد قضاعة متّصلة بالشأم، وببلاد يونان والأمم التى بادت ممالكها بغلبة الروم عليها، وببلاد بنى عدنان، ولا تتّصل ببلاد اليمن أصلا. إلا أن الذى يقطع به، ويثبت، ويحقق، ويوقن، فهو أنه ليس على ظهر الأرض أحد يصل نسبه بصلة قاطعة، ونقل ثابت، إلى إسماعيل، ولا إلى إسحاق-عليهما السلام- نعنى ابنى إبراهيم خليل الله-صلى الله عليه وسلم-فكيف إلى نوح؟ فكيف إلى آدم؟ -عليهما السلام-هذا ما لا مرية فيه! وقد ظنّ قوم من فرقة، أن [رأس] الجالوت يصل نسبه إلى إسحاق عليه السلام، وليس كما ظنّوا، وقد بيّنّا البرهان على كذب هذا الظنّ، وعلى أن نسب داود، عليه السلام، لا يصل إلى إسحاق، فى كتاب «الفصل»؛ فأغنى عن إعادته. فأثبتنا الصحيح، وألغينا المشكوك. وبالله تعالى التوفيق.

وأمّا الذين يسمّونهم العرب والنسّابون العرب العاربة كجرهم، وقطورا، وطسم، وجديس، وعاد، وثمود، وأميم، وإرم، وغيرهم، فقد بادوا؛ فليس على أديم الأرض أحد يصحّح أنه منهم، إلا أن يدعى قوم ما لا يثبت. وكذلك سائر ولد إبراهيم-صلى الله عليه وسلم-كمدين بن إبراهيم، وسائر إخوته؛ وكذلك بنو عمّون المنسوبون إلى لوط عليه السلام. وكذلك ولد ناحورا أخى إبراهيم عليه السلام. وكذلك ولد عيصو بن إسحاق عليه السلام؛ فليس على وجه الأرض أحد يقال: «هذا منهم»، على ما كانوا فيه من كثرة العدد.

فسبحان هادم الممالك، ومبيد القرون، ومفنى الأمصار، وماحى الآثار، الذى يرث الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين.. انتهى كلام ابن حزم..

وأما النسابة هشام بن محمد أبي النضر ابن السائب ابن بشر الكلبي المولود في الكوفة بالعراق سنة 110هـ والمتوفي سنة 204هـ وقد ألف نحو 150 كتاباً في الأنساب والأخبار والتاريخ والجغرافيا والتراث العربي والثقافة العربية في عصره،  فقد قال عن نسَبُ قَحْطَان ما يلي:

عَوْنك يارَبّ قال هِشَام بن مُحَمِد بن الكَلْبيّ: وَلَدَ قَحْطَانُ بن عَابِر بن شَالِخ بن أَرْفَخْشذ بن سَام نًوْحٍ: ويقال قَحْطَانُ بن الهَمَيْسع بن تَيِمن بن نَبْت بن إسماعيل بن إبرَاهِيم الخَلِيل : (المُرْعِفَ، وهو يَعْرُبُ؛ وَلأّياً، وجَابِراً، والمُتَلَمَّس، والعَاصِي، وغَاشِماً، والمُتغَمْشِر، وعَاصِباً، والقَطَامِي، ومُعَزَّزاً، وظَالِماً، والحَارِثَ، ونُباتَةَ. فَهَلَكوا كلهم إلا ظَالِماً).

فأَما نُباتَةُ فإنهم دخلوا في الرُحبة من حِمْيَر.

وأما الحًارِثُ فَوَلَدَ فيما يقال لهم: الأَقيَّون وهم رَهْط حَنْظَلَة بن صَفْوانَ من أهل الرَّسِ. والرَّسُ فيما بين نَجْران واليمن من حضرمَوتٍ الى اليَمامة، وكانوا يَسكنونَ الرَّسَّ ولَيْس لِسائِرهم وَلَدَ غيْر يَعْرُب.

فَوَلَدَ يَعْرُب بن قَحْطَان: يَشْجُبَ، وحَيْدان وجُنادَةَ، ووَائِلاً، وكَعْباً.

فَوَلَدَ يَشْجُبَ بن يَعْرُب: سَبَأ، وهو عَامِر.

فوَلَدَ سَبَأ بن يَشْجُبَ: كَهْلان، والعَرَنْجَجَ، وهو حِمْيرُ، ونَصْراً، وأَمْلحَ، وبِشْراً، وزَيْدَانِ، وعَبْدَ اللهِ، ونُعمَانَ، والعَوْدَ، ويَشْجَبَ، ودُهْمان وشَدّاداً، ورَبِيعَةَ.

فتفرقت القَبائل من كَهْلان وحِمْيرَ؛ وقيل لسائِر بني سَبَأ: السَبأيون، ليست لهم قبائل دون سَبَأ... انتهى ..

وأما البلاذري المولود في بغداد بالعراق والمتوفي سنة 279هـ/ 892م وهو مؤرخ، وجغرافي، ونسابة وراوية، له شعر. من أهل بغداد.

فقال: اختلف الناس في قحطان. فقال بعضهم: قحطان هو يقطان المذكور في التوراة بعينه، إلا أن العرب أعربته فقالت قحطان. وقال آخرون: هو قحطان ابن هود عليه السلام بن عبد الله بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام ابن نوح، وهو غير يقطان.

وقال هشام: كان أبى، و (ال) شرقى بن القطامي يقولان: قحطان بن الهميسع بن تيمن بن نبت بن قيذار، وهو قيدر. وكان قيدر صاحب إبل إسماعيل. واسمه مشتق من ذلك. وهو ابن إسماعيل عليه السلام بن إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم بن آزر- وهو تارخ- بن ناخور ابن ساروع بن أرعوا بن فالغ بن عابر بن أرفخشذ- والنصارى يقولون: أرفخشاذ- بن سام بن نوح بن لامك. وبعض المدنيين يقولون: أزر بن ناحر بن السارع بن الراع بن القاسم- الذي قسم الأرض بين ولد نوح- ابن كعبر بن السالح بن الرافد بن السائم بن نوح. ويزعم أن ذلك عن الزهري.

والأول أثبت وأشهر. وقال الكلبي، والشرقي: إسماعيل أبو كل عربي في الأرض... انتهى الاقتباس

والصحيح أن العرب جنس واحد وسلالة واحدة وعرق واحد ولسان واحد، وهذا ما يقوله القرآن الكريم، فهو لم يقسم لنا العرب إلى أعراق وأجناس وسلالات، وهم جميعاً من ذرية سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما يؤكده ويثبته كلام الله في قوله :

 { مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ } الآية 78 سورة الحج.. 

وقوله سبحانه وتعالى : { قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِى عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} الآية 28 سورة الزمر..

 وإنما قسم القرآن الكريم العرب إلى أنساب وقبائل وشعوب من سلالة واحدة ويتضح ذلك في قوله سبحانه وتعالى : { يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓا۟ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} الآية 13 سورة الحجرات.

 وقوله سبحانه: { وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُۥ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا } الآية 54 سورة الفرقان ..


              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم