قبيلة الملحية (الملالحة) من بني هلال بن عامر

قبيلة الملحية في كتب التاريخ والأنساب


[دراسة وتحقيق، مختصرة]
بسم الله الرحمن الرحيم

نتناول اليوم موضوعا تاريخيا قيما ورائعاً، عن قبيلة الملحية التي ذكرها المقريزي، نتمنى ان تنال اعجاب المهتمين بالدراسات التاريخية وعلم الأنساب
1- يذكر جميع العارفين والرواة بتاريخ الملالحة وجذورهم أنهم ينحدرون من غربي مصر، واعترف كثير منهم بأنهم يعودون إلى قبيلة بني هلال بن عامر بن صعصعة، وهذه بلا شك روايات صحيحة لما تم استنتاجه من خلال هذه الدراسة والتحقيق التاريخي وفق قواعد البحث العلمي المتبعة في منهج دراسة التاريخ، وسوف تزيدنا هذه الدراسة قناعة تامة بما نذهب إليه
2- جاء أقدم ذكر لاسم الملحية في منتصف القرن الخامس الهجري في غرب مصر، ذكرهم المقريزي باسم "طائفة الملحية" نسبة لبيع وتجارة الملح(1)، وذكرهم علي باشا مبارك في الخطط التوفيقية(2)، وقال أنهم طائفة خرجت وعصت على الخليفة الفاطمي المستنصر بالله سنة 467هـ/1055م، مما حذا به بمحاربتهم وقتالهم وأرسل إليهم حملة عسكرية بقيادة بدر الدين الجمالي بعد أن قاتل العصاة والمتمردين في البر الشرقي (منطقة المشارقة) ثم عدى على البر الغربي (منطقة المغاربة) وقتل جماعة من الملحية وأتباعهم في ثغر الاسكندرية، وهم يمتنعون عليه ويقاتلونه إلى أن أخذها عنوة فقتل منهم عدة كثيرة، قلت هذه الرواية ذكرها كبار السن قديما من رواة قبيلة الملالحة وقالوا: "أنهم تعرضوا لمذبحة كبيرة على أيدي الفاطميين في مصر وليبيا" إن المقصود بذلك هي هذه الحادثة بعينها ففي تلك الفترة كانت برقة تابعة للخلافة الفاطمية، ومن ناحية أخرى كانت مناطق غرب مصر تخضع لسيطرة قبائل بني هلال بن عامر وبني سليم، وكانت برقة من نصيب قبيلة بني زغبة الهلالية ومعهم قبائل من بني سليم، وهذا يرجح وبقوة احتمال أن تكون هذه القبيلة هم منتسبون لبني هلال بن عامر بن صعصعة.
3- جاء في معجم قبائل العرب أن بنو قرة احدى بطون قبيلة هلال بن عامر بن صعصعة كانت قد خرجت على الخليفة الفاطمي المستنصر بالله سنة 443هـ/ 1051م فبعث لهم المستنصر جيشاً لقتالهم فانهزم الجيش، فأرسل قوة اضافية فيها من قبائل طيء وكلب وعسكر الدولة وساروا في أثر بني قرة فأدركوهم عند البحيرة واشتد القتال وكثر القتل في بني قرة، فعاد الجيش وتركوا طائفة لتردهم إن أرادوا التعرض للبلاد (3) وقد ذكر المقريزي أنه في عام 396هـ/1005م رحل بنو قرة بأرض مصر إلى ناحية برقة مع كبيرهم مختار بن قاسم (4) ومن هنا يتضح أن قبائل البحيرة هذه بالفعل هم من العربان الرحل الذين يتنقلون ما بين البحيرة إلى برقة بسواحل افريقيا، وتلك الأحداث واقعة ما بين سنة 1005م - 1055م أي خلال فترة زمنية متقاربة مدتها 50 سنة، كما أننا نلاحظ من خلال النصوص وجود عداء كبير بينهم وبين الدولة الفاطمية بدأ تاريخه منذ 1051م حينما كانوا يعرفون ببني قرة، وبعد خمسين عاما عرفوا باسم الملحية نسبة لتجارة الملح (الملالحة)..
4- وحينما نتتبع القص والسرد التاريخي نجد بأن هناك ثوابت تعمل على ربط الأحداث وفق التسلسل الزمني للتاريخ، حيث ذكر الجغرافي الشهير ابن حوقل بأن قبيلة بني عامر سيطرت على سباخ الملح سنة 349هـ وهو تاريخ يسبق أحداث البحيرة بنحو 100 عام، وهذا معناه أن بعض أفراد القبيلة يمكن أن يكونوا قد ورثوا حرفة الأجداد في تجارة الملح، ونقلوها من موقع جغرافي إلى آخر توفرت فيه نفس الحرفة، فقد ذكر ابن حوقل النص التالي:" سيطرة بني عامر على سباخ الملح بمنطقة الجزيرة بالرافدين وملكوها وتحكموا في خفائرها ومرافقها ومراعيها سنة 960م/ 349هـ، وهذا النص يؤكد بأن لقبيلة بني عامر صلة مؤكدة بتجارة الملح(5) وبناءاً على ذلك يكون لدينا الأن فكرة تاريخية بأن عام 960م عرف بنو عامر تجارة الملح ومارسوها حتى عام 1048م يتوجه منهم قسم جديد إلى ملاحات مصر وربما ضمن الزحف الهلالي العامري الشهير أو قبله، وفي العام 1005م كانت القبيلة موجودة وتمارس التنقل والترحال ما بين البحيرة إلى برقة محترفة تجارة الملح في موسم الصيف و الرعي في موسم الربيع، وأنه في العام 1051م تمردت القبيلة على الحكم الفاطمي وعصت أوامرهم مما دفع العسكر بالتصدي لهم وقتالهم، وأنه في العام 1055م كان تمردهم قد تزايد وأصبح يشكل خطرا على كرسي الخلافة الفاطمية مما حذا بالخليفة بجلب قوات وجيوش من بلاد الشام من أجل استئصال حركة التمرد وهذا ما حدث بالفعل..
وللحديث عن ملاحات مصر وفق مصادر البحث نقول: أنه ورد ما يلي:- ملاحات مصر، الملحية قرية بصعيد مصر، والملاحة وردت في تحفة الارشاد من أعمال الفيوم، وكانت قديما ملاحة يستخرج منها الملح في الجهة القبيلة من الفيوم(6) وهذا الموضع عينه كانت قد نزلته قبائل بني عامر، وقد كان نزولهم لهذا المكان على عدة فترات منذ الدولة الفاطمية وحتى نهاية فترة المماليك (1050م - 1590م) وملاحة عند بحيرة البردويل في شمال سيناء ذكرها المقريزي سنة 610هـ/1214م وينقل منها الملح إلى أسواق غزة والرملة (7) وملاحات وادي النطرون في البحيرة غرب مصر كانت بعض القبائل تعمل فيه وتتاجر ببيع الملح والنطرون، مثل قبائل المغاربة من بني سليم والمرابطين والعوامر..
وقرية الملح أيضاً احدى القرى التابعة لقبيلة بني عامر في الاحساء أثناء حكم العصفوريين العامريين لمملكة بني عامر، حيث كانت قرية الملح دارا لبني عصفور حكام بني عامر في تلك الفترة 1253م ، ومن الجدير ذكره أن من هذه القبيلة أقصد بني عامر وفودا نزلت مصر في عهد الظاهر بيبرس وكانوا عددا كبيراً (8)
5- إن أصل جزء من الملالحة وحسب روايتهم المشهورة أنهم من بني عامر قد جاءوا من غرب مصر على إثر تعديهم على احدى القوافل التي نزلت مصر، حيث أصبحوا مطلوبين من جهة قوات السلطان، وهذا سبب تفرقهم وتخفيهم فترة من الزمن، وهذه الرواية نفسها وشبيهة بها موجودة عند سكان البحيرة في غرب مصر حتى هذا التاريخ، مما يؤكد بوضوح أنهم من تلك المنطقة، كما عرفت قبيلتهم أيضاً بعدة أسماء مثل المغاربة والهلالية والعوامرة والملالحة وربما هذا يدل على وجود فرق وطوائف كبيرة فيهم تتناسب مع مراحل تاريخهم الطويل، وقد جاء في كتاب سكان ليبيا، والمدون قبل 100 عام اسم الملالحة في ساحل ليبيا، ويبدو أنه اسم متعلق بتجارة الملح أو أعمال الملاحة البحرية، وقال اغسطيني أن الملالحة يتشكلون من عائلة ابن عمر، وابن سعيد وارحيم والضواوي وأن الملالحة هنا قبيلة شريفة نزحت من المغرب (9) وقال أن أشراف الملالحة يتشكلون من الهلالات والكوالين وأولاد خليفة وأولاد بن مصطفى، ويشكل الملالحة مع أولاد خليفة قبيلة واحدة (10) وهذا مع انه تاريخ متأخر إلا أنه يؤكد بأنهم مجموعة من الأقوام التي تنتسب لبني عامر بشكل عام والتي اضمت مؤخرا إلى القبيلة الهلالية هلال بن عامر بن صعصعة، ويضيف المؤلف من بقية لحماتهم (فروعهم) الجعافرة والجويلات والعوامر، والجعافرة وهؤلاء ذكرهم المقريزي المتوفي سنة (845هـ) أنهم يسكنون برقة وهم من قبيلة بني عامر بن صعصعة، وشيخهم اسمه أبو الذيب (11) وقال وهم يتنقلون ما بين برقة والاسكندرية، ومنهم: أولاد سلام وأولاد فايد وأولاد مقدم وينسبون إلى بني لبيد بن هبة بن علي بن جعفر بن كلاب بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وهذا لا يخرج بنا عن النطاق العام للنسيج الاجتماعي لقبائل تلك النواحي، لأنهم بالمجمل ينتسبون إلى قبيلة بني عامر بن صعصعة الهوازنية القيسية العدنانية، وإلى بني سليم بن منصور القيسية ، وبني هلال العامرية، والجعافرة العامريين، والربايع العامريين، وبني خفاجة العامريين، وجميعهم ممن شارك في التغريبة الهلالية المشهورة، وكانت منطقة البحيرة وبرقة تخضع لهم، ويسيطرون على جميع الحركة التجارية فيها ولهم اشراف كبير على القوافل التجارية بين مصر وافريقيا، وخاض عربان البحيرة حروب كبيرة وتاريخية مع سلاطين القاهرة، ويمكن الاطلاع على بعضها من هنا ( قبيلة بني عامر في البحيرة)..
وقد ذكر الاستاذ مصطفى الشريف بأن هناك مناطق في البحيرة سميت نسبة للقبائل العربية التي سكنت فيها فقال: في البحيرة منطقة العوامر، ومنية بني منصور، وكفر بني هلال، وقال من عربان البحيرة قبيلة أولاد علي، والربايع وبني عونة والجميعات (12)
وذكر الجزيري عددا من أمراء وشيوخ البحيرة عام 1550م ومنهم :
الأمير عيسى بن إسماعيل بن عامر بن سليمان كان قد تولى امرة الحج سنة 1555م
الأمير عامر بن إسماعيل بن عامر بن سليمان كان قد حج 1557م
الأمير جويلي بن إسماعيل بن عامر ، والأمير محمد بن جويلي بن إسماعيل بن عامر، والامير سلطان بن جويلي بن عامر، والأمير علي بن سليمان بن جويلي (952هـ)
وقال الجزيري أصلهم من المغرب كانوا قد عادوا بنجوعهم إلى البحيرة (13)، وربما الجويلات الذين ذكرناهم قبل قليل مع أشراف الملالحة في ليبيا، هم من ذرية الأمير جويلي بن إسماعيل بن عامر، وربما هم من قبيلة بني سليم القيسية، الحلفاء الرئيسيين لبني هلال بن عامر بن صعصعة، وقد حكمت قبيلة بني سليم منطقة طرابس سنة 724هـ/ 1323م ومنهم: بنو ثابت عرب وشاحيون من بني سليم حكموا طرابس فترة استمرت قبيل الغزو الأسباني، منهم الأمير ثابت بن محمد (الأول) ومحمد بن ثابت وثابت بن محمد بن ثابت (الثاني) وقد حكموا طرابلس مدة 79 سنة (14) وقد ورد اسم جويلي من عائلات الاسكندرية الذين قدموا من طرابلس في منتصف القرن الثامن عشر (15) وجويلي اسم علم مشهور عند البدو الرحل، ومعناه عندهم الحل والترحال (16) وابن زمبل الرمال يقول إن شيخ عربان البحيرة محمد بن جويلي من بني عونة من بني لبيد (17) والجدير بالذكر أن منطقة البحيرة في هذه الفترة تعرضت لهجوم من قوات الأتراك للقضاء على نفوذهم وقوتهم، وبعد هذا التاريخ انكسرت قبيلة بني عامر المذكورة وتشتت فترة من الزمن؛ جعلت العربان يضطرون لاخفاء اسم بني عامر تفاديا للانتقام، وكانت البحيرة قد تعرضت لدمار هائل نتيجة هذه الحرب بسبب استخدام الجيش القذائف لاول مرة..
وبالمجمل العام ان وجود اسم بني عامر في مصر هو وجود ثابت ومؤكد وموثق، فقد ورد هذا الاسم من قديم الزمن ويعود اقدم ذكر له في عام 109هـ في بلبيس وفي سنة 300هـ - 442هـ ورد ذكرهم في البحيرة وبرقة، وفي الفيوم سنة 640هـ كما نرى اسم بني عامر وبني هلال متقاربا في عدة نواحي اقليمية و جغرافيّة ايضاً، ففي البحيرة منطقة العوامر وكفر بني هلال، وفي الشرقية بني عامر وبني هلال، وفي المنيا بني عامر، وفي أسيوط العوامر ونزلة العوامر، وبني هلال، وفي سوهاج العوامر بحري، والعوامر قبلي وبني هلال، وفي قنا العوامر والعوامر الغربية (18) كما ذكر القلقشندي المتوفي سنة (821هـ) قبيلة بني عامر في الصعيد عاصرهم المهمندار الحمداني المتوفي سنة 700هـ/1300م وقال بني عامر بالصعيد بطن من قبيلة بني هلال بن عامر بن صعصعة (19) وهم بالصعيد واخميم وساقية وأصفون واسنا وكثير من تلك البلاد والديار وبافريقيا طوائف منهم بالمغرب، وبني عامر في ترهونة منهم أولاد معرف والعوامر والمحارزة (20) ولقبيلة بني هلال بن عامر وقائع كثيرة مع المماليك.
ومما خلصت إليه هذه الدراسة ما يلي:
1- أن لقبيلة بني عامر بن صعصعة علاقة مؤكدة بسبخات الملح وبالتالي في تجارته، هذا وقد ورد في كتاب البدو أن لقبيلة بني عامر قوافل تجارية كانت تهبط مصر باستمرار من عام 1293م - 1340م (21)
2- إن تجارة الملح وبيعه ونقله عمل به عربان من البدو في الشام والاحساء وفي مصر، ومن بينهم أناس من قبيلة بني عامر، لكن هذا لا يشمل كل بني عامر، لان قبائلهم كثيرة ومتعددة الانتشار جغرافيا، فاذا كان الملالحة من بني عامر، فليس كل بني عامر ملالحة، مع وجود بعض جماعات أخرى عملت في هذه الحرفة مثل: جماعات من  عرب السمالوس وعرب الجوابي في مصر (22) وهم من قبائل بني عامر المغاربة في مصر وليبيا.
3- إن وجود قبيلة بني عامر في مصر ثابت ومؤكد وواضح تاريخيا وجغرافيا، وينتمي إليها عائلات وأسر كثيرة لا تحصى عدداً، وكان لهم دورا تاريخيا منذ القدم في الجهاد والرباط وكانت حصة بني عامر الذين في الفيوم حوالي 400 فارس يغزون مع الأيوبيين ضد الفرنجة..
..................
المراجع
(1) اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء، ص324 ج2- المقريزي
(2) الخطط التوفيقية الجديدة لمصر، ص44-45 ج3 - علي باشا مبارك
(3) معجم قبائل العرب، ص944 ج3-عمر رضا كحالة
(4) اتعاظ الحنفاء، ص68ج2- المقريزي
(5) صورة الارض، ط1938م - ص205 من ط 1992م- ابن حوقل
(6) القاموس الجغرافي للبلاد المصرية، ص114- محمد رمزي
(7) المواعظ والاعتبار ج1، ص182- المقريزي
(8) موقع العاملين بالقطاع النفطي بالكويت- قرية ملح تاريخ وحضارة
(9) سكان ليبيا، ص101-102ج1- أغسطيني 1917م
(10) سكان ليبيا، المرجع السابق، ص102
(11) البيان والأعراب عما بأرض مصر من الأعراب، ص43، المقريزي
(12) عروبة مصر من قبائلها، ص41، مصطفى كامل الشريف، 1965م
(13) درر الفرائد المنظمة في أخبار الحج وطريق مكة المعظمة، ص475ج2- الجزيري
(14) صفحات من التاريخ الإسلامي في الشمال الافريقي، محمد الصلابي
(15) البيوت الجارية المغربية في مصر في العهد العثماني،
(16) قبائل العرب بين اللغة والتاريخ " بنو سليم " ص198 - عبد الله السلمي وأخرون- 2011م
(17) كتاب آخرة المماليك، ابن زمبل الرمال
(18) عروبة مصر من قبائلها، مصدر سبق ذكره
(19) قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان، ص119- القلقشندي
(20) سكان ليبيا، مرجع سابق، ص33
(21) البدو، ج3، ص195- أوبنهايم
(22) قبائل العرب في مصر، ص15-32- عبد المنعم الفرجاني,
👈 واليكم دراسة أخرى أيضا حول اسم الملالحة في اللغة والتاريخ والأنساب
              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم