روايات بني عامر (2)

  

روايات بني عامر (2)
مَوْسُوعَةُ الْهُلًاْلِيُّ - من روايات بني عامر (حرب المزاريع والغوانمة) متى وقعت هذه الحرب! وما هي الروايات التي تدور حولها.. وما هي الحقائق التاريخية والعلمية لتلك الروايات، أي ما يوافق المنطق العقلي والمنهج التاريخي العلمي لمثل هكذا روايات، وما هي أهمية هذه الرواية في موضوع الأنساب.. التي تخص قبيلة بني عامر بشكل عام من جهة وبشكل خاص من جهة أخرى.. كل هذه التساؤلات سنقوم بتقصيها والإجابة عنها وفق المنهج التاريخي والمنطق العقلي..

أولاً الإختلاف في الروايات وكيفية استنتاج الترابط التاريخي فيها :

1) قال بعض الرواة أن أسباب هذه الحرب كانت بسبب طمع وجشع غانم حينما تم تقسيم الورثة بعد موت أبيه حيث مال غانم على حصة أخيه الصغير "سمور" فاستنجد سمور بأخيهم الثالث مزورع .. الملاحظة: هذه ربما تصلح لتكن رواية حول مشاجرة أواختلاف بين إخوة أحياء اختلفوا حول تقسيم الورثة.. وربما تكون هذه الرواية السبب الذي أدى لتفرق الإخوة وتنامي الكراهية بينهم، إلى أن تكارثت ذريتهم بعد عشرات السنين فنشبت بين أحفادهم حرباً مثلاً.. إلا أن مصطلح الحرب يجب أن يكون مناسباً لضخامة الحدث نفسه وعدد المتحاربين..

2) رواية أخرى تنص على أن حربا وقعت بين فرع بني غانم وفرع بني مزروع والفرع الثالث بني سمور، بحيث انضم بني سمور وهو على حسب قولهم انه فرع صغير العدد انضم إلى جانب فرع مزروع ووقعت بينهم حربا أدت في نهاية المطاف إلى هزيمة بني غانم.. ربما تكون هذه الرواية مكملة للرواية الأولى، ولكن كون هذه الحرب من الحروب الداخلية أو بالأصح "الشجارات العائلية" فلن نعثرعلى دليل تاريخي يشير لها اشارة مباشرة، ولكن علينا أن نستعين بكل الروايات التي نسمعها ونحاول أن نخرج بمعلومة أقرب ما تكون للوقائع التاريخية.. وعلى أية حال نحن لسنا بعيدين كثيرا عن الاستدلال التاريخي المنطقي..

3) رواية ثالثة تقول أن الحرب وقعت بين المزاريع الذين نهبوا القافلة وبين الغوانمة الذين لا علاقة لهم بتلك القصة، وهذه الرواية أقرب للصحيح وفيها مفاجئة كانت مختفية، لأن الذين نهبوا القافلة هم جزء من المزاريع وليسوا هم كل المزاريع ولكونهم فئة قليلة وجاءوا فارين ومتخفيين واختفوا بين الغوانمة، حاول الغوانمة لكثرتهم ان يطمعوا فيهم وفي مالهم الذي نهبوه من القافلة، ولكن الغوانمة لم يتوقعوا أن المزاريع بالرغم من قلة عددهم هم أقوياء ومعتادين على الفروسية من ناحية وأن لهم أقارب كثر يمكن أن يمدوهم بالرجال والعتاد، لأن السائد والمشهور بأن المزاريع كلهم أصحاب خيل بينما الغوانمة هم أصحاب إبل، ومن المحتمل أنه وصل مددا للمزاريع من جماعتهم ومعهم بني سمور كان مفاجئاً للغوانمة مما أدى لهزيمتهم في هذه الحرب أو المعركة.. وصار يوم الهزيمة للغوانمة يوم شؤم استمر فترة طويلة من الزمن.. وطالما أن الروايات الثلاثة تدور عن وقوع حرب بين المزاريع وبين الغوانمة فمن المعروف أن الحرب ليست نزهة ومن الطبيعي أن يكون فيها خسائر وأن يكون فيها تنافر وتشتت وبغضاء..والخ..

ثانياً تحليل الروايات والذهاب إلى المراجع التاريخية:

وأما من الناحية التاريخية فيمكن اعتبار هذا الحدث من الثقافات الخاصة للعائلات إن كان في نطاق مجتمعي ضيق ومحدود، وبذلك قد لا نجد له دعائم تاريخية، وإن كان هو بالفعل حدث تاريخي اشتهر في بيئته الجغرافية العامة باسم وعرف في بيئته الاجتماعية الخاصة باسم آخر فهذا جائز ايضاً، فمثلا قد يشتهر باسم حرب أهلية في منطقة كذا وكذا وذكر السنة وهذا هو اسلوب التأريخ للوقائع الذي يتبعه المؤرخين، ومن هنا فنحن بحاجة للاستناد على دعائم ومعطيات للوصول إلى قناعة راسخة حول حيثيات هذه الحرب بالضبط وموقعها وتاريخها الزمني.. ومن المعطيات المؤكدة أن قبيلة بني عامر هذه ترجع إلى منطقتين وهما 1- الفيوم 2- البحيرة وبرقة 3- يرجع سكان الفيوم والبحيرة وبرقة إلى عرب بني عامر وخاصة بني كلاب وبني هلال اضافة إلى اخوانهم من بني سليم وينقسم السكان في هذه المناطق إلى فئتين الأولى تعمل في الزراعة وتجارة الملح وهولاء مركزهم الفيوم وجزء ثاني منهم في وادي النطرون والثالث في سيناء، والفئة الثانية بدو رحل يتنقلون ما بين البحيرة وبرقة. 4- لوحظ تواجد المزاريع في الجهة الغربية وتحديدا ما بين البحيرة وبرقة ولذلك لهم اسم آخر وهو "المغاربة" 5- العثور على وقائع حربية لهذه الفئة وهجمات متكررة من قبل عرب المغاربة على عرب الفيوم، وفي كل مرة يقومون فيها بنهب القوافل من جهة ونهب عرب الفيوم من جهة ثانية ولا يعرف بالتحديد أسباب هذه الهجمات والحروب لأنها غير موجودة في الكتب التي قمنا بالبحث فيها حتى الآن.. ومن بين الحروب هذه هناك حرب أهلية أخرى وقعت قبل ذلك في منطقة الفيوم وجاء ذكرها في المراجع التاريخية.. ومنها ما يلي:-

الحرب الأهلية بين العوامر في الفيوم قبل 650 سنة من الآن 

1) يقول المؤرخ المقريزي الذي عاش في الفترة ((764 هـ ـ 845 هـ)): 

حدثت حرب أهلية عظيمة بين أهالي الفيوم (بطون قبيلة بني عامر) في سنة 745هـ/ 1344م ،، واستمرت نحو 60 يوماً قتل فيها خلقا كثيرا من الناس، وذبح فيها الأطفال على صدور أمهاتهم، وقطعت فيها الطرقات، وخربت فيها الأراضي وقطعت فيها المياه، ومنع فيها الخروج، وخربت بلاد الفيوم.. [السلوك في معرفة دول الملوك، المقريزي، ج3، ص417]

نلاحظ أن سنة وقوع هذه الحرب كان قبل مولد المقريزي بـ 19 سنة فقط ولكني لا أعرف أصل هذا الخبر هل هو رواية من الناس ودونها المقريزي فيما بعد كونها قريبة عهد من حياته، أم أنه نقلها من سجلات خاصة بالوقائع، وفي جميع الحالات إن خبر هذه الحرب بالتأكيد هو خاص بقبيلة وعرب بني عامر الذين يسكنون الفيوم في ذلك العهد..

 ويأتي هذا الخبر بعد مرور 100 عام على ما ذكره ابو عثمان الصفدي أمير الفيوم عندما قال إن أهالي الفيوم جميعهم سنة 650هـ هم من قبيلة بني عامر بن صعصعة وعدد قبائلهم في كتابه ص13- 14.

في نفس هذه الفترة المذكورة لفتنة الفيوم حدثت فتنة مشابهة لها تماما بين عشائر عربان الشام وخصوصا فلسطين ولبنان.. فربما تشير هذه الأخبار على أن هذه الاقاليم تسكنها نفس العشائر عموما، ففي الوقت الذي كانت فيه عشائر بني كلاب بالفيوم كانوا ايضا في فلسطين ولبنان وحلب ..

