مفاهيم الصلاة

مفاهيم الصلاة
مَوْسُوعَةُ الْهُلًاْلِيُّ -
معنى الصلاة :
أولا: معناها لغة: جاء في تاج العروس١: وأما معناها فقيل: الدعاء، وهو أصل معانيها، ومنه قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} ٢ أي ادع لهم. يقال: صلى على فلان إذا دعا له وزكاه، ومنه قول الأعشى: وصلى على دنها وارتسم٣ - أي دعا لها أن لا تحمض ولا تفسد.
وفي الحديث: "وان كان صائما فليصل" أي فليدع بالبركة والخير، وكل داع مصل. وقال ابن الأعرابي: الصلاة من الله الرحمة، ومنه: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} ٤ أي يرحم. وقيل: الصلاة من الملائكة الاستغفار والدعاء، ومنه: صلت عليه الملائكة عشرا، أي استغفرت، وقد يكون من غير الملائكة، ومنه حديث سودة: "إذا متنا صلى لنا عثمان ابن مظغون "، أي استغفر وكان قد مات يومئذ.
وقيل: الصلاة حسن الثناء من الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم، ومنه قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} ٥.
وجاء في اللسان: الصلاة من الله رحمة، ومن المخلوقين الملائكة والإنس والجن: القيام والركوع والسجود والدعاء والتسبيح، والصلاة من الطير والهوام التسبيح.
ثانيا: معناها شرعا: عبادة لله تعالى، ذات أقوال وأفعال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير، ومختتمة بالتسليم.
والمراد بالأقوال: التكبير والقراءة والتسبيح والدعاء ونحوه.
والمراد بالأفعال: القيام والركوع والسجود والجلوس ونحوه.
وإذا تأملنا معنى الصلاة في اللغة والشرع، وجدنا الصلة الوثيقة بينهما، فالدعاء واللزوم والتعظيم كلها أجزاء ومعان موجودة في الصلاة بمعناها الشرعي، فهي من باب تسمية الشيء ببعض أجزائه.
أما الدعاء فاشتمال الصلاة عليه حقيقة شرعية، واللزوم يبدو في أن الصلاة لزوم ما فرض الله تعالى، بل من أعظم الفرض الذي أمر بلزومه، وسميت الصلاة الشرعية صلاة لما فيها من تعظيم الرب تعالى وتقدس.
وإذا كانت في اللغة مأخوذة من الصلوين، فهما موضعان في الإنسان يقوم عليهما الركوع والسجود، فلا ركوع ولا سجود بلا تحريك لهما، فأخذ اسم الصلاة منهما كما أخذ اسم البيع من الباعين اللذين يمدهما البائع والمشتري.
أما صلوتا فهي موضع الصلاة، والصلة بين المعنيين ظاهرة
وبهذا يتضح ارتباط المعنيين اللغوي والشرعي.
[وصف مفصل للصلاة مقدماتها، عبد الله الطيار، الطبعة العاشرة 1425هـ]
مفاهيم الصلاة العامة:
1- مفهوم الصلاة المعروفة وهي ركن من أركان الإسلام الخمسة، وهي تشكل ما نسبته خمس أركان الإسلام، أو بنسبة 20% من المجموع الكلي لأركان الإسلام، ولها أوقات محددة ومعينة وهي خمس مرات في اليوم، وتبدأ بما يلي: النية وتكبيرة الإحرام والوقوف والركوع والسجود والتشهد ثم التسليم، وتتكون من عدة ركعات منها فرض ومنها سنة مؤكدة..
ومن أهم شروطها الطهارة وستر العورة والنية واستقبال القبلة ودخول الوقت والخشوع، فالصلاة أكثر ما تكون عبارة عن حركات جسمانية ظاهرة يقوم بها الإنسان إما في بيته أو في المسجد أو في مكان عام أو خاص يشترط فيه الطهارة والنظافة، ويمكن للشخص أن يقوم بها بمفرده أو مع مجموعة آخرى من الأشخاص، ولذلك فإن الصلاة هذه يمكن أن يؤديها أي شخص صادقا كان أو كاذبا أو منافقا أو خائناً أو جاسوساً أو متحيزاً إلى فئة ما، وهذه أهم ما يميزها عن الصلاة الإيمانية التي سوف نتحدث عنها بعد قليل..
ومن أسماء وأنواع الصلوات الأخرى 
صلاة الجمعة، صلاة التطوع، صلاة التراويح، صلاة قيام الليل، صلاة العيدين، صلاة الجنازة وصلاة الغائب، صلاة الاستسقاء، صلاة الكسوف وصلاة الخسوف، وصلاة الاستخارة، صلاة الخوف، صلاة الجمع والتقصير..
صلاة المريض وصلاة المسافر ..

2- مفهوم الصلاة الإيمانية وهي جامعة لأركان الإيمان الستة، بنسبة 100% وهيئتها مجموع الأعمال الصالحة التي يقوم بها المؤمن في حياته برغبة منه وقناعة وتتضمن: الصلة الإيمانية للعبد بربه- وصلة الرحم - والصلة الاجتماعية من خلال إخراج الزكاة والصدقات والكرم والوفاء بالعهد والصبر في البأساء والضراء والاحسان والإيمان  وجميعها تشكل النسبة الأكثر من مفهوم التقوى، وهذه الصلاة الإيمانية لا يعرفها ولا يقوم بها إلا أناس آمنوا وعرفوا الله حق قدره، ومن أهم شروطها المحافظة والديمومة في استمرارها دون انقطاع ودون سهو ..
فالصلاة الإيمانية هي الأعمال الصالحة من الأفعال والأقوال والسلوكيات والحركات التي تنبع من القلب المطمئن لله، وهي قد ترى وتشاهد من قبل الآخرين، وقد يكون بعضها مخفياً ولا يعلمه إلا الله وقد لا يعرف عنها الآخرين شيئاً كثيراً، لأنها أعمال خصصت لابتغاء مرضاة الله ورضوانه، لا لكسب أمور دنيوية أو لكسب تعاطف الناس الآخرين، لأن الرياء قد لا يصمد مع هذه الأعمال الصالحة كونها أقوى من وسوسات الشياطين..
والصلاة الإيمانية ليس لها وقت محدد ومعين، ففي كل لحظة وفي كل برهة من الوقت هي أوقات مناسبة لتأدية أي صلة من الصلات الأخلاقية القيمة والأعمال الخيرية والإيمانية، فالعمل الصالح هو الموافق للشرع الإسلامي والخالص لوجه الله تعالى..
3- الفروقات الرئيسية بين مفهوم الصلاة الموقوتة والصلاة الإيمانية
الصلاة الموقوتة من الأركان الرئيسية التي على المسلم الذي دخل الإسلام أن يعرفها ويؤديها 
وأما الصلاة الإيمانية فلا يعرفها إلا من هم على درجة عالية من الإيمان 
أن المسلم أقل درجات من المؤمن، وأن الإسلام تأدية شعائر وطقوس وأما الإيمان فهو راسخ في القلب.. 
لقوله سبحانه وتعالى: { قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } [الحجرات:14]
في الحديث النبوي عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ، حَدَّثَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «سَأُخْبِرُكُمْ مَنِ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مِنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبَ، وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ» رَوَاهُ اللَّيْثُ
[كتاب الإيمان، ابن منده، ج1، ص452]
وفي حديث آخر: "عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِنِ اشْتَكَى رَأْسُهُ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ» رَوَاهُ جَمَاعَةٌ "
وفي رواية: " قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرًا، يَقُولُ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِذَا اشْتَكَى رَأْسُهُ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»..
ومن الفروقات الأخرى 
ملاحظة أن كلمة الإسلام والمسلم في القرآن الكريم بلغت 46 مرة بينما جاءت كلمة الإيمان والمؤمن بنحو 214 مرة، وكانت كلمة الصلاة 63 مرة بينما العمل الصالح 128 مرة، والعقل 49 مرة بينما القلوب 104 مرات ولذلك فإن الإيمان والعمل الصالح وصدق القلوب أهم وأعلى درجات من الإسلام والتدبر العقلي .. وهو ما ينسجم تماما مع الاختلاف بين الإسلام والإيمان، لأن كلمة الإيمان تقترن مع القلوب، وأخطر ما في الأمر وأصعبها من كانت قلوبهم مريضة، وأقواها وأكثرها تقوى من كانت قلوب راسخة بالإيمان.
قال الله تعالى:
{أُو۟لَٰٓئِكَ كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلْإِيمَٰنَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا رَضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ} [المجادلة: 22]
كما أن الفقه اقترن ذكره بالقلب وليس بالعقل، وقد اقترن ذكر العقل في التفكر بالآيات "المعجزات" التي يراها الناس في حياتهم بشكل يومي مثل اختلاف الليل والنهار والقمر والنجوم والمطر والبرق والرياح والسحاب والبحر والرزق والثمرات وكلها أمور مرئية وبسيطة فهي من الأشياء الذي استدل بها الإنسان على وجود الخالق ببديهة.. وأما الأمور القوية فتتركز في القلب لكونها تتعلق بالثبات والصدق والقناعة الراسخة المبنية على إيمان وتقوى، مثل الإيمان بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الأخر والقدر خيره وشره وكلها من الأمور الإيمانية التي لا نرها بالعين المجردة، وإنما نراها بقلوب ثابتة مطمئنة بذكر الله، تتخذ من العمل الصالح حظا وافرا للتقرب به إلى الله.
يقول سبحانه وتعالى { لكن المنافقون لا يفقهون} [سورة المنافقون: 7]
وقال صلى الله عليه وسلم : " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"
ويقول سبحانه: {قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون} [الأنعام:98]
ومكان الفقه هو القلب فمن تفقه قلبه فهو مؤمن قوي، ومن لمن يتفقه قلبه فقد طبع على قلبه بعدم التفقه مطلقاً لقوله تعالى { فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون} [المنافقون:3]، فمن كان قلبه غير قادر على الفقه والتفقه فهو على ذلك، وأما من استطاع قلبه التفقه فقد فاز برضوان الله ومغفرته ..
وقال تعالى: {إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتْهُمْ إِيمَٰنًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2]
نسأل الله لنا ولكم العافية وحسن الختام..
              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم