حكم القتل في الإسلام

أنواع القتل:

إن أنواع القتل من حيث هو قتل من غير نظر إلى ضمان القتل وعدم ضمانه أكثر من خمسة:
كقتل المرتد، والقتل قصاصا، والقتل رجما، والقتل بقطع الطريق، وقتل الحربي
حتى قال بعضهم: ونظير هذا ما قاله محمد في كتاب الأيمان: الأيمان ثلاثة، ولم يرد به جنس الأيمان؛ لأنها أكثر من ثلاثة: يمين الله، ويمين بالطلاق، ويمين بالعتاق والحج والعمرة، وإنما أراد بذلك الأيمان بالله تعالى انتهى.
أقول: فيما قالوا نظر؛ إذ الظاهر أن شيئا من أنواع القتل لا يخرج من الأوجه الخمسة المذكورة في الكتاب، بل يدخل كل من ذلك في واحد من تلك الأوجه، فإن ما ذكروا من قتل المرتد وقتل الحربي والقتل قصاصا أو رجما أو قطع الطريق يكون قتل عمد إن تعمد القاتل ضرب المقتول بسلاح وما أجري مجرى السلاح، ويكون شبه عمد إن تعمد ضربه بما ليس بسلاح، ولا ما أجري مجرى السلاح، ويكون خطأ إن لم يكن بطريق التعمد بل كان بطريق الخطإ إلى غير ذلك من الأوجه المذكورة، وإنما تكون تلك الأنواع المباحة من القتل خارجة من الأحكام المذكورة لهذه الأوجه الخمسة لا من نفس هذه الأوجه الخمسة فلا معنى للقول بأن أنواع القتل أكثر من خمسة فإن قلت: كيف يتصور خروج تلك الأنواع من الأحكام المذكورة للأوجه الخمسة للقتل لا من نفس هذه الأوجه وحكم الشيء ما يترتب عليه ويلزمه؟ قلت: قد يكون ترتب الحكم على شيء مشروطا بشروط؛ ألا يرى أنهم جعلوا وجوب القود من أحكام القتل العمد مع أن له شرائط كثيرة: منها كون القاتل عاقلا بالغا إذ لا يجب القود على المجنون والصبي أصلا
ومنها أن لا يكون المقتول جزء القاتل حتى لو قتل الأب ولده عمدا لا يجب عليه القصاص، وكذا لو قتلت الأم ولدها وكذا الجد والجدة
ومنها أن لا يكون المقتول ملك القاتل حتى لا يقتل المولى بعبده
ومنها كون المقتول معصوم الدم مطلقا فلا يقتل مسلم ولا ذمي بالكافر الحربي، ولا بالمرتد لعدم العصمة أصلا، ولا بالمستأمن في ظاهر الرواية؛ لأن عصمته ما ثبتت مطلقة بل مؤقتة إلى غاية مقامه في دار الإسلام، صرح بذلك كله في عامة المعتبرات، فكذا كون القتل بغير حق شرطا لترتب كل من الأحكام المذكورة للأوجه الخمسة من القتل، وليس شيء مما ذكروا من الأنواع المباحة للقتل بغير حق بل كلها بحق، فدخولها في نفس أوجه القتل دون الأحكام المذكورة لها بناء على انتفاء شرط تلك الأحكام وهو كون القتيل معصوم الدم، وكون القتل قال (فالعمد ما تعمد ضربه بسلاح أو ما أجري مجرى السلاح كالمحدد من الخشب وليطة القصب والمروة المحددة والنار) ؛ لأن العمد هو القصد، ولا يوقف عليه إلا بدليله وهو استعمال الآلة القاتلة فكان متعمدا فيه عند ذلك
(وموجب ذلك المأثم) لقوله تعالى {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم} [النساء: 93] الآية، وقد نطق به غير واحد من السنة، وعليه انعقد إجماع الأمة.. [الكتاب: فتح القدير، كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام (المتوفى: 861هـ)]

عقوبة القتل:

وجاء في موقع " إسلام ويب" مركز الفتوى" ما يلي:
فإن عقوبة القتل في الإسلام تختلف باختلاف نوع القتل، وبالجملة ؛ فقتل العمد عقوبته القصاص إذا لم يعف ولي المقتول، وقتل الخطإ فيه الدية والكفارة، وقد بينا أنواع القتل وما يترتب على كل واحد منها في الفتوى رقم: 11470.

وفي قتل العمد يقول الله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى. الآية.

 ويقول تعالى: ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون.

وفي قتل الخطإ يقول تعالى: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله..الآية.

وأما عقوبة القتل في الإسلام  فتكون أساسا لثلاثة: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة، ولذلك تفصيل انظره في الفتوى: 17567 . وفي القوانين الفقهية لابن جزي المالكي وغيره من كتب الفقه. 

وأما تنفيذ القتل فيكون بأسرع وسيلة ممكنة إلا في بعض الحالات كالقصاص ؛ فإن القاتل يقتل بما قتل به والثيب الزاني ؛ فإنه يقتل بالرجم.

وأما قول السائل: هل الإسلام يفضل القتل أو الرحمة؟ فسؤال غير وارد ولا معنى له ؛ فالإسلام ما جاء إلا للرحمة، وما شرع القصاص وغيره من العقوبات على المجرمين إلا رحمة بهم وبمن اعتدوا عليه، قال الله تعالى مخاطبا لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.

  قال أهل التفسير:  يعني في استنقاذهم من الجهالة, وإرشادهم من الضلالة، وكفهم عن المعاصي وبعثهم على الطاعة.

ومن أقوال العلماء المشهورة: الإسلام جاء لجلب المصالح للعباد وتكميلها، ودرء المفاسد عنهم وتقليلها.

فالعقوبات رحمة للناس جميعا ؛ فبالنسبة للمجرمين تكفير لذنوبهم  وزجر لهم عن الجرائم، وهي أمان لغيرهم، وكان حكماء العرب قديما يقولون: القتل أنفى للقتل، فنزل القرآن الكريم تأييدا لهذا المعنى فقال تعالى: ولكم في القصاص حياة يا أؤلي الألباب لعلكم تتقون. وهذا من أعظم فوائد قتل القاتل وردع المجرم، لأنه إذا علم أنه لو قام بالقتل عمدا قتل قصاصا كف عن القتل فكان في ذلك حياة له ولمن أراد قتله.

وأما عن الديانة اليهودية ؛ فإن القصاص ثابت في شريعتها وكذلك رجم المحصن، أما النصرانية- المسيحية- التي جاء بها عيسى عليه السلام فهي تابعة لشريعة موسى عليه السلام وفيها-شريعة موسى التوراة- يقول الله تعالى: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص.. . الآية. فتوى رقم 120744- والله أعلم.

وعن حكم الشرع في قاتل مواطن مدني:

" موقع إسلام ويب - مركز الفتوى" فتوى رقم 19156
فإن قتل النفس بغير وجه حق، من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، وقد نهى الله تعالى عنه في كتابه فقال:وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [الإسراء:33].
وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: اجتنبوا السبع الموبقات...- وعدَّ منها-... قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. 
فمن قتل مسلماً متعمداً قَتْلَه، فإنه ينتظره من الوعيد ما ذكره الرب عز وجل في قوله:وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [النساء: 93].
والواجب على من قتل المسلم هو القصاص إلا أن يعفو أولياء القتيل، أو يقبلوا بالدية، وإن كان القتل خطأ أو شبه عمد فإن الواجب الدية، والكفارة، وهي: تحرير رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، قال تعالى:وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً [النساء:92].
والله أعلم.

حكم التقل العمد، وكفارته- فتوى رقم 10808

فإن قتل النفس التي حرم الله عمداً عدواناً يعد من أكبر الكبائر، يبين ذلك قول الله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) [النساء:93].
وروى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا". 
وإذا تاب القاتل تاب الله عليه، وغفر له، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الفرقان:68-69-70].
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب فأتاه، فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً، فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة".
فدلت الآية والحديث على قبول توبة من قتل نفساً بغير حق، وعليه مع التوبة كفارة، وهي: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين. 
وهذا في حالة عدم القصاص، وإذا طلب أولياء القتيل القصاص سقطت الكفارة على القول الراجح، وكان قتله كفارة له، لما في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "... فمن أصاب من ذلك شيئاً - ما يوجب حداً كالسرقة والقتل - فعوقب به في الدنيا، فهو كفارة له".
ودليل وجوب الكفارة في قتل العمد هو: ما رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا قد أوجب (استحق دخول النار لقتله عمداً) فقال: أعتقوا عنه، يعتق الله بكل عضو منه عضواً منه من النار".
قال الشافعي رحمه الله: "إذا وجبت الكفارة في الخطأ فلأن تجب في العمد أولى"، وتجب الدية في قتل العمد على القاتل معجلة في ماله إذا لم يعف أولياء القتيل، وفي حالة موت الأولياء، أو عدم معرفتهم، أو كونهم كفاراً حربيين، تؤدى الدية لبيت مال المسلمين، فعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنا وارث من لا وارث له، أعقل عنه وأرثه" رواه ابن ماجه، وحسنه أبو زرعة كما في التلخيص الجبير.
وقال ابن العربي: لا خلاف بين المسلمين أن على قاتله (المسلم) الدية لبيت المال، وأن كون أقربائه كفاراً لا يوجب سقوط ديته، لأنهم بمنزلة الأموات حيث لا يرثونه".
فإن لم يوجد بيت المال، أو وجد، وكان يصرف في غير وجهه الشرعي، فينبغي للقاتل التصدق بالدية على الفقراء والمساكين، أو إنفاقها في المصالح العامة بنية الصدقة على القتيل.
والله أعلم.

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم