البدو، هم أعرق العرب والبشر


يجهل أكثر الناس، حقيقة الفرق الشاسع بين البدو أو أهل البادية العربية، وغيرهم من العرب والعجم وباقي البشر، والحقيقة إن هؤلاء البدو هم أعرق وأطهر سلالة بشرية على وجه الأرض، وخاصة ألائك العرب الذين تحلوا وتزينوا بأشرف قيم بشرية عرفتها المجتمعات الإنسانية، حيث كان هؤلاء هم أول من يوجد ويحدد وينظم العلاقة بين أفراد وجماعات المجتمع، وهم أول من أوجد نظام التطور الحضاري في أوائل الأزمنة الغابرة..

ذكرت كلمة "البدو" في القرآن الكريم مرة واحدة، في قوله تعالى:{وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }[يوسف:100] ويتضح بأن ذكر كلمة البدو في هذه الآية دلالة على موقع مُشرف لهم، ولم يذكر في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية، ما يوحي ويدل على أن الله خسف أو أهلك قوماً بدوياً، على غرار ما ورد من أمثلة لأهل القرى الذين كانوا يعيشون في البيوت الحجرية والصخرية والمنحوتة، ولو تمعنّا في ذلك سنجد أن جميع الأقوام التي هلكت كانت من أهل القرى والمدن، لا ومن أهل البادية.
أما كلمة الأعراب التي وردت في القرآن الكريم، فلا يقصد بها أهل البادية، مثلما يعتقد الكثير. بل إن الأعراب هم السكان الذين تركوا حياة البدواة واقتربوا لحياة الحضر، فلا هم بدو ولا هم حضر، في مرحلة تطور متجهة للتحضر، فهم أشبه ما يكونوا بسكان الريف.
وهذه الفئة يطلق عليهم البدو، كلمة الفلاليح أو الفلح، ويطلق عليهم بعض المؤرخين كلمة أخرى "أشباه البدو" وذلك لأنهم يمارسون بعض الأنشطة البدوية، مثل تربية الأغنام والماعز، لكنهم يختلفون عن البدو الأقحاح في نمطهم الاجتماعي والعمراني والاقتصادي، ولا يتعبر البدوي بدوي إذا ترك حياة الصحراء وبيوت الشعر وتربية الإبل وتخلى عن الانتجاع والترحال.

صور الحياة البدوية

كان أهل البادية، وبفطرتهم وطبيعتهم، أناس لهم قوانينهم التي تحفظ لكل فرد وكل قبيلة كيانها وكينونتها، وهي في نظرهم قوانين مقدسة، لا يمكن لأي كان أن يتجاهلها، ومما عرفته البادية من صور هذه الحياة:

الكرم وحسن الضيافة، والعطف والشفة، وتقديم العون لكل عابر سبيل أو مستنجد أو مستغيث أو ضعيف مظلوم، واشتهر البدو بالمواثيق والعهود والوفاء التي لا يمكن أبدا الغدر بها أو التملص منها وكانت لهم محاكمهم الخاصة التي استمرت حتى اليوم، كما عرف البدوي بأمانته وتغنى بها شعرائهم في الجاهلية وفي الإسلام، ومن هنا فقط تميزت حياة البدوي كل التميز عن غيرهم من السكان، وهذا كله جعلهم أقرب ما يكونوا للمجتمع الإسلامي بالفطرة، لكن حياة أهل القرى والمدن كانت مختلفة ومغايرة تماماً.

قيم وصفات أهل البادية :


السلوك والأخلاق : اشتهر الأعراب بالكرم والسخاء والتفاخر بإكرام الضيف .
الجيران : عامل البدوي جاره على الدوام بالإحسان والمودة وتقديم النصرة له والعون حالما احتاج لها .
الرفاهية : يتميز البدوي بالزهد والاقتصاد في حياته ونمط معيشته ، فهو لا يهتم بالكماليات بل دائماً يتهم بما هو ضروري من أجل بقائه .
العهود والمواثيق : اشتهر الأعرابي بالتزامه ووفائه للعهود والاتفاقيات ولا يقبل الإخلال بها ويعتبر عدم الوفاء بالعهد عيب لا يرتضيه لنفسه أبداً ولا لغيره .
ولهم قوانين وراثية اعتادوا عليها للفصل بين قضاياهم وحل مشاكلهم .

