لقد أنتج التفاعل الوطيد بين الإنسان العربي والبيئة الصحراوية التي حضنته وربته وعطفت عليه وأشفقت به، وهو بدوره التكاملي عشقها حتى النخاع، فوفاءً لها وتعبيراً عن تلك الحياة الطبيعية وأكراماً وإخلاصاً لأهلها وربعها وأبنائها وشعابها التزم هذا البدوي الحر والعربي الأصيل بجملة من الأفعال والسلوك والقيم والتي كانت بمثابة دستور وفي لها ولكل مكونات هذه البيئة الطبيعية والبشرية على حد سواء.
ومن هنا كان لهذا البدوي الحر والأصيل لائحة طويلة وجميلة من الأوصاف والخصائص والخصال الرائعة والتي لا تزال فخرا لكل أطياف وألوان البادية الأصيلة، وهذه الخصال والصفات نلخصها في نقاط وعبارات علها تذكر البدوي بعراقة وأصالة حياة الأجداد الساطعة في قلب البادية:-
1- الكرم وكانت صفة ملازمة وضرورية لكل بدوي تعلمها من وحي الصحراء والفيحاء متناهية الآفاق والأطراف.
2- الشجاعة وأصلها الدفاع عن الحق ولم تكن الشجاعة يوماً من الأيام عدوان وظلم وفجور.
3- عزة النفس لقد امضى البدوي حياة عزيزاً حرا لا يقبل أبداً أن يكون عالة على غيره، فهو رجل عاهد الحياة الشاقة والصعاب الكبيرة أن يكن جزءً منها وألا يستجدي الناس في لقمة عيشه وبما يمس كرامته، فهو لا يأكل إلا مما جلبت يده ورجولته ولو انتزعها انتزاعاً، ولكنه لا يستجدي ولا يشحذ حتى لو شعر بالموت.
4- العفة والشرف وهي عهد البدوي الحر ووثوب وقاره وهيبته، فهو لا يرضى ولا يخنع أن يطعن في شرفه وعرضه ولذلك كانت بنات البادية يحرصن كل الحرص على المحافظة على عفتها وطهارتها حتى لا تجلب العار لرجالها فتحرق هيبتهم ووقارهم، فهو رجل غيور محافظ على شرفه لايترك بناته يسرن على حل شعرهن وحدهن كتلك النساء الغجريات المتبرجات تبرج الجاهلية الأولى، ولم تعرف الحياة البدوية تبرج المرأة وسفورها قط، كما وقع في حياة أهل القرى والأمصار.
5- الوفاء، البدوي الحر فقط هو الذي يقول ويفعل، هو الذي يلتزم بما وعد به، البدوي الحر والأصيل هو الذي يعرف ما معنى الوفاء فلا يغدر بأحد مهما كانت الأسباب والدوافع، فأهل الغدر ليسوا بدواً على الإطلاق.
6- صون وحفظ الأمانة حتى وإن طال الزمن، ولو شعر بدنو أجله ينقل الأمانة لغيره من المخلصين الأمناء لتبقى الأمانة محفوظة جيل عقب جيل إلى أن تصل أهلها وورثتها، فالخائن والبواق ليس بدوي أيضاً.
7- صاحب نخوة، البدوي لا يتجاهل الضعفاء والمساكين ومن تقطعت بهم السبل والمظلومين، فهو يسارع بتقديم العون والاستجابة للنخوة حتى وإن كلفه ذلك حياته، فهل يتحمل كل المشاق والصعاب من أجل إعانة وانقاذ أخيه الإنسان من الجور والعدوان.
8- الاحترام، لقد ضرب البدوي أروع وأعظم أمثلة الاحترام منذ الزمن الغابر، فالبدوي يحترم ويبجل الرجال ويقدرهم ويعطيهم ويمنحهم كل ما يحفظ هيبتهم ووقارهم، فهو يصغي لمن هو أكبر منه سناً حتى ولو بساعات ودقائق وأيام، ولذلك نجدهم دائماً يجتمعون حول كبار السن ليعملوا بآرائهم وتوجيهاتهم، والبدوي الأصيل هو من يعلم الناس أسس ومبادئ الاحترام والتبجيل.
9- العطف والشفقة مهما كانت الحياة صعبة ومرة وقاسية، فهي لا تنزع من البدوي الشفقة والعطف والرحمة حتى في أحلك الظروف التي قد يمر بها، لأن البدوي لا يميل إلى الظلم والفجور أبداً، وقد حفظ لنا التاريخ الصادق أروع الأمثلة على عطف وشفقة ورحمة البدوي وعادلته.
10- الصدق، ومن خصال البدوي الحر أن لا يكذب ولا يدلس ولا يزيف فقد اعتاد على قول الصدق وبوضوح ولو كان على حساب رقبته وروحه فتلك هي الأصالة والشهامة، والبدوي لا يقبل شهادة ومجالسة الكذاب والخائن والبائق والغدار والظالم.
11- الحرية وهي بالنسبة للبدوي الروح التي يحيا بها، فلا حياة عنده بلا حرية، فالبدوي والحرية جسد وروح واحدة، ومن أهم خصال وخصائص البدوي منذ أقدم العصور أنه حرا في حياته وترحاله وأعماله فهو لا يقبل أبداً أن يعمل عند أحد، لأنه كالأمير والملك الذي يجلس في قصره يأمر والباقي ينفذ أوامره، ولذلك كان أهل البادية يعيبون الصُّناع والعُمال والفُلاّح ولا يزوجوهم، وقد أخبرنا الرحالة والباحثون الذين كتبوا وزاروا أهل البوادي أنهم رأوا العبيد والخدم عند أهل البادية يجهزون القهوة ويجلبون الحطب ويحلبون الماشية ويطعمونها ويرعونها في المراعي وأما البدوي فهو يخرج للصيد أو للحرب أو يغازل الصحراء والشعاب والليالي القمراء أو يمطي فرسه للترفيه أو السباق أو لزيارة الأقارب وصلة الأرحام.
12- حفظ الأنساب وهي من أهم سواليف أهل البادية والاعتزاز بها، فلا تخلو جلسة سمر هنا أو هناك إلا ويقرع بابها فيسردون القصص والحكايات والروايات التي ورثوها عن أسلافهم .
13- القناعة، من صفات البدوي أنه رجل قنوع علمته الصحراء وشعابها أن يقتنع بما أنعم الله عليه وقسم له من رزق ومن عيش، فتجده راضياً قانعاً ومقتنعاً مرتاح البال، يحب البساطة في العيش، فيفرتش الرمال ويلتحف قبة السماء في صيفها، وفي شتائها تجده بجوانب الموقد يتأمل جمرها ويستأنس بها وبضوئها رغم عواصف الرياح وزوابع الصقيع.
14- بشاشة الوجه، فالرغم من شغف العيش ووهج الصحراء ورمضائها وصقيعها، تجد البدوي بشوش الوجه مرحباً بكل من مر به من أهل وربعه وقومه.
15- الشعر والقصيد لا تكاد تخلو ليلة من ليالي العمر أفرحاً كان أم طرحاً، إلا وتجد البدوي يقول بيتاً من القصيد التي يتناغم وحياته في تلك الساعة يعبر بها عما جال في خاطره ويشعر باستجابة الصحراء لاحساسه وقلبه ووجدانه.
التسميات :
الأخلاق