2) في ربيع الآخر سنة 784هـ/ 1382م جهزت السلطنة تجريدة إلى الفيوم لصد عرب البحيرة عن الدخول إلى الصعيد، ولكن عرب البحيرة توجهوا إلى برقة [إنباء الغمر بأبناء العمر، بن حجر العسقلاني، طبعة 1969م، ج1، ص285]

3) ويذكر المؤرخ زين الدين بن شاهين الحنفي المتوفي سنة (920هـ) حرباً أهلية بين عرب الفيوم وقعت سنة 893هـ /1487م أي قبل 534 سنة من هذا التاريخ، وقتل عدد من الفريقين المتناحرين وقتل فيها شيخ اسمه الشيخ عبد الحميد [ نيل الأمل في ذيل الدول، زين الدين الحنفي، طبعة 1 لسنة 2002م، ج8، ص119]

4) ذكر ابن خلدون أن عرب مصر من بني هلال بن عامر وبني كلاب بن عامر في مصر وبرقة كانت تحدث بينهم حروب وفتن كثيرة [ ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ والخبر، ص1556]..

حتى أنه قبل 200 عاماً من هذا التاريخ، وفي سنة 1227هـ/ 1812م حدث أن أغارت قبيلة أولاد علي " على ناحية الفيوم بجمع عظيم ونهبوا المزروعات..[تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار، الجبرتي، ج3، ص359] وقبيلة أولاد علي هم من العرب القيسية جلهم من بني سليم وبني هلال بن عامر وبني كلاب ويطلق عليهم عامة قبائل المغاربة، ويعرفون كذلك بقبائل السعادي، وهم الذين يقصدهم ابن خلدون ما بين البحيرة والاسكندرية وبرقة..

غزوة عرب اللبابدة  للبحيرة

ذكر بن حجر العسقلاني المتوفي سنة 852هـ/1448م  أنه من حوادث سنة 818هـ/1415م : وفيها أوقع آل لبيد من عربان الغرب الأدنى من نحو برقة بأهل البحيرة بحري مصر، فكسروهم ونهبوا منهم زيادة على ثلاثة آلاف بعير وأضعافها من الأغنام، وانهزم أهل البحيرة إلى الفيوم، ورجع أولئك وأيديهم ملأى من الغنائم..[العسقلاني، إنباء الغمر، ج3، ص75]

ملاحظة تحليلية :

من الناحية التاريخية وجدنا مثل هذه الحوادث والتي تنتشر في مجتمعات البدو الرحل موجودة في اماكن العشائر والقبائل الصحراوية وغالبا من تكون وتيرتها كبيرة في المجتمعات التي ترتبط بأنساب متقابلة أي التي تنحدر من قبيلة واحدة وهذه المنطقة تشتهر بقبيلة قيس وخاصة في البر الشرقي والبر الغربي لنهر النيل واقليم برقة.. وهي مركز بني سليم وبني هلال وبني عامر بن صعصعة وبني فزارة.. المتفرع منهم الان قبائل كثيرة.. ونلاحظ العلاقة بين عرب البحيرة وبين عرب الفيوم: هم من ناحية النسب يعودون إلى قبيلة واحدة أو بالأدق إلى جذور واحدة وهي جذور قيسية، ومن ناحية ثانية نلاحظ أن عرب البحيرة يمتازون بتربية الإبل والرعي وحراسة القوافل، وأن عرب الفيوم يمتازون بالزراعة بشكل أكثر، كما أننا وجدنا المزاريع أكثر ما يميلون نحو البحيرة وبرقة بينما الغوانمة أكثر ما يميلون إلى الفيوم ومؤخرا كان للمزاريع وجود أكثر في ليبيا بينما الغوانم وجودهم في مصر أكثر.. وما يؤكد ذلك هو العادات الخاصة حيث أن العادات تكتسب من خلال الموقع الجغرافي والمجتمعي من ناحية وتتأثر بطبيعة النشاط الاقتصادي للسكان من ناحية ثانية ولذلك نلاحظ فروق بين طباع ما يطلق عليهم فرع المزاريع وما يطلق عليهم فرع الغوانمة حيث أنهم مشتركون في كثير جدا من الطباع والعوائد إلا أن هناك خصوصيات لكل منهم وهذه هي التي انتبهنا لها.

ثالثاً من خلال قراءة مجمل روايات بني عامر وتتبع مواقعهم استنتجنا ما يلي:

إن رواياتهم الموروثة القديمة هي روايات جدا قديمة، لا يحفظون منها إلا الجزء اليسير، وكلها تدور حول تاريخ قديم يقع كله في مصر وليبيا، ووجد في عاداتهم وتقاليدهم ومواقعهم أنهم ينحدرون من عدة بطون (أنساب) ترجع إلى قبائل بني كلاب وبني هلال، اضافة إلى علاقات قوية مع عائلات ترجع لبني فزارة وبني سليم وبني تغلب، أي أنهم لا يخرجون من دائرة القبائل القيسية، ومن الملاحظ أيضاً أن غالبية المزاريع وخاصة القدماء منهم وجزء من الغوانمة القدماء كانوا يسكنون في منطقة جغرافية واحدة، بينما الأجزاء الأخرى كانت في مناطق جغرافية متباعدة فعلى سبيل المثال منهم من كان قرب سواحل البحر حول أسدود ويافا وطولكرم وغزة ومنهم من كان في جبل الخليل، وآخرين كانوا في صحراء سيناء وجزء كان في العريش، وهذا التوزيع له تأثيره في اختلاف العادات والتقاليد بينهم..

أمثلة لبعض الأحداث والوقائع  للاطلاع :

في سنة 819هـ نزل عرب لبيد- العامريين-  إلى البحيرة فعاثوا بها نهبا وسلباً، وفي هذا العام كثر الموتى نتيجة تفشي مرض الطاعون بدمياط والاسكندرية وتلك النواحي وفي القاهرة ايضا.

وفي هذه السنة هاجم الاستادار عربان الوجه البحري، وفعل بهم الأفاعيل الغريبة، ونهب أموالهم واستولى على الكثير من خيولهم وجمالهم، مما أدى إلى  استنفار العربان في الوجه البحري والقبلي، فخرج الاستادار لقتالهم.. وكان من كبار الظالمين والطغاة، واستولى على 6000 رأس من البقر، 8000 رأس من الغنم، و1000 جمل، و1000 قنطار من القند، والكثير من الرقيق، ومن الذهب الشيء الوفير، وعم الناس الضرر والأذى.

وفي السنة التالية 820هـ هاجم الاستادار عرب بني عمر وهوارة، واستولى على الكثير من الغنم والبقر والجاموس والإبل والدقيق والعسل والأموال والذهب الذي تزيد قميتها عن 100 ألف ديناراً..

مما أدى إلى وقوع معارك بين هوارة وسودون القاضي، وكسرت هوارة في هذه المعارك وقتل منهم جماعة، وأحضر نحو 20 رأساً مقطوعة، وأرسل السلطان تجريدة لاستتباب الأمن ومساعدة سودون القاضي.. لقد كان المماليك يقطعون رؤوس زعماء العرب ويعلقونها على باب زويلة أياماً !!

وانهزمت هوارة وفرار جماعة منهم إلى ناحية الولايات، وقتل الكثير منهم، وأسر 50 شخصاً منهم..

وفي هذه السنة أيضاً حدثت حرب بين هوارة القبلية وهوارة البحرية وقتل من كلا الجانبين زيادة على 3000 نفراً، وداهمهم العسكر واستولوا على مال كثير ما بين إبل وغنم وبقر وجاموس وغير ذلك..

وفيها انتشر وباء الطاعون بنواحي الشرقية والغربية، ثم بدأ بالقاهرة ومصر، وصار الموت فاشياً في الناس وذلك في ربيع الأول سنة 822هـ

وفي هذه السنة توفي اثنان من شيوخ عربان البحيرة، وهما  أحمد بن بدر بن سلام والشيخ خضر بن موسى..وفي سنة 825هـ اشتد أمر عتو العربان بالصعيد وكثرة تسلطهم بالنهب والسلب في تلك الجهات، وكثر الفتن وعظم الخطب ببلاد الصعيد وقتل والي قوص..

وفي سنة 829هـ عم الفقر بلاد الوجه القبلي، وصار الناس يبتاعون بواسطة المقايضة بالغلال..وقل وجود القمح وتزاحم الناس على الأفران لطلب الخبز، ووهلكت الأبقار والجواميس وقلت الأجبان والألبان بالقاهرة..وبدأت السلطنة بتوزيع الخبز على الفقراء في كل يوم..[هذه المعلومات من كتاب نيل الأمل في ذيل الدول عدد أجزاء]

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم