بني عامر والعيوني

في حوالي القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي ( أي قبل حوالي 9 قرون) وبعد أن سيطر الشيخ عبد الله بن علي العيوني على الإحساء والقطيف وأوال، قام بقطع العوائد الضريبية التي كانت تدفع لبني عامر من قبل القرامطة وذلك بسبب دعم قبيلة بني عامر للقرامطة في أكثر من موقف، كما وأن القرامطة كانوا يتقربون لقبيلة بني عامر التي كانت واسعة الانتشار والتغلل في كثير من البلدان، وكانت لهم قوة وحركة نشطة إذ أنهم يسيطرون ويشرفون على دورب وطرق القوافل التجارية، فضلاً عن أنهم كانوا يملكون قوافل خاصة بهم تنزل ببضاعتها إلى مصر، فلما تم للشيخ عبد الله بن علي العيوني السيطرة على حكم البلاد، قام بقطع هذه العوائد التي كان يدفعها حكام القرامطة لقبيلة بني عامر، فغضب رؤساء بني عامر من هذا التصرف الفردي، فأجمعوا على محاربته وتجمعت قواتهم للهجوم عليه، وأخذوا يسوقون قطعان الإبل أمامهم، فلما برز لهم جيش عبد الله بن علي العيوني ساقوا عليه الإبل " وهي طريقة حربية معروفة في شبه الجزيرة العربية " كانت مستعملة وتأتي بنتائج حاسمة، لكن الشيخ عبد الله فطن لهذه الخطة منذ البداية فأرجف الإبل من ناحيته بالطبل والزعيق  والأبواق، فارتدت الإبل إلى أهلها هائجة فخسرت بني عامر المعركة، وتشتت شملهم، وكسب عبد الله المعركة وفرض سيطرته على البلاد فعين ابنه الفضل أميرا على القطيف ونواحيها، وعين ابنه علي أميراً على جزيرة أوال.
لكن بني عامر ناصبت العداء للشيخ عبد الله بن علي وأصبحت الأمور بينهم متوترة، ففي العام 1148م أراد شيخ قبيلة بني عامر وهو ابن شبانة أن ينزل في القطيف يصطاف بها هو وقبيلته الذين معه، فأرسل له الأمير أبو سنان مرسال يبلغه بألا ينزل في القطيف لأنها لا تتحمل قبيلته وطلب منه أن ينزل الإحساء، لكن شيخ العوامرة أصر أن ينزل القطيف غير مبالي بإنذارات الأمير أبو سنان، فهاجم الأخير منازل قبيلة بني عامر وهزمهم وأمر جنوده أن يقطعوا حبال بيت شيخ العوامر فأسقطه على الأرض، وتوجه جنده ينهبون ما في ساحة المعركة، فرجع عليهم شيخ العوامر وفرسانه فهزم جنود أبو سنان وبقي هو وقليل من جنده معه فدارت معهم معركة قتل بها عدة أشخاص، فتراجع بني عامر عنه فانسحب عائدا بمن معه ولم يتبعه أحد من بني عامر.
وكانت هذه المعركة قد أحدثت انشقاق في حكم آل العيوني وبدأ الضعف يتغلل في دولتهم، وخصوصاً بعد أن اشتبك أبو سنان مع أعمامه أبو منصور وأبو علي وقتل فيها أبو سنان وعاد جيشه مهزوماً إلى القطيف، ثم حدثت معارك أخرى بين الطرفين المنقسمين، وتعددت أوقاتها وأسماؤها.
وفي العام 1205م نلاحظ وجود العداء بين بني عامر والأمير محمد العويني، مما دفع أعداؤه بالتحالف مع بني عامر ضده، حيث كان شيخ بني عامر في هذه الفترة اسمه الشيخ راشد بن عميرة بن عقيلة بن شبانة، واتفق مع غرير بن الحسن العيوني على اغتيال الأمير محمد بن أحمد العيوني على أن يكون المال لشيخ بني عامر، ويكون حكم البلاد لغرير العيوني.
وفعلا حدث الاغتيال في عام 1206م حيث هاجمت جماعة غرير وبني عامر الأمير محمد العيوني ومعه قلة من رجاله في أحد الطرق فقتلوه.
وبسبب العداء المستفحل بين العيونيون وبني عامر كانت تظهر بين الحين والآخر قصائد هجاء وذم من قبل شعراء العيونيين ولعل قصائد الشاعر علي بن المقرب العيوني خير مثال على ذلك، فقصائده تكاد تشمل معظم الوقائع التي حدثت، والجدير ذكره أن دولة العيون قد استمرت حوالي 169 سنة ( 1074م - 1238م) [1]
وحتى  نعرف كيف التقت قبيلة بني عامر بحركة القرامطة يجب أن نعرف قبل ذلك مراحل القرامطة التاريخية والجغرافية أولا:
ولتوضيح ذلك نقول أن حركة القرامطة نشأت في البداية في سواد العراق، ثم انتقلت إلى سوريا ثم فلسطين وخلال تحرك القرامطة في الشام انضم اليها أهل بادية من قبيلة بني كلب وبني كلاب ومن طيء الذين كانوا في بادية الشام.
لقد ساعدت أجواء التوتر في البلاد قيام رجال من قبائل البادية على مساندة حركة القرامطة دون أن يكون لديهم علم بمذهبهم ودعوتهم، ومن هذه القبائل التي كانت في تلك الأوقات تتحرك باتجاه الشام نذكر أجزاء من فزارة وطيء وأسد وبني كلب وبني كلاب وبني عقيل وبني قشير وبني نمير وبني خفاجة، وأما قبيلة بني عامر القيسية كانوا أكثر احتكاكا ومجاورة للقرامطة حتى ظن بعض الباحثين أن تسمية القرامطة جاءت نسبة لبني قرمط حي من قبيلة بني عامر  وهذا تلفيق ووهم كبير، والبعض يعتقد أن الكلمة أصلها آرامي وتعني العلم السري، ويأتي اسم حركتهم هنا بمعنى الباطنية، أي الشيء الباطني " السري" أو المخفي.
ومن الجدير ذكره هنا أن علاقة القبائل العربية بحركة القرامطة يبدو بوضوح، أنه نابع من منطلق المصالح المادية البحتة هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لعبت عوامل النسب والقرابة دورا آخر في تقوية حركة القرامطة، حيث وجدنا زعيمهم في الكوفة كان من قبيلة طيء، وزعيمهم في الشام كان من بني عليم وهم من بني جناب وفيه اختلاف والراجح أنهم من بني كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، ومن بين الأدلة القوية على تحالف المصالح بين القبائل والقرامطة ما قام به عرب الرملة بفلسطين من تظاهرهم بالتحالف مع القرامطة ضد القوات المصرية، وفي نفس الوقت عقد صفقة مع قائد القوات المصرية قبيل بدء المعارك، وفي أثناء اندلاع المواجهات تظاهر أمير عرب الرملة بالانهزام تاركا القرامطة أمام القوات المصرية مما أدى إلى هزيمتهم وفراراهم، وفي التاريخ أمثلة كثيرة حول هذه الأمور وقد أوردنا بعضا من امثلتها في هذه المدونة..
أما قبيلة بني عامر فقد تشتت وتوزعت في أماكن مختلفة من العراق والشام والخليج العربي ومصر بعد عام 1591م، وظهرت تكتلات جديدة وتحالفات وتشكيلات متعددة في أماكن من بلاد العرب..
أما نسب آل العيوني فهو كما يلي:
هم نسبة إلى عبد الله فرع من آل إبراهيم بطن من قبيلة بني ربيعة من قبائل بني عامر، الذين كانوا معاصرين لقبائل من عبد القيس، وبكر وتغلب وعنزة والنمر[2] ويذكر بأن لقبهم " العيوني" اشتق من موقعهم الجغرافي التي تكثر فيه عيون الماء، وهي بلدة معروفة تقع في محافظة الإحساء شرق المملكة العربية السعودية، تقع على الضفة الغربية للخليج العربي، وفي المعجم جاء ذكر بني ربيعة بطن بن عامر من القيسية.

المراجع:
[1] الوثيقة: مجلة نصف سنوية، تصدر عن مركز الوثائق بالبحرين، 1982م، العدد الأول.
[2] معجم قبائل العرب، ج2، ص422.
[3] مقال للباحث والكاتب نايف بن غانم العنزي، " الأسرة العيونية نسبها ومسائل أخرى، صحيفة الجزيرة، العدد 12736، 2007م
              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم