رواية ابن حوقل المتوفي سنة 367هـ أي قبل أكثر من 1080 عاماً
وأمّا جند فلسطين وهو أوّل أجناد الشأم ممّا يلى المغرب فإنّه تكون مسافته للراكب طول يومين من رفح الى حدّ اللجون وعرضه من يافا الى ريحا مسيرة يومين، ونواحى زغر وديار قوم لوط والشراة والجبال فمضمومة الى هذا الجند وهى منها فى العمل الى ايلة، وديار قوم لوط والبحيرة الميّتة وزغر الى بيسان وطبريّة يسمّى الغور لأنّها بين جبلين وسائر مياه بلاد الشأم يقع اليها وبعضها من الاردنّ وبعضها من فلسطين، ونفس فلسطين هو ما ذكرته ومياه فلسطين من الأمطار والطلّ وأشجارها وزرعها أعذاء بخوس لا سقى فيها إلّا نابلس فيها مياه جارية، وفلسطين أزكى بلدان الشأم ربوعا ومدينتها العظمى الرملة وبيت المقدس تليها فى الكبر وهى مدينة مرتفعة على جبال يصعد اليها من كلّ مكان يقصدها القاصد من فلسطين وببيت المقدس مسجد ليس فى الإسلام مسجد أكبر منه وله بناء فى قبلته مسقّف فى زاوية من غربىّ المسجد ويمتدّ هذا التسقيف على نصف عرض المسجد والباقى من المسجد خال لا بناء فيه إلّا موضع الصخرة فإنّ هناك حجرا مرتفعا كالدكّة عظيم كبير غير مستو وعلى الصخرة قبّة عالية مستديرة الرأس قد غشّيت بالرصاص الغليظ السمك وارتفاع هذه الصخرة من الأرض التى تعرف بصخرة موسى تحت هذه القبّة الى صدر القائم وطولها وعرضها متقارب وعليها حصار حائط ملوّح ويكون نصف قامة ومساحة الحجر بضع عشرة ذراعا فى مثلها وينزل الى باطن هذه الصخرة بمراق من باب يشبه السرداب الى بيت يكون طوله نحو خمس أذرع فى عشر لا بالمرتفع ولا بالمستدير ولا بالمربّع وسمكه فوق القامة، وليس ببيت المقدس ماء جار سوى عيون لا ينتفع الرزوع بها وعليها شجيرات وهى من أخصب بلاد فلسطين على مرّ الأوقات، وفى سورها موضع يعرف بمحراب داؤود النّبيّ عليه السلم وهو بنية مرتفعة ارتفاعها نحو خمسين ذراعا من حجارة وعرضها نحو ثلثين ذراعا بالحزر وبأعلاه بناء كالحجرة وهو المحراب الذي ذكره الله تعالى بقوله وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوّروا المحراب، وإذا وصلت الى بيت المقدس من الرملة فهو أوّل ما يلقاك وتراه من بيت المقدس وبمسجدها لعامّة الأنبياء آثار ومحاريب معروفة، ولبيت المقدس بناحيه الجنوب منه على ستّة أميال قرية تعرف ببيت لحم وبها مولد عيسى عليه السلم ويقال أنّ فى بيعة منها بعض النخلة التى أكلت منها مريم وهى مرفوعة عندهم يصونونها، ومن بيت لحم على سمته أيضا فى الجنوب مدينة صغيرة كالقرية تعرف بمسجد إبراهيم عليه السلم وبمسجدها المجتمع فيه للجمعة قبر إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلم صفّا وكلّ قبر من قبورهم تجاهه قبر امرأة صاحبه وهذه المدينة والناحية فى وهدة بين جبال كثيفة الأشجار، وأشجار هذه الجبال وأكثر جبال فلسطين زيتون وتين وجمّيز الى سائر الفواكه والفواكه أقلّها ويرى أهل مصر أنّها مضافة اليهم ، ونابلس مدينة السامريّة ويزعم أهل بيت المقدس أن ليس بمكان من الأرض سامرىّ إلّا منها أصله وبالرملة منهم نحو خمس مائة مجزىّ ، وآخر مدن فلسطين ممّا يلى جفار مصر مدينة يقال لها غزّة وبها قبر أبى نضلة هاشم بن عبد مناف سيّد قريش أجمع وبها مولد محمّد بن إدريس الشافعىّ أبى عبد الله الفقيه النبيل رحمه الله [وقبره بالفسطاط] ومنها أيسر عمر بن الخطّاب فى الجاهليّة لأنّها كانت مستطرقا لأهل الحجاز وكان عمر بها مبرطسا، وبفلسطين نحو عشرين منبرا على صغر موقعها ولا أحيط بأجمعها وهى من أخصب البلاد واليها أشار الله تعالى اسمه بقوله فى البركة سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله.
والذي أدركت عليه عقود فلسطين والأردنّ أيّام أبى المسك كافور رحمه الله والمتّلى لها من قبله فى سنى سبع وثمان وتسع وثلثين الى سنى ثمان وتسع وأربعين حينا محلولة وحينا معقودة أبو منصور أحمد بن العبّاس بن أحمد وأبو عبد الله بن مقاتل وأبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق وقد عقدت على خزرون حينا بخمس مائة ألف دينار، وكذلك جند دمشق فعقدت على خزرون وعلى أبى الحسن علىّ بن محمّد بن جانى وعلى ابن مالك فكانت تكون فى يد كلّ واحد منهم سنين بخمس مائة ألف دينار، وكان كافور له فى تغطرسه منزلة لا يزيد عليها وهو أن إذا عقد على بعض عمّاله أو ألجأ عليه شيئا من أعماله طالبه قبل وجوب المال عليه بشىء منه على طريق القرض منه وكانوا بحسن نظره لهم أغنياء أملياء ويحتسب بذلك لهم ممّا تحت أيديهم ويجب عليهم، ولم يعقد بمصر فى وقته على أحد من أوليائه عقد تدبير إلّا وربح فيه مثله من حيث يعلمه ويتقرّره ويقول إذا لم يختصّ الأولياء بالنعم صارت الى الأعداء عند الأخذ بالكظم فهم صنائعى وأولادى، والجبال والشراة فناحيتان متميّزتان أمّا الشراة فمدينتها اذرح والجبال مدينتها رواث وهما بلدان فى غاية الخصب والسعة وعامّة سكّانهما العرب متغلّبون عليها، وأمّا الأردنّ فمدينتها الكبرى طبريّة وهى على بحيرة غذبة الماء طولها اثنا عشر فرسخا فى عرض فرسخين أو ثلثة وبها عيون جارية حارّة ومستنبطها على نحو فرسخين من المدينة فإذا انتهى الماء الى المدينة على ما دخله من الفتور بطول السير إذا طرحت فيه الجلود تمعّطت لشدّة حرّه ولا يمكن استعماله إلّا بمزاج ويعمّ هذا الماء حمّاماتهم وحياضهم، والغور مع أوّل هذه البحيرة ثمّ يمتدّ على بيسان حتّى ينتهى الى زغر ويرد البحيرة الميّتة والغور ما بين جبلين غائر فى الأرض جدّا وبه فاكهة وأب ونخيل وعيون وأنهار ولا يسقط به الثلوج وبعض الغور من حدّ الأردنّ الى أن يجاوز بيسان فإذا جاوزه كان من حدّ فلسطين وهذا البطن إذا امتدّ فيه السائر أدّاه الى ايلة، وكأنّ الغور من بين البلاد لحسنه وتبدّد نخيله وطيبه ناحية من نواحى العراق الحسنة الجليلة، ومدينة صور من أحصن الحصون التى على شطّ البحر عامرة خصبة ويقال إنّه أقدم بلد بالساحل وإنّ عامّة حكماء اليونانيّة منها، وبالأردنّ كان مسكن يعقوب النّبيّ عليه السلم وجبّ يوسف على اثنى عشر ميلا من طبريّة ممّا يلى دمشق وجميع مياه طبريّة فمن بحيرتها.
المرجع/ كتاب صورة الأرض، لابن حوقل، ج1، ص170 - ص174، طبعة 1938م دار صادر بيروت