فاقد الشيء لا يعطيه

 

في اللغة/ فقد الشيء: أي غير موجود، أو ضائع، أو غائب،(فقد)الشَّيْء فقدا وفقدانا ضَاعَ مِنْهُ(تفقد) الشَّيْء تطلبه عِنْد غيبته، (أفقده) الشَّيْء جعله يفقده، (افْتقدَ) الشَّيْء فَقده وَطَلَبه، ولذلك يقال: " الفقيد" بمعنى المتوفي أو الميت، (الفقيد) الْمَفْقُود وَيُقَال مَاتَ فلَان غير فقيد غير مكترث لفقده.

وفاقد الشيء لا يعطيه، مثل عربي شهير، ذهب بعض الناس مؤخرا، إلى الاعتقاد بأن هذا المثل أو الحكمة، ليست صحيحة في كل الأحوال..؟!

والحقيقة أن هذا المثل هو حكمة عربية واقعية وسليمة تماماً، فقد قالت العرب: " العيب من أهل العيب ليس عيباً" ومعناه أن الذين يمارسون العيب بطبعهم وسلوكهم لا يجب علينا أن نستغرب عليهم الأمر، فهم فاقدون للشرف فهل سنجد فيهم شرف!، وهل من يفقد الأمانة سنجد فيه أمناً، أو هل يلتمس الإنسان من شخص خائن أن يصون الأمانة!، كيف وهو طبعه مجبول على الخيانة، فهو فاقد للأمانة فكيف يعطيها، ومثل ذلك يندرج على بقية الأمثال الاجتماعية الأخرى، فكل من يفقد شيئاً لن يعطيه طالما أن هذا الشيء مفقود منه، وأما إذا تاب وأصلح نفسه فهنا سيكون شخصاً آخر بالفعل، فقد قال تعالى: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ} سورة السجدة:18، وقال سبحانه وتعالى:

{أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [سورة الملك:22].

ففاقد الشيء لن يعطيه أبداً، وأما إن وجده فأعطاه، فهو ليس بفاقد الشيء بل يملكه، فالفقير الذي لا يملك مالاً لا يستطيع التصدق، فإن تصدق فهو إذا ملك مالاً فتصدق به، وأما الخائن الذي تعود أن يخون الأمانة فلن تجد فيه أمناً طالما هو فاقد لهذه الأخلاق، وأما إن تاب وعاد لرشده وندم وأصبح يمتلك القيم ويتمتع بالأخلاق فهو إذا شخص مختلف عما كان في السابق، وكذا هو الكافر الذي أسلم وتاب وآمن، وتعلم آخلاق المؤمن فهو إذا شخص آخر..

فإذا قلنا: " أنّ في الحياة كثير من الذين فقدوا أشياء ثمينة، إلا أنّ فقدهم لها جعلهم أكثر عطاء" فهذه جملة لا تعبر اطلاقاً عن مفهوم المثل الذي نتحدث عنه، وهو فهم خاطئ لمعنى المثل طبعاً، فالمثل واضح فهو " يقول فاقد الشيء أي لا يملكه أصلاً فكيف يعطيه؟!

وهنا فإن فاقد الشيء (الآن) لا يعطيه، هي حتمية عقلية بالفعل، لأن فاقد الشيء لا يكون قادراً على إعطاء ذلك الشيء الذي لا يملكه، ولا يملك سبباً لإعطائه، وهذا بحكم البديهة العقلية، وأن فاقد القدرة على إيجاد الشيء لا يمكن أن يوجِد ذلك الشيء.

وهناك الكثير من الأمثال الشعبية التي تعبر عن هذا الأمر من عدة وجوه مثل:

- بيض الحمام ما يجيب صقور.. وهل يفقص بيض الحمام صقوراً..

- يا شايف الزول يا خايب الرجا.. بعض الناس تشوفه وتطنب عليه لكنه يطلع خايب الظن.

- العتب على الذيب مش الواوي.. يعني العتب لمن يعي العتب وليس لمن يفتقد لمعانيه.

- العيب من أهل العيب مش عيب.. يعني الذين في طباعهم فعل العيب لا نستغرب عليهم فعله، فهم يفقدون الأخلاق.

- وقال الشاعر: " لقد أسمعت لو ناديت حياً،، ولكن لا حياة لمن تنادي" فكيف ننادي من يفقد الروح كالأموات وهم مفقودين، كفاقد الشيء تماما الذي لن يعطيه..

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم