معرفة الأنساب مطلوبة شرعاً.
قال تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا (١٣)} (الحجرات: ١٣).
٤٠١ - قال السعدي - رحمه الله -: (وفي هذه الآية دليل على أن معرفة الأنساب، مطلوبة مشروعة، لأن الله جعلهم شعوبًا وقبائل، لأجل ذلك). ا. هـ
الدراسة:
استنبط السعدي من هذه الآية أن معرفة الأنساب مطلوبة شرعاً، ووجه استنباط ذلك من الآية أن الله بين في الآية أنه جعل الناس شعوباً وقبائل ليتعارفوا بينهم، وهذا لا يتم إلا بمعرفة الأنساب، فدلت الآية على مشروعية تعلم الأنساب.
وقد وافق السعدي على هذا الاستنباط بعض المفسرين، قال ابن الفرس: (وفي الآية دليل واضح على تعلم الأنساب)، وقال الطوفي: (هذا أصل في مشروعية علم النسب)، وممن أشار إلى ذلك من المفسرين أيضاً: السيوطي، والقاسمي .. [استنباطات الشيخ عبد الرحمن السعدي من القرآن الكريم عرض ودراسة، سيف بن منصور الحارثي، ص770]
وذَكَر الحَافِظُ أَبو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ في مُقَدِّمَةِ كِتَابه (الأَنْسَابِ) مَكَانةَ النَّسَبِ في الإسلَامِ، وأَنَّهُ مِنَ العُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ التِّي يَجِبُ أَنْ لَا يَجْهَلَها عَالمٌ، فقالَ: (ومَعْرِفَةُ الأَنْسَابِ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَم التِّي أَكْرَمَ الله تَعَالىَ بِهَا عبَادَهُ، لأَنَّ تَشَعُّبَ الأَنْسَابِ على افْتِرَاقِ القَبَائِلِ والطَّوَائِفِ أَحَدُ الأَسْبَابِ المُمَهِّدةِ لحُصُولِ الائْتِلَافِ .... وكُنْتُ في رِحْلَتِي أَتَتَبَّعُ ذَلِكَ، وأَسْأَلُ الحُفَّاظَ عَنِ الأَنْسَابِ، وكَيْفِيَتِها، وإلى أَيِّ شَيءٍ نُسِبَ كُلُّ أَحَدٍ، وأُثْبِتُ مَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ ...)، وقالَ الإمَامُ العَلَّامةُ أبو مُحمَّدَ ابنُ حَزْمٍ: (إنَّ عِلْمَ النَّسَبِ جَلِيلٌ رَفِيعٌ، إذْ بهِ يَكُونُ التَّعَارُفُ، وقدْ جَعَلَ اللهُ تَعَالىَ جُزْءا مِنْهُ تَعَلُّمُه لا يَسَعُ أَحَدًا جَهْلُهُ، وجَعَلَ تَعَالىَ جُزْءًا يَسِيرًا منهُ فَضْلًا عَنْ تَعَلُّمِه، يَكُونُ جَهْلُهُ نَاقِصًا لِدَرَجةٍ مِنَ الفَضْلِ، وكُلُّ عِلْمٍ هَذه صِفَتُه فَهُو عِلْمٌ فَاضِلٌ، لا يَنْكُرُ حَقُّهُ إلَّا جَاهِلٌ ... إلَخ).
وكَانَ اَلمُحَدِّثُونَ مِنْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى الأَنْسَابِ، لِمَا في النَّسَبِ مِنْ أَهَميِّةٍ في تمْيِيزِ الرُّوَاةِ ومَعْرِفَتِهم، ولِذَلِكَ جَعَلُوهُ نَوْعًا مِن أَنْوَاعِ عُلُومِ الحَديثِ الذي لا يَنْبَغِي للمُحَدِّثِ جَهْلُهُ، قالَ الحَاكمُ النَّيْسَابُورِيُّ (ذِكْرُ النَّوْعِ التَّاَسِعِ والثَّلَاثِينَ مِنْ مَعْرِفَةِ عُلُومِ الحَدِيثِ: هَذا النَّوعُ مِنَ هَذِه العُلُومِ مَعْرِفةُ أَنْسَابِ المُحَدِّثينَ مِنَ الصَّحَابةِ وإلى عَصْرِنا هَذا، فَقَدْ أَمَرَنا سَيِّدُنُا المُصْطَفَى - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ ...) ... [ المستخرج من كتب الناس للتذكرة والمستطرف من أحوال الرجال للمعرفة، ابن منده، ص126]
وكتب سالم السيابي المتوفي سنة 1414هـ فقال:"لا يخفى على كل أديب أريب، أن علم الأَنساب من العلوم التي يحرص على اقتنائها أولو الأَلباب، وأَنها من الأُمور التي تتعلق بها أشياء كثيرة من معاني أحكام الشريعة الإسلامية، كالأَنكحة، من الولاية والكفاءَة والتحريم، وكالعقل، والموارثة، وغير ذلك مما يطول ذكره، قد حضّ الشارع على حفظ الأنساب، وحرَّم انتساب المَرْءِ إلى غير عشيرته، فمن لم يحفظ نَسَبَهُ لم يعرف نِسْبَتَهُ، ولعله ينتسب إلى قبيلة أخرى، للجهل بمعرفة أصل نسبه، فلهذا يجب صرف العناية إلى معرفة الأنساب، لكي يتمكن من الانتساب على الأمر الصواب، قال الله تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ) والنسب من أعظم الأواصر الجامعة بين الناس، ومع ذلك فإننا لم نجد كتابًا جامعًا لأنساب قبائل عُمَان، على كثرتها وشهرتها، وذلك لصرف عناية علمائها وهممهم إلى ما هو الأَهمّ، ومن معرفة أصول الدين، وأحكام الحلال والحرام. [إسعاف الأعيان في أنساب أهل عمان، السيابي، ج1، ص1]
وَإِنَّمَا شُرِعَتِ الْغَيْرَةُ - لِحِفْظِ الأَْنْسَابِ - وَهُوَ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ، وَلَوْ تَسَامَحَ النَّاسُ بِذَلِكَ لاَخْتَلَطَتِ الأَْنْسَابُ، لِذَا قِيل: كُل أُمَّةٍ وُضِعَتِ الْغَيْرَةُ فِي رِجَالِهَا وُضِعَتِ الصِّيَانَةُ فِي نِسَائِهَا. [الموسوعة الفقهية الكويتية، ج31، ص340]
-إن الشريعة الإسلامية مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد، ومن مقاصدها الضرورية: المحافظة على الأنساب والأعراض، وقد ثبت في الكتاب والسنة ما يدل دلالة واضحة على سد الذرائع التي تفضي إلى اختلاط الأنساب وانتهاك الأعراض: كتحريم خلوة المرأة بأجنبي، وتحريم إبدائها زينتها لغير زوجها ومحارمها، ومن في حكمهم، بمن ذكرهم الله تعالى في سورة النور؛ كالأمر بغض البصر وتحريم النظرة الخائنة".. [فتاوي اللجنة الدائمة، ج17، ص315].
- أن بعض أهل العلم كره التعمق في علم الأنساب فوق ما تدعو إليه الحاجة؛ وما يصل به المسلم رحمه، وذلك لما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في رجل تعلم أنساب الناس: علم لا ينفع وجهالة لا تضر. رواه ابن عبد البر في التمهيد وضعفه الألباني في السلسلة، ولقول عمر رضي الله عنه: تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم. والله أعلم.
[فتاوي الشبكة الإسلامية، ج13، ص14176- ١٠ جمادي الأولى ١٤٣٠هـ]..
ومن الأمور المهمة الأخرى:
1- أن كل ما قد يؤدي أو يسبب اختلاط الأنساب هو أمر محرم شرعاً، باتفاق العلماء..
2- أن حفظ الأنساب من ضرورات الشرع.
3- لا يجوز شرعًا الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب ولا يجوز تقديمها على اللعان.
4- لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعًا، ويجب على الجهات المختصة منعه وفرض العقوبات الزاجرة لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس وصونًا لأنسابهم.
5- يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات الآتية:
أ - حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء، سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها، أم كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه.
ب - حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات ومراكز رعاية الأطفال ونحوها وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب.
ج - حالات ضياع الأطفال واختلاطهم بسبب الحوادث أو الكوارث أو الحروب وتعذر معرفة أهلهم، أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب والمفقودين.
6- لا يجوز شرعا إضافة اللقيط إلى من تبناه إضافة نسب يسمى فيها والد اللقيط باسم من تبناه، وينسب إليه اللقيط نسبة الولد إلى أبيه وإلى قبيلته كما جاء في الاستفتاء؛ لما في ذلك من الكذب والزور، واختلاط الأنساب، والخطورة على الأعراض وتغيير مجرى المواريث بحرمان مستحق وإعطاء غير مستحق، وإحلال الحرام وتحريم الحلال في الخلوة والنكاح وما إلى هذا من انتهاك الحرمات، وتجاوز حدود الشريعة؛ لذلك حرم الله نسبة الولد إلى غير أبيه، ولعن النبي -صلى الله عليه وسلم- من انتسب إلى غير أبيه أو غير مواليه.
7- تحريم (التبني) ومنعه شرعا منعا باتا أن مرتكبه يعمل على إفساد الأنساب واختلاطها، بدلا مما أمر الله به من حفظ الأنساب وصيانتها، كما يعمل على انتزاع الحقوق من أهلها وتمكين الغير منها دون حق، لأنه يجعل ولد الغير ولدا للطلب، وبذلك يصبح غير المحارم، من زوجة المتبني وأولاده الأصليين، وقرابته الأقربين، محارم لمن تبناه، وهو في الحقيقة أجنبي عنهم، يحل لهم منه ما يحل منهم لغيره، ويصبح الولد المتبنى شريكا لهم في الإرث، دون أن يكون له أدنى حق فيه، إلى غير ذلك من التعقيدات والمضاعفات التي تغير طابع الأسرة المسلمة، وتفسد نظامها من الأساس، وإذا كان الإسلام قد أقفل باب التبني ولم يأذن به لما يترتب عليه من مفاسد ومضار، فإنه فتح باب الإحسان في وجه من يريد الإحسان لأطفال المسلمين، ولو كانوا مجهولي الآباء..
التسميات :
الأنساب