فلسطين، هي الشام الأولى

فلسطين، الواقعة في جنوب الشام، كانت هي أقرب بلدان الشام، لشبه جزيرة سيناء مصر، وهي أقرب بلدان الشام لشبه الجزيرة العربية، وكانت غزة الواقعة في جنوب فلسطين، هي أول نقطة من بلاد الشام ينزلها أهل الحجاز، القادمون من شبه الجزيرة العربية، فكانت الحدود الجنوبية لبلاد الشام دائماً على تماس مع شبه الجزيرة العربية، وعلى علاقة قوية بالحجاز، حتى أن الحروب الجاهلية كانت تمتد إلى بلاد غزة، حيث أسر عمر بن الخطاب في احدى الحروب، لأن غزة كانت مستطرفاً لأهل الحجاز[1]، ويذكر أن سفيان بن حرب أثناء صلح الحديبية خرج في تجارة له إلى أرض غزة[2]، ونزلها عبد الله بن عبد المطلب والد النبي صلى الله عليه وسلم في قافلة من قوافل قريش[3]، وفي غزة قبر هاشم بن عبد مناف، وعلاقة العرب بغزة قديمة جداً، وهي منزلاً للقبائل الحميرية، وكان يقال لها حمراء اليمن[4]، نزلتها خزاعة سنة 440م قادمة من مكة، وقد ذكر أحد شعراء خزاعة الجاهليين المطرود بن كعب الخزاعي غزة في شعره[5]، وقرية بني خزاعة لا تزال اليوم شرق خانيونس، وكانت غزة جزء من بلاد الأنباط في القرن الأول للميلاد، وذلك قبل أن تسيطر على بلادهم قبائل سبأ بن حمير.
وكانت بلاد غزة، تعرف ببلاد الشام الأولى، وهي أول الشام من الغرب[6]، وهي غزة وعسقلان والرملة وبيت المقدس، ومدينتها الكبرى فلسطين وهذه الشام الأولى، أما الشام الثانية فهي الاردن وطبرية والغور واليرموك وبيسان، ومدينتها الكبرى طبرية، وأما الشام الثالثة فهي الغوطة وتشمل دمشق وسواحلها، وأما الشام الرابعة حمص وتشمل حماة وكفر طاب وحلب وقنسرين، والخامسة أنطاكيا وتشمل  العواصم والمصيصة وطرسوس، وكما هو معروف بأنها جزء من الأرض المقدسة والتي تبدأ من:
أرض الحجاز، من إيلة وهو أول حد الحجاز وبينها وبين بيت المقدس ثمانية أيام بسير الأنفال، ومن الشرق بعد دومة الجندل برية السماوة وهي كبيرة ممتدة إلى العراق ينزعه عرب الشام ومسافتها عن بيت المقدس نحو مسافة إيلة، ومن الشمال مما يلي المشرق نهر الفرات، ومسافته عن بيت المقدس نحو عشرين يوماً بسير الأنفال، فيدخل في هذا الحد المملكة الشامية بكاملها، ومن الغرب بحر الروم وهو البحر المالح ( البحر المتوسط) ومسافته عن بيت المقدس من جهة رملة فلسطين يومان، ومن الجنوب رمل مصر والعريش ومسافته عن بيت المقدس نحو خمسة أيام بسير الأنفال[7]، وأما حد بلاد غزة بما يتبعها من الأراضي والقرى طولاً من رفح إلى يافا نحو خمسة وأربعين ميلاً، وعرضها من ساحل البحر إلى كوفيا والبها* نحو خمسة أميال، وكانت قبل فصل السبع عنها، تمتد من البحر إلى العقبة، مسيرة ثمانية أيام[8]، وكان يطلق على جميع العربان القاطنون ما بين البحر غرباً وحتى بئر السبع شرقاً، اسم عربان غزة[9] ولا يزال هذا الاسم مستخدم في بعض الأحيان.
فكانت حدود بلاد غزة وامتدادها الجغرافي قبل الإسلام، كما يلي:
1- الحد الجنوبي: وهو يضم شمال سيناء وتتبع إلى أرض كنعان، بل كانت تقف على نهر مصر[10]، وليس في مصر نهر غير نهل النيل، وهذا معناه أن شبه جزيرة سيناء كانت معظمها تتبع أرض كنعان، وقال العمري بأن غزة متصلة بتيه سيناء[11]، وأن طور سينا وان كان قد ضمُ سياسياً إلى مصر إلا أنه جزء من أجزاء الشام[12]، أي يتبع فلسطين وخاصة بلاد غزة تاريخياً وجغرافياً واجتماعياً.
2- الحد الشرقي: فكانت أرض كنعان تمتد شرق نهر الأردن لتضم معان والكرك وعمان واربد، وبذلك فإن أرض كنعان تتصل بشبه الجزيرة العربية وتتصل ببلاد الرافدين من غربها، وكان غور البحر الميت قبل الإسلام يعرف بغور غزة[13]، لأنه ضمن حدودها الشرقية، وكان بني لخم وبني جذام وبني سليح والغساسنة وبني عاملة قد سكنوه قبل الإسلام، حيث سكنوا الغور من جنوبه وحتى شماله قرب بيسان وطبريا.
3- الحد الشمالي: كان حدها الشمالي يضم لبنان وينتهي عند مدخل حماة[14]، وكان اسم فلسطين في أول استخدام له، يطلق على وسط البلاد، فأما جنوبها حتى نهر مصر فكان يتبع بلاد غزة، وقد قال الطبري أن فلسطين تعدل الشام كله[15].
4- الحد الغربي: ساحل البحر المتوسط، والذي كان في عهد الكنعانيون خاضع تحت سيطرتهم بلا منازع، حتى أنهم امتلكوا جزره القريبة من بلاد الشام، مثل قبرص وكريت، وقد وصلوا إلى بريطانيا في تلك الحقبة.

[1] ( تقويم البلدان، أبو الفداء، المتوفي سنة 732هـ، ص239)
[2] ( التذكرة الحمدونية، ابن حمدون، تحقيق احسان عباس، ط1/1996م، ج9، ص164)
[3] ( جامع الآثار في السير ومولد المختار، ج2، ص430)
[4] ( اتحاف الأعزة في تاريخ غزة، الطباع، ط1، 1999م، م1، ق1، ص157)
[5] ( جمهرة اللغة، لابي بكر بن دُريد، ج1، ص129)
[6] ( خريدة العجائب وفريدة الغرائب، ابن الوردي، ص100)
[7] ( إتحاف الأعزة في تاريخ غزة، الطباع، المجلد الأول، ص76)
* كوفيا والبها موضعين، والبها قرية إلى الشرق من غزة
[8] ( إتحاف الأعزة في تاريخ غزة، المرجع السابق، ص77)
[9] ( تاريخ بئر السبع وقبائلها، عارف العارف، ص233)
[10] ( تاريخ فلسطين القديم، ص17)
[11] ( مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، العمري، ج3، ص379)
[12] ( خطط الشام، محمد كرد علي، ج1، ص11)
[13] ( بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، ج3، ص434)
[14] ( تاريخ فلسطين القديم، ص17)
[15] ( موسوعة بلادنا فلسطين، الدباغ، ج4، ص15)
              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم