موقعة صفين - حقائق تاريخية


موقعة صفين وتحليل مختصر للحقائق التاريخية

صفين تلك الأرض الواقعة ما بين أعالي العراق وبين بلاد الشام، هذه الأرض الذي خلدها التاريخ العربي، بسبب ما وقع فيها من أحداث دامية بين المسلمين المتصارعين، وذلك سنة 37 من الهجرة، أي بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بربع قرن من الزمن (25 سنة).
وحسبما يقال عن شهداء موقعة صفين: أنه قتل فيها 70 ألفاً سقطوا في حدود عشرة أيام، ومقارنة مع هذه الأرقام أنه استشهد في فلسطين منذ سنة 1948م وحتى عام 2000م أي خلال 50 سنة حوالي 30 ألفاً، لذلك فانني أرى بأن عدد شهداء موقعة صفين هو رقم مبالغ فيه إلى حد كبير، ولو اعتبرنا أن الحقيقة هي نصف هذا الرقم، فهذا يعني وقوع كارثة جسيمة وخسارة حزينة في صفوف المسلمين قضت عليهم وأثرت فيهم تأثيراً قاهراً حتى يومنا هذا، إن تلك الحروب الظالمة بين المسلمين الذين حضروا وشاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم أعينهم وصاحبوه، قد ذبحوا أنفسهم وأهلكوا أنفسهم على حافة كرسي الخلافة، لكن ما هي أسباب هذه الحروب المؤلمة..

أسباب موقعة صفين[1]: السبب الأول : رفض معاوية بن أبي سفيان مبايعة علي بن أبي طالب بالخلافة، قبل القصاص من قتلة عثمان بن عفان.
السبب الثاني: اعتبر علي بن أبي طالب رفض معاوية خروج عن رأي الجماعة ووجوب قتاله، من أجل المصحلة العامة للمسلمين.

نتائج موقعة صفين: ليست بالضرورة أن تكون نتائج الموقعة مباشرة بعد أن تضع الحرب أوزارها، بل قد تظهر النتائج بشكل تراكمي بعد فترة من الزمن، فكان من أهم نتائج هذه الموقعة انقسام المسلمين إلى فئتين متنازعتين هما فئة شيعة علي بن أبي طالب، وشيعة معاوية بن أبي سفيان، ثم تطور الأمر بشكل خطير فأصبح هناك مذهبين مذهب الشيعة ومذهب السنة، ثم تطور الأمر إلى أصعب من ذلك حتى تبدو الآن ديانتين إسلاميتين.
ومن نتائج تلك المعارك، أن أصبح القتال بين المسلمين أمرا غير مستغرب، فسرعان ما تنشب معركة هنا وهناك حتى على أتفه الأسباب، فقد يقوم رجل مسلم بقتل رجلٌ آخر قطف برتقالة من شجرة لأنه كان عطشاناً أو جائعاً، ومن يتذكر حرب البطيخة التي وقعت بين قبائل العرب بالشام وقد استمرت سنتين كاملتين بسبب قيام رجل بقطف بطيخة من مقثاة رجل من قبيلة بني لخم.
ولو قمنا بإلقاء نظرة خاطفة على عالمنا العربي والإسلامي اليوم، وبعد مضي 1300 سنة على موقعة صفين، سنجد أن عالمنا العربي يغرق في أوحال الصراعات المذهبية والحزبية والسياسية والعائلية، حتى أنك تعتقد أن الحي الواحد به 1000 ديانة متناحرة.
ولو قمنا بمقارنة حياة العرب الأولى في نهاية العصر الجاهلي والعصر الأول للإسلام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، سنجد الفرق الواضح في أن الرسول عليه الصلاة والسلام أنقذ العرب من صراعاتهم المتعددة الجاهلية التي كانت تندلع لسبب تافه وقد تستمر عشرات السنين، فجاء الإسلام فألف بين قلوبهم وآخى بينهم ووحد صفوفهم، فأما الآن فالعكس، فبرغم من أن الدين موجود إلا أن الحروب الجاهلية عادت أكثر ما كانت عليه قبل 2000 سنة.

وجهة الشرع الإسلامي حول موقعة صفين، وما الذي من المفترض أن يترتب على ذلك: رأى المسلمون بأن كل من علي ومعاوية من صحابة رسول الله، وأن الأحاديث الثابتة والصحيحة، تبين أن كلا الفريقين دعوتهما واحدة، وتسعيان للحق، وتبرئهما من قصد الهوى، واتباع البطلان، وأن دينهما واحد، وقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن النزاع كان على دم عثمان وليس على الخلافة [2] وأن معاوية لم ينكر خلافة علي ولم يدعيها لنفسه، وإنما انتقلت إليه الخلافة بتنازل الحسن بن علي رضي الله عنه ومبايعته له، ليصلح أحوال المسلمين ويجمع رأيهم ويوحد صفهم على خليفة واحد، وبذلك صحت خلافة معاوية بن أبي سفيان، وقد أجمع أهل السنة والجماعة على أن علي بن أبي طالب كان أقرب للحق من معاوية، وأن معاوية اجتهد في رأيه، وقال أهل الفقه أن علي بن أبي طالب رأى بأن يأخر القصاص أو الحد لأجل مصلحة راجحة، وأن ذلك من صلاحيات الحاكم.

إنزلاق الأمر وتطور ونمو الفرقة والانحلال: بعد استتباب الأمن ورسوخ الصلح، ظهرت الأكاذيب المدسوسة التي زادت من الشرخ بين جسد الأمة، وأوجدت الفرقة والانحلال، وهذه الأكاذيب، استهدفت كلا الفريقين فقد اتهموا معاوية بن أبي سفيان بأنه أمر بسب علي رضي الله عنه من على المنابر، وهذا كذب مدسوس لا يتناسب مع سيرة معاوية وأخلاقه وهي شبهة، كان من المفترض والواجب في حينه دفنها للأبد، وقد اتهم الصحابي أبو هريرة بأنه كذاب، ووضعت الدسائس هنا وهناك، ووصلت إلى حدود صعبة فيما بعد صعدت لمرحلة التشكيك بالمصحف والآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وكتب السيرة النبوبة في سلسلة متعاقبة من التطورات الخطيرة، التي وصلت لما هو عليه الآن من أباطيل وأقاويل وخرافات ما أنزل الله بها من سلطان، فكيف وصلت الأمور لهذا الحد فهنا تكمن المشكلة، وكيف يعود المسلمين لدين واحد ومذهب واحد وهنا هو حلم كل مسلم.
لكن ومن الثابت بأن هناك دورٌ خطير قام به أناس أغراب زرعوا بذور الفرقة والانحلال بين الأمة الإسلامية ليمزقوا دينهم، ويشوهوا تاريخهم ويفرقوا عروبتهم، ويستبدلوا ثقافتهم وتراثهم وقد نجحوا في ذلك فعلاً، ولعل المستشرقون ودول الاستعمار لها دور كبير وواضح لا محال ولا شك أبداً في ذلك.


[1] قصة الإسلام، إشراف د. راغب السرجاني
[2] النزاع بين علي ومعاوية رضي الله عنهما
              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم