عادات وتقاليد، لا تزال مستمرة

عادات وتقاليد لا زالت مستمرة، فلنتعرف عليها

لصق العجين


من عاداتنا التي ما زلنا حتى اللحظة نحرص على تنفيذها، هي عادة لصق العجينة في الفرح، وخاصة أثناء دخول العروس بيت زوجها الجديد يوم الزفاف، رأيتُ أن أتتبع واستطلع تاريخ وأماكن انتشار هذه العادة، وفي أي المجتمعات تتواجد، أحب دائماً البحث التاريخي للعادات والتقاليد، فقد ساعدتني أبحاثي هذه على ربط أمور ومحاور دراسية أخرى وأتت بنتائج قيمة جداً.

عادة لصدق العجين في الأفراح ، هي عادة عربية وجدتُ في بلاد الشام، كانت هذه العادة مرتبطة أساساً بالتاريخ العربي وحضارته على مر العصور والأزمنة، فالدقيق " أو الطحين" من ضروريات الاحتياجات الغذائية وأولها أهمية لأي عربي، لأن القمح من المحاصيل التي ارتبطت تاريخياً ببلاد الشام منذ نشأة الخليقة، وجاء ذكرها في القرآن الكريم الذي أنزل بلسان عربي، وخاطب به الله جل جلاله العرب بلسانهم وضرب لهم الأمثلة التي ارتبطت بحياتهم وظروف معيشتهم، فذكر سنبلة القمح فقال سبحانه وتعالى:
مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 261].
ويعتبر القمح الغذاء الرئيسي للشعوب العربية في موطنهم الأصلي، ولهم عادات وتقاليد مرتبطة بهذا المحصول مثل :
الغناء والشعر والدبكة والدحية والسامر يوم الزرع ويوم تتساقط عليه المطر، ويوم الحصيد ، وهناك عدة أنواع من الأطعمة التي تصنع أو تجهز من القمح سواء من الحبوب أو من الدقيق، وهناك آلات وأدوات متعددة تستخدم في المواسم المختلفة التي تبدأ يوم زراعته وحتى حصاده ومن ثم طحنه، كما وقد تفنن العربي بإنشاء مناطق لتخزين القمح لسد احتياجاته الغذائية.
ولذلك فإن عادة لصق العجين من عادات أهل الشام قبل غيرهم، ولهذه العادة معاني كثيرة وضرورة ملحة ، إذا تدل على التصاق العربي بأرضه وحبه العميق لزرعه وخاصة قمحه الذي يصنع منه خبزه وقوت عائلته، مما يعينه على مواصلة الحياة باطمئنان وارتياح، كما أن وفرة الزرع والخصاب عامل مهم من عوامل الاستقرار السكاني وحافز على النمو والزواج، كما أن الالتصاق بالمكان هو الثبات والصمود والصبر وتحمل مشاق الحياة ومواصلة البناء، فجاءت هذه العادة التي ترافق مراسم الزفاف لتعبر وتدل على ثبات الأسرة الجديدة وتثبتها بالمكان، وإعلان صريح من قبل الزوجة على الالتصاق بهذا البيت والانضمام للأسرة، وطاعة الزوج واحترامه ومشاركته الحياة حلوها ومرها، وتفاؤل منهما بحياة سعيدة ملتصقة بالاستقرار والهدوء والطمأنينة ثابتة على الحب والإخلاص، تنمو وتثمر كما هي حبة القمح الصغيرة تنتج سبع سنابل وكل سنبلة مئة حبة ، ليصنع منها مئات الأطنان من الدقيق، تنمو عليه  أكتاف الرجال حملة الراية وحراس الوطن.
مواقع انتشار هذه العادة:
لفت انتباهي بأن هذه العادة تنتشر في مدن بلاد الشام بأسرها، بل في منطقة الهلال الخصيب " العراق، سوريا ، لبنان ، الأردن ، فلسطين " ويغلب على أصحاب هذه العادة ملامح العروبة الأصيلة، فجلهم من قبائل يمن "سبأ" ورثة أقدم الحضارات العربية في جنوب جزيرة العرب، وأول من انتقل إلى الشام قبل الإسلام وقبل الفتح العربي، كما لفت انتباهي أيضاً بأن أهل هذه العادة هم من مربي الخيول العربية، وليس من مربي الإبل، وهذا يؤكد على أن نشأة هذه العادة في مناطق الخصب حيث تتوفر زراعة القمح والشعير، وهو من أهم الأغذية التي تحتاج إليها الخيول، حيث تتغذى على بقايا المحصول بعد الحصاد وتترك كمراعي جيدة لها.
فمن هنا نستطيع القول بأن مركز هذه العادة هي المناطق الخصبة من ناحية، وفي القرى العربية القديمة من ناحية ثانية، فهي تنتقل داخل هذه المجتمعات من خلال الوراثة والاختلاط بين هؤلاء السكان الناتج عن الزواج والمصاهرة والتقليد والمحاكاة التي تترسخ عبر فترات زمنية طويلة، إذاً فهذه العادة ارتبطت بحياة الاستقرار السكاني .
عادة أم خرافة :
ليست هناك خرافة في ذلك، فهل مثلاً حينما تدخل المسجد مبتدأ برجلك اليمين في ذلك خرافة، وهل حينما تأكل بيدك اليمنى في ذلك خرافة، ألم تكثر حالات الطلاق في مجتمعاتنا في الوقت الحاضر بعد أن تغيرت وانقلبت عادات الناس رأساً على عقب وأصبحت أعراسهم وحفلاتهم أشبه من حفلات الروم حتى أن بعض الناس أصبح خجولاً من لغته العربية، وهل في قول النبي صلى الله عليه :
" أقلهن مهراً أكثرهن بركة" هل البركة خرافة!، ألم يكن في قديم الزمان كل شيء يسير وبسيط والمهور قليلة والزواج يسير بجميع لوازمه والبركة كثيرة، أقول إن هذه عادة وليست خرافة، ولا أسطورة، ولكنها عادة جميلة وتعبير رمزي بالدعاء لله بغرس البركة في حياة الزوجين وتثبيت أقدامهما في بيتهم الجديد.
وأقول إن حياة الناس من الناحية الاجتماعية والأخلاقية في السابق كانت أروع وأحسن من حياتهم في الوقت الحاضر، لأن قلوبهم كانت قنوعة وخاشعة ونياتهم صافية فكانت حياتهم تسير على ما يرام.

الجريشة :

لما كانت الجريشة إحدى العادات التي تعرفها العائلة منذ القدم ، رغبت بتتبع مناطق وجود هذه العادة، ومدى علاقتها وارتباطها بقبائل العرب، وقمت بالبحث عنها عبر الأنترنت فوجدت ما يلي :
جاء في ويكيبيديا [ الموسوعة الحرة] بأن الجريش أكلة شعبية عربية في الجزيرة العربية والأردن وفلسطين وربما في أماكن آخرى.، تشتهر بها منطقة نجد وطريقة طبخها تبدأ بتحضيرها من القمح الصلب المكسر المعروف شعبياً بـ اللقيمي يضاف القمح اللقيمي المجروش أو المكسر لا المطحون إلى مرقة اللحم والكمون وتركه على نار هادئة لمدة طويلة حتى يصبح مثل الهريسة واضافة اللبن اليه وتقديمه ساخناً والبعض يفضل إضافة الزبد فوقه أو السمن البري. في فلسطين، وخصوصا في مناطق الخليل، يتم تناول هذه الاكلة في صباحات الاعراس، إذ تعتبر وجبة فطور لأهل العرس.
في الجزيرة العربية :
1- عند أهل الكويت هناك يوم الجريش ويكون غالباً في أواخر شهر شعبان .
2- وفي منطقة حائل والإحساء بالمملكة العربية السعودية يطبخون طعام الجريشة من القمح أو الذرة، ويضيفون عليها اللحم واللبن.
3- وفي منطقة الرس بهضة نجد بالمملكة العربية السعودية يتم طحن القمح وهرس الجريش: وتقوم به النساء، وعادة ما يكون في كل منزل من المنازل رحى خاص بأهله، كما يوجد بعض الأرحية تقع في بعض المنازل مثل (رحى الذوابا) التي يستعملها الناس الذين لا يوجد لديهم رحى خاصة، حيث يتم طحن القمح لصنع الجريشة .
4- وعند أهل الطائف، ومنطقة الجبيل بالإحساء ، يصنعون طعام الجريش في أيام شهر رمضان كوجبة محببة على مائدة الإفطار.
5- ومن عادات أهل الرياض تقديم وجبة الجريشة أثناء زفة العروس إلى عريسها أي عند إلتقاء زفة كل منهما ليؤخذها إلى بيتها الجديد.
أما في فلسطين :
1- فمن عادات أهل القدس أنهم يقدمون الجريشة طعاماً إضافياً على مائدة ولائم الأفراح، بجانب المنسف ، كما تعتبر وجبة الجريشه أنها الطبق الشعبي والتراثي الذي يقدم في مناسبات خاصه لبعض ضواحي مدينة القدس وبالتحديد بلدة سلوان المحاذيه للمسجد الاقصى.
يقدم هذا الطبق في الاعراس او عند ولادة طفل على الاسبوع عندما يكون الاقارب مدعويين للمباركه، كما وتستخدم هذه الأكله الشعبيه الرئيسيه في المواسم وعند أضرحة الأولياء يطبخ مع القمح المجروش بالماء ومع اللحم أو بدونه .
2- وفي بئر السبع تقدم وجبة الجريشة إلى جانب طعام الغذاء "منسف الفت ولحم الضأن" المعد في الأفراح .
3- وفي بلدة السموع جنوب الخليل بفلسطين، يصنعون الجريشة من القمح المجروش - لبن بلدي ( كشك ، جميد) - لحم بلدي، وتعتبر من الوجبات الشعبية القديمة في تراثهم .
4- وفي مدينة الخليل الفلسطينية، هناك ظاهرة تراثية تاريخية قديمة جداً تعرف حالياً باسم " التكية الابراهيمية" يقوم عدد من العمال بطبخ الطعام يومياً وتوزيعه على المحتاجين والفقراء والضيوف والزوار الذين يأتون من مناطق بعيدة لزيارة الحرم الإبراهيمي ومن أشهر هذه الوجبات اليومية وجبة الجريشة  التي تصنع من دقيق القمح ، أما أيام الأثنين والجمعة من كل أسبوع فيتم إعداد وجبات من لحم المواشي أو الدواجن، ويضاعف جهود العمل في شهر ومضان المبارك من كل عام.
وفي سيناء:
- تعتبر الجريشة من أشهر أطعمتهم حيث يجرشون القمح بالرحى ويسلقونه ثم يضعون عليه اللبن أو السمن.
في العائلة :
يتم إعداد الجريشة خاصة بعد مرور 40 يوماً على ولادة مولود، حيث تطبخ في أوعية كبيرة ليتم توزيعها على الجيران، وعلى حسب العادة بأن هذا الطعام فيه بركة للمولود وأمه وأهل بيته.

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم