أود أن أبين بعض الأمثلة على تبديل الأسماء وتغييرها، في الكتب، مما أدى إلى فقدان تاريخ قبائل وأشخاص، واندثار أنسابها، وانتقالها إلى جماعات أخرى، كيف يحدث ذلك؟!
أليكم الشرح والتوضيح مع ضرب الأمثلة:
1- أسماء مكتوبة في الأصل بالخط اليدوي، وأثناء نقلها أو نسخها مرة أخرى يحدث فيها خطأ اما نسيان من الكاتب والناسخ، وإما أشكل عليه الاسم ونسخه بالصورة التي هو استدل اليها.
2- أسماء مطبوعة ومكتوبة بشكل سليم، لكن أثناء كتابتها مرة أخرى، وقع فيها خطأ مطبعي وظلت على ما هي عليه.
3- أسماء كانت مكتوبة باللغة الأجنبية، وترجمت خطأ فتبدلت وجهتها.
4- أسماء كانت في الأصل غير واضحة، كما في الأوراق التالفة والوثائق المتهالكة القديمة، وتم التوصل إلى الإسم بطريقة التكهن والتحليل.
الأمثلة الأولى[ الأسماء الأكثر عرضة للتغير والتبديل على سبيل المثال]
1- في النقاط" المنقوطة":
خ،ج، ش، ض، ب، ت، ث، ذ، ز
مثال:" اخميس، الخمسان،خرشة، خريش- احميس، الحمسان، حرشة، حريش"
الجمسان، الجمشان، جريش، خريس"
" جملان، حملان"- " خدام، جذام، حدام"- " خشرم، جشرم، حشرم".
" ضرار، صرار، ضرير، صرير،- ضنة، ضبة- حسن، حن- حزام، حرام، خزام" – " جمرة، حمزة"
" تغلب، ثعلب، ثعل"
2- في الشكل :
تغيير وجهة نسب القبيلة بسبب عدم التمكن من تحديدها بدقة، أو بسبب استهتار المؤلف والمؤرخ بالموضوع، لعدم جديته بالاهتمام بذلك، كونه يهدف فقط لحشو الكتاب بالكلام، ليس إلا.
ومن أمثلة هذه الأسماء المتشابهة في الشكل، قبيلة عذرة بن زيد بن سعد هذيم، وقبيلة عذرة بن زيد اللات، وهذه القبيلة الأخيرة لم تكن تشتهر تاريخياً بهذا الإسم أصلاً وإنما بأسماء أخرى ومنها عوف، وعامر، وكلب، فهي جزء من هذه المجموعة، لذلك فالشهرة كانت قبل وبعد عذرة بن زيد اللات، لتلك الأسماء، بينما الحال مختلف عند عذرة بن سعد فالشهرة فيهم وفي ذراريهم استمرت على نفس الوتيرة حتى في فترات الاضمحلال.
بني ثعلبة، وهي قبائل متعددة بهذا الإسم قام الكتاب الذين نقلوا التواريخ في كتبهم بدمجه كله في ثعلبة طيء، وهذا خطأ استفحل من الصعب علاجه.
بني الحارث، وهي أسماء متعددة من قبائل العرب، منهم اليمانية ومنهم القيسية على حد سواء، وفي اليمانية عدد كبير وقد لوحظ ايضاَ اختلاط ودمج تاريخهم كله في امهات الكتب ببني حارث، دون تمييز بالأنساب.
بني حن بن ربيعة، والاسم بني حن هكذا وقد انحرف هذا الاسم في كتب التاريخ وصار يكتب بني حسن، في عدة مواضع وقد لوحظ ذلك بوضوح تام، في نفس المناطق التي كانت تسكنها قبيلة بني حن، وسبب هذا الخطأ جاء أثناء النقل من المخطوطات والوثائق المكتوبة يدوياً حيث أن كثير منها وربما أغلبها تشبه إلى حد كبير كلمة حسن بخط الرقعة، ولجهل الباحثين المتأخرين بالاسم الأصلي وتاريخه ربطوه في تاريخ اسم معاصرا لهم، وهذا الاشكال واقع وفيه من الأمثلة الكثير.
ومنها قريبة الشبهة في الخطوط اليدوية مما قد لا ينتبه لها المدقق:
" عذرة، عنزة"-" العدوي، العذري"- " الحيوي، اللحيوي" – " الحني، الحسني"- " عبد الله، عبيد الله"
ومنها بعيدة الشبه ولكن يحدث فيها لبس واشتباه خاصة عندما تنقل عن المخطوطات اليدوية:
" المقري، المقدسي" – " الفرغاني – القرعاني" – " الحوفي، العوفي" – " التيمي، التميمي"- " سمعان، سنان" – " سلمان، سليمان"
3- اختلاف اللهجة :
يؤدي اختلاف لهجة الناس في كل بيئة اجتماعية، إلا وجود عدة ألفاظ لاسم واحد ونسب واحد، منها على سبيل المثال:
" البياضة، البياضية، بيايضة، بياضات" – " العذريين، العذارى، العذران، وبعضهم يلفظ الذال زينا فيقول: عزرة، وقد تكتب خطأ غرزة"، وفي بعض لهجات البادية تنطق الألف ياء أو كسرة طويلة مثل كلاب "كليب" وسالم "سليم"..
" الحناحنة، الحنون، الحناوية، الحناينة" – " البلاونة ، البلاينة، البلويين"- " المصريين، المصاروة، المصارنة " – " العمرات، العمريين، العمارنة" – " الغزيين، الغزازوة" – " الجريات، الجرواين، الجريوات" .
ومن أمثلة اختلاف اللهجات في نطق الحروف :
ق= بعضهم ينطقها كاف مثل قرمان كرمان
ج= بعضهم ينطقها قافاً، جذام قدام
ع= بعضهم ينطقها نون مثل يعطيك ينطيك .
ك= بعضهم ينطقها تيش كما في سمك سمتش
ذ= بعضهم ينطقها زين كما في عذرة عزرة.
وتؤثر هذه اللهجات في دقة المعلومات، عند قيام الأجانب بالنقل السماعي منهم وتدوين ما سمعوه في كتبهم.
4- التشابه الكامل في الأسماء
كأن يتشابه اسم مكون من ثلاثة أو اربع باسم آخر، وهذا النوع يعد من أصعب القضايا والاشكاليات التي تعترض الكثير من الباحثين.
بل أن بعض الأشخاص دفعوا ثمن باهظاً كلفهم حياتهم نتيجة تشابه أسماؤهم مع أسماء أشخاص آخرين كانوا مطلوبين في قضايا أمنية أو ما شابه، لصعوبة الأمر، وقد وقع كثير من الناس بمشاكل متعددة ومختلفة نتيجة تشابه في الأسماء.
أما تشابه الأسماء والوقوع في الخطأ المشهور لدى المؤرخين والنسابة فهو كثير، من أمثلة ذلك على سبيل المثال فقط
"ابراهيم بن إسماعيل القاري – إسماعيل بن إبراهيم القاري"
الأول كان بمكة، والثاني كان في نيسابور
" أحمد بن عثمان الواسطي – أحمد بن عثمان الواسطي"
فالأول يعرف بأبي الجوزاء حدث عن أبي عاصم، والثاني يعرف بأبي الشعثاء..
تدمير النسب بسبب تشابه أسماء:
هناك أمور كارثية قام بها المؤلفون، وهي الحاق بعض الأشخاص المنتسبون للقبائل العربية الأصيلة، إلى دول أجنبية أو إلى مهنة فضاعت أنسابهم بسبب خطأ في تحديد هوية النسب، أو اختصار الطريق والوقت والجهد في ما يجب القيام به في التحقيق، ومن أمثلة ذلك :
بني هند بن حرام، وهم قوم أصحاب عزة وتاريخ وأصالة حي من أحياء قبيلة عذرة من قضاعة، كان لهم وجود في بلاد الشام، والنسبة إلى بني هند: هندي والهندي والهنداوي، فضاعت هذه النسبة وظن بعض الكتاب خطأ نسبتهم إلى دولة الهند، فألفوا ما يواكب ادعائهم بقولهم وكان تاجراً من الهند!!..
مفاهيم ومصطلحات عالجت بعض هذه القضايا:
1- التصحيف : وهو تغيير في نقط الحروف، أو حركاتها، مع بقاء صورة الخط.
2- التحريف : وهو العدول بالشيء عن جهته، وحرف الكلام تحريفاً، عدل به عن جهته، وهو قد يكون بالزيادة فيه، أو بالنقص منه، وقد يكون بتبديل بعض كلماته، وقد يكون بجعله على غير المراد منه، فالتحريف أعم من التصحيف"[1]
3- المؤتلف والمختلف :
وهما اصطلاحاً، ما يتفق في الخط دون اللفظ
فمن المؤتلف:
" سلام وسلّام بفتح اللام في الأولى وتشديد اللام في الثانية "
" زكار، زجاز" فهذا نوع يتشابه في صورة الخط.
4- الاستدراك:
تجد هذا النمط دائماً يلحق في ذيل الكتب، يقوم المؤلف أو الكاتب بجمع ما وقع في الخطأ من أجل استدراك صوابه، وهناك مؤلفات حملت هذا المصطلح من أجل معالجة مؤلف كامل، أو من أجل اضافة ما سقط منه أو الحاق ما جاء بعده، أو توضيح ما لم يستكمل لسبب حال دون ذلك.
وفي تعريف مفهوم الاستدراك ( النحو والصرف ) رفع توهُّم حصل من كلام سابق كما في المثال : فلان غنيّ لكنَّه بخيل ، هُوَ بِصَدَدِ اسْتِدْرَاكِ خَطَإِ الأمْسِ : بِصَدَدِ تَصْحِيحِهِ ، هَلْ يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُ كُلِّ مَا يَحْدُثُ : إِعَادَةُ النَّظَرِ[2]..
جميع كتب الأنساب بلا استثناء وقعت فيها أخطاء :
يقول الصفدي إن التصحيف والتحريف قلما سلم من كبير، أو نجا منها ذو اتقان ولو رسخ في العلم رسوخ ثبير، أو خلص من معرتها فاضل ولو أنه في الشجاعة كعبد الله ابن الزبير، ويقول الصفدي بأن هذه الأخطاء لم ينجو منها علماء الأمة الكبار[3] ويقول أبو احمد العسكري عن ذات الموضوع ان الاحتراس من التصحيف لا يدرك إلا بعلم غزير، ورواية كثيرة، وفهم كبير[4]، ونحن نذهب الى ما ذهب به جميع العلماء الذين درسوا هذه الموضوعات، ووفق خبرتنا الطويلة في البحث نقول:
إن جميع الكتب بلا استثناء وقعت فيها أخطاء في الأسماء وفي الأنساب، وجميع الباحثين وقعوا في نفس المشكلة، إلا من رحم ربي، ونادرا جدا ما يتمكن باحث في الأنساب من الضبط السليم، وان تمكن من ذلك، فقد يكون أخذ من مصدر آخر وقع في ذات المشلكة.
ملخص الأسباب التي تؤدي لوقوع التصحيف والتحريف:
1- تشابه رسم الحروف في الشكل والعدد واهمال ما عليها من نقاط نتيجة عدم وضوح الكتابة والخط والضبط .
2- صعوبة تحديد بعض الحروف نتيجة تعدد أنماط الخط العربي وأشكاله.
3- التباس الأسماء والمصطلحات بين أسماء قبائل وأشخاص وأسماء مواقع ومواضع تتفق في الشكل.
4- عدم الخبرة الكافية في مجال البحث والتدقيق.
5- التباس قصد الكلمة عند سماعها من الرواة بسبب اختلاف الناس في اللهجة ونطق بعض الحروف.
6- ترجمة الكتب والمخطوطات، حيث تتضاعف نسبة أخطاء أثناء الترجمة من اللغة العربية إلى الأجنبية ثم تترجم مرة أخرى إلى العربية .
-----
[1] المؤتلف والمختلف، الدارقطني، ج1، ص57.
[2] قاموس المعاني
[3] تصحيح التصحيف وتحرير التحريف، الصفدي، تحقيق الشرقاوي، ص44، الطبعة الأولى 1987م.
[4] شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف، ابو احمد العسكري، تحقيق عبد العزيز احمد، الطبعة الأولى 1963م، ص1.
التسميات :
الأنساب