معيار القوة والضعف عند القبائل العربية :

لا توجد قبيلة بقيت محتفظة بقوتها طيلة تاريخها ، فهذا هو الواقع والحقيقة ، كما لا توجد قبيلة بقيت ضعيفة طيلة تاريخها أيضاً ، فمعيار قوة أو ضعف القبيلة يعتمد على عدة عوامل متشابكة ، ومن هذه العوامل ما لا يمكن مواجهته أو الاستسلام له أو تحديه ، ولعل العامل الديموغرافي لها يقف على رأس هذه المجموعة ، فمثلاً إصابة القبيلة بالأوبئة والأمراض وكثرة الوفيات وانخفاض عدد المواليد الذكور وزيادة المواليد الإناث بين أبنائها ، وكثرة المصابين بالعقم لدى الرجال ، تؤدي في نهاية المطاف إلى ضمور عددها وفي مقابل ذلك يحدث العكس لدى بطن أو فخذ من بطون هذه القبيلة حينما يتكاثر نسلها ويزداد عددها مما يمكنها من دحر زعامة القبيلة الأم واحتلالها لمركز الزعامة والقيادة ، مما يؤدي إلى انقراض اسم معين وظهور اسم أحدث منه ، وهكذا تستمر تأثير العوامل الطبيعية وغير الطبيعية على قوة أو ضعف القبيلة ليظهر نتيجة له أمر جديد .
{رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ }النور37 الآية . 

أثر التعصب القبلي " القبيلة " في الحياة العربية الإسلامية :

ينبغي أن نقر ونعترف بالدور الجليل والمهم الذي قام به أهل البادية ، في نشر الدين الإسلامي خارج شبه الجزيرة العربية ، ولعل الفتح الإسلامي لبلاد الشام التي كانت خاضعة آنذاك لسلطة الرومان من أهم الأدوار التي يرجع الفضل في فتحها ليست لقائد مسلم فحسب ، بل لعدة عوامل مجتمعة ، فمهما تحلى قائد الجيش بحنكة وذكاء وفطنة وشجاعة فهو لن يتمكن من فعل شيء بدون جيش قوي وفرسان متحدون وخطة عسكرية كاملة ومجهزة بكل عوامل النصر .
ومن هنا كان لابد من التذكير بما قام به أهل البادية العرب ، وأهمية القبيلة ككل في هذه الفتوحات الإسلامية ، إن دخول قبائل البادية في الدين الإسلامي كان له الدور الأهم والأقوى في فتح بلاد الشام أول المناطق التي تم فتحها في الإسلام والتي ترتب عليها تقدم القوات الإسلامية إلى أقصى الشمال والشرق والغرب ، ويجب ألا ننسى وقبل كل شيء أن أغلب فترة الدعوة الإسلامية التي استمرت نحو 23 سنة في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، كانت تتركز في مجتمع الحضر ما بين مكة والمدينة ، وكان العائق الرئيس في عدم انتشار الإسلام بسرعة داخل هذه المنطقة هو الكفر والعناد والشرك الذي اتصف به أهل مكة وخاصة قبيلة قريش وأحلافها من القبائل المستقرة هناك ، وغالبية سكان تلك المناطق كانوا أهل قرى أي أعراب وليس عرباً ، في حين على العكس من ذلك فقد كان أهل البادية أول من سارع بإرسال الوفود إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم لإعلان إسلامها ، كما كان أهل البادية أول من أدوا الزكاة بمحض إرادتهم في حين كان المرتدين هم من أهل القرى ، والذين كلفوا أبو بكر الصديق رضي الله عنه جهد كبير في إخضاعهم بالقوة ، كما كان ظهور الكذابين ممن ادعوا النبوة هم أيضاً من أهل القرى لا أهل بادية ، فقد كان البدو الرحل على حدود تلك المنطقة التي تجري فيها الأحداث ، وبدأ انضمام قبائل البادية للعقيدة الإسلامية بعد توجيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم لهم الرسل لإبلاغهم بالدعوة الإسلامية ، وقد رفضت بعض القبائل الدعوة بادئ الأمر بسبب حالة النفور السائدة منذ زمن بين أهل البادية وأهل الحضر ، لكن بعد أن أيقن زعماء البدو بما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام من دين حق، أخذوا يرسلون له الوفود تباعاً ، وأرخ ذلك بعام الوفود .

استعداد الجيش الإسلامي لغزو بلاد الشام :

اعتمد الجيش منذ أول حركته على خبراء من قصاصي الأثر البدو الذين لهم خبرة ودراية بمواقع وكمائن العدو ، وكان على رأس هؤلاء الخبراء قبيلة قضاعة ذات البطون الكثيرة والتي يمتد نفوذها داخل بادية الشام ، ومن أهم بطونها عذرة وجهينة وبلي وبني كلب ، وهذه القبائل شكلت فيما بعد دعائم القوات المركزية للجيش الإسلامي الأموي الذي تمكن من استكمال الفتوحات الإسلامية شرقاً وغرباً . 
لقد كان أهل البادية بفضل ممارستهم وخبرتهم الكبيرة في فنون القتال والمبارزة وأساليب الغزو والهجوم ، من أقوى فرسان الجيش الإسلامي وعماد قوته ، كما كان وبسبب خبرتهم وعلاقاتهم وتحالفهم مع قبائل غسان وعاملة وبهراء وسليح وتنوخ وغيرهم من قبائل الأزد ، دافعاً مغرياً لهم على الدخول في الإسلام والانضمام للجيش ، كما كانت عملية اقتسام الغنائم تشبه إلى حد كبير ما كان يقوم به أهل البادية أثناء غزوهم على القوافل التجارية ، مما شجع فرسان البادية إلى الانضمام والالتحاق بالجيش الإسلامي ، وكانت كل قبيلة تقاتل تحت رايتها وشعارها لذا فكانت تحاول أن تكون أفضل من غيرها ، وهو التنافس الإيجابي في هذه المعارك ، كما كان للعصبية القبيلة دوراً آخر في إثارة دوافع الانتقام للشهداء ، مما يزيد من حماسة وقوة وصمود الفرسان العرب في هذه الغزوات .

ومن آثار انتماء الفرد وتعصبه لقبيلته نلاحظ ما يأتي :

1- تنظيمات الجيش الإسلامي :
يتكون الجيش من الجنود الذين ينتسبون إلى قبائلهم ، حيث كانت كل قبيلة عبارة عن كتيبة كاملة العتاد والعدة ، ولكل كتيبة من كتائب الجيش راية معينة ، يرفع رايتها زعيم هذه الكتيبة أي زعيم القبيلة ، وإلى جانب هذه الراية هناك كلمة حماسية تخص القبيلة ، وهي عبارة عن شعار يرمز للقبيلة " الكتيبة " وهذه الكلمة الحماسية تثير النخوة والشجاعة وتشحذ الهمم ، وتعرف بنخوة القبيلة ، أو صيحة الحرب ، أو النداء الحربي .( القبائل العربية في مصر ، ص284).
2- في تخطيط المدن :
حيث كانت تعتمد الخطة على تقسيم المدينة، إلى أحياء، حي لكل قبيلة فتجتمع فيه ، وقد تم تقسيم غالبية المدن الجديدة الذي بناه العرب بعد الفتح كان اعتماداً على المبدأ نفسه ، ومثل هذه المدن الفسطاط ، والكوفة وما جاء بعدهما .
3- الديوان :
حيث قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، بتقسيم ديوان الجند " العطاء" بناءاً على أسماء القبائل ، حيث خصص لكل قبيلة سجل يدون فيها إسم القبيلة والعشيرة والبطن، وفرسانها وأعطياتهم .( القبائل العربية في مصر ، ص284-286) .
4- المرتبع : 
كان لكل قبيلة منطقة معينة تخرج إليها لأغراض الصيد والرعي ، وكل قبيلة من قبائل العرب لها حرية اختيار الكورة التي تحب أن ترتبع فيها .
5- المسجد :
وبالرغم من أن كل مدينة بني فيها مسجد يجتمع فيه كل المسلمين ، إلا أنه كان في كل حي من أحياء المدينة ، أي لكل قبيلة مسجد خاص تقام فيه الصلوات اليومية ، وأما صلاة الجمعة فلا تقام إلا بمسجد المدينة ( القبائل العربية في مصر ، 288) وهناك الكثير من المساجد التي حملت أسماء قبائل معينة ، مثل مسجد لخم ، مسجد عنزة ، مسجد مهرة ، ومسجد قضاعة.

أما أهل القرى والأمصار والمدن، فهم مختلفون، لماذا؟

إنهم عبودا الأصنام والأوثان
عرفوا الظلم والطغيان في تسلطهم على ضعاف الناس، كفرعون والنمرود وغيرهم
اتقنوا الكفر والنفاق والفسوق والفجور
ارتكبوا الأعمال القبيحة كالزنا والميسر والسحر وقتل النفس التي حرم الله
استهزئوا بالرسل والأنبياء والملائكة، ولهذه الأسباب أهلك الله منهم قرى كثيرة، كقوم عاد وثمود وقوم فرعون ولوط وغيرهم، ولم يذكر في الأثر الإسلامي ولا غيره، بأن مثل هذه الأمور حدثت في مجتمعات البادية العربية الإصيلة، لا في عصر الأديان ولا في عصر الجاهلية ولا في الإسلام، وجميع الأدلة تثبت وقوع ذلك فقط في مناطق حضرية ووردت تسميتهم في القرآن الكريم، بالقرى والقلاع والحصون.


 

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم