من هم المهتمين بالأنساب

من هم المهتمين بالأنساب
مَوْسُوعَةُ الْهُلًاْلِيُّ - يقول أحد الناس أن علم الأنساب، أو بالأحرى الاهتمام بأنساب القبيلة وعائلاتها، وأنساب المجتمع المحيط بك، هو من اهتمامات الشعوب والمجتمعات المعدمة والفقيرة لأنه أمر لا فائدة منه، وهذا والله ليس فيه من الصدق بشيء، وإنما الاهتمام بالأنساب هو من اهتمام العظماء والكرماء والأغنياء وأبناء الأصول العريقة في المجتمع، فهم ممن رأى في ذلك أهمية لا بد منها من حفظ النسب وتلقينه للأجيال لحفظه وتوثيقه والافتخار والاعتزاز به، لأن العرق دساس، وما دام أصل الفتى فعله، فإن عظيم الأفعال والبطولات الجسام مع شرف النسب، كان مدعاة للفخر والاعتزاز بما فعله الأجداد من قيم نبيلة وبطولات جسمية، وسبب من أسباب حفظ النسب وتوثيقه والاهتمام به، ومن هنا نرى أن الاهتمام بنسب الأجداد ليس من صفات المعدومين ولا المتخلفين وإنما هو من صفات أبناء الشرف من الملوك والأمراء والقادة والصحابة والزعماء والأشراف والأكارم وأهل الفزعة والنخوة والفروسية وأهل العزة والشموخ ممن لهم مقامات عالية وهامات مرفوعة شامخة، فالاحتفاظ بالنسب والاعتزاز به دليل شرف نبيل لمن هم مستمسكين بتاريخهم المشرف وتراثهم القوي وثقافتهم العريقة وحضارتهم الخالدة..
وقد علمنا ورأينا في كتب تاريخنا كيف كان رجال العرب الأفذاذ مهتمين بعلم الأنساب وروايته وحفظه وتدوينه، كما قرأنا للشعراء الأبطال ما يصف ذلك من شرف النسب، وما يلتحق به من الفخر والمدح والثناء والاعتزاز ، ورأينا كيف يتم ذم وهجاء من يرتكبون الأخطاء الفادحة ومن يسيئون التصرف في المواقف المختلفة فليحق بهم العار والعيب، إن الذين يجدوا في تاريخهم الشرف والطهارة والفضل والقوة فهم من يعتزون ويفتخرون، وأما من كان لا أصل له ولا يعرف كوعه من بوعه، ولا يجد في تاريخه صفحة ناصعة ومرصعة بالمجد والعزة، تجده سيء الأخلاق كثير الثرثرة دائما يقلل من قيمة الأشياء الذي يفقدها هو ولا يمكنه بلوغها..
لكن لا يعني هنا أن الافتخار بالنسب هو تحقير وتذليل واستعباد وقهر الآخرين ولا الاشمئزاز بهم ولا التعالي عليهم ولا الطعن بالأنساب، وإنما الفخر بالنسب يأتي من باب الاحتفاظ بالإرث الثقافي النبيل والشريف من أجل الاستمرار على نموه وبقائه موجودا لنصرة الحق ورفع الظلم وديمومة الخير والمعروف ونشر العدل وحفظ الأمانة وبناء الحضارة..
كما أن الاهتمام بالأنساب من صفات أهل التقوى والصلاح لأن علم الأنساب يقود إلى التعارف الطيب كجزء من صلة الأرحام والذي هو من أصل الكرم وأكثركم كرما أكثركم تقوى، كما أن الاهتمام بالأنساب له علاقة بعلوم الحديث النبوي الشريف، وكذلك إن الاهتمام بالأنساب صفة من صفات العرب قبل الإسلام وحتى قيام الساعة، وقال ابن حزم : "وكان أبو بكر الصّدّيق-رضى الله عنه-وأبو الجهم بن حذيفة العدوى، وجبير بن مطعم بن عدى بن نوفل بن عبد مناف، من أعلم الناس بالأنساب.
وكان عمر، وعثمان، وعلىّ، به علماء، رضى الله عنهم. وإنما ذكرنا أبا بكر، وأبا الجهم بن حذيفة، وجبيرا قبلهم، لشدة رسوخهم فى العلم بجميع أنساب العرب. وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حسان بن ثابت رضى الله عنه، أن يأخذ ما يحتاج إليه من علم نسب قريش عن أبى بكر الصدّيق-رضى الله عنه-وهذا يكذب قول من نسب إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أن النسب علم لا ينفع، وجهل لا يضرّ؛ لأنّ هذا القول لا يصحّ، وكل ما ذكرنا صحيح مشهور منقول بالأسانيد الثابتة، يعلمها من له أقلّ علم بالحديث.
وما فرض عمر بن الخطّاب، وعثمان بن عفان، وعلى بن أبى طالب-رضى الله عنهم-الديوان، إذ فرضوه، إلاّ على القبائل؛ ولولا علمهم بالنسب، ما أمكنهم ذلك." [جمهرة أنساب العرب، لابن حزم، ص5]..
والفخر بالأنساب بحد ذاته، أن تقول نحن من قبيلة بني هلال أو أن نسبنا ممتد إلى بني زغبة من بني هلال، هذا ليس حرام وليس عيب وليس فيه شيء من الكراهية، فقد قال النبي محمد صلى الله عليه وصلم: "أنا من قريش ولا فخر" أي لا تعالي ولا استعلاء على أحد ولا تحقير أو استهزاء بأحد، وإنما يحرم ويمنع كل غرض مسيء يتناول كلمات وألفاظ بذيئة ومؤذية كالتنابز بالألقاب والسخرية، لقوله سبحانه وتعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)} [الحجرات]..
فالقصد بالاهتمام بالنسب هو حفظه وتوثيقه والاستمرار على معرفته منعا للضياع، ومن أجل الديمومة على تشجيع وتعزيز القيم النبيلة والمبادئ الأخلاقية التي حافظ عليها الأجداد من نصرة الضعيف ونصرة الحق وفعل الخير والأعمال الصالحة والتقوى فإن لم نعد نفتخر بها؛ سنقلل من قيمتها وسيفقدها المجتمع مما يؤدي إلى انهياره، فإن لم نعتز ونفتحر بالإسلام وبأصلنا العربي فماذا نفتخر إذاً.. إن العزة لله ولرسوله العربي وللمؤمنين ونحن ان شاء الله من القبائل العربية المؤمنة التي نصرت هذا الدين وهي باقية عليه إلى ما يشاء الله..
وقد قال عز وجل:
{ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)} [سورة المنافقون]
وكذلك علم الأنساب فهو مستمر حتى نهاية حياة البشر 
لقوله تعالى : {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101)} سورة المؤمنين.

تصفح موضوع فوائد علم الأنساب 


              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم