العرب والديمقراطية

الديمقراطية:

كلمة معربة أصلها لاتيني، معناها حكم الشعب، ظهر هذا المصطلح في بلاد اليونان "الإغريق" وجاء هذا المصطلح ليناقض مصطلح الارستقراطية الذي يقصد به حكم النخبة، وفي حقيقة الأمر ظهرت هذه المصطلحات من قبل الطبقات الحاكمة، من أجل التأثير على طبقة المحكومين، وهي تبقى محصورة في فئة معينة ومحددة، آنذاك.
أما الآن وبعد عدة عصور على تطور النظم السياسية وتعاظم الثقافة الراقية والحضارة المعاصرة واتساع دائرة المثقفين وتعدد وظائفهم في الدولة، وظهور وسائل الإعلام الحديثة بعدة ألوان ووسائل وأساليب وانتشارها في المجتمع العربي، حتى تشرب العرب مفهوم الديمقراطية وحاولوا مراراً وتكراراً زرعه في أذهان متحجرة منذ العصور الحجرية الأولى، لكن هذه الثقافة الغريبة على المجتمع العربي لن تنجح أبداً في سياسة الرعية، ولا يمكن لأسلوب مثل هكذا أسلوب، أن ينجح في بلدان عربية، لماذا؟
تعودت العرب منذ الأزمنة الغابرة وبطيعتها وفطرتها، أن تختار لها زعيم أو ملك، يقودها كما يقود الراعي غنمه، وهذا هو أفضل أنظمة الحكم التي يكتب لها النجاح في المجتمعات العربية والمجتمعات المتشابهة لها، ومن خلال ما وصلنا من تاريخ العرب نستطيع أن نفهم ونعرف مواصفات هذا القائد والزعيم الذي يستطيع أن يقود الجماعة العربية، فقد أثبت التاريخ والواقع على حد سواء، بأن أول صفة للقائد أن يتمتع بقوة جسدية يستطيع من خلالها أن يغلب خصومه، بالقوة فقط فيصبح بعد ذلك قائد وزعيم وحاكم، ويخضع الباقي تلقائياً لحكمه، وهو بهذه الطريقة يفرض قوانينه ودستوره على الرعية، فأما الديمقراطية بمفهومها المشار إليه لا يبني وطنا ولا يقود مجتمعاً، بل هو عنوان الخراب والاقتتال والصراع الذي لا ينتهي أبداً، فالعرب فقد يحكم الخوف فمن خافوا بطشه وجبروته أطاعوه وصاروا له عبيداً، وهذه حقيقة واقعية غير مبالغ فيها على الإطلاق..
وأما النزاعات والصراعات بين العرب سواء كانت في الماضي أو في الحاضر، فلم تكن يوماً من الأيام من أجل الله ولا من أجل الدين ولا من أجل منفعة الناس، وإنما في مجمله صراع من أجل السمعة والصيت والأرزاق والأموال والجاه والحسد، وما نقوله ليس مجرد وجه نظر، بل هي الحقيقة بعينها، ومن يرغب بالتأكد فليتجه لتمحيص التاريخ ولكن بشكل دقيق دون الاستجابة للعاطفة أياً كانت.
ولعل المجتمعات العربية خير دليل على ذلك، ففيها ألوان شتى من هذه الصراعات، ففي العائلة الواحدة صراع على تزعمها ومن هو الأحق من الآخر أبو فلان أم أبو علان، ولا يكون معيار الكفاءة مهما في ذلك، لكنها مجرد حجة لا غير، بل إن معيار الاختيار هو شخصي فقط، حتى في ظل الاختلاف على شخص معين قد يستمر الصراع على الرغم من لجوئهم لعملية الانتخابات للفصل بين نسبة مؤيدين هذا وذاك، فلا تعني الأغلبية لهم أي شيء، بل الخوف فقط هو الذي يحكمهم.
فالعربي مستعد للاجهاز على فريسته تحت أي سبب أو بدون سبب حالما شعر بقوته وضعف خصمه.
لكن بطبيعة الحال هذا لا ينطبق على جميع الناس، أو كل العرب، لأن هناك بالفعل عقول رائعة تتمثل في سلوك الناس ممن يحبون فعل الخير ويفتخرون به إلا أنهم قلة قليلة، يتعرضون للاستهزاء والسخرية من قبل الفئات الأخرى، وبالرغم من ذلك إلا أن هؤلاء في كل الظروف ايضا لا يخوضون في الصراعات، فالصراعات والنزاعات لا تكون بين أصحاب الخير وأصحاب الشر، بل هي بين أصحاب الشر والطمع والجشع أنفسهم، فإذا أظهر طرف منهم قوته وجبروته وسلطانه خضع له الطرف الآخر ورضي بشروطه بسبب عدم قدرته على الانتصار.
هذه هي ديمقراطية العرب، فعلى سبيل المثال لا الحصر الحاكم القوي والمتنفذ وصاحب الجيش القوي المتسلح بأحدث الأسلحة وأكثرها هو الذي تسود في بلاده الأمن والطمأنينة والسلام بين الناس والمجتمعات، فأما الحاكم الذي يرخي الحبل مرتخياً ولا يدقق على كثير من الأمور، تحدث في بلاده اعتداءات كثيرة وحوادث متعددة ويكثر فيها الفساد، وقد تنبه لهذه السياسة كثير من الحكام التاريخيين، فالحكم وفرض السيطرة على أرض الواقع مختلف تماما عن احتياجات الداعية صاحب الرسالة، فالأول يحتاج بشكل أساسي لمنع أي عمل مخل ومخرب في بلده، والثاني محتاج لمن يسمعه ويقتنع به فهو إذا سيتظاهر بكل أمر يقرب الناس له، لكن إذا تمكن صاحب الرسالة من الوصول إلى سدة الحكم، فسرعان ما يغيرأسلوبه السابق، ويبدأ باستخدام القوة والتظاهر بها استخدام كل السبل المتاحة لمنع أي عمل ضده وهو محق في ذلك، لأنه هنا معرض للحاقدين والحاسدين الذين تثور في صدورهم ثائرة الأنانية والطمع لماذا هو فنحن أحق منه بهذا الرغد والجاه والسمعة والصيت والحياة التي يعيشها..
وأما الشورى أو التشاور عند الحكام فهو أمر مختلف تماماً عن مفهوم الديمقراطية:
صحيح هناك بعض المشورات حينما يلجأ الحاكم لمعرفة رأي جماعته وأصحابه المقربين في بعض الأمور التي ينوي القيام بفعلها، فهذا أمر عادي ولا يعني ( تدليع الشعب) أو حكم الشعب، ولكن هذا ايضاً يعتبر استشارة واستطلاع لمعرفة رأي ما يساهم في صياغة قرار مهم، وهذا لا يقع ضمن مفهوم الديمقراطية.
ومن الآراء التي ذكرها المؤرخين العرب الأوائل حول سلوك العربي نذكر قول البعض منهم[1]:
رأى ابن خلدون أن العربي متوحش سلاب نهاب يسرع إلى الخراب
ويرى أوليري أن العربي ينظر إلى الأمور نظرية مادية يقيمها بحسب معيار المنفعة والطمع
أما دوزي فإنه يرى هناك اختلاف بين العرب في العقلية والنفسية
ورأى أحمد أمين بأن العرب شعب كباقي الشعوب فيه ايجابيات وفيه سلبيات ووصف العربي الجاهلي فقال:
العربي عصبي المزاج، سريع الغضب، يهيج للشيء التافه، ثم لا يقف في هياجه عند حد، وهو أشد هياجًا إذا جرحت كرامته، أو انتهكت حرمة قبيلته. وإذا اهتاج، أسرع إلى السف، واحتكم إليه، حتى أفنتهم الحروب، وحتى صارت الحرب نظامهم المألوف وحياتهم اليومية المعتادة.
وذكر أهم خاصية عند العرب والمتعلقة بالحكم، فقال العرب لا يدينون بالطاعة لا لرئيس أو حاكم، إلا فقط من خلال الخوف والجبن من بطشه وقوته ونفوذ سلطانه.
ويذكر أن معاوية بن أبي سفيان مؤسس الدولة الأموية أوصى ولده زياد كيف يسيس رعيته (شعبه) فكتب له[2]:
 " أنه لا ينبغي لنا أن نسوس الناس سياسة واحدة. لا نلين جميعاً، فنجعل الناس في المعصية، ولا نشتد جميعاً فنحمل الناس على المهالك، ولكن لتكن أنت للشدة والغلظة، وأكون أنا للرأفة والرحمة ". وهذا ربما ظهرت من تجربة معاوية وخبرته التي نمت من عمله طويلاً في سياسة الرعية في بلاد الشام، فالشدة والغلظة تجبر العرب على الخوف والخنوع للحاكم، والرأفة والرحمة تحببهم بالحاكم في آن واحد، لكن لا يمكن اظهار واحدة دون أخرى، لأن الرأفة والرحمة قد تؤدي إلى الاستغلال وانتشار الفئات المخربة التي تسعى للحصول على أطماع خاصة.

[1] المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، د. جواد علي، ط4، لسنة 2001م، الموسوعة الشاملة.
[2] بدائع السلك في طبائع الملك، ابن الأزرق، الموسوعة الشاملة.

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم