رغيف الخبر عبر التاريخ

الخُبْز غذاء هو الغذاء الرئيسي في الشرق الأوسط وأوروبا والثقافات الهندية وشمال افريقيا. الخبز دائما يتكون من طحين (القمح أو الذرة أو الشعير) والماء، والملح والخميرة غالباً. وقد يحتوي الخبز أيضا على بعض السكر والفواكه والتوابل (مثل الزبيب واليقطين والموز)، والخضروات (مثل البصل)، والمكسرات. هناك طرق كثيرة لإعداد الخبز تختلف من مجتمع إلى آخر. في أجزاء كثيرة من العالم يصنع الناس الخبز بالطريقة اليدوية تمامًا كما كان يصنع الخبازون القدامى، أما في الدول الصناعية، فإن معظم عمليات صنع الخبز في المخابز التجارية تتم بوساطة الآلات، والخبز طعام لذيذ وشهي وله أنواع وأشكال ونكهات مختلفة.
الخبز غذاء هيدركربوني هام وهو غذاء ممتاز إذا كان مستحرا من القمح الجيد وإذا كان مخبوزا بطرق صحية سليمة وللخبز قيمة غذائية هامة فكل مئة جرام منه تعطي 279 كالوري والخبز الجاف الخفيف أفضل أنواع الخبز من حيث قابلية الهضم واستخراج النخالة من الدقيق يفقد رغيف الخبز الفيتامينات الموجودة في قشرة حبة القمح لهذا الخبز الأسمر الذي لم تُستخرَج النخالة منه أكثر فائدة من الخبز الأبيض الذي اُستخرج النخالة منه إلا بنسبة مئوية بسيطة.
كان إنسان ما قبل التاريخ يصنع الخبز المفرود بخـلط الجريـش بالماء. ثم يقوم بخـبز العـجين الناتج فوق حجارة يتم تسخينها من قبل. ويعتقد المؤرخون بأن قدماء المصريين تعلموا صنع خميرة الخبز في نحو عام 2600 ق.م. أما قدماء الإغريق، فتعلموا عمل الخبز من المصريين وقاموا، بدورهم، في وقت لاحق، بنقل ذلك إلى الرومان. وبحلول القرن الثاني الميلادي، كان الرومان قد نقلوا طريقة عمل الخبز إلى معظم أنحاء أوروبا.
وظل معظم الناس، ولمئات السنين، يتناولون الخبز المعد من الدقيق الكامل أو الأسمر أو أنواعًا أخرى من خبز الحبوب الكامل. وكان سعر دقيق القمح الأبيض الكامل مرتفعًا بشكل كبير، حيث كان طحنه يستغرق ساعات طويلة من العمل اليدوي. وخلال نهاية القرن التاسع عشر، طوّر أصحاب المطاحن آلات لطحن الدقيق الأبيض بثمن زهيد. وبحلول القرن العشرين، أصبح الخبز الأبيض غذاءً شائعًا.
والخبز المصنوع من الحنطة، هو أجود أنواع الخبز وأغلاها؛ ولذلك يعتبر خبزها خبز الأغنياء وخبز الطبقة المتمكنة, أما خبز الأعراب والفقراء وأهل القرى فهو الخبز المصنوع من الشعير أو من الذرة. ويقتات فلاحو بلاد الشام واليمن بخبز الذرة؛ لوجوده بكثرة عندهم، ولرخص ثمن الذرة بالنسبة إلى القمح. كما يقتات بعضهم بالخبز المصنوع من "الدخن"، وهو من الحبوب القديمة وقد أشير إليه في التوراة.
ومن أنواع الخبز "المرقق"، أي: الرقاق، وقد ورد ذكره في كتب الحديث، ويقال له "المرقوق" في بلاد الشام، ويعرف بـ"رقيقيم" أي: "الرقيق" عند العبرانيين, ولا زال معروفًا مستعملًا. ويكون ناشفًا رقيقًا يمكن حفظه وخزنه مدة طويلة؛ ولذلك يدخر للشتاء وللأسفار. ويرقق خبز الرقاق بآلة تسمى: المرقاق.
والخبز الجيد هو الخبز المصنوع من الطحين المنقى الصافي من قشرة الحبوب، وذلك بنخل الطحين في منخل فيسقط لب الطحين ويعزل عن القشرة التي تبقى في المنخل، حيث يستعمل لأغراض أخرى كعلف للحيوان، أو لتنظيف الأواني, وما شابه ذلك من أعمال.[1]
وفي بلادنا العربية هناك عدة أسماء تطلق على أنواع الخبز الرئيسية وهي:
خبز الفرن وهو الخبز الذي يطهى في الأفران المصنوعة من الطين أو الحجارة أو الأفران الحديثة وهو مدبب وغليظ، وخبز الطابون وهو قريب جدا من خبز الفرن ويطهى في موقع معد لذلك يسمى الطابون وتشتهر به القرى والمدن، وخبز الصاج وهو الذي يطهى فوق صاج حديدي محدب ويكون هذا الخبز رقيقا ومفلحطا يشكل دائرة طول قطرها تقريبا حوالي 50 سم ويعرف باسم خبز الصاج ويشتهر به سكان البادية ويطلق عليه أهل القرى اسم خبز الشراك.
ومن أهم أحداث "الخبز" الشهيرة في التاريخ ما يلي:-
1- رغيف خولاء (خولة) يذكر أن رغيف خبز أدى إلى وقوع شر بين حيين من أحياء العرب، وكان سببه أن رجلاً قد تناول رغيف خبز من فوق رأس امرأة من بني سعد يقال لها خولة (خبازة بني سعد) فاشتكت المرأة ما حدث لجار لها، فثار وثار قومه معه، فاقتتلوا ووقع القتلى الكثر، فصار رغيف خولاء مثلاً للشؤم، فقالت العرب أشأم من رغيف خولة. [*]
2- في سنة 894هـ/ 1489م مقتل إنسان من أجل رغيف وفيه تضارب اثنان على رغيف من الخبز فحنق أحدهما من الآخر فضربه بسكين كان معه فقتله. [2]
3- بلغ سعر رغيف الخبز في مصر زمن الخليفة الفاطمي المستنصر بالله خمسين دينارا [3] 
4- أنه في سنة 461هـ/ 1069م زمن الفاطميين بيع رغيف من الخبز زنته رطل في زقاق القناديل كما تباع التحف والطرق في النداء: خراج! خراج! فبلغ أربعة عشر درهما؛ وبيع أردب قمح بثمانين ديناراًن وأبيعت حارة بمصر بطبق خبز، حساباً عن كل دار رغيف، فعرفت تلك الحارة بعد ذلك بحارة طبق، وما زالت تعرف بذلك حتى دثرت فيما دثر من خطط مصر. [4] 
5- في عام 875هـ/1471م  كان الخبز كل رغيف أقلّ من نصف رطل وهو بدرهم، وخبز الشعير ظاهر بأيدي الناس، وصاروا يعدّون ذلك من النوادر.[5]  
وفي سنة 890هـ /1485م بلغ زنة الخبز كل رغيف ثلاثة ( 2) أواق ونصف، ثلاثة دراهم. بل ربّما وجد الرغيف ثلاث أواق، فكان كل رطل خبز باثني عشر درهما.[6] 
ووَرَوَى ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: قَالَ زَاذَانُ الكندي (أبو عمر) المتوفي سنة 82هـ أنه قال يَوْمًا: إِنِّي جَائِعٌ، فَسَقَطَ عَلَيْهِ مِنَ الرَّوْزَنَةِ رَغِيفٌ مِثْلُ الرَّحَى.[7]  
ويحكى أن امرأة مصرية قديما سنة 465هـ/ 1073م أكلت رغيفاً ذات يوم بسبب الغلاء والحروب بسعر بلغ ألف دينار، حسب ما ذكره الذهبي [8]
وفي عام 678هـ كان أحد حجاب مصر ويدعى "لؤلؤ" يخبز في اليوم 12ألف رغيف لتوزيعها على الفقراء الواقفين ببابه [9]
إرسال القمح إلى الحرمين سنة 787هـ/ 1385م
وفيه بعث جركس الخليليّ قمحا كثيرا إلى الحرمين ليعمل في كل منهما في كل يوم خمس ماية رغيف تفرّق في المساكين على كل من حضر لا على تعيين أحد، وحصل بذلك النفع بالحرمين [10] 
ومرة قام الوزير التاج الخبز النقى فى اليوم المذكور عدّه ثمانية وعشرين ألف رغيف وعدّة قدور كبار مملوءة بالطعام الكثير، وأخذ الطعام الكثير.[11]
في عام 1093هـ/1682م قرر مشايخ الجامع الازهر بمصر على إثر حادثة قتل وقعت ضد طائفة الأتراك وقتل منه شخص، بأن يدفع له 100 رغيف تقطع من خبز الشوام دية للمقتول[12]
حتى داخل اوربا زمن الصراعات الداخلية بين الألمان والرومان هناك باع الرومان للقبائل الألمانية الطعام بما يباع به في أيام القحط، فكان القوط الجياع يبتاعون شريحة اللحم أو رغيف الخبز بعشرة أرطال من الفضة أو بعبد، وفي انجلترا سنة 1770م كان رغيف الخبز الذي يزن أربعة أرطال في نوتنغهام  يباع بنحو ستة بنسات [13]
وفي حوادث دمشق في يوم الأربعاء حادي عشر جمادى الثانية عام 1162هـ/ 1749م نزل القمح الجديد، وبيعت غرارة القمح بخمسة وأربعين قرشاً، وكانت قبل نزوله باثنين وخمسين، فصاحت العامة واستغاثت، ونهبوا بعض الأفران، ثم صاروا ينادوا في الأسواق رطل الخبز بثلاثة مصاري وبأربعة مصاري، فباعت أهل دمشق جميعاً بذلك الثمن، وفرحت أهل البلد كثيراً، فزيّنت البلد. وكان حضرة الوالي أسعد باشا في جنينة أبيه في مسجد الأقصاب قد عمل سيراناً ومعه أكابر الشام، فلما بلغه هذا الخبر غضب غضباً شديداً، وأمر الحاج محمود تفكجي باشا أن يأخذ أعوانه الفسّاق ويدور في البلد والأسواق، وأن ينبه على الخبازين أن لا يبيعوا رطل الخبز إلاّ بستة مصاري والأسود بأربعة، وكل من خالف يأكل علقة، والحذر ثم الحذر. فرجعوا للمنهج الأول، واسودّ الخبز وتغيّر، والله أكبر وأغير، وفي سادس عشر من جمادى الأولى صارت غرارة القمح بستة وعشرين غرشاً، فبيع رطل الخبز بثلاثة مصاري، وبدت تزول الشدة [14]
ثورات الخبز في العالم:
ثورة الخبز في مدينة "معان" الأردنية عام 1996.
ثورة الخبز في مدينة "معان" الأردنية عام 1989.
انتفاضة الخبز حدثت في 4 أكتوبر 1988 في الجزائر
انتفاضة الخبز حدثت في 1986 في الجزائر، في مدن قسطنطينة وسطيف.
انتفاضة الحرامية سميت أيضا انتفاضة الفقر، حدثت في مصر في يناير 1977 في عهد أنور السادات التي اطلق عليها تسمية "انتفاضة الحرامية" واتهم الشيوعيين بقلب نظام الحكم وعمل مؤامرة ضده.
انتفاضة الخبز حدثت في تونس عام 1984.
انتفاضة الخبز في المغرب عام 1984.
الخبز في الأمثال العربية:
أقْرَى مِنْ آكِلِ الخُبْزِ
المثل تميمي، وآكل الخبز: عبدُ الله بن حَبيب العنبري أحد بني سَمُرَة، سمى آكل الخبز لأنه كان لا يأكل التَّمْر، ولا يرغب في اللَّبن، وكان سيد العَنْبر في زمانه، وهم إذا فخروا قَالوا: منا آكِلُ الخبز ومنا مُجيرُ الطير، فأما مُجيرُ الطير فهو نور بن شحمة العَنْبَرِي، وأما السبب في تلقِبيهم عبدَ الله بن حبيب بآكل الخبز، فلأن الخبزَ نفسه عندهم ممدوح[15]
وفي أمثالنا الشعبية يقال:
1- بيننا عيش وملح أي خبز وملح تعبيرا عن الوفاء والعهد
2- الخبز مخبوز والمية في الكوز تعبيرا عن وجود الزاد
3- كل لقمة حبيبك تسره، كل لقمة عدوك تضره
4-  يا واكل قوتي يا ناوي على موتي
5- مين ياكل خبز السلطان يضرب بسيفه.
6- اللي ياكل لقمتي يسمع كلمتي.
7-  خبزة وجبنه وسنده بحيطة ولا خاروف من وراه عيطة.
8- الخبز الحاف بيعرض الكتاف.
9- خبز الرجال عالرجال دين، وعالأنذال صدقة.
10-  خبز الغانمين عالغانمين سياج.
11- الخبز اللين فقر مبيين.
12- الخبز وماء أكل العلماء.
13-  خبزنا أبيض من خبزكن، قال كذبونا برغيف.
14- بإيدي خبز وبإيدك خبز ، ذيقة العين ليش.
15- خبز و زيت عماد البيت.
16-بياكل خبزه من عرق جبينه...
17- خبز ولبن عافية ع البدن..
18- خبزه جافه مصحوبة بسلام خير من بيت مليان ذبايح وبيسوده الخصام.
19- خبزو بلا وبيعزم عالجيران.
20- خبز صْحيح لا تقسم ..ومقسوم لا تاكل ..وكول وملي بطنك .
21- اعطي الخباز خبزو حتى لو اكل نصفه
22- بكرا بيصير عنا طحين وبتسمع الجيران رقرقة العجين.
وفي الشعر العربي ورد الخبز كثيراً، فقال أحد الشعراء[16]
أرفق بحفص حين تأكل ....يا معاوي من طعامه
الموت أيسر عنده ... من مضغ ضيف والتقامه
وتراه من خوف النزيل ....به يروّع في منامه
سيّان كسر رغيفه ... أو كسر عظم من عظامه
لا تكسرنّ رغيفه ... إن كنت ترغب في كلامه
وإذا مررت ببابه ... فاحفظ رغيفك من غلامه
ومن جانب آخر ظهر في عام 1955م كتاب باسم موسوعة غينيس للأرقام القياسية والذي أخذ يسجل الأرقام القياسية كل عام، وقد سجل في هذه الموسوعة أكبر رغيف خبز محشو باللحم في العالم سنة 2014م وهو الرغيف الفنزويلي الذي بلغ طوله 20 متراً وبوزن 284 كيلوجرام، وفي العام 2015م سجل الرغيف الفرنسي "فينو" أكبر رغيف خبز في العالم بطول 120 متراً، وشارك في اعداده 60 خبازاً فرنسياً وايطالياً.

المراجع والمصادر:
[1]المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام، د. جواد علي
[*]المرجع السابق نفسه
[2]نيل الأمل في ذيل الدول، أبي الصفاء الحنفي (المتوفى: 920هـ).
[3]الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، أبو العباس السلاوي (المتوفى: 1315هـ).
[4]اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء، المقريزي (المتوفى: 845هـ).
[5]نيل الأمل في ذيل الدول، أبي الصفاء الحنفي (المتوفى: 920هـ).
[6]نيل الأمل في ذيل الدول، أبي الصفاء المتوفي 920هـ .
[7]تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، الذهبي (المتوفى: 748هـ)
[8]العبر في خبر من غبر، الذهبي المتوفي 748هـ.
[9]الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية، أبو القاسم أبي شامة (المتوفى: 665 هـ)
[10]نيل الأمل في ذيل الدول، أبو صفاء الحنفي المتوفي 920هـ.
[11]النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ابن تغري بردي المتوفي سنة 874هـ
[12]تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار، الجبرتي.
[13]قصة الحضارة: ويليام جيمس ديورَانت (المتوفى: 1981 م).
[14]حوادث دمشق اليومية،أحمد بن بدير، شهاب الدين الحلاق البديري (المتوفى: بعد 1175هـ)
[15]مجمع الأمثال، أبو الفضل أحمد بن محمد بن إبراهيم الميداني النيسابوري (المتوفى: 518هـ)
[16] عيون الأخبار، الدينوري المتوفي سنة 276هـ
              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم